فيما تواصل الولاياتالمتحدة مساعيها لتعزيز التحالف ضد "الارهاب"، للرد على الهجمات التي تعرضت لها نيويوركوواشنطن، وسط دلائل على توسيع نطاق المعركة المرتقبة لتشمل الجبهات الديبلوماسية والسياسية والمالية، الى جانب الناحية العسكرية، يبدو واضحاً أن عامل الخوف من رد "ارهابي" جديد على الرد المحتمل على هجمات 11 أيلول يتزايد. ويبدو أن ثمة هاجساً يراود المخططين الأميركيين من أن الرد المناوئ قد تستخدم فيه أسلحة جرثومية أو كيماوية كفيلة بالقضاء على سكان مدن كبيرة، منها واشنطن. وتخفي هذه الهواجس مخاوف من أن يكون تنظيم "القاعدة" قد حصل على أسلحة كيماوية. وهي مخاوف راودت روسيا سنوات عدة، لكنها لم تتوصل فيها الى نتيجة قاطعة. كان الرئيس جورج بوش الإبن دقيقاً عندما اعتبر ان قراره بتجميد الأرصدة والمعاملات المالية والمصرفية الخاصة بأشخاص ومنظمات وجمعيات، تشتبه الولاياتالمتحدة بتورطها بأنشطة ارهابية، يشكل "الخطوة الأولى" في الحملة العالمية التي تعتزم واشنطن القيام بها ضد الارهاب والأطراف المسؤولة عنه. فالإدارة الاميركية شددت منذ البداية على ان حربها المزمعة ضد الارهاب لن تكون عسكرية الطابع فحسب، بل انها ستتخذ اشكالاً وأوجهاً عدة. ويبدو واضحاً الآن ان النهج الذي قررت واشنطن اعتماده يرتكز على ثلاثة عناصر أو سمات بارزة هي: 1- الحرص على ان يتم حشد أكبر قدر ممكن من التأييد السياسي لهذه الحرب، حتى يأتي الجهد الناجم عنها تحت مظلة تحالف اقليمي ودولي واسع يعيد الى الذاكرة ما تم تحقيقه ابان أزمة غزو العراقالكويت ومن ثم الحرب التي أدت الى تحريرها في عملية "عاصفة الصحراء". 2- الاهتمام بأن يكون هذا التحالف متمتعاً بما يكفي من المرونة في الأساليب المنوي اتباعها، والأهداف المنوي تحقيقها، لتسهيل مهمة الدول المنضوية تحت لوائه، وتمكينها من المساهمة في جوانب محددة منه دون الأخرى، بما يتلاءم مع الظروف والاعتبارات الخاصة بها. وعلى سبيل المثال، فإن دولاً معينة قد تقرر المشاركة في صورة مباشرة في العمليات العسكرية عن طريق قوات ومعدات، بينما قد تكتفي دولة اخرى بتوفير تسهيلات جغرافية ولوجستية، في حين قد تفضل دول اخرى عدم المساهمة في المجالات العسكرية العملياتية، والاقتصار في تعاونها على الجوانب الأمنية والمعلوماتية، وتلك المتعلقة بالرقابة على الأنشطة المالية والمصرفية، وتعزيز اجراءاتها الهادفة الى منع الجماعات التي يشتبه بتعاونها أو تأييدها للاطراف المتورطة في الارهاب من القيام بأعمال الدعاية والتعبئة والتطويع والدعم لهذه الأطراف على أراضيها. 