كنا نُخيّر في الطائرات بين "تدخين" او "لا تدخين"، واصبح معظم الرحلات الآن من دون تدخين، غير ان ثمة خياراً اهم من السجاير لا أزال أنتظر ان أسمعه هو "بصل" او "لا بصل" و"ثوم" او "لا ثوم". لا بد ان كل راكب جلس يوماً من دون ان يخيّر بين الاستاذ بصل والسيدة ثوم يعرف كم هي الحاجة الى مثل هذا الخيار. غير انه لن يأتي فمنذ ارهاب 11 ايلول سبتمبر وقطاع الطيران العالمي يترنح، وهناك مشاكل اهم من رائحة بعض الركّاب. وجدت نفسي في الاسابيع الاخيرة بين مطار ومطار، غير ان ثمة مطاراً لن استعمله في المستقبل المنظور هو مطار رونالد ريغان في واشنطن، اي المطار المحلي الذي عرفناه عقوداً باسم "ناشونال". والطائرة لا تقلع من هذا المطار حتى تكون فوق البنتاغون، او البيت الابيض، او تلة الكابيتول، لذلك فالاجراءات الامنية المفروضة عليه تزيد اضعافاً عنها في اي مطار آخر. وقرأت ان الركاب ممنوعون من مغادرة مقاعدهم نصف ساعة بعد الاقلاع، وان هناك طائرات حربية وصواريخ اذا خرجت طائرة تجارية عن مسارها المرسوم. كما ان هناك كلمة سر بين الطيارين وبرج المراقبة تغيّر كل يوم. هل أروح ضحية نسيان الطيار كلمة السر؟ اعتقد انني سأستخدم القطار في المرة المقبلة التي ازور واشنطن. الولاياتالمتحدة قارة، فالمسافة بين نيويورك ولوس انجليس في طول المسافة بين نيويورك ولندن، والسفر بالطائرات جزء اساسي من الحركة اليومية، لذلك لا يقدر مدى الكارثة التي احاقت بهذا القطاع سوى الذين عاشوا هناك مثلنا. قائد طائرة الركاب في الولاياتالمتحدة عادة ما يفتح حديثاً مع ركابه، وهو مكلف ان يقدم دعايات لشركته، والراكب مربوط لا يستطيع فكاكاً فيتحدث عن اسعار بعض الرحلات، او اذا كانت هناك خطوط جديدة. وهو لا يتردد في مهاذرة الركاب، واذكر عندما كنت ازور اخوتي في الجامعة في وسط الغرب الاميركي قال قائد طائرة: "لدى شركتنا اجمل مضيفات في العالم، الا ان من المؤسف انهن لسنا معنا على هذه الرحلة". وسمعت مرة مضيفة تقول: "ممنوع التدخين في المراحيض، واذا ضبط راكب وهو يدخّن في مرحاض، فسيُطلب منه مغادرة الطائرة فوراً". وقرأت اخيراً على الانترنت مجموعة من احاديث مسجلة في رحلات تجارية داخل الولاياتالمتحدة، قد تبدو "مفبركة"، الا ان الذين يعرفون السفر بالطائرات في الولاياتالمتحدة سيدركون انها ليست كذلك بالضرورة. وقرأت ان مضيفة قالت للركاب انه اذا فقدنا الضغط فجأة في الطائرة فستهبط اقنعة الاوكسجين من السقف، وعلى الراكب ان يضع قناعه على وجهه اولاً، قبل ان يحاول مساعدة الصغار، او اي كبير يتصرف كالصغار. وسمع الركاب مضيفة تقول قرب نهاية الرحلة: تذكروا ان تأخذوا كل حوائجكم معكم، لأن اي شيء تتركونه خلفكم سيوزع على المضيفات والمضيفين. وبعض الكلام يكاد يكون فلسفياً: - تعلّم من اخطاء غيرك، لأنك لن تعيش لترتكب كل الاخطاء بنفسك. - كل اقلاع اختياري، ولكن كل هبوط إلزامي. - القرار الصائب اساسه الخبرة، ولكن الخبرة تأتي من القرارات الخاطئة. - عدد مرات الاقلاع يجب ان يكون مساوياً لعدد مرات الهبوط. - الجاذبية ليست نظرية، وانما قانون غير قابل للتعديل. - اذا جرى سباق بين جسم من الالومينيوم يسير بسرعة مئات الاميال في الساعة والارض التي تسير بسرعة صفر، تربح الارض. - من الافضل ان تكون تحت وتتمنى لو كنت فوق، من ان تكون فوق وتتمنى لو كنت تحت. ولا بد ان ركاب الطائرات التي خطفها الارهابيون تمنوا لو بقوا تحت، ولكن حظهم قليل وهو يذكّرني بملاحظة طيّار فيلسوف قال: تبدأ وعندك وعاءان، احدهما للحظ وهو ملآن والآخر للخبرة وهو فارغ، والشاطر هو من يملأ وعاء الخبرة قبل ان يفرغ وعاء الحظ. ماذا يحدث اذا كنت في طائرة ونفد حظ الطيّار؟ الارهاب الاخير جعل افكاري قاتمة لا فلسفية، ومع ذلك احاول ان أسرّي عن نفسي والقارئ، فقد سمعت مرة رجلاً يقول انه في كل مرة يسمع العبارة ان الرحلة "من دون توقف" يفكر في زوجته. والازمة الحالية تحتاج الى تفكير مبتكر، مثل ان يجعلوا رحلة الزوجة بعشرة ريالات ذهاباً، ومئة الف ريال اياباً، يعني في العودة. واترك القارئ مع هذه "الفزّورة"، فقد جلست في مقعدي وانحنت فوقي مضيفة حسناء سألتني ماذا ارغب. وقلت: فنجان شاي. والفزّورة هي لماذا في كل مرة اطلب ثاني شيء ارغب فيه