كان كل شيء هادئاً في بالما دي مايوركا. والسياح الأربعة الذين وفدوا إلى المدينة بجوازات سفر إيرانية لم يثيروا أي شبهة. رجلان وامرأتان في فندق والغرض سياحي بحت. لم يعرف أحد أن الأربعة استدعيوا قبل أقل من أسبوعين إلى بغداد ووجدوا أنفسهم أمام الدكتور وديع حداد بعدما كانوا تدربوا قبل ذلك في معسكر "المجال الخارجي" في اليمن الجنوبي. انتظر السياح السلاح فوصل ولم يبق غير التنفيذ. في 14/10/1977 اقلعت من مطار المدينة طائرة من طراز "بوينغ 737" تابعة لشركة "لوفتهانزا" الألمانية الغربية تنقل 86 راكباً بينهم 4 مضيفات وقائد الطائرة ومساعده. أما الركاب فكانوا من الألمان والاسبان ومعهم أميركية واحدة. فجأة صرخت امرأة تحمل قنبلتين يدويتين معلنة خطف الطائرة. كان اسم المرأة سهيلة اندراوس السايح، وهي ستكون الناجية الوحيدة من فريق الخاطفين بعد تجوال الطائرة المخطوفة في سماء الشرق الأوسط والخليج وانتهاء رحلتها في مقديشو. تزودت الطائرة بالوقود في قبرص والبحرين ودبي، ورفضت مطارات عدة استقبالها فتوجهت إلى عدن وفجأة غادرتها إلى مقديشو التي كانت أعلنت رفضها استقبال الطائرة المخطوفة. قتل الخاطفون قائد الطائرة لأنه نجح ابان الطواف بين المطارات في تسريب معلومات عن الخاطفين. وبعد خمسة أيام وتحت جنح الظلام هاجم كوماندوس الماني غربي الطائرة الجاثمة في مقديشو وقتل زهير عكاشة قائد المجموعة ونبيل حرب ونادية دعيبس، واصيبت سهيلة اندراوس السايح بست رصاصات توزعت في الرئة والرجلين وأنحاء أخرى من جسمها. طالب الخاطفون الذين قالوا إنهم ينتمون إلى "منظمة محاربة الامبريالية العالمية" بإطلاق عدد من المعتقلين في سجون المانيا الغربية وباطلاق فلسطينيين اعتقلا في تركيا. ويؤكد رفاق وديع حداد أن العملية لم تكن مالية وان الحصول على فدية لم يكن بين المطالب. قبل خمس سنوات كان ل"المجال الخارجي" موعد آخر مع "لوفتهانزا" انتهى بانصياع بون لإرادة الخاطفين ودفعت يومها خمسة ملايين دولار في مقابل الافراج عن الطائرة التي اقتيدت إلى عدن. لكن الموعد الثاني جاء دامياً. للمرة الأولى ستنكشف بعض الخيوط الحقيقية لتلك العملية. لم تكن لها أصلاً أي علاقة بمقديشو. فقبل فترة وافق الرئيس اليمني الجنوبي سالم ربيع علي خلال لقاء مع وديع حداد على استقبال الطائرة التي ينوي "المجال الخارجي" خطفها ووافق أيضاً على تفجير الطائرة في حال رفض السلطات الألمانية الغربية التجاوب مع مطالب الخاطفين. لكن التجاذب الذي حصل في عدن لدى اقتراب الطائرة وهبوطها ساهم في تغيير الحسابات. ذهب الخاطفون إلى مقديشو ومعهم جثة الطيار، الأمر الذي ضاعف تصميم بون على عدم الرضوخ. وللمرة الأولى سيتضح أن الرئيس الصومالي محمد سياد بري خان "صديقه" السابق حداد، وهو سيعترف بذلك لمسؤول في "المجال الخارجي" سارع إلى مقديشو غداة اقتحام الطائرة لمعرفة الملابسات. قال سياد بري للزائر: "إنهم أبنائي لكنني بعتهم في صفقة". وفي هذه الحلقة سيتضح أن حداد خطط لاغتيال وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر في دمشق أو القاهرة ابان الرحلات التي قام بها لفض الاشتباك، لكن سرعة انتقال الوزير الأميركي حالت دون التنفيذ. كما تظهر الحلقة أن العراق كان الممول الرئيسي ل"المجال الخارجي"، وإن بمبلغ متواضع، وان ليبيا قدمت مساعدة محدودة. كانت عملية مقديشو الضربة الأخيرة. رافق حداد ملابساتها من عاصمة افريقية. وبعد بضعة أسابيع سيداهم المرض حداد فيبدأ رحلة العلاج التي ستنتهي بوفاته في برلينالشرقية في 28 آذار مارس 1978. وهنا نص الحلقة السادسة: كيف حصلت عملية مقديشو؟ - لم تكن لها اصلاً أي علاقة بمقديشو اذ كان مقرراً ان تنتهي عملية خطف الطائرة الألمانية الغربية في عدن. حصلت اجتهادات من الرفاق المشاركين في العملية. كان الغرض من العملية الافراج عن عدد من المعتقلين في أوروبا. وصلت الطائرة بسلام الى عدن بعد المرور في الخليج وطاردتها طائرة المانية تقل فريقاً من الكوماندوس. لقد دفع سالمين رئيس اليمن الديموقراطي سالم ربيع علي غالياً ثمن عملية الطائرة وهو كان وافق على استقبال الطائرة قبل حدوث العملية خلال لقاء مع وديع. ووافق أيضاً على تفجير الطائرة في حال عدم استجابة المطالب. كانت عدن هي المحطة النهائية وفجأة اقلعت الطائرة من عدن. طبعاً حصل تجاذب في عدن اذ ان الفريق الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بالاتحاد السوفياتي والمانياالشرقية انتقد العملية على ما يبدو استعداداً لتحميل سالمين المسؤولية. لماذا وافق الفريق المنفذ على مغادرة عدن؟ عندما نزل علي ناصر محمد كان رئيساً للحكومة للتحدث الى المنفذين كانت محركات الطائرات قد اديرت. كابتن الطائرة قتل خلال العملية. غادرت الطائرة وبدأ الصراع في عدن. الفريق الذي قاد الهجمة كان ممثلاً بعبدالفتاح اسماعيل ومجموعته والأمن الذي كان في عهدة "محسن". هبطت الطائرة في مطار مقديشو وهاجمها كوماندوس الماني فقتل المنفذون باستثناء سهيلة السايح. صفقة بلا أسرار في اليوم التالي من اقتحام الألمان للطائرة توجه موفد من "المجال الخارجي" الى مقديشو وطلب مقابلة الرئيس على الفور. استقبل سياد بري الموفد في الليلة نفسها وقال له بالحرف الواحد: "سلّم يا بني على الدكتور وديع وقل له ان سياد بري باع المنفذين. قل له انهم ابنائي وقد بعتهم لانقاذ الصومال من المحنة التي يعيشها. انا لا اكذب بعتهم في اتفاق". طلب الموفد من الرئيس ان يرى سهيلة السايح فقال له: "لاحقاً". سأله عن جثث من استشهدوا فقال: "هنا بلدهم كما هي فلسطين بلدهم والمسلم يدفن حيث يموت". التقى الموفد سهيلة في المستشفى لكن حالتها لم تسمح لها بشرح ما حصل. دفن الشباب في الصومال. كانت العملية مكلفة. ماذا كان تعليق وديع؟ - لم يكن وديع في مقديشو. كان في عاصمة عربية افريقية. وصل الموفد الى حيث هو موجود ففوجئ به اذ تقضي العادة ان يسبق الوصول اتصال. وصل الموفد الى مقر وديع الذي خرج واستقبله عند السيارة. اطلع الشخص وديع على ما قاله سياد بري حرفيا. كما اطلعه على التوتر في اليمن وامكان ان يدفع سالمين الثمن. كيف تمت عملية سينما "حين" في 12/12/1974؟ - ارسل المجال الخارجي شاباً إيرانياً عن طريق شرق آسيا بجواز بريطاني. كان الشاب قد تدرب على صنع المتفجرات من مواد محلية وتم تأمين الصواعق له. يدخل الى السينما حاملاً قناني مرطبات تحوي قنابل أو متفجرات مصنعة، وأثناء عرض الفيلم يفتح القنابل ويرميها في السينما ثم يفجر نفسه بحزام ناسف. نفذ العملية واستشهد موقعاً عدداً من الاصابات 62 بين قتيل وجريح. مصنع الوثائق كيف كان وديع حداد يتنقل؟ - كان يلتزم قواعد العمل السري. لم يكن يستخدم جواز سفره. الحقيقة انه استخدم معظم جوازات العالم. قيل انه كان بارعاً في صناعة الجوازات والتأشيرات؟ - بلغ الأمر حد انشاء افضل مطبعة في الشرق الأوسط لاستصدار الوثائق والجوازات. كان الهدف كسر الحصار المضروب على الفلسطينيين وقدرتهم على التحرك. هل كانت في بيروت؟ - لا. في أول عملية ضد طائرة "العال" لم نكن نملك شيئاً، لا وثائق ولا اختام. كل ما تم يومها هو الحصول على جوازات اجنبية وتبديل الصور باساليب بدائية. ادرك يومها ان الموضوع يحتاج الى حل. بدأ يفكر بانتاج الجوازات، وفي النهاية امتلك التنظيم مصنعاً للجوازات. عربية ام اجنبية؟ - كل الجوازات. هل كان المصنع قادراً على انتاج جواز سويسري مثلاً؟ - أي جواز، طبعاً من ضمن برنامج، والجوازات الأقل شبهة. في علم الأمن يفترض ان لا تستخدم الجواز المزور في البلد الأصلي. أي ان لا تستخدم جوازاً ايطالياً صنعته انت في ايطاليا. وربما عليك ان لا تستخدمه في بلد مجاور اذا كان معروفاً فيه. متى بدأ العمل في مصنع الجوازات؟ - بدأ بشكل متدرج. استعنا باصحاب خبرة في صناعة الاختام. هل ساهم "الجيش الأحمر الياباني" في انشاء مصنع الجوازات؟ - لا، اعطيناهم جوازات. لكن كل الأصدقاء ساهموا في جلب نماذج. ألم تكن هناك خبرات أوروبية شرقية؟ - لا، نحن ارسلنا عناصر تدربت في أوروبا الغربية. طلاب ذهبوا بحجة التدرب على طباعة الأوفست. كنا كلما اشترينا ماكينة جديدة تتولى الشركة تدريب عنصر على تشغيلها. وكان الشراء يتم باسماء شركات. حبش وحداد ما الذي أوصل علاقات جورج حبش ووديع حداد الى ازمة وتجميد عضوية الثاني في "الجبهة الشعبية" ثم فصله؟ - هذا الموضوع شائك. كان وديع عضواً في القيادة التي كانت موجودة في عمان لكنه كان يعمل في بيروت لاعتقاده ان شروط العمل افضل خصوصاً لجهة الابتعاد عن الأضواء. انطلقت بعض الأصوات تقول ان وديع يعمل على هواه وان على القيادة ضبطه ونقل مركز عمله الى عمان. رفض وديع حرصاً على نجاح العمل. مسؤول الأمن يومها كان صديقاً للاثنين حبش وحداد لكنه لعب على الاثنين. كان يشجع حبش على مطالبة حداد بالذهاب الى عمان ويشجع حداد على عدم الامتثال والبقاء في بيروت. عندما حصلت عملية "مطار الثورة" في عمان ظهر فريق في الجبهة يقول ان العملية ساهمت في تفجير الموقف وضرب المقاومة، وقال هؤلاء ان اليمين يعمل بلا أفق. بعد الانتقال الى بيروت حاول اليسار تحميل اليمين مسؤولية فشل التجربة في عمان والعكس صحيح. في الجانب الثاني خرجنا من عمان منهكين. لا سلاح ولا أموال. المثقفون قادرون باستمرار على ايجاد تبرير. فمن يرغب في الابتعاد يقول انا لا استطيع الاستمرار في ظل قيادة يمينية مترهلة فردية وغير منضبطة. كان الوضع المالي أيضاً سيئاً للغاية. ظهر اتجاه يقول ان هذه العمليات خطف الطائرات استنفدت اغراضها وبالتالي صارت ممنوعة. الوقت غير ملائم شيء والعمل ممنوع شيء آخر. هنا يجب التذكير بأن كل عملية كان يرافقها بيان سياسي يشرح لماذا العملية وما هي اهدافها. لم نكن هواة خطف طائرات وكان وديع يتمتع بوعي سياسي عال. أول قرار اتخذوه هو وقف خطف الطائرات وكان ذلك في 1972. نزعتان ظهرتا لدى حبش في تلك الفترة. الأولى رغبته في ان يثبت انه يساري وبالتالي فان هذا العمل خطف الطائرات يتعارض مع الفكر اليساري ويعارضه السوفيات. الثانية ان صورة وديع الاعلامية راحت تكبر وهذا يثير اشكالاً انسانياً، فمن هو الأول اذاً؟ اقول هذا مؤكداً ان وديع لم يتطلع في أي يوم الى ان يكون الرجل الأول. نحن قلنا انه لا يجوز اتخاذ القرار على هذا النحو. ليس ضرورياً ان نخطف طائرات لكن ماذا لو اضطررنا الى خطوة من هذا النوع. وقلنا ان من الأفضل ان يكون هناك برنامج يعرض على بعض القيادة وليس على كل القيادة التي صار فيها فريق يجاهر بعدائه لنا ولا نثق به. رفضنا القرار. يومها حاولوا الاستعاضة عن الموضوع بالحديث عن ضرورة العودة الى الأردن. شكلوا لجنة طوارئ لضرب اهداف تابعة للسلطة الأردنية واعطوها مهلة ثلاثة أشهر. طبعاً لم يكن الكلام منطقياً فعمل من هذا النوع قد يحتاج الى ثلاثة اشهر من الاستطلاع. ضمت اللجنة وديع والمسؤول العسكري للجبهة ونائب الامين العام أبو علي مصطفى ومسؤول الأردن. امضوا ثلاثة اشهر ولم ينفذوا أي عملية وانحلت اللجنة تلقائياً. نفذنا عمليات في الأردن لكن ليس ضمن تلك المهلة. في آذار مارس 1972 عقد المؤتمر الثاني للجبهة. كان هناك خط يساري يدعو الى انهاء هذا العمل ووضع حد لوديع حداد. بدا حبش ميالاً الى حد ما الى الخط اليساري الذي اطلقنا عليه "نادي ال26" اذ كانوا 26 شخصاً. تبين ان حبش التقاهم سراً واتفق معهم على امور معينة. قبل ذلك كانت الأزمة المالية حادة جداً وتهدد العمل. لهذا السبب قررنا عملية "اللوفتهانزا" وحصلنا على خمسة ملايين دولار. عندما جاء المبلغ لم تعد هناك مشكلة حادة. اقرينا في المؤتمر نظاماً داخلياً يقول ان المؤتمر ينتخب اللجنة المركزية. فور اقرار النظام الداخلي طلب حبش اعطاءه