تأثراً بأحداث 11 أيلول سبتمبر في الولاياتالمتحدة وتداعياتها في مختلف دول العالم وانعكاسها على الاقتصاد المصري، توقعت تقديرات حكومية مصرية انخفاض تدفق الاموال الخارجية من مساعدات واستثمارات مشتركة بنسبة كبيرة من شأنها ان تربك الاقتصاد القومي، لا سيما في وقت يعاني فيه من مشاكل، واشارت هذه التقديرات الى ان مصر استطاعت في العام 2000 جذب نحو 55 مليار جنيه 13 مليار دولار على شكل مساعدات دولية واستثمارات مباشرة ومشتركة، وتوقعت ان ينخفض هذا الرقم الى 20 مليار جنيه 4.73 مليار دولار. ولا شك في ان هذا التطور السلبي كان من الاسباب الرئيسية التي أدت الى التعديل الوزاري الأخير الذي شمل دمج وزارة التعاون الدولي مع وزارة الخارجية، ليكون التعاطي مع العالم الخارجي من خلال مهمة واحدة، على اساس ان القروض والمساعدات يبدأ التعامل معها من الخارج عبر وزارة الخارجية التي انضمت اليها وزارة التعاون الدولي، وهي قطاع داخلي مهمته اعداد اتفاقات ضمان الاستثمار مع الدول والمؤسسات الاجنبية، وكذلك اتفاقات القروض والمنح وجدولة الديون، وكلها تبدو مبررا كافيا لعملية الدمج، وذلك في محاولة لمواجهة الانخفاض المتوقع في تدفق الاموال الخارجية والحد منه ومن آثاره على مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، خصوصا على ميزان المدفوعات. لقد سجل الأداء الاقتصادي، وفق احصاءات رسمية لدى الحكومة المصرية، نمواً بلغ 5.5 في المئة في العام 2000، وتوقعت الحكومة زيادته الى 7 في المئة في العام 2001، لكن تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر اخيرا بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن، اشار الى ان معدل نمو الأداء الاقتصادي في مصر بلغ 5.1 في المئة في العام 2000، وسينخفض الى 3.3 في المئة في العام 2001، وتوقع ان يتحسن الى 4.8 في المئة في العام 2002، الأمر الذي يدل على حجم الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد المصري، بحيث لن يتمكن من العودة الى النمو الذي سجله في العام 2000 قبل العام 2003. وحصلت هذه التطورات، في وقت كان فيه الاقتصاد المصري قد واصل تراجعه في النصف الأول من السنة الحالية، واشارت تقارير إلى انه لن يتعافى في النصف الثاني. وتحت عنوان "بارومتر الأعمال"، أفاد "المركز المصري للدراسات الاقتصادية" في تقريره نصف السنوي، ان التدابير النقدية والمالية التي أنجزتها الحكومة في الشهور الستة الأولى من 2001، لم تحقق تحسناً ملموساً في التوقعات. وفي محاولة لتحفيز الاقتصاد اتبعت الحكومة أخيرا بعض السياسات المالية والنقدية التوسعية من خلال زيادة الإنفاق العام وخفض سعر الخصم إلا ان هذه المحاولات لم تحقق التغير المنشود، إذ ان معظم الشركات يعتقد ان الركود الاقتصادي استمر في النصف الثاني من العام 2001، لأن التدابير الحكومية لم تكن كافية لحض الشركات على تغيير توقعاتها. وفي ضوء ذلك، يشدد خبراء على الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير إضافية لاستعادة ثقة قطاع الأعمال، تتمثل في اتباع سياسة نقدية نشطة تتضمن خفض سعر الفائدة وزيادة الائتمان خصوصاً في ضوء انخفاض معدل التضخم ووجود طاقات فائضة واتباع نظام سعر للصرف يتسم بمرونة اكبر، والحد من عجز الموازنة العامة والإسراع في تخصيص أصول مهمة مع اتخاذ إجراءات لتطوير القطاع المالي وتشجيع الصادرات والعمل على إصدار تشريعات جديدة مثل قانون العمل. عجز الميزان التجاري على رغم ان التعديل الوزاري الاخير شمل، وزراء جددا للصناعة والكهرباء والتخطيط والدولة للشؤون الخارجية والبيئة والغاز ووزارتي الاقتصاد والتعاون الدولي، فقد برز الاهتمام الكبير في معالجة مشكلة التصدير ومساهمتها في خفض العجز في الميزان التجاري ودعم ميزان المدفوعات من خلال التركيز على وزير التجارة الخارجية يوسف بطرس غالي، خصوصاً أن مهمة وزارته تنظيم التجارة الخارجية استيراد وتصدير وحماية الاقتصاد القومي من الممارسات الضارة في التجارة الدولية، اضافة الى تشجيع تدفق الاستثمارات. وتبرز في هذا المجال مشكلة العجز المتفاقم في الميزان التجاري، مع العلم انه شهد تحسنا في العام 2000، لكن المؤشرات والاحصاءات للعام 2001 غير مطمئنة. وكان مجلس الشعب المصري حذر أخيراً من خطورة تراجع الصادرات متهما الحكومة بانها لم تبذل الجهد الكافي لتحرير الصادرات الصناعية من معوقاتها من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة في التصنيع، مع العلم ان ضعف الصادرات يمثل قيدا رئيسيا على حركة الاقتصاد المصري، في حين يمثل نجاح التصدير اداة رئيسية لتحقيق تنمية متواصلة له، ويدعم ذلك دور مصر في تشكيل النظام العالمي الجديد، حيث ترتبط قدرتها في مجال السياسة الخارجية بشكل كبير بالدور الذي يمكن ان تؤديه في حركة