3- التأكيد مراراً على ان الحرب ضد الارهاب ستتخذ شكل حملة شاملة وطويلة ومتعددة الأوجه، وستكون مكلفة ومؤلمة على الصعيدين البشري والمادي. ومع اعطاء الأهمية الكبرى للجانب العسكري المباشر في هذه الحرب، فإن المسؤولين الاميركيين حرصوا في الوقت نفسه على عدم التقليل من أهمية الجوانب الأخرى التي تنطوي عليها، لا سيما المجالات الأمنية والاستخباراتية والمعلوماتية، وتدابير الرقابة المصرفية والمالية، وصولاً الى النواحي السياسية العامة المتعلقة بمدى الالتزام "المبدئي المعلن" من جانب الحكومات والدول بمبادئ هذه الحرب وشعاراتها وأهدافها، والعمل على تحويل ذلك الى ما يشبه "الفرز" ما بين حلفاء الولاياتالمتحدة وأصدقائها أي اعداء الارهاب من جهة، وخصومها وأعدائها أي أنصار الارهاب المفترضين من جهة ثانية. وعلى رغم ان اللهجة المتشددة التي ميزت تصريحات المسؤولين الاميركيين خلال المراحل الأولى التي اعقبت الهجمات الارهابية الانتحارية، خفت حدتها نسبياً في مرحلة لاحقة، فإنها لم تنته تماماً بعد، كما ان الآثار السلبية التي نجمت عن العبارات والأوصاف المتسرعة التي تضمنتها بعض تلك التصريحات، لا سيما في العالمين العربي والاسلامي وحتى في أوساط أوروبية عدة، لا تزال ماثلة الى حدّ كبير. فتعابير من نوع "الحملة الصليبية" و"أريد رأس إبن لادن حيّاً أو ميتاً" على لسان الرئيس بوش، واخرى مثل ان الهدف هو "القضاء على الارهاب والقضاء على الدول التي تدعم الارهاب وتؤويه" التي وردت على لسان نائب وزير الدفاع بول ولفوفيتس لم تترك صدى طيباً، بل انها ساهمت في تعزيز مشاعر القلق من احتمال إفلات الأمور من زمام السيطرة، لا على الصعيد العسكري فحسب، بل وعلى المستوى السياسي ايضاً، بحيث تتحوّل الحملة الموعودة من جهد دولي مركز ضد الارهاب، الى حرب غربية شاملة ضد الاسلام والعرب وكل من لا يحظى برضى واشنطن في المنطقة والعالم. وربما شكل ذلك دافعاً رئيسياً وراء المسارعة الى اعادة صياغة "الخطاب السياسي" الاميركي الموجّه الى العالم وتصحيح مضامينه، من حيث العودة الى التركيز على محور مكافحة الارهاب، والتشديد على حصر الاهداف بالجهات التي يفترض ان تكون متورطة في الهجمات التي تم تنفيذها داخل الولاياتالمتحدة، وغيرها من عمليات تعرضت لها اهداف اميركية خلال السنوات الماضية، أي تحديداً بأسامة بن لادن، وبتنظيم "القاعدة" الذي يتزعمه، وبالجماعات المتشددة المتحالفة معه، اضافة طبعاً الى حركة "طالبان". وأمام الاستعدادات الجارية يتمحور النقاش حول وجهتي نظر داخل الادارة الاميركية في شأن الرد المتوقع: الأولى: تنادي بضرورة اقتصار الرد الاميركي على "الإطار المحدّد للاهداف المعروفة"، اي على افغانستان وحركة "طالبان". وينطلق دعاة هذا الرأي من اعتبارات سياسية وعسكرية واستراتيجية يركزون فيها على ضرورة "توخي الحذر والتعقل" في أي تحرك عسكري اميركي، والحرص على "عدم توسيع اطار المواجهة المحتملة"، اضافة الى أهمية "تجنب احراج الدول الاخرى المشاركة في التحالف، وتلك التي فضلت عدم المشاركة فيه، مع عدم إبداء الاعتراض عليه طالما ظل هدفه محصوراً في افغانستان وتنظيم ابن لادن". وفي نظر هؤلاء، فإن اتساع نطاق الهجمات الاميركية لتشمل دولاً اخرى غير افغانستان سيؤدي الى اغضاب أطراف أساسية من مصلحة الولاياتالمتحدة الاستراتيجية ان تبقيها داخل اطار التحالف، أو أقله على الحياد، عوضاً عن دفعها الى الخروج منه والاعتراض عليه، كما هي