صلاحية تشكيل اللجنة المركزية. بدا الأمر غريباً فهل تخرق النظام الداخلي بعيد اقراره. اعترضنا. اصر حبش على تفويضه تعيين اعضاء اللجنة المركزية. علقت جلسات المؤتمر وهدد حبش بترك الجبهة. وافقنا في النهاية لكن حبش دخل المستشفى. اللجنة المركزية غير مشكلة. ذهبنا الى المستشفى وقلنا له شكل اللجنة كما تريد فشكلها وانتخب مكتب سياسي أصبح فيه وديع والفريق المتعاطف معه اقلية. قرر المكتب السياسي ان وديع حداد لم يعد مسؤولاً عن "المجال الخارجي" كما قرر توحيد العمل العسكري في لجنة واحدة. هذا حدث في 1974. بدأت بوادر الحرب الأهلية في لبنان. كان رأينا انه لا يجوز ان تكون كل "الجبهة الشعبية" في لبنان وان ندخل في معارك مع الجيش أو غيره. دعونا الى توزيع الجبهة في بلدان عربية عدة وقدمنا مذكرة. لم يؤخذ بالمذكرة. من خلال الخطة التي اقترحها غادر وديع لبنان وصار يقيم فيه لفترات بسيطة بينما طالت اقامته في عدنوبغداد. تحولت اللجنة حبراً على ورق. صار وديع يحضر الاجتماعات المهمة فقط في حين يطالب الآخرون بأن يقيم في لبنان. قطعت القيادة موازنة "المجال الخارجي" وتصاعد الكلام عن عدم انضباطية وديع. كان هناك مبلغ احتياطي لدى وديع فجاء شخص يشجعه على استخدامه. اكتشفوا ان المبلغ صرف على العمل، فاتخذت القيادة قراراً بتجميد عضوية وديع حداد و13 شخصاً آخرين. هذا في 1974 اما في 1975 فقد تحول التجميد الى قرار بالفصل. هل انقطعت العلاقة الشخصية بين حبش وحداد بعد تجميد عضوية الأخير؟ - حصل لقاءان في بيروت وآخران في بغداد. لم يتم التوصل الى نتائج. لم تحصل حساسية بالمعنى العدائي لكن لم يكن هناك اتفاق. خارج "الشعبية" ماذا بعد الفصل؟ - صرنا عملياً خارج اطار "الجبهة الشعبية" لكن من دون ان نعلن انشقاقاً. بدأنا في هذه المرحلة الاعتماد على عناصر نستقطبها نحن في حين كنا في السابق نعتمد على عناصر من الجبهة. لم نكن تنظيماً جماهيرياً. هذا يعني ان حبش لم يكن على علم مسبق بالعمليات التي نفذت بعد 1974؟ - نعم. متى التقى حبش وحداد للمرة الأخيرة؟ - المرة الأخيرة كانت في 1976 في فندق بغداد. حصل نقاش من دون اتفاق رافقه عتاب انتهى بافتراق. وفي 1978 شارك حبش في جنازة وديع. هل كان تردي هذه العلاقة قاسياً على وديع حداد؟ - جداً. خلال الجنازة اشاد حبش بمواصفات وديع، وحاول بعدها استمالة مؤيديه للعودة الى الجبهة فطلبوا مناقشة الأمر وان لا توحي العودة في حال حصولها بأن وديع كان المشكلة. وشكلت لجنة للحوار ضمت اربعة اشخاص. عقدت لقاءات في بيروت والكويت وتبين ان مآخذ وديع كانت محقة. خلال الحوار كانت هناك عناصر من المكتب السياسي لا مصلحة لها في العودة فبدأت بالتخريب لم ينجح الحوار. وتجددت المحاولة بعد الغزو الاسرائيلي في 1982. خلال الاجتياح تعاونا مع المسؤول العسكري للجبهة وأمّنا له مقراً. وكانت لدينا قذائف "آر.بي.