مشهد الفرنسي جيرار هوييه مدرب فريق ليفربول الانكليزي وهو يكاد يسقط أرضاً مغمياً عليه اثناء مباراة لفريقه لم يكن المشهد الوحيد الذي عرفته ملاعب كرة القدم في العالم. فكما ان هناك كثيرين قضوا في الملاعب أو أمام شاشات التلفزيون، بذبحة قلبية قاتلة، هناك ايضاً مدربون خفقت قلوبهم بسرعة فائقة، قبل ان تتلاشى نبضاتها، لكن الطب انقذهم في اللحظات الأخيرة. التشويق والقلق والتوتر العصبي ستريس من صفات الألعاب الرياضية عموماً وكرة القدم خصوصاً. فكم من ضحية سقطت بسبب الحماس للكرة في الأماكن القصية من العالم، خصوصاً الفقيرة منها، ولم يسمع بها أحد بسبب الضغوط النفسية التي لم يستطع القلب الضعيف أو المريض ان يتحملها؟! ضحايا كثيرون لا علاقة للعنف بمصيرهم، حتى وان كانت المباراة تجري على بعد آلاف الكيلومترات. فمفعول الشاشة الصغيرة قد يكون أشد تأثيراً على المشاهد من حضور المباراة. وإذا كان معظم الضحايا من المشاهدين يظلون مجهولين، فإن الضحايا من اللاعبين والمدربين يزدادون شهرة، خصوصاً اذا خان احدهم القلب على أرض الملعب، كما حصل لمدرب ليفربول الذي نقلوه من الملعب الى المستشفى حيث خضع لجراحة في القلب استغرقت 11 ساعة وانقذت حياته. ويبدو ان لبريطانيا قصب السبق في أوروبا والعالم، في تعرض المدربين لذبحات قلبية. فمنذ العام 1985 شهدت الملاعب البريطانية إصابة خمسة مدربين من الصف الأول، بينهم جوك ستين المدرب الذي جعل فريق سلتيك يحصل عام 1967 على كأس أوروبا للمرة الأولى في تاريخ المملكة المتحدة. ففي ذلك العام كان ستين مدرباً لمنتخب اسكوتلندا الذي كان يخوض في كارديف مباراته الحاسمة للتأهل لمونديال العام 1986. وعلى مقعد المدرب والاحتياطيين صعقته ذبحة قلبية قاتلة أمام أنظار أكثر من 40 ألف شخص. ويشاء سوء الطالع ان يتعرض اثنان من لاعبي ستين السابقين لمشاكل في القلب بعدما كانا اعتزلا اللعب وتحولا الى التدريب. الأول كيني دالغليش والثاني غرايم سونيس. ففي العام 1991 اضطر دالغليش الى التوقف عن تدريب ليفربول بعدما شعر بآلام في الصدر، فقيادة أكبر وأهم ناد كروي في ذلك الوقت، اضافة الى أحداث ملعب هيلزبره المفجعة عام 1989 ضاعفت الضغوط على دالغليش فوصل الى حافة الانهيار، لكنه عاد بعد شهور ليقود فريق بلاكبيرن الى الفوز ببطولة الدوري الانكليزي في الموسم التالي. اما المدرب سونيس فقد قاده قلبه الضعيف الى طاولة العمليات الجراحية. ثم كان دور مدير نادي ويمبلدون جو كينير الذي ضربته ذبحة قلبية اثناء مباراة فريقه مع فريق شيفيلد وينزداي، لكن وجود طبيب الى جواره أنقذه، اذ نقله خلال أقل من دقيقتين الى المستشفى، وهو لا يزال يتذكر التفاصيل: "كنت أتحدث مع اللاعبين عندما فقدت الاحساس كلياً الى الجهة اليسرى ووقعت مغمياً علي". غير ان هناك مدربين فضلوا الانسحاب نهائياً، وبدلاً من التوتر والضغوط