في الوقت الذي اشاد فيه صندوق النقد الدولي بسلسلة انجازات سجلها الاقتصاد المصري حتى أصبح في غنى عن قروضه المالية، كان البرلمان المصري يحذر من خطورة تراجع الصادرات متهماً الحكومة بأنها لم تبذل الجهد الكافي لتحرير الصادرات الصناعية من معوقاتها من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة في التصنيع، مع العلم ان ضعف الصادرات يمثل قيداً رئيسياً على حركة الاقتصاد المصري، في حين يمثل نجاح التصدير اداة رئيسية لتحقيق تنمية متواصلة له، يدعم ذلك دور مصر في تشكيل النظام العالمي الجديد، إذ ترتبط قدرتها في مجال السياسة الخارجية بشكل كبير بالدور الذي يمكن ان تؤديه في حركة الاقتصاد العالمي وبالتحديد في تشكيل حركة الاقتصاد في منطقة الشرق الاوسط. ووصف صندوق النقد الدولي الاداء الاقتصادي المصري خلال التسعينات بأنه "قصة نجاح يشار اليها بالبنان". ونوّه في تقرير بحال الاستقرار المالي التي وصلت اليها مصر بفضل جهود الحكومة من اجل زيادة مصادر الدخل، مما جعل الموقف المالي لمصر متميزاً بكل المقاييس، خصوصاً في تقويم العجز المالي ونمو معدلات الادخار بصفة خاصة وذلك بالمقارنة مع سائر دول الشرق الاوسط والشمال الافريقي. وأشاد التقرير بالجهود الجبارة التي بذلتها الحكومة المصرية على صعيد علاج الخلل في ميزان مدفوعاته الذي تمثل في عجز الموازنة الذي وصل الى 20 في المئة من الناتج المحلي الكلي للدولة. وبفضل الثقة التي تولدت لدى الاوساط المالية والاستثمارية العالمية في قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة التحديات وكفاءة القائمين على ادارته بتصحيح مساره نما حجم التدفقات النقدية القادمة الى مصر خلال الفترة من 1991 الى 1997 ليصل الى ما يوازي 6 في المئة من الناتج المحلي المصري الاجمالي. وأعرب خبراء صندوق النقد الدولي عن ايمانهم بريادة الدور المصري في منطقة الشرق الاوسط، مؤكدين ان هذا الدور سيكون ذا مغزى اعمق طالما امتلكت مصر اقتصاداً قوياً وقادراً على الصمود في وجه التحديات العالمية. وجاء تقويم صندوق النقد الدولي في مراجعة نهائية لبرنامج قرض قيمته 350 مليون دولار، وافق عليه الصندوق في تشرين الاول اكتوبر 1996 وتنتهي مهلة الاستفادة منه في أيلول سبتمبر 1998، وقد تبين ان مصر لم تسحب منه شيئاً، الامر الذي حمل نائب مدير ادارة الشرق الاوسط في الصندوق هارورد هاندي على القول: "ان مصر لا تريد مالاً من الصندوق بل تريد منه المعونة الفنية". واذا كان الاقتصاد المصري قد نما في السنة المالية 1997 - 1998 بنسبة تتراوح بين 3.5 إلى 4.5 في المئة، وفق معلومات وزير الاقتصاد يوسف بطرس غالي، فإن صندوق النقد الدولي توقع ان تحقق مصر نمواً اقتصادياً بنسبة 5.5 في المئة في السنة المالية 1998 - 1999، وذلك تمشياً مع معدل للتضخم يقل عن 4 في المئة وعجز للميزانية يقل عن واحد في المئة. وكانت الحكومة المصرية قد بدأت منذ اول تموز يوليو 1998 العمل بالموازنة الجديدة البالغة 92 مليار جنيه بزيادة نحو 11 مليار جنيه عن موازنة العام السابق، وبلغ العجز الصافي نحو 700 مليون جنيه لا يتجاوز نسبة الواحد في المئة. وأكدت الحكومة المصرية ان موازنة العام الحالي سوف تعتمد في تمويلها على زيادة حجم الضرائب، ولكن ليس عن طريق فرض ضرائب جديدة، وإنما عن طريق زيادة نسبة التحصيل من رافضي الضرائب، وفي الوقت نفسه الاستمرار في ترشيد وضبط الانفاق العام وضبط حركة التوسع النقدي بما يستهدف الحد من معدل التضخم. وفي ضوء ذلك اشار رئيس الوزراء المصري الدكتور كمال الجنزوري الى ان حكومته تسعى الى زيادة معدل النمو الاقتصادي الى 7.6 في المئة، بحيث يتجاوز توقعات صندوق النقد الدولي، وكذلك الى تخفيض معدل الفائدة بالبنوك الى أقل من 10 في المئة، وجذب الاستثمار الاجنبي والمحلي لزيادة احتياطاتها من النقد الاجنبي الذي تجاوز حالياً 21 مليار دولار. وحسب البيانات الرسمية، فإن الناتج المحلي الاجمالي قد ارتفع الى 2.262 مليار جنيه بزيادة قدرها 7.22 مليار جنيه وبمعدل نمو سنوي يصل الى 5.9 في المئة وارتفع نصيب القطاع الخاص به من 7.68 إلى 7.70 في المئة. الصادرات تفقد الأسواق على رغم الانجازات الاقتصادية التي حازت على رضا صندوق النقد الدولي، فإن العجز الحاصل في الميزان التجاري يعتبر المشكلة الاساسية التي تزداد تفاقماً، وقد حذر تقرير وضعته لجنة الخطة والموازنة في البرلمان المصري من التباطؤ في النهوض بقطاع الصادرات بسبب الآثار السلبية المحتملة على الاقتصاد المصري من تطبيق اتفاقيات تحرير التجارة الدولية المعروفة باسم "الجات". وتشير الاحصاءات الى ان العجز في الميزان التجاري