مواجهات محتدمة في أم درمان.. و«حرب شوارع» في الفاشر    رئيس وزراء باكستان يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بمناسبة اليوم الوطني ال 94 للمملكة    رئيس جمعية ساعد يهنئ القيادة الرشيدة والشعب السعودي بذكرى اليوم الوطني "94"    د. التميمي: القطاع الصحي في المملكة يشهد تحولًا نوعيًا بفضل دعم القيادة الرشيدة    ارتفاع أسعار النفط إلى 75.09 دولارًا للبرميل    المملكة تستعد لإطلاق ملتقى الصحة العالمي.. بمشاركة 70 دولة و500 خبير    آل هيازع في اليوم الوطني 94 : الريادة العلمية قاطرة الاقتصاد المعرفي    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    لمسة وفاء.. اللواء ناصر بن صالح الدويسي    بخطى متسارعة.. «غير النفطي السعودي» يتجاوز 4.4%    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري التنسيقي بين دول مجلس التعاون    فيصل بن فرحان يلتقي رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    بعثة المراقبة الدائمة لروسيا لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفل باليوم الوطني السعودي    دعم خليجي للقضية الفلسطينية    رحلة صندوق التنمية السياحي في تمكين مستقبل الاستثمارات في قطاع السياحة    ضربات إسرائيلية تستهدف حزب الله مع تبادل القصف    نحلم ونحقق.. 990 أمان لكم    الوحدة يتأهل لدور ال16 في كأس الملك بعد تغلّبه على الفيصلي بركلات الترجيح    شارك في الحدث رفيع المستوى بقمة المستقبل.. الربيعة: 4 تحديات تواجه العمل الإنساني    التميمي: توظيف تقنيات الفضاء لمعالجة التغير المناخي    استدامة.. تطور وقفزات    اليوم الوطني ملحمة التاريخ    «المونديال» في قلب السعودية    في كأس الملك.. النصر لا يخشى الحزم    للمرة الأولى في المملكة .. "الدمام" تستضيف أول بطولة دولية في كرة الطاولة    اليوم الوطني ال 94 تجسيد للفخر والانتماء الوطني    خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان تهاني القادة بمناسبة اليوم الوطني    أمير تبوك: اليوم الوطني مناسبة لاستحضار مسيرة البناء    بدر الفيصل: ذكرى ملحمة التوحيد    «فلكية جدة»: دخول «الاعتدال الخريفي 2024».. فلكياً    فيصل بن بندر يرعى احتفاء «تعليم الرياض» باليوم الوطني ال94    مناهج عصرية في التعليم.. الهدف بناء الإنسان    الشعر والعرضة والأهازيج الشعبية تزين احتفالات «مكس اف ام» بيوم الوطن    موهوبو المملكة يهدون الوطن 107 جوائز عالمية.. و582 ألفاً يتنافسون داخلياً    العرضة.. فنٌّ تراثيٌّ فريدٌ    بخطى متسارعة.. «غير النفطي السعودي» يتجاوز %4.4    المملكة واليمن شراكة ومواقف ثابتة    الأول من الميزان    بقيادة الملك سلمان وسمو ولي العهد.. السعودية.. أيقونة الازدهار والابتكار    اليوم الوطني السعودي94..أمجاد تتجدد    نحلم ونحقق.. اليوم الوطني السعودي 94    شمس الوطن لا تغيب    أروح لمين ينصفني منك؟    يمثل أحد أهم مظاهر التحول التنموي والحضاري الكبير.. الحراك الثقافي في المملكة.. تحولات جذرية وانطلاقة عالمية    مسجلة في قائمة التراث العالمي في اليونسكو.. عجائب تراثية سعودية تبهر العالم    كأس الملك ..العربي يتجاوز الأخدود بثنائية ويتأهل لدور ال16    الثامنة بتوقيت الهلال    تأملات في الزمن والمسافة    الربيعة يتحدث عن التحديات والأزمات غير المسبوقة التي تعترض العمل الإنساني    اليوم.. أول أيام فصل الخريف فلكيا    أمطار غزيرة وسيول متوقعة جنوب وغرب المملكة    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المذيع العربي الاشهر يروي ذكرياته ل "الوسط" 1 أحمد سعيد : الاستخبارات انشأت "صوت العرب" ودعوتي إلى التظاهر أسقطت حلف بغداد
نشر في الحياة يوم 12 - 03 - 2001

ما اكثر التصاق هذا الاسم بأحداث عربية، وما أوثق ارتباطه بمعارك من الخليج إلى المحيط من مطلع تشرين الأول أكتوبر 1951 حتى نهاية 1967. ثم ليبقى بصدى نداءاته الثورية من أبرز علامات الحقبة الناصرية بكل زخمها القومي على امتداد الوطن وأيضاً بكل قتامة الهزيمة السوداء التي لحقت بها في الخامس من حزيران يونيو 1967.
إنه أحد ثلاثة رجال من مصر حرص طابعو كراريس الطلاب في البلاد العربية على تزيين اغلفتها بصورهم: جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وأحمد سعيد.