الاقتصاد العالمي، وبالتحديد في تشكيل حركة الاقتصاد في منطقة الشرق الاوسط. وخلافاً للسنوات السابقة، لوحظ ان ميزان التجارة المصري سجل مؤشراً ايجابياً في العام 2000 تمثل بتراجع العجز بنسبة 23.45 في المئة الى 32.4 مليار جنيه 8.4 مليارات دولار مقارنة مع 42.3 مليار جنيه نحو 11 مليار دولار في العام 1999. ويعود السبب في هذا التحسن الى عاملين رئيسيين: الاول، تراجع الواردات بنسبة 10.5 في المئة الى 48.6 مليار جنيه، من 54.4 مليار عام 1999. والثاني زيادة الصادرات بنسبة 34.6 في المئة، من 12 مليار جنيه عام 1999 الى 16.2 مليار عام 2000. ويستدل من ارقام التوزيع الجغرافي للتجارة الخارجية ان مصر تعاني من عجز تجاري تزيد نسبته عن 60 في المئة مع دول الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة الاميركية، وذلك من مجموع العجز التجاري. ولكن الشراكة التجارية تختلف حسب وضع كل دولة، ففيما تستحوذ فرنساوايطاليا وحدهما على حوالى سدس الصادرات المصرية، فان الولاياتالمتحدة لا تتجاوز وارداتها من مصر سوى واحد على عشرين من اجمالي الصادرات المصرية، وفي حين تغطي الصادرات المصرية الى فرنسا ما يوازي نصف الواردات منها وتغطي الصادرات الى ايطاليا نحو 60 في المئة، يلاحظ ان الصادرات المصرية الى اميركا لا تغطي سوى ما يقارب من سدس الواردات منها لمصر أي نحو 16.6 في المئة، وفي افضل الظروف والتقديرات فإن معدل تغطية الصادرات الى الواردات وفقاً لتقارير جهاز التمثيل التجاري، وكما صرح وزير الاقتصاد المصري، ارتفع الى نحو 25.98 في المئة في العام الماضي. لذلك تسعى مصر من خلال مفاوضات مكثفة مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي الى خفض العجز التجاري لمصلحة الكتلتين التجاريتين عن طريق حصول الصادرات المصرية على امتيازات لدخول الاسواق الاوروبية والاميركية وزيادة حصص الصادرات المصرية. ووفق تقرير الاستثمار العالمي الذي صدر أخيرا عن "اونكتاد"، احتلت مصر المرتبة الأولى على لائحة الدول المضيفة لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة الشرق الاوسط، وزادت حصتها من نحو مليار و65 مليون دولار في العام 1999 إلى مليار و 235 مليونا في العام 2000. وعلى رغم زيادة حجم هذا الاستثمار، إلا انه يبقى ضئيلا بالمقارنة مع حاجة الاقتصاد المصري، ويرى رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر، ان بلاده تحتاج إلى نحو ستة مليارات دولار سنويا كاستثمارات مباشرة لتحقيق تنمية 6 في المئة، واكد ضرورة زيادة المدخرات الوطنية من 18 إلى 25 في المئة من إجمالي الناتج القومي. وذكر الدكتور الغمراوي ان تحقيق هذا المعدل من النمو يمكن ان يتم عن طريق زيادة الاستثمارات الاجنبية، ودعا إلى إصدار قانون واحد لتنظيم شؤون الاستثمار في مصر، وقال ان بلاده تستهدف رسم خريطة استثمارية جديدة بهدف اعادة توزيع الاستثمارات والسكان على المناطق كافة، وذلك حتى العام 2017، لانه لا يجوز الاستمرار بالوضع الحالي الذي يؤكد ان 96 في المئة من السكان والاستثمارات تتركز فقط على 4 في المئة من مساحة مصر. ويأتي الاستثمار الاجنبي في اطار محاولات الحكومة المصرية لجذب الاموال من الخارج سواء كان ذلك من مؤسسات التمويل الدولية او صناديق التنمية العربية. ولوحظ في هذا المجال ان مصر خفضت في الفترة الاخيرة من اعتمادها على الاقتراض الدولي وزادت اقتراضها من مؤسسات التمويل وصناديق التنمية العربية، ووفق تقارير البنك الدولي، بلغ حجم ديونها له نحو 6.4 مليار دولار، لكنها لم تسجل أي عملية اقتراض جديدة في السنة المالية 2000 - 2001، لأن مصر وجدت البدائل في مصادر التمويل الخليجية وهي اقل تكلفة. وأكدت اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري ان الحكومة ابرمت مع الحكومات والصناديق وهيئات التمويل العربية 90 اتفاقية من قروض ومنح اتاحت اموالاً قيمتها خمسة مليارات دولار طوال 37 عاما منذ عام 1964 منها 4.6 مليار دولار على شكل قروض نسبتها 93.9 في المئة في مقابل 400 مليون دولار منح وهبات بنسبة 6.1 في المئة. وذكر تقرير اعدته اللجنة ان القروض العربية اصبحت اكثر تيسيرا اعتبارا من عام 1988، وان الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي هو المصدر الرئيسي في تقديم القروض لمصر ويليه الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ثم صندوق ابو ظبي للتنمية والصندوق السعودي للتنمية. لكن اللجنة وصفت هذا المبلغ بانه ضئيل على مدار 37 عاما، واعربت عن املها في حصول مصر على المزيد من المساعدات والقروض وخاصة المنح من الصناديق العربية. اضافة الى ذلك ستركز مصر في الفترة المقبلة على جذب المزيد من الاستثمارات العربية عن طريق توفير حوافز للمستثمرين في مختلف قطاعات الاقتصاد المصري.