خيّمت أحداث 11 أيلول سبتمبر، على أجواء الدورة السابعة عشرة ل"معرض الكتاب العربي" الذي نظمته "مكتبة الأسد الوطنية" في دمشق. وحاول بعض دور النشر المشاركة، استثمار الأحداث على عجل، في ظل تعطش القارئ العربي الى معرفة ما يدور في أفغانستان. فعلى رغم مواكبة الفضائيات لهذا الحدث، ظهر عطش لدى الجمهور للتعمّق في معرفة تلك البلاد الغامضة البعيدة. وفوجئت "دار الرشيد" الدمشقية التي أصدرت قبل نحو عام، كتاباً بعنوان "أسامة بن لادن: واحد من مليار" لمؤلفه عماد ندّاف، بأن الكتاب يتصدر قائمة الكتب الأكثر رواجاً في المعرض، ما جعلها تضاعف كمية النسخ المطبوعة. أما "دار الآداب" البيروتية، فسارعت الى ترجمة رواية صغيرة بعنوان "أرض ورماد" للروائي الأفغاني عتيق رحيمي، وترصد أحداث مجزرة ارتكبها الجيش السوفياتي في قرية أفغانية. وأول ما يطالعك في المعرض الذي انتقل منذ سنتين الى "مدينة معرض دمشق الدولي" هذا الازدحام الذي تغص به أجنحته. لكن أحد أصحاب دور النشر أوضح ان معظم زوار المعرض جاء للنزهة والتسكع في الكافتيريات المنتشرة في أرجاء المكان، وأن المبيعات في تراجع واضح قياساً للدورات السابقة. واعترف آخر ان القراء يعرفون ما يريدون، وقد اعتادوا على ارتياد دور نشر محددة، تحقق رغباتهم، خصوصاً ان المعرض هو الفرصة الوحيدة المتاحة أمامهم للحصول على أحدث الاصدارات العربية التي لا تتوافر عادة في المكتبات السورية، ولا يمكن اقتناءها الا خلال أيام المعرض، كالمطبوعات المصرية والمغربية، أما دور النشر السورية، فحاولت استقطاب جيل الشباب المتعطش الى كتب المعلوماتية والكومبيوتر، بعد انتشار مقاهي الانترنت في سورية، وتوجه شريحة عريضة من القراء الى ثقافة الC.D الأقراص المدمجة، والتي يباع القرص الواحد منها بخمسين ليرة سورية ما يعادل دولاراً واحداً، نتيجة غياب حقوق الملكية الفكرية وانتشار القرصنة. وعلى رغم صدور قانون لحماية الملكية الفكرية منذ أشهر عدّة، الا انه لم يطبق فعلياً الى اليوم. ويشير عدنان سالم رئيس اتحاد الناشرين السوريين الى ان وزارة الثقافة "لم تحدث مديرية خاصة لتسجيل حقوق المؤلف، ولا ضابطة عدلية لإصدار القرارات والتعليمات الصريحة". ولعل هذا الأمر شجع دور النشر ومحلات بيع الأقراص المدمجة على استغلال الفجوة، وربما لهذه الأسباب وضعت "دار الفارابي" اعلاناً كبيراً في مدخل جناحها تحت عنوان: "هنا تباع مؤلفات أمين معلوف حصرياً". ويؤكد علي بحصل مسؤول الدار، ان "حقوق نشر مؤلفات أمين معلوف محفوظة ل"دار الفارابي"، لكن هناك دور نشر عربية عدة، تتجاوز هذه الحقوق، ما يضر بمبيعات الدار". أحد الناشرين علّق بتهكم عن أكثر الكتب مبيعاً في المعرض قائلاً: "كتب الطبخ والروايات"، وبالفعل سيجد من يتجول بين أروقة المعرض، تنافساً محموماً في ابراز أحدث كتب الطبخ. وهاهي "دار الفكر"، تضع في أحد الممرات عشرات النسخ من كتاب "أسرار التغذية مع كارلا: مرجعك الى الغذاء الصحي والقوام الرشيق". فيما حضرت الدكتورة مريم نور الخبيرة في شؤون التغذية لتوقيع كتابها: "فنجان قهوة من ركوة مريم نور". وقد أربك ذلك مبيعات كتاب "الشيف رمزي" الذي احتل المرتبة الأولى في المبيعات، خلال دورات سابقة من المعرض. واعترضت مريم نور على ظاهرة معارض الكتب برمتها قائلة: "لماذا يقطعون الأشجار، ويصنعون منها الورق والكتب، طالما ليس هناك من يقرأ؟"