وهو العربي الوحيد الذي أطلق العرب في الخمسينات اسمه على أجهزة "الراديو". وحرص المعتدون على مصر سنة 1956 على تدمير محطات ارسال إذاعة "صوت العرب" لتحول بين نداءاته الثورية والعواصم العربية.
كذلك يجد الدارسون للحياة البرلمانية في أميركا وبريطانيا وفرنسا خلال الفترة من 1953 الى 1967، ان اسمه احتل عشرات المواقع في مضابط نواب الدول العربية الثلاث، كما أفرد له نواب مجلس العموم البريطاني جلسة صاخبة لمهاجمته ومنع زيارته لندن سنة 1965 ضمن وفد برلماني مصري.
كان خلافه مع عبدالناصر حول أسباب هزيمة معركة 1967 وأسلوب العمل المصري أولاً والعربي ثانياً محل مناقشة إذاعات الغرب وصحافته. أما صحافة العرب فقد ابرزت خبر تنحيته أو تنحيه عن إذاعة صوت العرب بعرض صفحاتها الأول مع رسوم كاريكاتورية احياناً. أحمد سعيد 75سنة يميزه شيئان:
- إيمانه بالتوحد العربي وإصراره على الأمل بقيامه يوماً بحكم توافر أركانه.
- ذاكرة واعية.
دخل احمد سعيد الإذاعة قبل الثورة وغادرها بعد النكسة، وما بين الثورة والنكسة تاريخ طويل وراء الميكروفون.
لا تستطيع الدخول إلى عالم "صوت العرب" إلا من خلال أحمد سعيد، ومفتاح ذاكرته هو "صوت العرب". كلاهما كيان واحد، فقصة أحمد سعيد هي قصة صوت العرب الى أن عبدالناصر قال له ذات مرة "يا أحمد ستعيش وتموت في صوت العرب".
عاش سعيد في "صوت العرب" أيام ثورة المغرب وعاش هجومها على حلف بغداد ونوري السعيد، عاش معها أحداث ثورة الجزائر بل كان أول من سعى إليه الثائر أحمد بن بله وقدمه إلى رجل المخابرات فتحي الديب ليصنعا مع أحرار الجزائر ثورة الاستقلال بعد 170 عاماً من الاحتلال الفرنسي. ولا ينسى سعيد يوم ضربت الطائرات البريطانية محطة إرسال الإذاعة في أبي زعبل واضطر لاستخدام إذاعة المخابرات المصرية في شارع صغير متفرع من قصر العيني.
طريف ان تسمع من أحمد سعيد أن برنامجا أذيع خطأ كان وراء تأجيل رحيل القوات الإنكليزية خمسة أيام عن مصر، وغريب أن تسمع منه أنه حدد موعد انتفاضة الأردن ضد زيارة الجنرال الإنكليزي تمبلر.
كما تساءل سعيد طويلاً مع نفسه كيف سيمنع دخول المشير عبدالحكيم عامر مبنى الإذاعة بعد ساعات من نكسة 1967 وكان المشير قادماً لإلقاء بيان بعد بيان التنحي الذي ألقاه عبدالناصر بينما لم يكن يحمي الإذاعة وقتها سوى أربعة من رجال الشرطة يحملون بنادق "لي انفليد" التي انتهى استخدامها مع الحرب العالمية.
كيف بدأ تعرفك الى رجال الثورة؟
- ببرنامج إذاعي قدمته يوم الأربعاء 3 تشرين الاول أكتوبر سنة 1951 تحت اسم "تسقط معاهدة 36" 1936 وقبل ان تقرر حكومة الوفد إلغاء المعاهدة بنحو أسبوع فوجئت بأخي حسين وكان ضابطاً بالجيش يحضر ثاني يوم إلى مكتبي ومعه صديقه الضابط محمد أبو الفضل الجيزاوي الذي أثنى على البرنامج الذي وصفه بالثورية.
ويوم قيام الثورة في 23 تموز يوليو 1952 اكتشفت أنه من الضباط الأحرار حيث بلغني أنه قاد وحدة عسكرية اعتقلت قائداً عسكرياً تحرك لإجهاض تحرك الضباط فجر ذلك اليوم، ثم توالى تعرفي بضباط الثورة بدءاً من صلاح سالم في معسكرات الجيش في حزيران يونيو 1951 وجمال عبدالناصر وجمال سالم وحسن إبراهيم في "ميس" الضباط في العريش في كانون الأول ديسمبر 1951 أيضاً، غير أني لم اعرف عنهم خلال هذا اللقاء غير أنهم ضباط ذوو فكر متحرر نوعاً وانهم معجبون ببرنامجي "تسقط معاهدة 36" ورسائلي الإذاعية عن كفاح الفدائيين ضد معسكرات جيش الاحتلال البريطاني في منطقة السويس خريف 1951.