بلغ نحو 8.9 مليار دولار خلال السنة المالية 1996 - 1997 في مقابل 5.9 مليار دولار للسنة المالية 1995 - 1996، ولوحظ ان الصادرات سجلت ارتفاعاً طفيفاً، اذ بلغت حوالي 9.4 مليار دولار مقارنة مع حوالي 6.4 مليار، بزيادة نسبتها 7 في المئة، وجاء هذا الارتفاع نتيجة زيادة حصيلة الصادرات البترولية بنسبة 8.15 في المئة لتصل الى 6.2 مليار دولار، اما الصادرات غير البترولية، فقد تراجعت بقيمة 36 مليون دولار، من 2383 الى 2347 مليون دولار. أما الواردات فقد بلغت قيمتها حوالي 7.14 مليار دولار في 1996 - 1997 بزيادة نسبتها 3.4 في المئة عما كانت عليه في العام السابق وجاءت الزيادة في السلع الوسيطة والاستهلاكية. وبذلك ارتفعت نسبة تغطية حصيلة الصادرات للواردات من 7.32 في المئة الى 3.33 في المئة. ويستدل من ارقام التوزيع الجغرافي للتجارة الخارجية، ان مصر تعاني من عجز تجاري يبلغ 3.6 مليار دولار مع دول الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة، اي بنسبة 3.64 في المئة من مجموع العجز التجاري، وموزعة على الشكل التالي: أولاً: العجز التجاري مع دول الاتحاد الاوروبي 3.4 مليار دولار، اذ تبلغ الواردات نحو 6 مليارات دولار في مقابل 7.1 مليار دولار للصادرات. ثانياً: يبلغ العجز التجاري مع الولاياتالمتحدة نحو ملياري دولار، وهو ناتج من الفرق عن الواردات البالغة 6.3 مليار دولار. ولذلك تسعى مصر من خلال مفاوضات مكثفة مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي إلى تخفيض العجز التجاري لصالح الكتلتين التجاريتين عن طريق حصول الصادرات المصرية على امتيازات لدخول الاسواق الاوروبية والاميركية وزيادة حصص الصادرات المصرية. وتتعرض الصادرات المصرية الى مشاكل كثيرة منذ ان فقدت اسواقها التقليدية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وكذلك فقدان اسواق عربية وأفريقية. وتسعى مصر إلى استعادة جزء من الاسواق في بعض دول أوروبا الشرقية وفي أفريقيا وتعول كثيراً على دخولها مجموعة اتفاقية شرق وجنوب أفريقيا المعروفة باسم "كوميسا". وكانت المجموعة قد وافقت على انضمام مصر اليها لتمتع منتجاتها باعفاءات جمركية تصل الى 100 في المئة خلال عامين، وتضم هذه المجموعة 19 دولة. وحسب وجهة نظر الدكتور محمد شعبان مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الافريقية فإن تجمع "كوميسا" يعتبر احد تجمعات التعاون والتكامل الاقتصادي الاقليمي الأكثر نجاحاً في أفريقيا لأنها تركز على التعاون الاقتصادي وتبتعد تماماً عن الخوض في المشاكل والنزاعات السياسية. برنامج زمني تشكل الصادرات المصرية الى الاسواق العربية نحو 14 في المئة من قيمة مجموع صادراتها الى العالم، وتتصدر السعودية الدول العربية المستقبلة للصادرات المصرية بنصيب 8.416 مليون جنيه بنسبة 8.22 في المئة من اجمالي الصادرات المصرية للدول العربية تليها سورية 9.186 مليون بنسبة 11 في المئة، ثم ليبيا 6.175 مليون جنيه بنسبة 6.10 في المئة، الاردن 5.151 مليون بنسبة 9.8 في المئة، والامارات 8.150 مليون جنيه بنسبة 5.8 في المئة، واليمن 123 مليون بنسبة 3.7 في المئة. ويقول الدكتور أحمد جويلي وزير التجارة والتموين المصري ان وزارته انجزت برنامجاً زمنياً يستهدف تنمية الصادرات المصرية وزيادتها بنسبة 10 في المئة سنوياً حتى عام 2002. وأضاف: "ان البرنامج يتضمن دراسة متكاملة للاسواق الخارجية وانشاء مناطق تجارة حرة مع كل من لبنان والمغرب وتونس وكندا والسعودية والولاياتالمتحدة الاميركية، اضافة الى المنطقة الحرة العربية بين الدول العربية، وذلك بهدف فتح الاسواق ونفاذ السلع المصرية اليها". وتطمح وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من خلال دراسة اعدتها للوصول الى تحقيق المؤشرات التالية: 1 - مضاعفة الصادرات: ان تضاعف مصر صادراتها في الأعوام المقبلة حتى يصل حجمها عام 2001 إلى ثلاثة اضعاف حجمها الحالي. 2 - تنويع الصادرات: بنهاية عام 2000 يجب ان يكون ثلثا حصيلة الصادرات السلعية من صادرات غير تقليدية. 3 - ان تصل نسبة حصيلة الصادرات بما فيها قناة السويس والسياحة الى 33 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2000 مقارنة ب20 في المئة حالياً. 4 - الوصول الى 11 مليار دولار من الصادرات السلعية تقليدية وغير تقليدية بما فيها السياحة وقناة السويس في عام 1998 و4.15 مليار دولار عام 2001. وتراهن الحكومة المصرية على ان يبلغ حجم التصدير ثلاثة اضعاف معدل النمو السكاني 1.2 في المئة بحيث يضمن لمصر مكانتها كمركز رئيسي للتجارة والصادرات في المنطقة، مما يدعم دورها السياسي والثقافي