على رغم نفي المجلس العام للمصارف والمؤسسات المالية الاسلامية، تورط هذه المصارف والمؤسسات في تمويل نشاطات ارهابية، وتأكيد أن "وضعها المالي سليم، وتعمل في دول محترمة وتحت رقابة المصارف المركزية في تلك الدول مثل المصارف التقليدية"، فإنها لا تزال تتخوف من تطورات سلبية تؤثر على نشاطها في مختلف بلدان العالم، خصوصاً أن مصارف عربية تتوقع ان تقدم الخزانة الاميركية قائمة سرية ثانية باسماء مؤسسات التمويل في العالم الاسلامي التي ترى ان "الارهابيين" يفضلونها. وجاء هذا التخوف بعدما تلقت فروع مصارف عربية في لندن نصائح بتشديد مراقبتها للتحويلات المالية الواردة من متبرعين عرب ومسلمين إلى هيئات وجمعيات خيرية تنشط في مناطق مثل افغانستانوباكستان والشيشان والشرق الاوسط. ولم تستبعد المصادر المصرفية ان تطلب المصارف المركزية في الخليج من المصارف التجارية ومؤسسات التمويل الاسلامية التحقق من صلاتها بأناس ومنظمات ذكر اسماءها مكتب مراقبة الاصول الاجنبية التابع للخزانة الاميركية. وفي دفاعه عن سلامة وضع المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية، أكد رئيس المجلس العام صالح كامل ان هذه المصارف والمؤسسات "ليست جمعيات خيرية لجمع التبرعات، بل هي بنوك تجمع مدخرات الناس... والاتهامات الموجهة اليها بتمويل نشاطات ارهابية لا تستحق ان يرد عليها". واعتبر ان "الهجمات التي تتعرض لها، هي جزء من الهجوم الشامل على الاسلام ... ولا تأتي من فراغ بل هناك أياد تحركها وتخطط لها". وتبرز اهمية هذه التطورات في وقت وصلت فيه المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية الى لعب دور مؤثر في الاسواق المالية التقليدية، بعدما نجحت في تعميم طريقة الاستثمار الاسلامية على اكثر من 40 دولة في العالم، وبلغ عددها 176 مصرفاً، إضافة الى عدد كبير من المصارف التقليدية الاجنبية التي انشأت لديها محافظ وصناديق استثمار على الطريقة الاسلامية، كما بلغ رؤوس اموال هذه المصارف مع احتياطياتها اكثر من 10.3 مليار دولار، اما اصولها فتجاوزت ال150 مليار دولار، في مقابل اكثر من 115 ملياراً حجم ايداعاتها. واستفادت المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية من نمو الاقتصاد الاسلامي في السنوات الاخيرة، والذي بلغ معدل 1.8 في المئة في العام 1999، وارتفع الى نحو 4.5 في المئة في العام 2000، كذلك تحسن وضع الميزان التجاري للدول الاسلامية وتحوله من عجز بقيمة 20 مليار دولار عام 1998 الى فائض بقيمة 38.6 مليار دولار عام 1999، والى 66 مليار عام 2000، أما ميزان الحساب الجاري الذي كان يعاني من عجز كبير في عام 1998 بلغ 31.2 مليار دولار، فتحول الى فائض بقيمة 3.4 مليار دولار عام 1999، ثم ارتفع الى 29.6 مليار دولار عام 2000، مع العلم ان حجم الديون الخارجية للدول الاسلامية بلغ 670.8 مليار دولار عام 1998، ثم ارتفع الى 689.2 مليار عام 1999، ولكنه انخفض في العام 2000 الى 677.4 مليار دولار. جغرافية الاستثمار الاسلامي وتقديراً لأهمية التكتل الاقتصادي والتجاري للدول الاسلامية لمواجهة تحديات التكتلات الدولية والاقليمية، طالب تقرير مصري بخطوات تدريجية لتحقيق التكامل الاقتصادي الإسلامي، وصولاً إلى قيام تكتل واحد يضم اكثر من 53 دولة اسلامية في العالم. ودعاالدول الاسلامية كافة إلى ان تستفيد باقصى ما يمكن من المزايا التي يولدها هذا الوضع الجماعي وان تعمل على اجادة استخدام هذه المزايا بما يخدم مصالحها على المستوى الكلي، وعلى مستوى كل دولة على حدة وفقاً لمبدأ العدالة في توزيع المكاسب وتحمل الكلف وصولاً إلى تحقيق المساواة بين كل الاطراف. وحث التقرير المصري الدول الاسلامية النامية بصفة خاصة، الى العمل على صياغة موقف مشترك ازاء المفاوضات التي تجري في اطار منظمة التجارة العالمية بما يساعد على تعظيم المكاسب والفوائد والتقليل الى اقصى حد ممكن