وماذا كانت ظروف لقائك بقيادات الثورة قبل وقوعها بنحو العام؟
- في تشرين الثاني نوفمبر 1951 وبينما كنت انتقل وزميلي المهندس الإذاعي موسى المجددي وهو ابن سفير أفغانستان في مصر أيامها بين مدن القناة وقرى الشرقية المحيطة بمعسكرات الجيش الإنكليزي بهدف تسجيل نشاط الفدائيين المصريين ضدها ضاق البريطانيون من إذاعاتنا الثورية التحريضية فشددوا في البحث عنا وتضييق الخناق علىنا وإغلاق مدن وقرى القناة والشرقية ومحاصرتها بجند كثيف مما هدد بوقوعنا في أيديهم.
فوجدنا ان الأفضل لنا ان نهرب إلى الضفة الشرقية وسيناء، فخرجنا مع مدير تليفونات منطقة بورسعيد والاسماعيلية المرحوم إبراهيم الرداد وكنا نرتدي ملابس عمال الهاتف ونحمل بطاقاتهم. ذهبنا إلى الضفة الشرقية فوجدنا المنطقة مغلقة لحدوث انفجار، فاضطررنا للبقاء في سيناء أياماً بسبب توتر الانكليز وذهبنا إلى العريش بدلاً من البقاء في القنطرة شرق، قرب الخطر. وفي العريش دخلنا ميس الضباط فشاهدت للمرة الأولى جمال عبدالناصر وجمال سالم وحسن إبراهيم وكانوا يلعبون الورق وكان أنور السادات معهم وكنت أعرفه من صوره المنشورة في الصحف أيام محاولة اغتيال أمين عثمان، وجلسنا وتحدثنا وقالوا لنا: شدوا حيلكم. ثم سألونا: هل شاهدتم في منطقة القناة شخصاً اسمه وجيه أباظة أو مصطفى كمال صدقي؟ وكانت الاجابة بالنفي.
وعندما عدنا بعد فتح الإنكليز للطريق بدأنا نسأل عن وجيه اباظة واتضح أنه كان احد المخططين الاساسيين للفدائيين في المنطقة اما مصطفى كمال صدقي فلم نقابله إلا في كانون الثاني يناير سنة 1952 وكان ضابطاً في الحرس الحديدي الخاص بالملك وكان هذا هو بداية اتصالنا بالضباط الأحرار دون ان نعرف هويتهم إلى أن جاء حزيران يونيو 1951 وتعرفت إلى صلاح سالم وتعزّزت صلتي به ولم اكن اعرف ماذا يفعلون ولا كيف يفكرون. الوحيد الذي كنا نشك فيه هو وجيه اباظة لأنه كان يتحرك أمامنا مع الفدائيين بالقنال.
و23 يوليو عندما أُلقي البيان الثوري؟
- الذي القى بيان الثورة في البداية ضابط برتبة نقيب وهو الذي جاء لاحتلال الاذاعة والقى البيان بشكل سيء جداً.
وكيف تم احتلال الاذاعة؟
- هذا الضابط جاء الاذاعة بسيارة عسكرية عادية وليست مصفحة ومعه أربعة جنود واحتلها وصعد بهم إلى فهمي عمر الذي كان مذيعاً للوردية وطلب منه اذاعة البيان. فهمي عمر قال له سوف أستأذن فرد علىه الضابط بأن هناك ثورة وليس هناك وقت لاستئذان أحد لأننا سيطرنا على البلاد ثم القى البيان في السادسة والنصف لكن بطريقة سيئة، القاه مرتين. أما ذهاب السادات للإذاعة فكان له قصة مؤداها أنه كان حاصلاً على دورة في الاشارة وعندما قامت الثورة سأل السادات الضباط هل حاصرتم دار الهاتف؟ هل حاصرتم محطات الارسال فقالوا لا، نحن ارسلنا ضابطاً لاحتلال مبنى الاذاعة في شارع الشريفين ولعلمه بمدى أهمية محطات الاذاعة طلب من قيادات الثورة بعد ان انضم اليهم ضرورة تأمين محطات الاذاعة وكانت في أبي زعبل وقتها فتم تكليفه بتأمين جميع وسائل الاتصال. ووصل الاذاعة حوالي الثامنة تقريباً وكان الضابط الاخر كرر البيان مرتين بصوته لأنه لم يكن مسجلاً لعدم وجود إمكانية التسجيل. فأذاع السادات البيان بنفسه وكنت وقتها في البيت ممنوعا من العمل بأمر ملكي.
متى بدأت علاقتك بعبدالناصر؟
- العلاقة الفعلىة بعبدالناصر بدأت في آذار مارس 1953 وكانت أول مرة اجلس معه كأبرز قادة الثورة وكان ما زال يرتدي الزي العسكري. وكان يسألني عن سبب تأخير بث صوت العرب وكان كرجل عسكري يظن ان كل شيء جاهز ومتوقف على قرار البدء لأنه في هذا الوقت كانت المخابرات العامة حديثة الإنشاء بعد تكليف زكريا محيي الدين بإنشائها فاختار معه بعض الضباط ومنهم فتحي الديب الذي تولى شؤون المنطقة العربية ورأى الديب انه لا بد من وجود أداة تعبر عن وجهة النظر المصرية في هذه المنطقة بجانب الأجهزة السرية لعبدالناصر فقدم مذكرة لعبدالناصر بالأمر واقترح فيها تأسيس "صوت العرب" فوافق عبدالناصر على المذكرة وإن كان قد وضع علامة استفهام بجانب إقتراح فتحى الديب الذي كان يقول "بأنه طالما ان صوت العرب سوف يتحدث عن أنظمة الحكم في الدول العربية فما المانع من أن تتحدث عن نظام الحكم في مصر؟". وسأله عبدالناصر في هذه النقطة تحديداً فقلت له "ما المانع يا سيادة الرئيس" وانتهى الأمر بموافقته على المذكرة.