، فردّ بعض الحاضرين محتجّاً على هذا الكلام السهل، متهماً اياها بالاستعراضية والولع بالنجومية التي حققتها لها الفضائيات العربية. وكان واضحاً تأثير برامج المسابقات، والتمارين الرياضية، والأبراج التي عززتها ثقافة الفضائيات، على اهتمام بعض دور النشر. ولعل تسليع الثقافة عموماً وجد صداه في عناوين من نوع "الأوراك والأرداف المثالية في عشر دقائق يومياً"، و"اقرأ خريطة حياتك في راحة يدك"، و"غرائب وعجائب النساء". أما الوصفة السحرية للمسابقات التلفزيونية فتجدها في كتب كثيرة، مثل: "مسابقات لمن سيربح المليون"، و"موسوعة الألعاب الثقافية"، و"موسوعة 100 سؤال وجواب". وهناك عناوين أخرى تتفوق عليها بعنوان "1099 سؤال وجواب"! واذا كان لديك وقت فائض لتصفح بعض محتويات هذه الموسوعة العجيبة، فستقع على أسئلة على شاكلة: "أين تقع بلاد الواق الواق؟"، و"ما هو تعريف الخادرة في علم الحشرات؟". لكن الخبر اليقين تجده في موسوعة أكثر اثارة، انفردت بها "دار السلوى"، وهي بعنوان "بنك المعلومات" لصاحب برنامج "من سيربح المليون"، جورج قرداحي شخصياً. وفي "دار الخيال"، يلفت انتباهك غلاف كتاب ضخم بعنوان: "تحية كاريوكا بين الرقص والسياسة: الأوراق السياسية لأشهر راقصة مصرية" لسليمان الحكيم. وللرواية الحصة الأكبر في اهتمامات الجمهور السوري، سواء كانت عربية أم مترجمة، وها هو حنا مينة، يوقع روايته الجديدة "صراع امرأتين" في جناح "دار الآداب"، حيث تلقى أعمال هذا الروائي اهتماماً لافتاً من الجيل الجديد. فيما تتصدر رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي في طبعتها السادسة عشرة رفاً كاملاً على رغم تراجع مبيعاتها مقارنة بالسنوات السابقة. ويقول مدير جناح "دار الآداب": "لا تزال الرواية في مقدمة اهتمامات القراء، بدليل ان رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ ما تزال مطلوبة على رغم مرور 30 سنة على صدور طبعتها الأولى". ومن العناوين الجديدة الرائجة هنا، الجزء الثالث من "أوراق حياتي" لنوال السعداوي الذي منعته بعض المعارض العربية، و"نقطة النور" أحدث روايات بهاء طاهر و"ليل البلاد" لجنان جاسم حلاوي، و"انها لندن يا عزيزتي" لحنان الشيخ و"مدام بوفاري" لغوستاف فلوبير. وتراهن "دار رياض الريس" على العناوين الاشكالية والابداع العربي حصراً. وقد طرحت طبعة ثانية من ديواني محمود درويش الأخيرين "لماذا تركت الحصان وحيداً"، و"سرير الغريبة". فيما منعت الرقابة ديوان بول شاوول الأخير "كشهر طويل من العشق"، وأفرجت في الوقت ذاته عن رواية "اختبار الحواس" للروائي السوري علي عبدالله سعيد، بعد عشر سنوات على منعها من التداول! وكان بوسع القرّاء أن يبتاعوا ديوان جوزيف حرب "السيدة البيضاء في شهوتها الكحلية" الذي منع في معرض القاهرة للكتاب، الأمر