قد يصح اعتبار الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001 البداية الفعلية للقرن الواحد والعشرين الاميركي. فالولاياتالمتحدة تشهد لتوها، في اعقاب الهجمات الارهابية، تبدلات خطيرة في سياستيها الداخلية والخارجية، وفي ثقافتها الشعبية وخطابها الفكري. وفي حين ان اعباء هذه التبدلات تطال السكان كافة، فإن العبء الواقع على كاهل الجاليات العربية والاسلامية هو عبء مضاعف، حيث ان افراد هذه الجاليات يتحملون، كما سائر مواطنيهم، آثار الصدمة الناجمة عن الاعتداءات الارهابية، من تراجع الشعور بالثقة والاطمئنان، الى التردي الاقتصادي، ولكنهم ايضاً يواجهون حالاً قاسية من التشهير والتهديد والاعتداء، ومن المساءلة في الهوية والثقافة. واذا كانت النتائج الاولية لهذه الحال وضع الجاليات العربية والاسلامية في قفص الاتهام، والاساءة اليها قولاً وفعلاً، واطلاق العنان للعداء لها الكامن في بعض الاوساط، فان نتائجها على المدى البعيد ليست محسومة، اذ تنطوي على احتمالات تراجع لحضورها وتفاقم للحصار المفروض عليها، لكنها تتضمن ايضاً فرصة فريدة لها للخروج من هامشيتها في المجتمع والفكر والسياسة والاندراج في صلب الحياة الاميركية. وقد رصدت هيئات الجالية والاجهزة الامنية الرسمية عشرات الاعتداءات على الاشخاص والمتاجر والمؤسسات منذ وقوع الهجمات الارهابية على نيويورك وواشنطن. وقد استهدفت هذه الاعتداءات "الانتقامية" بعض من يندرج في شكله ضمن اطار الصورة النمطية الشائعة في الولاياتالمتحدة للمسلم والعربي، اذ لا تمييز بين هذا وذاك في المتداول الثقافي الشعبي في المجتمع الاميركي، نتيجة هذه الاعتداءات الثأرية المجانية كانت سقوط ضحايا منهم من ليس مسلماً، ومنهم من ليس عربياً، ومنهم من لا يمت بصلة الى الاسلام او العالم العربي. واذا كانت هذه الاعتداءات الاعتباطية تكشف ابهاماً سائداً في الولاياتالمتحدة حول تحديد الآخر العربي او المسلم، فانها كذلك تعكس اشكالية قائمة ضمن الجاليات العربية والاسلامية حول هويتها الجماعية. فالسؤال البارز هنا هو: هل يصح الحديث عن جالية عربية واحدة في الولاياتالمتحدة وهل يجوز الكلام عن جماعة اسلامية اميركية بمضمون تأحيدي؟ والواقع ان الاجابة على هذا السؤال بشقيه غير قابلة للاختزال بنعم أو بلا. ولاستجماع عناصر الاجابة، لا بد من متابعة التطور التاريخي لوافدين الى الولاياتالمتحدة هما شعوب المنطقة العربية والدين الاسلامي. اول المهاجرين من المنطقة العربية الى الولاياتالمتحدة جاؤوا في الشطر الاخير من القرن التاسع عشر من ولايات بلاد الشام التابعة آنذاك للسلطنة العثمانية. وكانت دوافع نزوح هؤلاء "السوريين" اقتصادية بالدرجة الاولى، نتيجة تراجع قطاعات الانتاج التقليدية في بلادهم، لا سيما منهم تجارة الحرير. يذكر هنا انه على رغم تسمية "السوريين" الذاتية التي اعتمدها هؤلاء المهاجرون، والتي اصطلح عليها عموم الاميركيين في تلك المرحلة، فان غالبيتهم جاءت مهاجرة من جبل لبنان، والانتماء الطائفي لاكثريتهم القاطعة كان الى الكنائس المسيحية الشرقية. المهاجرون "السوريون" وقد غلب على المهاجرين "السوريين" في مطلع القرن العشرين طابع اقتصادي اجتماعي متواضع، وضعهم موضع التنافس والتزاحم مع سائر جاليات حوض البحر الابيض المتوسط، من اليونانيين والايطاليين وغيرهم، في مهابط الهجرة الرئيسية من المدن الكبرى الاميركية، فدفعهم الى الانتشار الى داخل الولاياتالمتحدة. فالحضور "السوري" في الغرب الاوسط الاميركي، من اوهايو الى ايلينوي