ومتى انطلقت صوت العرب؟
- في 4 تموز يوليو 1953.
ما المناسبة ؟
- وضعنا دراسة للتشغيل وكان أول ما واجهناه كيفية مخاطبة مجتمعات عربية مختلفة في البيئة والمدارك وظروف الواقع وما هي الصيغة المطلوبة في المخاطبة هل هي إسلامية أم عامة؟، وكيف سنخاطب المنطقة من الخليج إلى المحيط على امتداد ساعات اليوم؟. ثم بدأنا مرحلة تكوين الأرشيف وتجميع المعلومات، هذه الأمور جعلتنا نؤجل موعد بدء بث الإذاعة إلى ان طلبني فتحي الديب في يوم الاثنين 2 تموز يوليو مباشرة وطلب مني وصالح جودت الذهاب إلى مجلس قيادة الثورة لمقابلة زكريا محيي الدين عضو مجلس الثورة المشرف على المخابرات.
دخلنا جميعاً مكتب عبدالناصر ومعنا صالح جودت بصفته مراقب البرامج بما فيها إذاعة صوت العرب. وكنت انا المسؤول عن صوت العرب. وكان اول سؤال لعبدالناصر: ما هي استعداداتكم الآن للبث؟ و بعد ان استمع لنا قال: تستطيعون الأن البث، فقال له صالح جودت: 23 يوليو اقترب، نبدأ البث في تلك الأمسية؟ فسأله عبدالناصر: لماذا 23 يوليو؟ فردّ علىه بأنها الذكرى الأولى لحركة الثورة. فكان رد عبدالناصر: "ايه إللي انتم بتفكروا فيه ده. طالما إنتم جاهزين إبدأوا على طول". فسألته: هل توجد ضرورة ملحة؟ فقال "نعم هناك ضرورة. أحنا ح نضيع وقت ليه عشان مناسبة والا احتفال؟ إذا إستطعتم البدء اليوم يكون كويس". وانصرفنا على إتفاق بأن يبدأ البرنامج يوم السبت.، ولم تتح لنا ظروف الإمكانات الهندسية يومها سوى 28 دقيقة فقط هي المدة المتاحة لنا على المحطة.
ما اول حلقة قدمت في صوت العرب؟
- أذكر في الاجتماع مع عبدالناصر حاولنا ان يكون البرنامج أسبوعياً لكنه أصر على ان يذاع بصفة يومية، وكانت أول حلقة عبارة عن كلمة لرئيس مجلس الثورة اللواء محمد نجيب ثم كلمة من عبدالخالق باشا حسونة الأمين العام للجامعة العربية ثم لقاء مع الموسيقار محمد عبدالوهاب عن دور الفن في خدمة القضايا الوطنية والعربية. وتضمن البرنامج أغنية فلسطين للشاعر علي عمرو طه أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجلاء وحق الفدا وأغنية دمشق لأمير الشعراء أحمد شوقي سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق وانشودة من تأليف كامل الشناوي عن نضال الفدائيين ضد الإنكليز في منطقة قناة السويس.
متى بدأت صوت العرب كإذاعة ثورية؟
- ظل البرنامج على شكله هكذا حتى منتصف آب أغسطس 1953 عندما بدأت ترد أنباء عن خلاف بين الملك محمد الخامس ملك المغرب وبين فرنسا المسيطرة على المغرب. كانت باريس تخشى اشتعال ثورة مغربية مماثلة لثورة بورقيبة في تونس، وكانت في الوقت نفسه تريد حماية الجزائر التي تعتبرها مقاطعة فرنسية وليست مجرد مستعمرة. فوجدوا ان الافضل لهم إصدار مجموعة قرارات وقوانين لتكبيل الشعب المغربي وكانت هذه القرارات خاصة بالحريات. وكان هذا الخلاف الفرنسي - المغربي بداية الانطلاق الحقيقي لإذاعة صوت العرب في 20 آب أغسطس. فقد اتخذ الملك محمد الخامس موقفاً رافضاً للقرارات الفرنسية ووقف بجوار شعبه فصدر قرار فرنسي بعزله وعرضوا الملك على ابنه الحسن لكنه رفض ايضاً فقرر الفرنسيون نقل أسرة الملك بالكامل إلى المنفى وأثناء ترحيلهم حدد الجيش الفرنسي الطرق التي سيسير فيها موكب أسرة الملك متوجهاً إلى المطار وكعادة شعب شمال أفريقيا يودعون الشهداء بالزغاريد - وقف الشعب المغربي يودع ملكه وأسرته بالزغاريد لكن الجنود الفرنسيين لم يعجبهم الأمر فاطلقوا الرصاص على المغربيات المزغردات في الشرفات وكان أن سقط عدد من الشهداء المغاربة فقامت الثورة المغربية.