من الاضرار التي قد تطرحها هذه المفاوضات على الاقتصادات الاسلامية والنامية. اضافة الى ذلك تبرز اهمية نشاط المصارف الاسلامية من خلال جغرافية توزعها في مختلف دول العالم، وتبين من دراسة احصائية ان دول جنوب آسيا تستأثر بنسبة 29 في المئة من عدد هذه المصارف، اذ يوجد فيها 51 مصرفاً، تليها دول افريقيا 35 مصرفاً وجنوب شرقي آسيا 31 مصرفاً، ثم دول الشرق الاوسط 26 مصرفاً، ودول مجلس التعاون الخليجي 21 مصرفاً. غير ان الوضع يختلف بالكامل، بالنسبة إلى حجم رؤوس اموال هذه المصارف واصولها وايداعاتها، وتبين ان المصارف الاسلامية العاملة في دول منطقة الشرق الاوسط تستأثر بأكبر حصة من الاستثمارات الاسلامية، حيث يبلغ حجم رؤوس اموالها 3684 مليون دولار، او ما يعادل نحو 50 في المئة من مجموع رؤوس اموال المصارف الاسلامية في العالم والبالغ 7333 مليون دولار، وتبلغ قيمة اصولها 83.1 مليار دولار او ما يعادل 56 في المئة من مجموع الاصول، وكذلك لديها 69 مليار دولار ايداعات، أي ما نسبته 61 في المئة من مجموع ايداعات المصارف الاسلامية. وتأتي بعدها دول مجلس التعاون الخليجي ويبلغ حجم رؤوس اموال المصارف الاسلامية العاملة فيها 1787 مليون دولار أي ما يعادل 24 في المئة من مجموع رؤوس اموال المصارف الاسلامية في العالم، وتبلغ قيمة اصولها 20 مليار دولار بما نسبته 14 في المئة، وحجم ايداعاتها 14 مليار دولار، بما يعادل 12 في المئة من مجموع ايداعات المصارف الاسلامية في العالم. 47 مصرفاً في الشرق الأوسط وهكذا تستأثر دول منطقة الشرق الاوسط ودول مجلس التعاون الخليجي بمعظم نشاط المصارف الاسلامية في العالم، حيث يعمل فيها 47 مصرفاً يبلغ مجموع رؤوس أموالها 5471 مليون دولار، ويستأثر بنحو 74 في المئة من مجموع رؤوس أموال المصارف الاسلامية في العالم، وتبلغ قيمة اصولها 103 مليارات دولار او ما يعادل 70 في المئة، وايداعاتها 83 مليار دولار، ما نسبته 73 في المئة من ايداعات المصارف الاسلامية في العالم. وتبرز أهمية المصارف الاسلامية العاملة في الوطن العربي من خلال ضخامة متوسط رأسمال المصرف الواحد والبالغ نحو 119 مليون دولار، في حين ان متوسط رأسمال المصرف الاسلامي العامل في دول جنوب آسيا يبلغ فقط نحو 17 مليون دولار، وفي دول جنوب شرقي آسيا اقل من خمسة ملايين دولار، وفي دول افريقيا 5.7 ملايين دولار. ولعل أهم المصارف الاسلامية العاملة في مختلف بلدان العالم، هو البنك الاسلامي للتنمية الذي بدأ نشاطه في العام 1975، ويبلغ رأسماله حالياً ستة مليارات دينار اسلامي 7.87 مليار دولار ويقوم حالياً بنشاط كبير في تفعيل الاستثمارات الاسلامية من خلال مؤسساته المالية وصناديقه الاستثمارية، واهمها: 1- محفظة البنوك الاسلامية للاستثمار والتنمية، وانشئت في 27/3/1998، وبلغ عدد اسهم المشاركين فيها 20 مصرفاً تجارياً ومؤسسة مالية اسلامية بما فيها البنك الاسلامي للتنمية، ويبلغ رأسمال المحفظة المدفوع الثابت 100 مليون دولار، ورأسمالها المتغير 280 مليوناً، وللمحفظة وديعة خاصة للبنك الاسلامي تبلغ 250 مليون دولار، وتوجه تمويلها نحو القطاع الخاص. وتعد المحفظة صندوقاً للدخل يهدف الى المحافظة على قيمة رأسماله والى توزيع دخل مستمر على المشاركين فيه، اما أهدافها الرئيسية فهي: تعبئة السيولة المتوافرة لدى البنوك ومؤسسات التمويل الاسلامية لاستعمالها في العمليات التمويلية السليمة، وللمساهمة في تطوير سوق مالية اسلامية عن طريق ايجاد ادوات مالية اسلامية، وانجزت المحفظة حتى نهاية العام 1420 هجري نحو 196 عملية قيمتها اكثر من 2.5 مليار دولار وتشمل المرابحة، والمشاركة، والاجارة، والبيع لاجل، والمساهمة في رأسمال الاستثمارات. 2- صندوق حصص الاستثمار، وهو نافذة البنك الاسلامي للتنمية على القطاع الخاص، ووصل مستوى التمويل المباشر والمشترك والجماعي الذي اعتمده الصندوق في السنوات العشر الماضية نحو 728.7 مليون دولار ويشمل هذا المبلغ 88 عملية. 