تزايدت المخاوف لدى عدد من أبرز المختصين في الشؤون العربية والاسلامية في الولاياتالمتحدة، إثر اعلان الرئيس جورج دبليو بوش ان بلاده في "حال حرب"، وفي أعقاب تعهده القبض على اسامة بن لادن "ميتاً أو حياً"، من أن يؤدي أي عمل عسكري تقوم به الولاياتالمتحدة الى شن مزيد من الهجمات المدمرة عليها وعلى منشآت اميركية في الخارج. ويجمع المختصون والخبراء الذين تحدثت اليهم "الوسط" في واشنطن على أن من شأن تأنِّي بوش في شن الغارات المرتقبة ان يؤجل الهجمات التي تخشى واشنطن أن تقوم خلايا تنظيم "القاعدة" بشنها. لكنها تمسكوا بأن مثل هذه التوقعات لا تحتمل قطعاً بما يمكن أن يحدث حقيقة. ورأى غراهام فولر الخبير في مؤسسة "راند" المحافظة للأبحاث، وهو مستشار بوش في شؤون الشرق الأوسط، وروبرت مالي مستشار البيت الأبيض في شؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، في حديثه ل"الوسط"، انه طالما كانت الطائرة المختطفة الرابعة التي تحطمت في بنسلفانيا في طريقها الى واشنطن، فقد يكون الاعداد جارياً لشن هجوم على الهدف الذي كانت تلك الطائرة سترتطم به، ويعتقد على نطاق واسع ان ذلك الهجوم كان يستهدف البيت الأبيض. وأشار مراقبون الى أن طائرة سلاح الجو التي تحمل الرقم 1، وهي مخصصة عادة لتنقلات الرئيس الأميركي، قد تكون هدفاً لخصوم الولاياتالمتحدة. واعتبر ريتشارد هولبروك سفير الولاياتالمتحدة السابق لدى الأممالمتحدة الذي كان موعوداً بتولي حقيبة الخارجية في حال فوز المرشح الديموقراطي آل غور، في حديثه ل"الوسط" ان هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي تمثل "فشلاً أمنياً". وقال ان من قام بتنفيذها - سواء أكان تنظيم "القاعدة" أو أي منظمة أخرى - "تعرّف الى ذلك الفشل واستغله أربع مرات في ساعة واحدة". ورأى هولبروك ان طائرات الركاب قد لا تستخدم في شن أي هجمات مقبلة. وحذر من أنه لا تزال ثمة مخاوف من احتمال استخدام "الحقائب الملغومة" و"السيارات المفخخة". وأشار الى أن من شأن أي هجمة وحيدة تستخدم فيها مادة "انثراكس" الكيماوية التي تسبب داء "الجمرة الخبيثة" ان تقضي على سكان واشنطن بأسرهم. ولاحظ مدير سابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي. آي. اي"، طلب عدم نشر اسمه، ان التخطيط الأميركي لا يزال مشوباً بالارتباك. وأفضى ديبلوماسي اميركي خدم في القاهرة وتل أبيب والخرطوم، بأن ثمة شعوراً يسود العاملين في وزارة الخارجية الأميركية بأن الخط الصدامي المتحدي الذي انتهجه الرئيس بوش يدل على تغلب نفوذ نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة شؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس على ذوي التفكير الحذر وفي طليعتهم وزير الخارجية كولن باول. وحذر من "اننا إذا هاجمنا افغانستان فمن المؤكد أن ذلك سيتسبب في هجمات انتقامية". وأضاف: "الرد بالمثل هو أساس كل شيء في العلاقات الدولية مثلما تقوم دولة بطرد ديبلوماسي أميركي فنرد عليها بطرد ديبلوماسي يعادله وزناً من أراضينا". ولم يستبعد الخبراء الأربعة الذين تحدثت اليهم "الوسط" ان تصبح المرافق الأميركية في الخارج هدفاً لهجمات ارهابية مقبلة. وان تستخدم في تلك الهجمات طائرات ركاب اميركية تعمل في عواصم بلدان الشرق الأوسط. ولوحظ ان واشنطن بدأت تبدي اهتماماً بالغاً بتزامن هجمات واشنطنونيويورك مع الذكرى ال79 لاعلان عصبة الأمم تزكية بريطانيا لادارة فلسطين، وهو الحدث الذي أثار اعتراضات الفلسطينيين واحتجاجاتهم آنذاك. وقال فولر ان تنظيم "القاعدة" كان يهدف الى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي: - تحرير فلسطين بتلقين أميركا درساً باعتبارها القوة الوحيدة التي أعانت اسرائيل على البقاء. - تنصيب أنظمة اسلامية متشددة في المنطقة. - سحب القوات والقواعد الأميركية من المنطقة. من يكسب الحرب؟ وجهت "الوسط" هذا السؤال الى خبراء أميركيين فجاءت اجابتهم في وقت واحد: "الاجابة تتوقف على ما يعنيه السائل بالكسب". وقال مدير سابق ل"سي آي اي" ان واشنطن نجحت السنة الماضية في تدمير عمليتين كانتا تهدفان لجمع الأموال لمصلحة "القاعدة"، لكنه قال ان الولاياتالمتحدة لم تحقق نجاحاً يذكر في العثور على أرصدة ابن لادن ومن ثم تجميدها. وأضاف: "حتى لو كان تنظيم "القاعدة" مسؤولاً عن شن الهجمات على نيويوركوواشنطن، فإن اسامة بن لادن لا يعدو أن يكون المدبر الرئيسي مثلما يُنظر في واشنطن - مثلاً - الى الرئيس السابق جورج بوش الأب باعتباره المسؤول الأول عن الاستراتيجية الأميركية". وخلص المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الى أن المدبر الأساسي لعمليات "القاعدة" هو أيمن الظواهري زعيم تنظيم "الجهاد" المصري، ويعاونه محمد عاطف رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم "القاعدة". لكن عملاء الاستخبارات في واشنطن استبعدوا أن يكون الظواهري أو عاطف قد أصدرا أوامر مباشرة الى خلايا "القاعدة" التي تنزع الى التصرف بشكل مستقل حسبما يمليه عليها الوضع. ويميل محققو مكتب التحقيقات الفيديرالي اف بي آي الى الاعتقاد بأن "القاعدة" تبادلت الرسائل بين أفرادها تمهيداً للهجوم على واشنطنونيويورك عبر شبكة الانترنت. "القاعدة" وسلاح الدمار الشامل لا يعرف أحد على وجه التحديد ما يملكه تنظيم "القاعدة" من أسلحة خفية قد يلجأ إلى استخدامها حين يحتدم صراعه مع الولاياتالمتحدة. ويخشى الأميركيون وحلفاؤهم أن ينجح التنظيم في الوصول الى القنبلة النووية التي أضحى الحصول عليها سهلاً نظرياً على الأقل خلال السنوات العشر الماضية. ففي محيط أفغانستان توجد قوى عدة تملك هذا السلاح الفتاك: باكستان، كازاخستان، أوكرانيا، باكستان، الصين وكوريا الشمالية. غير أن ما يثير رعب المسؤولين في واشنطن خوفهم من أن تكون تنظيم "القاعدة" قد طور سلاحاً كيماوياً أو جرثومياً قد يعينه على تحويل نتيجة أي مواجهة عسكرية مع الولاياتالمتحدة لمصلحته. ومع ان ابن لادن لم يعلن ملكيته لأي من تلك الأسلحة الفتاكة، إلا أن الصحافي الباكستاني حميد مير، رئيس تحرير صحيفة "أوساف" الباكستانية التي تصدر باللغة الأوردية في إسلام أباد، الذي اختاره ابن لادن ليكتب سيرته الذاتية، ذكر أن ابن لادن قال له إن نظام حركة "طالبان" في أفغانستان يملك الحق ذاته الذي استندت إليه الولاياتالمتحدة للحصول على أسلحة دمار شامل. وأضاف أن ابن لادن أكد له أنه "اشترى عدداً كبيراً من الأسلحة الخطيرة" ليفيد منها النظام الذي يجيره. وأوضح مير أنه سأل ابن لادن عن صحة الأنباء التي ذكرت أن أنصاره نجحوا في شراء أسلحة نووية وكيماوية تمت سرقتها من الترسانة السوفياتية في الجمهوريات التي استقلت إثر إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق، غير أن ابن لادن لم يشأ أن يجيب نفياً أو توكيداً. مير فرغ من تدوين سيرة ابن لادن في نحو 300 صفحة. لكنهما مختلفان في شأن عنوان الكتاب، إذ إن ابن لادن يريد أن يكون عنوانه "لست إرهابياً"، فيما يرى مير أنه ينبغي أن يكون "قصة أسامة" باعتباره عنواناً محايداً. وقال مير إنه لن يختار العنوان الذي اقترحه ابن لادن إلا إذا تم قتل زعيم تنظيم "القاعدة" قبل صدور الكتاب، وذلك إحتراماً لوصية ميت. وينوي مير إصدار الكتاب الشهر المقبل بعدما حصل على موافقة ابن لادن على مادته منذ ستة أشهر.