مروراً بميشيغن، يعود الى تلك المرحلة. يذكر هنا ان الانتماء الثقافي للموجة الاولى من المهاجرين الناطقين باللغة العربية لم يكن يعتريه أي ابهام. فعلى رغم الاندراج المشهود للسوريين في مجتمعهم الجديد، فان الاهتمام في اوساطهم باللغة العربية وثقافة الوطن الأم يتجلى في انتاجاتهم الادبية واصداراتهم الصحافية والفنية. وهذا الاهتمام لم يقتصر بالطبع على المتابعة، كما يتضح من المساهمة المهمة التي قدمها ادباء المهجر في حركة النهضة الثقافية واللغوية التي ساهمت في تشكيل مشهد عربي متواصل. ولكن الانطواء السياسي والثقافي الاميركي، والذي كانت بوادره قد ظهرت قبيل الحرب العالمية الاولى، استفحل في اعقابها، فظهر بشكل تقييد عرقي للهجرة الوافدة، استهدف فيمن استهدف "السوريين"، هذه الجماعة المبهمة التي لم يتفق المجتمع الاميركي، ذو "الوعي" العرقي، يومذاك على شكل تصنيفها. وفي خضم الانغلاق الاميركي الذي تزامن مع استتباب نظام عالمي جديد في الولايات العربية للدولة العثمانية انتقل بها من صيغة ادارية محلية منهكة الى اخرى مستوردة من التجربة التاريخية الاوروبية، كانت النتيجة عرقلة التواصل بين الجالية "السورية" ووطنها الام، وأفولاً نسبياً للسوريين كمجموعة في مقابل المزيد من التقدم والترقي للعديد منهم كأفراد. وفيما كان "السوريون" يسيرون نحو الاندماج الكامل في المجتمع الاميركي، عادت الولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية الى قدر من الانفتاح في استقبال المهاجرين فشهدت قدوم جماعات جديدة من المنطقة العربية تحت وطأة عوامل الدفع والجذب: معاودة للاستقطاب اللبناني، بحثاً عن الفرض او تجديداً لاواصر القرابة مع الجيل الاول من المهاجرين. نزيف يهودي من عموم المنطقة العربية، اثر استفحال الصراع بين الحركة الصهيونية الراغبة بحشد اليهود لتحقيق وعدها، وبين الحركات القومية العربية المناهضة لها فكراً وقولاً، والمؤيدة لها عملاً، من حيث تدري او لا تدري، في تخوينها وترهيبها الجانب اليهودي من مجتمعاتها. هجرة عمالية من لبنان واليمن والعراق الى ديترويت، حيث ارتفع الطلب على اليد العاملة الرخيصة لمصانع السيارات. نزوح اضافي من العراق الباحث في انقلاباته عن هوية قومية احادية او ثنائية، كلداني اولاً، ثم آشوري، قبل ان ينفتح للعموم. نزوح من مصر المنتقلة من اجحاف "اشتراكي" الى آخر "انفتاحي" الى اخير متعدد الاصول والمصادر. هروب جديد من لبنان المتناحر، شرط استقدام مقومات التناحر لتناحر جديد في العالم الجديد. فرار او طرد، ولا فارق، من فلسطين. قدوم متعاظم من المغرب، بعدما طفحت اوروبا، من الهجرة المغاربية اليها. وفود بعثات طلابية من دول الخليج وسائر دول النفط العربية، في سعي الى الاستفادة من الثراء التقني والمهني الاميركي، وان على حساب خسارة بعض الاكفاء من المتدربين ازاء اغراءات الحياة في الولاياتالمتحدة. "الجالية العربية" في الولاياتالمتحدة ليست على الاطلاق صورة مصغرة عن العالم العربي الذي هجرته. المسيحيون في العالم العربي اقلية عددية، لكنهم يتجاوزون ثلاثة ارباع "العرب الاميركيين" وفق بعض الاستطلاعات. لا شك ان عنصر الجذب بالنسبة الى المسيحيين اشد منه بالنسبة الى المسلمين لانتفاء مقوم الغربة الدينية في المهجر الاميركي، كما ان عنصر الدفع اشد نتيجة لاستفحال اصوات اقتطاع الذات في المجتمعات العربية. ثم ان التقديرات تشير الى ان ما يتجاوز النصف من "العرب الاميركيين" هم من اصول لبنانية تقرير المعهد العربي الاميركي الصادر عام 