في تقريره السنوي تحت عنوان "آفاق نمو الاقتصاد العالمي والدول النامية لعام 2001" خص البنك الدولي مصر بقسط كبير من التفاؤل، مستنداً إلى انتعاش السياحة وزيادة عائداتها، فضلاً عن توقع اجتذاب البلاد المزيد من الاستثمار الاجنبي في ظل مواصلة الاصلاح الاقتصادي والمالي، وتوقع خبراء البنك ان تكون نسبة النمو قد بلغت بين 5 و6 في المئة عام 2000، ووصفوها بانها من اعلى معدلات النمو في بلدان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، مع العلم ان معدل النمو في المنطقة كلها بلغ 3.1 في المئة في مقابل 2,2 في المئة عام 1999. ووفقاً لاحصاءات مصرية رسمية فقد سجل الاداء الاقتصادي نمواً بلغ 5,5 في المئة خلال العام 2000، وتسعى الحكومة الى زيادته الى 7 في المئة سنة 2001، ولوحظ ان الاقتصاد المصري سجل مؤشرات ايجابية خلال العام الماضي، أهمها: تضييق الفجوة بين الصادرات والواردات للمرة الأولى منذ خمس سنوات، اذ ازدادت صادرات مصر من السلع في مقابل خفض وارداتها، وأدى ذلك الى خفض العجز في الميزان التجاري بنحو ملياري دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2000. بلغت حصيلة برنامج التخصيص 12 مليار جنيه، وقد حصلت الدولة على 6 مليارات، في مقابل مليارين مكافآت للعمال عن المعاش المبكر وأربعة مليارات للمصارف الدائنة. حافظت السياسة الاقتصادية على احتياط النقد الاجنبي في حدود 15 مليار دولار. خفضت مصر الدين الخارجي، حين سددت اكثر مما اقترضت، فانخفض هذا الدين بمقدار 700 مليون دولار، ووصل الى 27.2 مليار دولار، معظمها ديون طويلة الاجل وبفائدة سنوية محدودة. سددت الحكومة في العام الماضي متأخراتها للمقاولين والموردين، وقد بلغت 8.2 مليار جنيه عن اعمال نفذت حتى 30/6/1999، وخصصت 6.5 مليار دولار مستحقة من اعمال نفذت حتى 30/6/2000. ادرجت مؤسسة "ستانلي مورغان" مصر بدءاً من 7 آب اغسطس 2000 على المؤشر العالمي للأسواق الناشئة، امام كل الاسواق العالمية نتيجة توافر الامان السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانخفاض نسبة المخاطر، وكان ذلك دليلاً على حرص المؤسسات المالية الدولية على الوجود الفعال في السوق المصرية التي توجد فيها فرص استثمارية عالية الربح، بخاصة في ظل التسهيلات التي توفرها الدولة للمستثمرين. ومع الاقبال على الاستثمار في مصر، عدلت اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار التي تضمنت اضافة نشاط ضروري وملح لجذب الاستثمار الاجنبي، فاضيفت اربع مجموعات من النشاط لتصنيع المعدات والمناطق التكنولوجية والاتصالات والبنية الاساسية، تتمتع بمزايا وحوافز قانون الاستثمار. اضافة الى كل ذلك نجحت الحكومة المصرية في تخطي الاعراض الجانبية التي تعرض لها الاداء الاقتصادي، سواء أزمة السيولة والركود، أو الأزمة التي مرت بها سوق الصرف الداخلية في الاسواق، ومن أسبابها: حجب السيولة، التوسع في الاقراض، زيادة الاستيراد من دول جنوب شرقي آسيا بمعدل 4 اضعاف بعد انخفاض اسعار عملاتها، وزيادة المخزون السلعي الراكد لدى التجار والمستوردين، وذلك عبارة عن ائتمان وتسهيلات من المصارف، ووجود مخزون عقاري هائل لا يتناسب مع القدرة الشرائية، الى جانب الانفاق الحكومي، والاستثمار في