تقلبات الطقس السياسي الدولي تنعكس بوضوح على العلاقات بين روسيا من جهة والغرب والولاياتالمتحدة من جهة أخرى. فبعد الحملة الدعائية الأخيرة على الروس، بل وفي توقيت متزامن معها، جاءت زيارة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي جورج روبرتسون إلى موسكو لتبعث الدفء في العلاقات، آخذة في الاعتبار المجهود الدعائي الروسي المضاد. فروسيا لم تسكت على التهجمات الأميركية وهي تكيل الصاع صاعين على الصعيد الإعلامي وتعلن أنها ستزيد تعاونها العسكري مع الصين وان التفوق العسكري الأميركي الذي تدلل عليه واشنطن بقصف العراق ليس أمراً جبرياً ومصيرياً، وان مخطط شبكة الدفاعات الصاروخية النووية الأميركية ليس قدراً عاجلاً تستحيل مواجهته باجراءات مماثلة. ويقول الخبير الاستراتيجي سيرغي روغوف إن هذا المخطط بات بمثابة رصيد ايديولوجي للولايات المتحدة، وهو حالياً يدور في مجال مغناطيسي نفساني ولن يخرج عن إطار الحرب النفسانية في القريب العاجل. فحتى العنصر الأبسط من المخطط، وهو شبكة الدفاعات البرية، لن يقوم قبل 2006-2007، ولن تنصب الدفاعات الجوية قبل سنة 2010، أما قاعدة الدفاعات الكونية فالمتوقع أن تبنى بعد 15-20 عاماً، وكان تقرر تجريب الليزر الكوني في الولاياتالمتحدة السنة 2012 وليس قبله. وفي سياق زيارة روبرتسون سلمه وزير الدفاع الروسي الماريشال ايغور سيرغييف اقتراحات حول شبكة الدفاعات الصاروخية الأوروبية غير النووية. وهي اقتراحات يعتبرونها عملية أكثر، وقابلة للتطبيق السريع وتفترض العمل على ثلاث مراحل: الأولى تحليل مدى واقعية الخطر الذي يقال إن أوروبا تتعرض له من جانب ما يسمى بالدول المنبوذة التي تمتلك السلاح النووي أو يمكن أن تمتلكه: الصين، كوريا الشمالية، الهند، باكستان، إيران، العراق، ليبيا في المخطط الأميركي تضاف روسيا إلى تلك الدول. والمرحلة الثانية رسم السبل لإزالة هذا الخطر بالطرق السياسية والسلمية. وفي المرحلة الثالثة فقط يصار إلى انشاء عناصر شبكة الدفاع المضاد للصواريخ، فيما لو أخفقت جهود المرحلة الثانية، على أن تكون الشبكة نقالة لحماية أهم المواقع وترابط في اتجاهات الخطر المحتمل. والمقصود ليس إقامة خط دفاعي متواصل كما في المشروع الأميركي، بل انشاء نقاط متباعدة تستخدم فيها راجمات "ت - 300" و"س - 400" الروسية الصنع. وأثناء افتتاح المكتب الإعلامي لحلف الأطلسي في موسكو، أكد روبرتسون أنه سيبحث "الخطة الروسية" المقترحة بجد، وقال ليس لمخاوف موسكو من توسع الأطلسي مبرر، بل على العكس، فإن أبواب الحلف مفتوحة أمام روسيا. وعلق سيرغي ايفانوف، أمين مجلس الأمن القومي الروسي، على ذلك بأن انضمام روسيا إلى الأطلسي أمر قابل للمناقشة نظرياً، لكن في المستقبل البعيد، في ما لو بقي الحلف قائماً. وتردد أن الخارجية الروسية لم تحبذ فكرة افتتاح مكتب للأطلسي في موسكو وان روسيا لن تفتح مكتباً مماثلاً في أي من دول الحلف ال19. وذكر أيضاً أن روبرتسون بحث مع سيرغييف مسألة تأسيس ممثلية عسكرية للاتصال في العاصمة الروسية. وكان المشروع طرح سابقاً إلا أن أحداث البلقان حالت دون تنفيذه. وفي لقائه مع روبرتسون أكد الرئيس فلاديمير بوتين ان توسيع الأطلسي وخطة الدفاعات النووية الأميركية هما أكثر ما يشغل باله ويقلقه، إلا أنه أضاف "ان روسيا ترحب بتأكيد ان حلف الأطلسي لم يعد يعتبرها خصماً له". ويرى المحللون ان روسيا غيرت، على ما يبدو، موقفها تجاه التعامل مع الأخطار المحتملة من جانب الأقطار التي يصفها الغرب بالدول المنبوذة، فهي كانت تحبذ الوسائل الديبلوماسية والسياسية فقط. أما الخطة المقترحة لاستخدام الدفاعات الصاروخية غير النووية في أوروبا، فهي أمر قد ينظر إليه الأميركيون بعين الرضا. وكان وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف بحث المسألة مع نظيره الأميركي كولن باول في أول لقاء لهما في القاهرة. واللافت أن واشنطن أعطت إشارة مصالحة في الأيام الأخيرة فخففت كوندوليزا رايس، مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي، لهجتها القاسية تجاه روسيا، وأعرب الرئيس جورج بوش عن ارتياحه لاعتراف الجانب الروسي بالخطر المحتمل من قبل "الدول المنبوذة" على حد فهمه للموقف الروسي. ومن جهة أخرى تغيرت لهجة الجنرال ليونيد ايفاشوف مسؤول التعاون العسكري في وزارة الدفاع الروسية تجاه الأميركيين بعدما كانت تميزت بشيء من الحدة في أعقاب قصف العراق. كل ذلك جعل بعضهم في موسكو يستبشر بإمكان رأب الصدع في العلاقات الأميركية - الروسية.