الحال مثلاً مع روسيا وايران ودول عربية عدة. والثانية تدعو الى ضرورة "إغتنام الفرصة المتوافرة والتي قد لا تتكرر مرة اخرى"، وتحويل الرد الانتقامي الاميركي بالتالي الى عملية تصفية الخصوم والاعداء، الذين طالما هاجموا الولاياتالمتحدة وعرقلوا سياستها وألحقوا بها خسائر، من دون ان تتمكن حتى الآن، من الرد عليهم وانزال العقاب بهم. ويبرز بين دعاة هذا الرأي أنصار اسرائيل داخل الادارة، مثل مساعد وزير الدفاع بول ولفوفيتز ورئيس مجلس الأمن الاستشاري ريتشارد بيرل، ويساندهما وان بشكل أقل حدة وعلنية كل من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس. وحسب هؤلاء، فإن الفرصة "مؤاتية جداً" لقيام واشنطن بتحرك عسكري ضد أطراف مثل العراق و"حزب الله" في لبنان، وحتى ضد دول مثل سورية والسودان واليمن، بسبب "السياسات المعادية" التي اتبعتها هذه الاطراف خلال العقدين الماضيين حيال السياسية الاميركية ومصالحها الحيوية في المنطقة، وحتى لو لم يكن هناك أي رابط على الاطلاق بين هذه الاطراف وبين التفجيرات في نيويوركوواشنطن. وليس من الواضح تماماً، حتى الآن، اي من هذين الرأيين مرشح لأن يتحول في النهاية الى أساس استراتيجي وعسكري للعمليات الهجومية الاميركية ولأهدافها. لكن المؤشرات تدل على ان الاحتمال المرجح هو ان تقتصر العمليات الاميركية، في مراحلها الأولى على الأقل، على افغانستان وحركة "طالبان" وجماعة ابن لادن من دون الزج بأطراف اقليمية اخرى في المواجهة العسكرية، ثم انتظار ما قد يطرأ من أحداث وردود فعل على الضربات الأولى قبل صياغة المراحل التالية من هذه المواجهة وأهدافها. وفي مطلق الاحوال، فإن عملية الحشد العسكري التي تنفذها الولاياتالمتحدة تشير الى ان واشنطن تستعد فعلاً لخوض حرب هجومية شاملة في اطار اقليمي واسع النطاق. والواضح ايضاً ان حيزاً أساسياً من العمليات العسكرية التي ستنطوي عليها هذه الحرب لن يتسم بطابع تقليدي وعلني، كما كانت الحال ابان حرب الخليج، أو كما حدث في التدخلات العسكرية الاميركية والأطلسية في البلقان خلال التسعينات، بل انه سيقع في اطار ما يعرف بنمط "العمليات السرية" التي تنفذها عادة وحدات خاصة من قوات النخبة. وهذا النمط من العمليات يتم في الغالب خلف خطوط العدو وفي عمق أراضيه، حيث يتخذ أشكالاً عدة من المهمات الحساسة، كنصب الكمائن، واقتحام مقرات القيادة، وتخريب المنشآت الحيوية، واغتيال المسؤولين والقادة، وتدمير وسائط النقل والمواصلات، ورصد الاتصالات والتحركات المعادية والإبلاغ عنها الى القوات الحليفة تمهيداً لمهاجمتها وتدميرها بواسطة العناصر الهجومية التقليدية من قوات برية وجوية وصاروخية. وتتألف العناصر الرئيسية المعلنة من الحشد العسكري الاميركي الذي تم رصده للعمليات الانتقامية من حوالي 650 طائرة مقاتلة وقاذفة تضاف اليها نحو 200 طائرة مخصصة لمهمات الدعم والمساندة، بما في ذلك طائرات النقل والإمداد الجوي بالوقود طائرات الصهريج، وطائرات الرصد والمراقبة والاستطلاع والمهمات