المشاريع العملاقة ومعظمها استثمارات طويلة الاجل. واتخذت الحكومة الخطوات الضرورية لحل أزمة السيولة والركود وفي مقدمتها دفع المستحقات لشركات المقاولات. وفي اطار خطة شاملة لتنشيط الحركة داخل الاقتصاد المصري وتدبير الموارد المالية، تخطط الحكومة المصرية لتوفير 4 مليارات دولار من مصادر خارجية، وذلك عن طريقين: الاول، اصدار سندات دولية في اسواق المال العالمية بقيمة تبلغ نحو 1.5 مليار دولار. الثاني، قروض بقيمة 2.5 مليار دولار، من مصادر تمويل عربية ودولية، منها صناديق عربية خليجية والبنك الافريقي للتنمية فضلاً عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومن المنتظر ان يساهم هذا الاقتراض في زيادة حجم الدين الخارجي لمصر والبالغ نحو 27.2 مليار دولار، متراجعاً من نحو 50 ملياراً في اوائل التسعينات، نتيجة اعفاءات من قبل حكومة الولاياتالمتحدة وحكومات دول نادي باريس. ويلاحظ أن مصر حجمت الاقتراض الخارجي خلال التسعينات واعتمدت على مواردها الذاتية على رغم هبوط معدلات الدخل من قطاعي النفط والسياحة، وذلك حفاظاً على حرية القرار وعدم الخضوع لشروط المنظمات الدولية، لكن يبدو ان هذه المشكلة برزت من جديد مع عودة الحكومة الى الاقتراض من الخارج بسبب السيولة والركود الاقتصادي. وتبرز أهمية هذه العودة، بل خطورتها، كونها تختلف عن الماضي، ففي الثمانينات كان متاحاً لمصر اقتراض حكومي بشروط ميسرة، اما اليوم فقد تحول معظم الاقتراض الى اقتراض مصرفي ومن القطاع الخاص، واصبح اكثر كلفة بالشروط التجارية، وكانت مصر في السابق تستفيد من مؤسسات التنمية الدولية التي كانت تقرض الدول الفقيرة المحدودة الدخل بلا فوائد، ولكن عندما جرى تعديل ارقام الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد في مصر حيث قفز من 650 الى ما يزيد عن 1200 دولار اصبح متعذراً على مصر الاستفادة من هذه التسهيلات. وتزداد المشكلة اهمية عندما يتبين من بعض الدراسات ان مصر بحاجة الى استثمارات تبلغ قيمتها نحو 153 مليار جنيه موزعة على الشكل الآتي: نحو 40 مليار جنيه في مجال المياه والصرف الصحي، و35 مليار جنيه في مجال الكهرباء، و32 مليار جنيه في مجال التعليم، و25 مليار جنيه في مجالات النقل والمواصلات والمطارات، ونحو 21 مليار جنيه في مجال النفط. بالاضافة الى استثمارات كبيرة مطلوب تنفيذها في مجال الصناعات التحويلية والزراعة، مما يتطلب وجود ارضية مناسبة من القوانين والتشريعات، ومعطيات اقتصادية واجتماعية مناسبة، وسياسات ترويجية جريئة وطموحة لجذب الاستثمارات المباشرة. هل يمكن تحقيق ذلك؟ بالطبع يمكن ذلك، شرط تغيير خط سير تدفق الاموال بشكل يساهم في ايجاد التوازن في ميزان المدفوعات بحيث يسجل مؤشرات ايجابية، وليس كما هو الحال الآن، وفق رأي بعض الخبراء الذي افاد ان الارقام الرسمية تشير الى ان التدفقات المالية الواردة لمصر سواء القروض او الاستثمارات، هي اقل بكثير مما يخرج من مصر بشكل رسمي عن طريق الحكومة او التزامات افراد او من خلال كبار رجال الاعمال لتصدير اموالهم واستثمارها في الاسواق الخارجية، وربما يكون ذلك ما اثر على سعر العملة والسيولة في وقت واحد، ومن ذلك يتضح ان هناك احتمالات كثيرة ومتوقعة لزيادة الديون الخارجية المصرية