النفسية أخلدوا الى الراحة، مثل جون الدريج، أحد أبطال ليفربول في عصره الذهبي، الذي استقال من نادي "ترانمير روفرز" مطلع الصيف الماضي، معترفاً بأن وضعه وصل الى حافة الخطر بسبب اهماله المتواصل لصحته. ولا توفر الذبحات القلبية المدربين الايطاليين. ففي مطلع العام الحالي كان فريق بارما يخوض مباراة ضد فريق اودينيزي على أرض الأخير، وفجأة اكتشف الجمهور ان مقعد مدرب بارما اريغو ساكي شاغراً، وظن الكثيرون ان هذا المدرب القدير على خلاف مع ادارة النادي لذلك قرر الانسحاب، لكن ساكي كان في المستشفى بعدما أصيب بذبحة قلبية. ومع انتهاء المباراة كان خبر انسحاب المدرب على كل شفة ولسان. وفي اليوم التالي اكد ساكي اعتزاله التدريب بعدما أصيب بذبحتين خلال اسبوع واحد وكاد ان يصطدم بشاحنة أثناء قيادته سيارته. ووقع اعتزال أحد أشهر المدربين واغلاهم في العالم وقع الصاعقة على ايطاليا، خصوصاً ان ساكي قاد بارما في ثلاث مباريات فقط منذ تسلم ادارة الفريق، بعد سنتين من الراحة بسبب مشاكل صحية، من بينها انهيار عصبي اثناء تدريبه نادي اتلتيكو مدريد خلال موسم 1998 - 1999. لكن شهرة ساكي صنعتها أمجاده مع نادي أي. سي ميلان الذي أوصله الى القمة في ايطاليا وفي أوروبا، أواخر الثمانينات ومطالع التسعينات، مع كل ما رافق ذلك من جدال حول أساليب هذا المدرب الثوري الذي فرض على لاعبيه تنفيذ الخطط التي يرسمها قبل اظهار مهاراتهم الفردية. مدرب آخر من "العيار الثقيل" خانه القلب ايضاً وهو في أوج عطائه. يوهان كرويف اللاعب الهولندي الشهير الذي تحول الى التدريب في أوائل التسعينات وتسلم دفة نادي برشلونة ليجعل منه أحد اشهر الاندية في العالم ورمزاً للعب الجميل. لكن مغامرة كرويف لم تدم طويلاً، اذ وجد نفسه على طاولة العمليات الجراحية في أحد مستشفيات برشلونة، اثر ذبحة قلبية صاعقة وهو في الثالثة والاربعين. واذا كانت حياة كرويف قد أُنقذت فبفضل كرويف نفسه الذي أقلع عن التدخين نهائياً، واتبع نظاماً حياتياً صارماً، خصوصاً انه كان فقد والده وهو في سن ال13 بذبحة قلبية في أحد مقاهي أمستردام. وبعد حوالي خمس سنوات وجد كرويف نفسه على خلاف مع ادارة نادي برشلونة التي استغنت عن خدماته، فقرر اعتزال التدريب نهائياً على رغم العروض الكثيرة التي تلقاها، مكتفياً بتعليقات رياضية في التلفزيون، هو الذي كان ذات يوم أشهر رياضي هولندي. لكن السؤال هو لماذا ينسحب المدربون مع أول انذار قلبي؟ الجواب بسيط، فمهنة تدريب فرق كرة القدم تفرض قوة شخصية وصرامة، وإلا فإن تعليمات المدرب تظل من دون تنفيذ، خصوصاً مع كل ما تشهده كواليس الفرق من صراعات بين اللاعبين. لذلك عندما يتعرض المدرب لحادث صحي، خصوصاً اذا كان في القلب، يفضل الانسحاب لأنه لا يعود قادراً على تحمل الضغوط، اضافة الى موقفه الصحي الحساس تجاه اللاعبين، وتأثير ذلك على شخصيته