وإذ وصل لنا هذا الخبر في الثالثة عصراً وكنا سنذيع البرنامج في السادسة حضر فتحي الديب بنفسه إلى مقر الإذاعة وتشاورنا في الأمر بسرعة على أساس ضرورة ان يكون لنا موقف محدد، وكان ضرورياً معرفة موقف الدولة فاتصل فتحي الديب بمجلس قيادة الثورة، فطلب منه زكريا محيي الدين ان يحضر إلى مجلس قيادة الثورة وان يصطحبني معه. فذهبنا وجلسنا مع زكريا محيي الدين لأخذ الرأي واستكشاف الموقف ثم دخلنا إلى مكتب عبدالناصر في الرابعة والنصف تقريباً وكان عبدالناصر قد بدأ يظهر كزعيم لزملائه وبعد أن استمع للآراء قال إن الموقف يتلخص في ان الملك انتقل من موقع الملك الى موقف الزعيم ورفض شيئاً كنا سندعوه إلى رفضه وبالتالي أيّدوا هذا الملك بأقصى ما يمكن أن تسمح به قدراتكم!
بعد كلام عبدالناصر عدنا إلى الإذاعة وبحثنا عن أفضل صيغة للتعبير عن تأييد ثورة مصر لثورة الشعب المغربي. وكان 20 آب أغسطس سنة 1953 هو الميلاد الحقيقي للإعلام الناصري الثوري القومي.
وماذا كانت المحطة الثانية لصوت العرب؟
- حلف بغداد. وشاء قدري ان أكون في قلب أحداث هذا الحلف لأن الصدام كان قد بدأ يشتد بين عبدالناصر و"الإخوان المسلمين" في مصر وواكب هذا الغاء الاحزاب، واعتقالات الاخوان. كانت سورية في ذلك الوقت تعاني من حكم العسكر فانتهز حزب البعث والاخوان المسلمون في سورية - وهما قوة ضاربة وقتها هناك - الفرصة للهجوم على عبدالناصر لأن قراراته إلغاء الأحزاب واعتقال الإخوان كانت قريبة الشبه بقرارات حسني الزعيم والحناوي والشيشكلي فكانت النتيجة خروج تظاهرات في سورية ولبنان ضد عبدالناصر. كلفني عبدالناصر السفر إلى بيروت ابتداءً لأن دمشق كان من الصعب السفر إليها علانية لضراوة الحملات المعادية، فسافرت إلى بيروت وظللت فيها فترة إلى أن استطعت دخول دمشق بشكل سري وشاهدت التظاهرات ثم عدت إلى بيروت. وكنت أرسل تقارير ودراسات ومعلومات عن طريق السفارة المصرية في بيروت وعندما ذهبت إلى بيروت حرصت على الإلتقاء بجميع رؤساء التحرير ومالكي الصحف هناك وكان منهم كامل مروة وكان في هذه الفترة صحافياً له قيمته وصحيفته ذات اعتبار تفرض علىك ان تعطيها اهتماماً خاصاً. فالتقيت معه أكثر من مرة وتناقشنا معاً في مصر واتجاهاتها القومية وكان الشائع يومها ان عبدالناصر أميركاني أو على الأقل سوف يحتويه الأميركان وفي الوقت نفسه كان كامل مروة ذا اتجاهات غربية ليبرالية ويعطي الغرب اهتماماً كاملاً تقديراً منه للقدارت العربية. وفي احدى جلساتنا اخبرني ان شخصاً ما يريد مقابلتي اسمه سليم الدحداح سفير لبنان لدى تركيا، وفي هذه الفترة كان يوجد مطعم شهير في بيروت اسمه "ايدن روك" فذهبنا اليه والتقينا فيه وكانت المفاوضات المصرية - البريطانية قد بدأت ملامحها توضع في الشكل النهائي. سألني الدحداح: هل لديك معلومات عن المقترحات المطروحة التي بدأت مصر توافق علىها تمهيداً للجلاء البريطاني؟ فأجبته: نعم. فقال: ومنها إنه إذا وقع اعتداء على تركيا تعود القوات البريطانية إلى قاعدتها في مصر. فقلت له انا سمعت ذلك فقال الدحداح معنى هذا ان اي عدوان على تركيا يعني ان القوات البريطانية تعود لمصر لأن الاتفاقية تلزم مصر بالمحافظة على القاعدة صالحة لاستخدامها فور تعرض المصالح البريطانية أو حلفائها مثل تركيا للخطر فقلت نعم. فقال:هل بلغكم في القاهرة ان تركيا من المحتمل ان تدخل في اتفاقية مع ايران وباكستان لمواجهة الخطر الشيوعي مما يعني ان أي دولة تتحالف معها تركيا عسكرياً سوف تدخل مصر معها دائرة الخطر، وإذ انتهى اللقاء وبدأت العودة مع كامل مروة بمفردنا فهمت من حواري معه ضرورة أخذ حديث سليم الدحداح بجدية اذ ان ثمة اتفاقاً يجري بحثه بين بريطانيا وتركيا وإيران وباكستان وتوجهت إلى السفير المصري وكان اسمه عبدالحميد غالب عسكري وأبلغته بالحديث الذي دار مع الدحداح وطلبت من ان يرسل إلى القاهرة ليبلغها بالأمر لكن السفير اشار علي بالسفر إلى مصر فقد تكون هناك تعلىمات جديدة وكان سالم تولى وزارة الارشاد الاعلام حالياً واستطاع بحكم عضويته في مجلس قيادة الثورة وكونه الرجل الثالث بعد عبدالناصر وعبدالحكيم عامر ان يجعل المخابرات تتنحى عن الاشراف على صوت العرب وان تكون التعلىمات منه هو شخصياً وساعده في ذلك ان زكريا محيي الدين ترك المخابرات.