2000 يفرز اصول العرب الاميركيين بالنسبة المئوية على الشكل الآتي: لبنان 56، سورية 14، مصر 11، فلسطين 9، الاردن 4، العراق 2. اما نسبة التوزيع الطائفي فهي: الطوائف الكاثوليكية 42، الارثوذكسية 23، الاسلامية، 23، البروتستانتية 12. اما توزعهم الجغرافي في الولاياتالمتحدة، فهو يتركز بشكل خاص في المدن الكبرى ولا سيما بالنسبة الى الوافدين الجدد. وتسكن قرابة النصف منهم في ولايات كاليفورنيا ونيويورك وميشيغن حيث مدينة ديربورن ذات الطابع العربي المشهود. الا ان العقد الاخير من القرن المنصرم شهد تضاعف اعدادهم في ولايتي ايلينوي وفيرجينيا. الارقام المتداولة لحجم هذه الجالية تختلف وفق المعايير المتبعة لتحديدها. وهذه المعايير تقارب الاعتباطية في ما يتعدى المهاجرون الجدد: كيف يصنف مثلاً احفاد "السوريين" من الجيل الثالث، لا سيما بعد التزاوج الطارئ بينهم وبين سائر الفئات الاميركية؟ على أي حال، فالرقم الشائع هو اليوم 3 ملايين، أي اكثر قليلاً من 1 في المئة من مجموع السكان في الولاياتالمتحدة. ولكن هذا التقدير يقوم على افتراض موضوعية الهوية العربية. اما اذا جرى اعتبار الطوعية في التصنيف، فان استطلاع المعهد العربي الاميركي يشير الى ان 42 في المئة من "العرب الاميركيين" يختارون هذه الهوية الذاتية، فيما يفضل الآخرون تسميات قائمة على القطر او الطائفة. الطابع "الاقلياتي" ولكن الطابع "الاقلياتي" للجالية العربية في الولاياتالمتحدة لم يمنع بروز هيئات مؤسساتية لها. بل اذا جاز رسم صورة تعميمية تقريبية لاطر تطور المجتمعات العربية الاميركية لصحت الاشارة الى ان الوافدين الجدد غالباً ما يأتون محملين بمتاع فكري وتجريبي يدفع بهم الى قدر من الانزواء على اساس طائفي او عائلي او فردي. فاللبناني لبناني، بل ماروني او درزي او شيعي. والماروني مثلاً او القبطي او الآشوري، في بعض الاحيان، يشدد على انكار الهوية العربية، واذا كان لا بد من اشهار ارث حضاري ما في السوق الثقافية الاميركية، فليكن هذا الارث فينيقياً او فرعونياً او حضارة ما بين النهرين. ويصل هذا التحول احياناً الى حد نبذ اللغة العربية ومحاولة حرمان الجيل التالي منها. ولا يقتصر الانكار والنبذ على الطوائف المسيحية، بل قد يلجأ الدرزي مثلاً الى ادراج مذهبه وتعاليمه ضمن نطاق فكر عالمي معين، من هرمسية العصور البائدة الى الحركات الروحانية المعاصرة، ولكن هذه المواقف الصارمة والتي تتطلب تتبعاً دقيقاً لما تكشف عنه من احباط لدى من لا يفي شروط الصيغة التأحيدية المجحفة المتداولة في الثقافة العربية، غالباً ما تتبدد لدى المهاجرين انفسهم، وتكاد ان تختفي تماماً في الجيل التالي وفي الاجيال التي تليه. اذ يصح القول ان الولاياتالمتحدة تشهد تبلور هوية "عربية" جامعة تضم مختلف الجاليات والطوائف والفئات الوافدة من المنطقة "العربية". ليس لهذه الهوية من ينظر لها، ولا هي تقوم على افتراض احادية عرقية او دينية او حتى لغوية او ثقافية. ولا هي تنبني على خصوصية جامعة مانعة في الهوية. فالعربي الاميركي، وفق هذه الهوية الضمنية، ليس حصراً عربياً، بل قد يكون ايضاً وربما اولاً ارمنياً او كلدانياً او كردياً او شيعياً او حتى ايرلندياً او ايطالياً في حال تعدد الاصول. ما معنى الهوية العربية اذاً باختصار، الهوية العربية هي الاعتزاز بالثقافة والحضارة العربيتين كجزء من التراث والإرث الشخصي لحاملها. وليس في هذا الاعتزاز، وبالتالي في هذه الهوية، ما يلزم "العربي الاميركي" بأي انتماء قطعي، وليس فيه ما يمنعه