الذي يدعو للتساؤل والتشكيك في أمزجة الرقابة العربية ومرجعياتها الفكرية! أما "دار ورد" الدمشقية، فاستعادت أصداء المعركة التي دارت رحاها في العام الماضي حول رواية "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر، بإصدار الطبعة السابعة من الرواية، وطبعة خاصة من كتاب "وليمة للارهاب الديني" لحلمي النمنم الذي يشتمل على عرض وتوثيق وقائع تاريخ من المصادرة والاضطهاد والمحاكمات عبر مسيرة الثقافة العربية. كما يتضمّن كتاب النمنم وثائق المعركة التي شغلت الرأي العام العربي، اثر صدور طبعة جديدة من رواية "وليمة لأعشاب البحر" في سلسلة "آفاق الكتابة" المصرية. ونشرت "دار ورد" نصاً جديداً لصاحب الوليمة بعنوان "مراثي الأيام". من جهتها، عززت "دار المدى" اصداراتها هذا العام بمشاريع ثقافية عدّة تؤكد تفرد هذه الدار في استقطاب أبرز الكتّاب والمبدعين العرب. ففي مشروع "الكتاب للجميع"، تطرح الدار نحو 30 عنواناً لأشهر الكتب العربية والمترجمة التي أسست لثقافة القرن العشرين، في طبعات شعبية، تباع بسعر الكلفة. هكذا نجد كتباً مثل "في الأدب الجاهلي" لطه حسين في طبعته الأولى غير المنقحة، و"رسائل ابن عربي"، و"ملحمة غلغامش"، و"غابة الحق" وهي أول رواية عربية، كتبها الحلبي فرانسيس مراش العام 1865. وعن الدار التي يشرف عليها فخري كريم صدرت سلسلتان جديدتان هما: "كتاب المدى" المتخصص في الدراسات الفكرية، و"روايات المدى". وكان لأعمال محمد الماغوط الحضور الأقوى من اهتمامات القراء، حيث بيع كتابه الجديد "سياف الزهور" والطبعة الثانية من كتابه "سأخون وطني"، اضافة الى كتاب ثالث عن تجربة صاحب "الفرح ليس مهنتي" بعنوان "محمد الماغوط وطن في وطن" للؤي آدم. وللمرة الأولى، حضر خالد المعالي، صاحب "دار الجمل" الى دمشق للتعرف عن كثب على فعاليات هذا المعرض وعلى الحياة الثقافية السورية. وكان مأخوذاً بأجواء "مقهى الروضة"، حيث يتواجد المثقفون السوريون والعراقيون، فشاركهم حلقات النقاش. وأكثر ما يلفت في جناح "دار الجمل"، رواية بلا غلاف، شحنها الناشر على أمل ان يتسلم غلافها من المطبعة لاحقاً، لكن فترة المعرض انتهت ولم يصل البريد. أما الرواية فهي للكاتب السعودي عبده خال وتحمل اسم "الأيام لا تخبئ أحداً". ومن الروايات الجديدة الأخرى "بصقة في وجه الحياة" لفؤاد التكرلي و"وداعاً بابل" لنعيم قطان و"الأسلاف" لفاضل العزاوي. وإذا كان لا بدّ من دليل على أن الأحداث الساخنة فرضت نفسها على الاهتمام العام، فهو انفضاض الجمهور عن الندوة المركزية المرافقة لأيام المعرض. والسبب أن محور الندوة جاء بعيداً عن السجالات الساخنة التي شهدتها الدورات السابقة مع الاقبال الواسع! عقدت الندوة تحت عنوان لا يثير اهتماماً كبيراً وهو "التطور التقني في البلدان النامية"، بمشاركة باحثين سوريين ولبنانيين فقط. فهل نرى في هذه الظاهرة ما يشير الى توجهات جديدة في وزارة الثقافة السورية التي ترعى معرض الكتاب؟ مدير مكتبة الأسد الوطنية علي العائدي، اكتفى بالاشارة إلى أن الندوات الفكرية متاحة في النشاطات الدورية للمكتبة