3- صندوق البنية الاساسية، وانشئ برأسمال مليار دولار، بالاضافة الى تسهيلات مالية اسلامية قدرها 500 مليون دولار. وتتمثل الاهداف الاستراتيجية للصندوق في الاستثمار طويل الاجل، لجهة القيام باستثمارات في رؤوس الاموال، واستثمارات في مشاريع البنية الاساسية وفي الصناعات المتعلقة بها في الدول الاعضاء. وسيكون الصندوق في موقف يمكنه من تنمية اسواق رأسمالية اقليمية. 4- المؤسسة الاسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات، وانشئت في آب اغسطس 1994 برأسمال مصرح به يبلغ 100 مليون دينار اسلامي 150 مليون دولار. واصدرت المؤسسة عام 1420ه 22 بوليصة للتأمين على ائتمان الصادرات وجددت 17 بوليصة، وذلك بمبلغ 912 مليون دولار. 5- المؤسسة الاسلامية لتنمية القطاع الخاص، ويبلغ رأسمالها المصرح به مليار دولار، والمكتتب فيه 500 مليون، ووافق مجلس محافظي البنك الاسلامي للتنمية على انشائها، وسيكون دورها استكمال لعمل البنك في تنمية وتعزيز القطاع الخاص، وهي تركز على الأهداف الآتية: - التعرف إلى الفرص الاستثمارية في القطاع الخاص التي تدفع عجلة النمو الاقتصادي. - توفير شتى ضروب المنتجات والخدمات المالية المنسجمة مع احكام الشريعة الاسلامية. - توسيع فرص الوصول الى اسواق رأس المال الاسلامية للشركات الخاصة في الدول الاسلامية. تحديات ومخاطر وعلى رغم المنجزات التي حققتها المصارف الاسلامية في توسيع نشاطها وزيادة زبائنها وايداعاتها واصولها، فهي لا تزال تواجه تحديات، ومنافسة حادة تفرض عليها ضرورة بناء استراتيجيات عمل جديدة حتى تتمكن من الحفاظ على هذه المنجزات، فضلاً عن تقوية مراكزها المالية وتحسين منتجاتها والوفاء بمتطلبات كفاية رأس المال وتنظيم العائد. ووصفت وكالة "موديز" العالمية المتخصصة بالتصنيف الائتماني للمصارف والمؤسسات المالية، المصارف الاسلامية بأنها تدفع للمودعين العوائد نفسها تقريباً التي تدفعها المصارف الربوية العاملة داخل الجهاز المصرفي الواحد، وحتى في الأنظمة المصرفية القائمة اجمالاً على التمويل الاسلامي مثل باكستان، فإن العوائد التي يتلقاها المودعون تتماشى مع العوامل الاقتصادية الاساسية. ونظراً إلى أهمية نشاط المصارف الاسلامية في تنمية الاقتصادات العربية، تدرس بعض حكومات الدول العربية اصدار تشريعات خاصة تنظم اعمال هذا النوع من الاستثمار المصرفي. ففي الكويت يوجد جدال حاد بين البنك المركزي ومجلس النواب وبيت التمويل الكويتي حول وضع مشروع قانون جديد لتنظيم اعمال المصارف الاسلامية. ويشترط البنك المركزي لانشاء مصرف اسلامي في الكويت ان يستخدم هذا المصرف رأسماله وليس اموال المودعين في تمويل نشاطاته التجارية او الاعمال الاخرى، كما وضع البنك ضوابط تتعلق بمجالات ونسب المشاركة بالاستثمار والتي يمارسها المصرف الاسلامي. وشدد على ان تعمل المصارف الاسلامية من خلال شركات تابعة لها فتؤسس مثلاً شركات تختص بالنشاط العقاري، وأخرى بالسيارات، او المواد الغذائية وغيرها من النشاطات الاخرى التي يرغب المصرف بممارستها. وفي الامارات، يرى محافظ البنك المركزي سلطان بن ناصر السويدي ان المصارف الاسلامية لا تزال تواجه تحديين، اولهما انها بحاجة الى ايجاد اداة مالية اسلامية قصيرة المدى للتعامل مع السيولة القصيرة المدى لدى هذه المصارف تكون مقبولة كأداة اسلامية من قبل كل المصارف الاسلامية. وثانيهما ان البنوك الاسلامية بحاجة الى ان تتفق على قائمة للمنتجات المصرفية التي يمكن ان تعتبرها كل البنوك الاسلامية اسلامية حقيقية. ويرى السويدي ان هذين التحديين يتعلقان بالشريعة، وذكر ان علماء الشريعة وحدهم هم القادرون على ايجاد حلول مقبولة لكن البنوك الاسلامية - كالبنوك التقليدية - بحاجة الى تقديم الخدمات من خلال منتجات مقبولة من قبل عملائها، تتناسب مع اذواقهم واحتياجاتهم المتغيرة