الالكترونية المتنوعة، وطائرات الهليكوبتر على اختلافها، بما فيها الهليكوبترات الناقلة المخصصة لمهمات الانزال والاقتحام، والهليكوبترات القتالية والهليكوبترات المخصصة لمهمات البحث والإنقاذ والاستطلاع. ويقل حجم هذه القوة الجوية الاميركية كثيراً عن تلك التي حشدتها واشنطن ضد العراق عشية عملية "عاصفة الصحراء"، اذ بلغ مجموع تلك القوة آنذاك ما لا يقل عن 1800 طائرة مقاتلة وقاذفة ومساندة، ويعكس ذلك طبيعة العمليات العسكرية المتوقعة هذه المرة، ونوعية الاهداف وطبيعة القوات والدفاعات الجوية المتوافرة لحركة "طالبان" والجماعات المتحالفة معها، بالمقارنة مع القوات العراقية التي كانت القيادة المتحالفة تتوقع مواجهتها في حرب الخليج. لكن ذلك لا يقلل من أهمية القوة الاميركية المحشودة حالياً، ومن حجمها النوعي والكمي، وامكانات استخدامها وفاعليتها العملياتية المفترضة. فهذه القوة تضم قاذفات استراتيجية ثقيلة من طراز "ب - 52" و"ب - 1". كما أنها تضم على الأرجح قاذفات استراتيجية ثقيلة من طراز "ب - 2 سبيريت"، وهي قاذفات من نوع "ستلث" التي لا تكتشفها أنظمة الرادار المعادية، والتي لا تعلن الولاياتالمتحدة عادة عن تحركاتها واستخداماتها. كما تشتمل هذه القوة على مقاتلات تكتيكية تابعة لسلاح الجو من طراز "ف - 15 اي سترايك ايغل" الهجومية، واخرى من طراز "ف - 16 فالكون" المتعددة الأغراض و"ف - 15 ايغل" الاعتراضية، الى جانب المقاتلات التكتيكية التابعة لسلاح البحرية، من طراز "ف - 14 تومكات" الاعتراضية و"ف - 18 هورنت" المتعددة الأغراض. وتنطلق هذه المقاتلات البحرية من ثلاث حاملات طائرات قررت الولاياتالمتحدة رصدها لمسرح المواجهة المحتمل، والذي يمتد عملياً من البحر الأبيض المتوسط الى الخليج وبحر العرب وصولاً الى المحيط الهندي. وهذه الحاملات هي ثيودور روزفلت وكارل فينسون ودوايت ايزنهاور، ومع وكل واحدة منها قوة عمليات بحرية قتالية تشتمل على نحو 12 سفينة وغواصة هجومية رئيسية معظمها مسلح بصواريخ قصف استراتيجي بعيدة المدى من طراز "توماهوك"، وهي صواريخ جوالة كروز بعيدة المدى ودقيقة التصويب، يمكن تزويدها رؤوساً حربية تقليدية ونووية على حدّ سواء. لكن الاهم من ذلك في الترسانة الاميركية التي تم حشدها هو العنصر المتمثل في وحدات القوات الخاصة التي ينتظر ان تلعب دوراً رئيسياً في أي عمليات عسكرية يتم تنفيذها داخل الأراضي الافغانية. فهذه الوحدات، التي ينتظر ان يتم نشرها واستخدامها ضمن تنسيق وثيق مع قوات المعارضة الافغانية التابعة لتحالف الشمال المعارض لحكم "طالبان"، تشتمل على عناصر الفرقة المحمولة جواً 101، وفرقة المظليين 82، وقوات "المغاوير" الرانجرز، وقوات "القبعات الخضر" غرين بيريت الخاصة، وقوة "دلتا" الخاصة، وقوة مغاوير البحرية سيلز الاقتحامية الخاصة، الى جانب عناصر من مشاة البحرية المارينز، وقوات التدخل الخاصة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية سي.آي.