جي" حديثة فاعطيناه اياها وشاركنا كمقاتلين. المسؤول العسكري اشاد بموقف مجموعة "المجال الخارجي" خلال الغزو. لم تنجح المحاولة الجديدة أيضاً فقد تغير الوضع برمته. ماذا حدث لمجموعة "المجال الخارجي" بعد غياب وديع؟ - استمرت في برنامجها وعلاقاتها. الى أي سنة؟ - الى 1990 وتوقفت في 1991. لماذا توقف نشاط المجموعة؟ - تغيرت الظروف بعد "حرب الخليج الثانية". لم تعد لدينا القدرة على التحرك لوجستياً ومالياً. حوصرنا مالياً من 1984. كنا نعتمد على مساعدات بعض الدول كالعراق. ألم تكن لكم علاقة بليبيا؟ - علاقة محدودة. ألم يحصل وديع على دعم من ليبيا؟ - حصل على دعم قليل جداً. ألم يكن يعرف القذافي؟ - التقاه مرتين على ما اذكر. نظرياً حصل تفاهم لكن لم يترجم. ليبيا لم تمول "المجال الخارجي"؟ - بشكل محدود جداً. العراق هو الدولة الوحيدة التي قدمت اموالاً. اليمن الجنوبي كان يقدم تسهيلات. الجزائر قدمت مبلغاً بسيطاً. هل التقى وديع حداد مع صدام حسين؟ - التقاه كقيادي في الجبهة الشعبية وليس كمسؤول عن "المجال الخارجي" والأمر نفسه بالنسبة الى الرئيس الراحل احمد حسن البكر. كانت علاقاتكم قوية مع المسؤولين في عدن؟ - كانت العلاقات قوية جداً مع سالمين وعلي ناصر محمد. بدأت في أيام "حركة القوميين العرب". هل كانت لدى وديع قدرة على التنكر وهل كان يغير ملامحه؟ - لا لم يكن يغير ملامحه. كان يتخذ اجراءات امنية في غاية البساطة. وكان يسافر بجواز سفر آخر. هل كان لديه اسم حركي؟ - لا. الشباب كانوا ينادونه "ابو هاني" ومنهم من يصفه ب"الخال". هل كان يرتدي نظارات؟ - كانت له ذقن لفترة ونظارتاه عادية. ومقر اقامته غير معروف؟ - طبعاً. ما قصة الفيلا التي وضعت في تصرفه في بيروت؟ - هذا منزل قديم قرب المدرسة الايطالية في قريطم يضم حديقة وله سور. صاحبه صديق لوديع قال له استخدمه في 1971 بينما كان الشباب يغادرون الأردن. كان المنزل يتسع لاستيعاب عدد كبير لكن وديع لم يقم هناك. من كان يعرف مثلاً أين يوجد وديع في لحظة معينة؟ - اثنان أو ثلاثة من الموثوقين وهؤلاء كانوا يوصلون اليه من يرغب في رؤيته. كان يحب الأسلحة؟ - لم يكن يتعامل بالأسلحة لكن كان لديه نوع من الهوس لجهة تطوير وسائل العمل خصوصاً المتفجرات التي كان يعتبرها السلاح الرئيسي. كان يفكر كيف يمكن ان نصنع متفجرات غير تقليدية. وحصل ذلك. هل التقى وديع مع "ابو نضال"؟ - نعم في بغداد. كانت العلاقات بينهما رسمية. زاره وديع لتفقده بعدما خضع لجراحة في القلب. هل طرح "ابو نضال" التعاون؟ - نعم، لكن لم يكن هناك مجال فبرنامجه مختلف جداً. هل حاول اجتذاب افراد بعد غياب وديع؟ - حاول توثيق العلاقة لكن لم يحدث شيء. كيف كانت علاقته مع ياسر عرفات؟ - عادية جداً. حصل لقاء عملي. اقترح ابو عمار على وديع انشاء معمل جوازات ووسائل تمويه وابدى استعداده لرصد المبالغ اللازمة. لم يتجاوب وديع لأن طريقة "فتح" في العمل كانت مختلفة. كيف كان يبدأ نهاره؟ - كان عمله متواصلاً. ينام قليلاً جداً. كان لديه جدول لقاءات مع حركات التحرير أو مع من سيكلفهم أو مع خبراء لتطوير الأسلحة والمتفجرات وصناعة الوثائق ومتابعة المسائل العالقة. كان يستخدم الهاتف؟ - ابداً. لم يكن باستطاعتكم الاتصال به؟ - ابداً. وكان يفترض ان لا نضع هاتفاً في بيوتنا وان لا نستخدمه اذا وضعناه. ما حجم الأموال التي تركها؟ - توفي في آذار مارس 1978. كنا نتقاضى مساعدة من العراق موزعة على اربعة اقساط. عندما توفي كانت نهاية القسط الأول. كان العراق يدفع مليون دولار سنوياً، جزء منه بالعراقي. ما تركه للتنظيم مبلغ شديد التواضع. هل كان يخشى ان يغتاله جهاز عربي؟ - لم يكن يخاف، لكنه لم يكن يطمئن أو يثق بالأجهزة. مع من اقام علاقات؟ - مع الجزائروالعراق واليمن الجنوبي. اجهزة هذه الدول كانت تعرف اماكن اقامته فيها. مع من في الجزائر؟ - بدأت مع هواري بومدين ثم مع الأمن الوطني. التقى بومدين في 1976 أي بعد عملية "أوبك". هل ترك وديع وصية؟ - لم يترك شيئاً من هذا النوع. ألم ينجح احد في اختراق هذه المجموعة؟ - حاولوا مرة ولم ينجحوا. من حاول؟ - السفارة الأميركية في بيروت. ألم تكن لكم علاقة باغتيال السفير الأميركي فرنسيس ميلوي؟ - نحن لم ننفذ عمليات في لبنان على الاطلاق. لا علاقة لوديع وفريقه باغتيال ميلوي. قيل انكم ارسلتم في بداية السبعينات اشخاصاً يحملون متفجرات وبغرض تفجير طائرة "العال" الاسرائيلية خلال تحليقها، وان اسرائيل اعتقلت اثنين منهم؟ - لا. ارسلناهم لتفجير فنادق في تل ابيب لكنهم اعتقلوا قبل التنفيذ في احدى العمليات كان المكلف رجل اعمى ترافقه امرأة. وفي العملية الثانية اعتقل المكلفان. كل العناصر المكلفة كانت أوروبية. اعتقد ان ذلك حصل في 1972. من أين كانت تأتي المتفجرات؟ - من أوروبا. ضعف الثورة علنيتها هل كان لدى وديع برامج جديدة قبل وفاته؟ - لم يتوقف عقل وديع لحظة واحدة عن التفكير في مستقبل العمل الثوري ووضع الخطط والبرامج الجديدة. كما قلنا سابقاً كان له رأي معمق في التجربة الراهنة من مسيرة الثورة، كان يراها مرحلة لا بد ان تتطور من خلال المراجعة المستمرة سواء على المستوى التنظيمي أو السياسي أو الفكري أو الاسلوب النضالي، والا فان المرحلة ستصل الى سقف تقف عنده ولا تستطيع تجاوزه ان لم تهيئ لمرحلة جديدة من الصراع، كان يؤمن ان حرب التحرير طويلة وشاقة ولا بد ان نطور في برامجنا التنظيمية والسياسية والقتالية تبعاً لتصاعد عملية الصراع. كان يرى في الظاهرة العلنية التي اصبحت السمة العامة لعمل الثورة احدى نقاط ضعفها كما كان يرى في العمل القطري تنظيمياً وسياسياً ونضالياً، نقطة ضعف اخرى، كان يرى في عدم الاستقلالية عن الأنظمة الرسمية، تمويلاً وتسليحاً، احد مقاتل الثورة، طبعاً لا يعني ذلك التصادم مع الأنظمة. كان يحذر من المعارك الجانبية، وكثيراً ما كان يرفع الصوت