أبلغت صلاح سالم بتفاصيل لقائي بمروة والدحداح فطلب مني العودة إلى لبنان وتعميق دراستي في هذا الموضوع ومعرفة هل سيدخل العراق في هذا الحلف أم لا، لأن من ضمن ما اشار به كامل مروة دخول العراق بينما لم يشر إلى ذلك الدحداح على الاطلاق. وطلب مني صلاح سالم محاولة دخول العراق بعد ان تكتمل الدراسة في لبنان، وفي هذه الفترة بالذات لم يكن لمصر أي وجود إعلامي في المنطقة العربية غير صوت العرب وكل هذا الوجود تم خلال فترة اشراف صلاح سالم على الإذاعة.
كيف دخلت العراق؟
- في هذا الوقت ورد ان العراق سيدخل الحلف بالفعل وان نوري السعيد اجتمع مع عدنان مندريس. في هذا الوقت ووقعا بالحروف الاولى على اتفاقية النيات، وبعد معرفة هذا الخبر الذي كان سرياً تقدمت للسفارة العراقية بواسطة السفارة المصرية في بيروت طالباً السفر إلى بغداد، لكنها رفضت بحجة وجود اضطرابات ومشاكل في بغداد ثم فوجئت بأمر من خلال السفارة المصرية بضرورة محاولة دخول بغداد بأي طريقة، خصوصاً ان بعض الزعماء العراقيين المعارضين لنوري سعيد بدأوا يتحدثون عن رفض الحلف ويجرون اتصالات بالملحق العسكري المصري الموجود في بغداد كمال الحناوي فلم اجد وسيلة لدخول بغداد الا من خلال الاتصال بالمعارضة.
في هذا الوقت فوجئت بأن نوري سعيد يعلن دخول العراق الحلف رسمياً، فأصبح ضرورياً ان اكون موجوداً في العراق وأبلغت القاهرة بأنني سأسافر الى العراق عن طريق الكويت وكان لي صديق لبناني شاعر وصحافي اسمه صلاح الأسير وكنت أسأله عن طريقة للسفر إلى الكويت فلم تكن هناك خطوط مباشرة للكويت إلا عن طريق بغداد او عمان وبعد يومين أبلغني بوجود طائرة خاصة لنائب حاكم الكويت في ذلك الوقت الشيخ عبدالله المبارك تحمل بضاعة خاصة به ومسافرة إلى الكويت وسافرت و معنا صلاح الأسير بوصفه صديق عبدالله المبارك الذي وفر لنا التصريح بركوب طائرته ووصلنا الكويت وكان يوجد هناك مدير للبعثة التعلىمية المصرية اسمه عبدالمجيد مصطفى وكان عمدة للمصريين في الكويت فاجتمعت به وابلغته سراً انني أريد دخول العراق فقال ليس هناك حل إلا من خلال الحاكم عبدالله السالم أو نائبه عبدالله المبارك وفي ظهر اليوم نفسه ابلغني أن عبدالله المبارك سيساعدني في دخول العراق وليس علىك سوى أن تركب الطائرة ومشكلتك الوحيدة انك لا بد ان تنزل في البصرة وهناك إما ان تستطيع الدخول ام لا. فقلت له ألا استطيع الحصول على وثيقة سفر كويتية؟ فقال: لا أستطيع ذلك.