ايه، ووكالة الأمن القومي ان. سي. أي. ولم يتوافر حتى الآن تحديد دقيق للحجم الاجمالي لهذه القوات الخاصة التي تم تخصيصها لمسرح العمليات الافغاني، لكن التقديرات في شأنها تشير الى ان مجموعها قد يصل الى حوالي 40 ألف عنصر. وسيكون في مقدور هذه القوات الاميركية الاعتماد على المساندة الحيوية التي ستوفرها لها عناصر القوات البريطانية الخاصة المعروفة باسم "س.أ.س"، والتي تتمتع بخبرة وفيرة في مجال حروب العصابات والعمليات السرية، لا سيما في مناطق العالم الثالث وشبه القارة الهندية والشرق الأوسط. كما يبدو ان بريطانيا، باعتبارها الحليف الأوثق للولايات المتحدة في العالم، ستكون الدولة الوحيدة التي ستعمد الى تزويد الاميركيين بمساندة عسكرية قتالية مباشرة. فإلى جانب قوات "س.أ.س" الخاصة، التي بات في شبه المتفق عليه تقريباً انها بدأت فعلاً في الانتشار والتحرك بصورة سرية داخل افغانستان، قررت بريطانيا تخصيص مقاتلات تكتيكية هجومية من طرازي "تورنادو" و"جاغوار" لدعم المجهود العسكري الاميركي، الى جانب قوات بحرية وعناصر من وحدات المظليين ومشاة البحرية رويال مارينز. ويذكر ان بريطانيا تنفذ حالياً مناورات عسكرية مشتركة في منطقة الخليج مع قوات سلطنة عمان تعدّ الأضخم من نوعها منذ حرب الخليج الثانية مطلع التسعينات، حيث سيشارك فيها حوالي 20 ألف جندي بريطاني ونحو 20 قطعة بحرية قتالية رئيسية، بما فيها حاملة الطائرات "ايلاستريوس" التي تقل على متنها مقاتلات تكتيكية متعددة الأغراض من طراز "سي هاريير"، وذلك في اطار تدريب قتالي يحمل اسم "السيف السريع" كان مقرراً اجراؤه منذ فترة طويلة، قبل ان يتصادف موعده مع الأزمة الحالية. وفي مواجهة هذه القوات المتحالفة، ومعها قوات المعارضة الشمالية التي يقدر حجمها بحوالي 25 ألف عنصر بما في ذلك قوات الطاجيك الموالية للقائد الراحل أحمد شاه مسعود والرئيس برهان الدين رباني، وقوات الأوزبك الموالية للجنرال عبدالرشيد دوستم، وقوات حزب الوحدة الشيعي المتحالفة معها، تقف قوات "طالبان" التي يقدر مجموعها بحوالي 40 ألف مقاتل مزودين بنحو 600 دبابة وعربة مدرعة وعدد مماثل من قطع المدفعية والراجمات الصاروخية وأسلحة مضادة للطائرات تشتمل على صواريخ "ستنغر" الاميركية المحمولة على الكتف، والتي كانت قوات المجاهدين الافغانية حصلت عليها من الولاياتالمتحدة ابان قتالها ضد القوات السوفياتية في الثمانينات. وبالطبع، فإن العنصر الأكثر أهمية في القوة العسكرية المواجهة للقوات الاميركية والبريطانية المتحالفة معها هو "الفيلق العربي" التابع مباشرة لابن لادن. فهذه الوحدة، التي تضم حوالي 3 آلاف مقاتل من جنسيات مختلفة تتسم عموماً بشدة مراسها وخبرتها واتقانها حرب العصابات، الى جانب تجهيزها المتكامل واندفاعها القتالي الذي عرفت به منذ أيام الحرب ضد القوات السوفياتية، وبعد ذلك خلال التجارب التي خاضتها في معارك الشيشان والبوسنة وكوسوفو والصومال. وهي ستشكل، بالتالي، هدفاً رئيسياً من أهداف أي حملة هجومية تشنها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في