من اعتناق هويات اخرى. ولكن، انطلاقاً من هذا الاعتزاز، وهذه الهوية، يولي "العربي الاميركي" المزيد من الاهتمام لقضايا العالم العربي ويضطلع بدور مهم في مجتمعه كمدافع عن حق الفرد والمجتمع في الاقطار العربية. يعود تشكل هذه الهوية التعددية العربية في الولاياتالمتحدة الى ادراك مختلف الجماعات الوافدة من العالم العربي للحجم الكبير للتواصل والتشابه والتكامل في ما بينها، بعد ان كانت العصبيات والشعارات قد طمست هذا الواقع عنها في اجواء الازمات التي تعيشها مجتمعات اقطار المنشأ. ولكن ثمة عامل آخر خارجي، بالاضافة الى هذا العامل الداخلي، في الدفع الى رسم معالم الهوية العربية الاميركية الواحدة واللاأحادية، ألا وهو حدود الاندماج في المجتمع الاميركي في صورته الذاتية التي تجعل منه عائلة من المجموعات القومية والعرقية، وفي تضمنه مفارقات اتاحة الفرص وتقييدها، وإزالة العوائق واقامتها. والواقع ان الهوية العربية الاميركية ليست فريدة في كونها هوية جامعة تتكون من مقومات متعارضة حيناً ومتناقضة احياناً. فجاليات الشرق الاقصى في الولاياتالمتحدة شهدت تطورات مشابهة نشأت في اثرها هوية آسيوية اميركية لا وجود لها خارج المهاجر. وكذلك حال الهوية الاسلامية الاميركية. والواقع انه على رغم الخلط الاعتباطي في الثقافة الشعبية الاميركية بين التجربتين العربية والاسلامية في الولاياتالمتحدة، فإن مسار هاتين التجربتين لا يلتقي الا حديثاً، وبشكل جزئي وحسب. المسلمون الافارقة أول حضور اسلامي في العالم الجديد كان ضمن الألوف المؤلفة التي استقدمها المستوطنون الاوروبيون للاسترقاق من افريقيا. وقد حاول هؤلاء المسلمون الافارقة التمسك بدينهم، كما تشهد المخطوطات التي تركها البعض منهم باللغة العربية، ولكن وطأة نظام الاسترقاق شتتت العائلات وقضت على كل تواصل فكري بين الاجيال. الا ان الافارقة الاميركيين، ومنذ مطلع القرن العشرين، وفي اطار حركة التحرر الثقافي والاجتماعي الرائعة التي خاضوها ولا يزالون، جهدوا في استرجاع مقوماتهم الحضارية، فعاد العديد منهم الى الاسلام، سواء في اطار الصيغ المحلية له مثل "أمة الاسلام" التي أسسها ايلايجا محمد والتي يقودها اليوم لويس فاراكان او في اطار الصيغ العالمية المتعارف عليها. وتشير التقديرات الى ان نسبة المسلمين بين الافارقة الاميركيين تقارب العشرة في المئة اي ما يناهز مليونين ونصف المليون. وفي حين ان الدين الاسلامي، لا سيما عبر الطرق الصوفية، قد استقطب قلة قليلة من الاميركيين من ذوي الاصول الاوروبية، فإن اعداد المسلمين في الولاياتالمتحدة ارتفعت بشكل ملحوظ في الربع الاخير من القرن العشرين نتيجة للهجرة الوافدة من مختلف الدول الاسلامية. من الدول العربية، ومن ايران، وبشكل خاص في اعقاب الثورة الاسلامية، من افغانستان وافريقيا وتركيا والبلقان، ثم بأعداد غفيرة من الهند وباكستان وبنغلادش. وفي حين ان هذه الجاليات، لا سيما المحافظة منها، اتجهت الى أقدار من التقوقع، الا انها، في مواجهتها لضرورة التوفيق بين التعاليم الاسلامية والواقع القائم في الولاياتالمتحدة، غالباً ما لجأت الى مؤسسات جامعة تتخطى الابعاد القومية. ومع تضاؤل اهمية اللغة الأم لدى الجيل الثاني، بدأت تظهر في الولاياتالمتحدة بوادر هوية اسلامية اميركية جامعة. وهذه الهوية، كما الهوية العربية ليست حصرية. ومجموع المسلمين في الولاياتالمتحدة يقدر منذ اواسط التسعينات بسبعة ملايين، اي ان المسلمين يفوقون اليهود عدداً في الولاياتالمتحدة. ولكن الحضور الثقافي