في مطار البصرة فكرت في طريقة اخرى فقد كانت هناك شخصيات من كبار المسؤولين المصريين يزورون الكويت وهم حسني نجيب مدير الإذاعة السابق ومعه محمد رجائي احد مديري شركة مصر للتمثيل والسينما. ودخلت في زمرة حسني نجيب ورجائي على أننا بعثه ترويحية مصرية. الطريف ان رجائي وحسني دخلا عدا ثلاثتنا العاملين في الاذاعة وكانت التعلىمات في مطار البصرة ان ننتظر الإذن بالدخول وبعد نصف ساعة فوجئنا بالضابط المسؤول يخبرنا بأننا سوف ننتظر حتى تعود الطائرة من بغداد لتعودوا إلى الكويت ونحن على متنها، أي لا دخول. فسألت في حدة بالغة: من مدير المخابرات؟ أتصلوا به أو اتصلوا بفخامة الباشا نوري السعيد. وبأعلى صوتي صحت: هل نوري سعيد يخشى ان ادخل بغداد؟ ومع ذكر اسم نوري تكهرب الضابط وقال لي تفضل بالجلوس وتركني ثم عاد بعد فترة يقول أهلاً بك في بلدك وتم ختم الجوازات وركبنا الطائرة وأقمنا المدة التي قضيناها في بغداد في جو يعلم به الله بما فيها مقابلتي لنوري السعيد مرتين ونزوله الشارع معي ونجحت على رغم المتابعة والملاحقة في ان أحصل على وثيقة من 12 زعيماً من زعماء العراق المعارضين منهم 4 رؤساء وزراء سابقين ضد دخول العراق الحلف وكانت المشكلة عملية تهريب هذه الوثيقة، لأن الأجهزة التي تتابعنا عرفت بوجود هذه الوثيقة فأعطيت نسخة عنها للملحق العسكري.
في هذه الفترة دعت مصر الدول العربية لاجتماع لمناقشة اعلان بغداد إنضمامها للحلف وحدث لنا في المطار تفتيش دقيق مستفز ولكن استطعت تهريب الوثيقة. وسافرت إلى بيروت وأرسلت بالوثيقة إلى القاهرة، وفي اليوم نفسه استدعيت إلى القاهرة حيث عقد اجتماع الدول العربية وعرضت الوثيقة وكانت صدمة كبيرة جداً لمندوب العراق فاضل الجمالي وتسببت الوثيقة في ازمة.
وماذا عن مفاوضات صلاح سالم مع نوري السعيد ؟
- مفاوضات نوري السعيد مع صلاح سالم جاءت بعد توقيع بغداد على الحلف وبعد مؤتمر جامعة الدول العربية. طلب نوري السعيد من عبدالناصر ان يرسل له مسؤولاً على مستوى عالٍ ليناقشه في جدوى الحلف فأرسل له صلاح سالم - وكان في الثلاثينات من عمره - وجلس مع رجل يمارس السياسة والعسكرية منذ الحرب العالمية الأولى وكان داهية، فنجح في ان يشكك صلاح سالم في كل شيء.
قال له صلاح سالم : انتم تضحون بالدماء العربية التي تحاول الاستقلال والشعوب العربية ضد هذا الحلف وكبار الكتاب يرفضونه وبدأ صلاح سالم يعطي امثلة لكبار الكتاب وذكر منهم اسمي.. أحمد سعيد.
وهنا اراد نوري السعيد ان يهاجم إذاعة صوت العرب لأنها القوة الضاربة وقتها فقال له: احمد سعيد موظف عندكم ويفعل ما تأمرونه، أين آراء طه حسين وعباس العقاد والدكتور محمد عوض محمد والدكتور سليمان حزين وأين عمالقة الفكر والأدب في مصر؟ وأضاف: أحمد سعيد قابلني وسرت معه في الشارع وهو شاب صغير في سن ابني. فعاد صلاح سالم وكلام نوري قد ثبت في عقله فاستدعاني وسألني عن عدد التعلىقات التي أذيعها يومياً فقلت له حسب الظروف.
فقال لي أريد طه حسين وفكري اباظة، محمد عوض محمد وذكر لي اسماء أقطاب الفكر والرأي من كبار الكتاب والأدباء.. فقلت له: على عيني وراسي لكن هل سيذيع هؤلاء تعلىقات.
قال: نعم، قلت: هؤلاء نجري معهم احاديث، قال: لا. تعلىقات.
لم اكن أدري ماذا قال له نوري السعيد فابتسمت وقلت في نفسي دعه يخوض التجربة. بدأت كل يوم اكتب نقاط التعلىق المطلوبة وأذهب بها إلى الدكتور طه حسين مثلاً ليحفظها ثم يقولها وهكذا مع فكري اباظة وغيرهما من كبار الكتاب، حتى تمضي تجربة صلاح سالم إلى نهايتها وامتنعت عن التعلىقات نهائياً.
وكانت النتيجة أن المخابرات بدأت تقول في تقاريرها أن مستوى صوت العرب بدأ يتدنى وبدأ الناس يسألون عن تعلىقات أحمد سعيد ليس لأن طه حسين سيئ ولكن مهنة التعلىق الإذاعي شيء والأدب والفكر شيء آخر، كما ان شريحة المستمعين مختلفة. ولأن صورة من تقارير المخابرات كانت تصل إلى صلاح سالم، عندما قرأها هاج وثار واستدعاني ووقتها كنت مع فكري أباظة لتسجيل تعلىقه ذلك اليوم. ودخلت على صلاح سالم وجه إليّ ألفاظاً نابية وسب والدي وأمي فلم أسكت وقمت بالرد علىه فانفعل وقام من مكانه وكان أمامه "جعران" ذهب فقذف به رأسي فجرحت، ولا تزال آثار الضربة موجودة حتى الآن. وبدأت السكرتارية تدخل المكتب وكانوا ثلاثة ضباط وكنا بدأنا نشتبك بالأيدي في انفعال هستيري. وفي اليوم التالي استيقظت من نومي على صوت أمي تخبرني أن شخصا اسمه صلاح سالم على الباب يريدني ليصالحني ويأخذني إلى مكتبي!