محذراً من خطورة التورط في الحرب اللبنانية والانجرار الى وحولها. منذ خروج المقاومة من الأردن والتجمع في لبنان كان على يقين ان العدو يعد المخططات للضربة القاضية في لبنان. كان يطرح التساؤلات والمخاوف وكان يحاول من خلال النقاش المستمر ان يجد الاجوبة، كان يرى ان الجواب على هذه التساؤلات مهما كان صحيحاً نظرياً يبقى قاصراً ان لم يوضع في برامج ومخططات. لهذا كان دائم الانشداد الى وضع البرامج القتالية ضد العدو الرئيسي داخل الوطن المحتل وخارجه "وراء العدو في كل مكان". برامج، استقطاب عناصر، تأهيل العناصر، ابتكار اساليب جديدة توسيع ساحة القتال، حشد كل الطاقات وضع معادلة صحيحة بين التركيز على العمل داخل الوطن المحتل ودعمه ورفده من الخارج. المعركة هدفها تحرير كل فلسطين ولا تناقض بين العمل في الداخل والعمل من الخارج. هذا كله كان من مهمات برنامج العمل اليومي للدكتور وديع، ولكن المشروع الكبير الذي سعى اليه وبذل جهداً في سبيله وكان يشكل الرد على سلبيات المرحلة التي ذكرنا ويفتح افاقاً جديدة للعمل هو اهمية بناء حركة ثورية عربية يكون هو جناحها العسكري. وفي سبيل ذلك وضع مخططاً لدعوة اكبر عدد من المناضلين العرب الى مؤتمر أو تجمع ما يخرج عنه بيان سياسي بمثابة "المانيفستو العربي" مدركاً ان ذلك يحتاج الى جهد تنظيمي وسياسي وفكري. وادراكاً منه لأهمية الفكر تم اقرار انشاء دار نشر تعنى بنشر الدراسات والأبحاث الجادة تنير وتوضح الطريق امام الجماهير، ورصد مبلغاً مهماً لتنفيذ هذا المشروع لكن الأجل عاجله قبل ان ترى افكاره النور وظلت الامكانات في عهدة "من وثق به". هل مر وديع في مطارات باريس مثلاً؟ - نعم كان يمر خلال العمل، مر في طريقه الى الجزائر. طبعاً باسم مستعار. ما هو أكثر جواز سفر استخدمه؟ - كان معه باسبورات عراقية ويمنية جنوبية وجزائرية. ماذا كان اسمه في جواز السفر؟ - كان في الغالب يستخدم باسبورات من صنعه. لم يتعاون مع الأجهزة السورية؟ - لم يكن راغباً في التعاون معها لكنه لم يكن أيضاً مع الاشتباك مع السوريين في لبنان بل كان ضده ودعا الى تجنب الصدام. أين حاول وديع حداد اغتيال هنري كيسنجر؟ - في بلد عربي. في دمشق؟ - في دمشقوالقاهرة. لم تصل المحاولة الى مرحلة التنفيذ؟ - بلغت مرحلة استكمال الاعداد لكن التنفيذ لم يحصل. كان ذلك خلال تحركات كيسنجر لترتيب فض الاشتباك. يقول كارلوس ان "المجال الخارجي" حاول اغتيال الملك حسين عن طريق سيارة فخمة كانت ستوضع في احد السباقات في تصرف السياسي اللبناني الراحل داني شمعون لتجذب صديقه العاهل الأردني الذي ما ان يصعد اليها ليجربها حتى يتم تفجيرها ب"الريموت كونترول". ويضيف ان داني راودته الشكوك بعدما نُصح بالابتعاد عن السيارة في حال صعود الملك اليها فافشى السر؟ - حصلت هذه الأشياء في المناخات القاسية التي سادت بعد سبتمبر أيلول 1970 الأسبوع المقبل: حداد "يخطف" حبش