للمسلمين ضئيل جداً. وأسباب هذا التخلف عديدة، منها قصر الحضور التاريخي للمسلمين، والتباعد الاجتماعي بين جماعاتهم وسائر المجتمع الاميركي، وتغييبهما واستعدائهم في الصيغة التاريخية المعتبرة في الولاياتالمتحدة، والتي تنطلق من التجربة الاوروبية التي وضعت المسلم في موقع الخصم و"الآخر" البعيد. الموروث الأوروبي واذا كانت الثقافة الاميركية قد نجحت الى حد كبير في تذليل الموروث الاوروبي المجحف بحق "الآخر" الآخر، اي اليهودي "الآخر" القريب، فإنه لا يخفى ان هذا النجاح جاء على حساب اضعاف امكانية معالجة مخلفات الاعتبار الشائع للمسلم كالعدو التاريخي. وذلك بطبيعة الحال نتيجة لقضية فلسطين. ليس سراً ان قضية فلسطين تشكل الاهتمام الاول للهيئات العربية الاميركية والاسلامية الاميركية. وليس من المبالغة القول ان اهم العوامل التي تؤخر تقدم الجاليتين العربية والاسلامية للاندماج والبروز والتأثير في الولاياتالمتحدة مرتبطة بهذه القضية، بشكل مباشر او غير مباشر. الاعتداء على الولاياتالمتحدة وضع الجاليتين العربية والاسلامية في موقع دفاعي. وعلى رغم الظروف العصيبة التي تواجهها الجاليتين، فإن واقعاً جديداً نشأ في الولاياتالمتحدة: المجتمع الاميركي غاضب، ولكنه بشكل عام على استعداد للاصغاء، على رغم محاولات البعض المتضرر من هذا الاستعداد لاختطافه وفرض شعارات عنصرية عليه. أهمية اقدام العرب الاميركيين والمسلمين الاميركيين على تطوير صيغة خطابية صادقة تؤطر قضية فلسطين، وسائر القضايا التي تعنيهم، بشكل تاريخي سليم، من دون الجنوح الى اي تبرير مرفوض للعمل العدائي، لا توازيها إلا اهمية مراجعة المثقفين العرب في العالم العربي للفجوات في بنية مجتمعاتهم الفكرية والعقائدية، والتي سمحت لفئة قليلة بتضليل كوكبة من شبابهم فأودت بهم وبالألوف غيرهم. ولا بد من التنويه بالجهود التي تبذلها المؤسسات العربية الاميركية والاسلامية الاميركية في مواجهة الواقع الجديد، من تواصل مع الاعلام والجهات الرسمية لتطويق الاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون العرب والمسلمون، ومن تصد للحرب الكلامية التي يشنها البعض على الثقافة العربية والحضارة الاسلامية. وتأتي هذه الجهود، في خضم الازمة الخطيرة التي تعيشها البلاد، كنتيجة طبيعية للجهد التنظيمي البارز الذي بذلته هذه المؤسسات خلال الدورة الانتخابية السابقة قبل عام كامل. وعلى رغم تجاهل الرئيس بوش لوعوده الانتخابية، بعد استفادته من الجهود التي بذلها الناشطون العرب والمسلمون لمصلحته، فإن قدرة الجاليتين العربية والاسلامية على التأثير كانت قد ابتدأت بالانتقال من الطاقة الى الفعل. ولا بد من التشديد على ان نشاط العرب الاميركيين والمسلمين الاميركيين كان في طريقه الى النضوج قبل احداث 11 ايلول. فإذا نجح العرب الاميركيون والمسلمون الاميركيون في جهودهم لدرء المخاطر الجديدة وتذليل العوائق القديمة امام تقدمهم ومساهمتهم الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادهم، فإنهم قد يساهمون في تبدل تطوري جديد للتعريف الذاتي الثقافي للولايات المتحدة. يذكر ان الخطاب الفكري السائد في الولاياتالمتحدة قد اعتبر انها "أمة مسيحية" في القرن التاسع عشر، ثم عاد واستدرك في القرن العشرين ليؤكد انها تقوم على "أسس وقيم يهودية مسيحية". فهل يشهد القرن الواحد والعشرون المزيد من التصحيح عبر التصريح عن الخلفية "اليهودية المسيحية الاسلامية" للمجتمع الاميركي باتجاه الإقرار بعالمية غير مشروطة بمذهب او دين؟