وكيف انتهت معركة حلف بغداد؟
- بعد توقيع الحلف مع العراق أرادوا أن يضموا إليه دولاً أخرى خصوصاً سورية ولبنان والأردن والسعودية فلم يجدوا ثغرة في المنطقة الشعبية الثورية العربية للنفاذ منها غير الأردن لأن السعودية تحفظت وسورية كانت تضج بإرهاصات الوطنية الضخمة، والموقف نفسه في لبنان رغم إعلان كميل شمعون بأن لبنان مستعد لدخول الحلف، لكنه خاف من ضغوط سورية ومصر. فوجد الغرب الثغرة الأردنية وأراد أن يحقق انتصارا أو يخترق المنطقة العربية. وبالفعل أعلنت الحكومة الأردنية موافقتها على توقيع معاهدة حلف بغداد وطار الجنرال تمبلر رئيس أركان حرب القوات البريطانية ليشهد توقيع الحلف لتأكيد الوجود العسكري للحلف وعلى الفور تحركنا إعلامياً وتنظيمياً لإفشال الصفقة، وقامت خطتنا على حملة إعلامية تتصاعد حتى اليوم المحدد لوصول تمبلر وتوقيع الحلف بحيث يتحرك الجميع في تظاهرات جماعية وأجهزة شعبية وسرية يوم الجمعة قبل وصول تمبلر. كانت الخطة أنه بمجرد انتهاء الصلاة تحدث التظاهرات وتبدأ المواجهات الى درجة أننا عملنا حساب المسيحيين في الأردن وطلبنا منهم التوجه إلى منطقة المساجد في هذا اليوم.
كان هناك تردد في تحديد موعد المواجهة بيوم الجمعة إلى أن تأكدنا من درجة الشحن الجماهيري والتنظيم الشعبي فبدأنا رسم مراحل التوجيه يوماً وراء يوم إلى أن وصلنا إلى قناعة كاملة أنه في يوم الخميس نطلب أن تكون خطب الجمعة عن هذا الموضوع وأن يتوجه المسلمون إلى المساجد وتبدأ التظاهرات عقب صلاة الجمعة.
من الذي طلب تشجيع خروج التظاهرات؟ عبدالناصر؟
- لا. عبدالناصر لا يتدخل في تفاصيل. عبدالناصر يحدد المبادئ والاهداف. وهذه إحدى مزاياه. إنه يترك للمختص أن يبدع في تحركه.
وماذا حدث بعد ذلك؟
- دعوت صراحة في تعلىق الثامنة مساء إلى خروج التظاهرات وحددتها بالتفاصيل بشكل واضح. وطبيعي أن هذا التحديد يزعج أي مسؤول. ففوجئت بسامي شرف وكان قد بدأ يشغل منصب سكرتير عبدالناصر يتصل بي ويسألني على لسان الرئيس من الذي اتفق معي على تحديد موعد التظاهرات وطبعا كان سامي محقا لأن التحديد بهذا الشكل نوع من الجرأة وهذا ما قاله لي عبدالناصر عندما فتح الخط وحوّلني عليه سامي شرف فقال لي عبدالناصر: "أنت اتجننت؟ فيه شخص يحدد بالشكل ده؟ طيب لما أشوف ها يحصل إيه؟". وأضاف: "الحملة كانت كويسة جداً. ماذا حدث لكي تحدد"؟ قلت له يا فندم أنا مطمئن لأن هناك تنظيمات وترتيبات فقال "حتى ولو كان هذا صحيحاً. لا تحدد.. ولماذا تسمع كلامهم"؟
وفي اليوم الثاني كنت في حالة عصبية جداً حتى الثالثة والنصف ظهراً حيث فرضت سلطات الأردن حصاراً على البرقيات حتى جاءت الأخبار من وكالة يونايتدبرس من بيروت تؤكد خروج التظاهرات وسقوط ضحايا كان في مقدمها فتاة اسمها رجاء أبو عماشة وكانت أول شهيدة سقطت في التظاهرات ضد حلف بغداد. فالتقطت أنفاسي بعد قراءة هذا الخبر لأن الجنرال تمبلر ركب طائرته عائداً إلى لندن بعد 6 ساعات من وصوله إلى عمان وسط تظاهرات دموية اردنية - فلسطينية ولم يوقع الحلف وكان هذا أكبر نجاح لصوت العرب إذ تم تحجيم حلف بغداد ومحاصرته حتى قضت علىه ثورة تموز 1958 في العراق
الحلقة الثانية
الأسبوع المقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.