افغانستان. الأهداف والاحتمالات والمرجح الآن ان تركز الولاياتالمتحدة خلال المراحل الأولى من ردها العسكري، على شن هجمات جوية وصاروخية مركزة على الاهداف التابعة لقوات "القاعدة" والجماعات المتحالفة معها، وعلى مقرات القيادة والتجمع وخطوط الامداد والمواصلات التابعة لحركة "طالبان" بهدف تدمير ما أمكن منها، وشل قدرتها على العمل والتحرك والمناورة. كما سيترافق ذلك مع تحركات واسعة تقوم بها الوحدات الخاصة العاملة داخل الأراضي الافغانية، وتلك المنطلقة بواسطة طائرات النقل والهليكوبتر الاقتحامية من قواعد في باكستان واوزبكستان وطاجيكستان، بهدف السيطرة بسرعة على مواقع ومناطق محددة في الداخل الافغاني، تمهيداً لاستخدامها نقاط انطلاق لأي عمليات هجومية أوسع نطاقاً قد تقرر القيادة الحليفة تنفيذها. وستكون من بين أهم هذه النقاط قاعدة "باغرام" الجوية الاستراتيجية التي تسيطر عليها حالياً قوات المعارضة في منطقة وادي بنجشير، ليلي ذلك في مرحلة لاحقة دعم المعارضة في سعيها الى زعزعة نظام "طالبان" وإزاحته عن السلطة في كابول وقندهار، مع التركيز في الوقت نفسه على محاولة القضاء على تنظيم "القاعدة" والجماعات الاخرى المؤيدة لابن لادن، والعاملة حالياً انطلاقاً من جلال أباد بالقرب من الحدود الباكستانية. سجال استنزافي واذا ما تمكنت القوات الاميركية والحليفة من تحقيق هذه الأهداف خلال المرحلة الأولى من العمليات العسكرية، فإنها تكون نجحت في تحقيق انجاز كبير قد يوفر عليها الحاجة الى الانتقال الى المراحل التالية، ويوفر على أطراف التحالف، لا سيما باكستان ودول آسيا الوسطى الاسلامية وغيرها من الاطراف التي لا ترغب في تفاعل الأزمة، عناء تحمّل النتائج السلبية لاستمرار الأزمة. اما في حال عدم النجاح في تحقيق هذه الاهداف الأولية بسرعة، فإن المواجهة تصبح مرشحة للتحوّل الى سجال استنزافي يذكّر بما آلت اليه الأوضاع في الشيشان، وقبل ذلك في افغانستان نفسها، ابان الاحتلال السوفياتي، ما يفتح باب الاحتمالات الغامضة على مصراعيه، ليس فقط في ما يتعلق بتطور سير العمليات داخل المسرح الافغاني، بل وايضاً في ما يختص بالانعكاسات الأمنية والسياسية التي قد تنجم عن ذلك داخل الدول التي قررت الانضواء في اطار التحالف المضاد للإرهاب الى جانب الولاياتالمتحدة، وعلى رأسها باكستان. وفي الوقت نفسه، فإن بروز وضع كهذا لا بد ان يشكل بدوره دافعاً قوياً للولايات المتحدة نحو توسيع اطار العمليات العسكرية، والتحول تدريجاً الى اعتماد وجهة النظر الأخرى الداعية الى استخدام ما أمكن من قدرات القوة العسكرية الحاسمة ضد دول واطراف أخرى في المنطقة، بحثاً عن انجاز عسكري سريع، سواء كان ذلك في العراق أو غيره. وهنا، ستعود الأمور برمتها الى نقطة البداية التي كان من المفترض ان يتم تجنبها أصلاً، فتتحول المواجهة من حرب مركزة ضد الارهاب، الى صراع اقليمي ودولي شامل لا حدود له، وبشكل لن يكون في مقدور احد ان يتكهن بمساره ونتائجه على المدى البعيد.