في الوقت الذي يخوض فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك معركة الرأي العام العالمي في مواجهة الفلسطينيين حول عملية السلام، ويتنقل من رئيس دولة الى أخرى في نيويورك حيث عقدت قمة الألفية، بدا ان جبهة داخلية أخرى فتحت ضده. هذه المرة مع الجيش الاسرائيلي الذي كان قد ترعرع فيه حتى بلغ رأس هرميه، العسكري رئيساً للأركان، والسياسي رئيساً للحكومة. قبل مغادرته مطار تل أبيب، أعلن باراك موقفه من موازنة الجيش للعام 2001، وكان لهذا الموقف وقع القنبلة، إذ خرج قادة الجيش يحذرون من مغبة تقليص الموازنة. بل ان رئيس الأركان الحالي الجنرال شاؤول موفاز، المعروف بولائه التام للقيادة السياسية أكثر من أي رئيس أركان سبقه، انضم الى منتقدي باراك قائده السابق على مدار عقدين وقائده السياسي حالياً. وقال موفاز في جلسة لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست ان تقليص الموازنة العسكرية يعني تقليص القدرات الدفاعية. وحذر من أن ذلك سيلحق الضرر بالآلة العسكرية والاستعداد الحربي لاسرائيل وسيضطر الجيش الى تقليص حجم قواته ويضر بمشاريع التطوير التكنولوجي الضروري لمواجهة تحديات الأسلحة غير التقليدية، خصوصاً الصواريخ التي تهدد اسرائيل من الشرق العراق وايران وسورية وحتى باكستان وقال، في ختام مداخلته، في نبرة يستشف منها التهديد: "موازنة أقل تعني أمناً أقل". غير أن القراءة الحقيقية للموازنة العسكرية لاسرائيل تكشف انه لا يوجد أي تقليص. إذ انها، في مجملها، تبلغ 26.1 مليار شاقل 6.5 مليار دولار أي بزيادة 800 مليون شاقل 200 مليون دولار عن السنة الماضية. وهذه الأرقام لا تشمل المساعدات العسكرية الأميركية السنوية التي تزيد كل سنة بنحو 60 مليون دولار، وتصل الى 1.89 مليار دولار، تضاف اليها 100 مليون دولار فوائد مصرفية. والمعروف أن الولاياتالمتحدة تدفع هذه المساعدات سلفاً مطلع السنة مما يؤدي الى تراكم الفوائد عند سحبها من المصارف وايداعها حسابات الدولة العبرية. وكان العسكريون الاسرائيليون قد طلبوا أن تشمل الموازنة الجديدة مليار شاقل اضافي بدعوى الحاجة الى التطوير. وطلبوا عدم خصم شيء من الموازنة بدعوى الانسحاب من لبنان أو خفض المصروفات. لكن وزارة المال اعترضت، وقالت ان قيادة الجيش تبالغ في طلباتها، واتهمتها بتبذير ملايين الدولارات على أجور ضباطها حصة الاجور من ميزانية وزارة الدفاع تساوي نحو 40 في المئة. واعلنت اصرارها على ضرورة تنفيذ القرارات السابقة بخصوص تقليص حجم الجيش وتقليص مدة الخدمة. وطلب وزير المال تنفيذ وعد قادة الجيش بالتنازل عن موازنة احتلال لبنان، مذكراً بأنهم اعلنوا في السابق ان الانسحاب من لبنان سيوفر على الخزينة مبلغاً يراوح بين 1.5 و1.8 مليار شاقل. اما باراك، فهو جاء بحل وسط لهذا الخلاف بين وزارتي الدفاع والمال، يصار فيه الى ان يعاد الى وزارة المال من موازنة الصرف على احتلال لبنان مبلغ 788 مليون شاقل 197 مليون دولار وليس 1.5 مليون كما تطلب وزارة المال، وليس250 مليون شاقل كما يقول الجيش. وأن تقلص الموازنة العامة بحدود 690 مليون شاقل 172 مليون دولار وليس مليار شاقل كما تطلب المالية ولا صفراً كما يطالب الجيش. وهكذا فإن موازنة الجيش تزيد عملياً بنحو 110 ملايين شاقل 27 مليون دولار عن موازنة السنة الفائتة. وكان باراك قد وعد بتقليص موازنة الجيش. لكن ذلك أثار تساؤلات لدى الادارة الأميركية: كيف يقلص باراك موازنة الجيش ويطلب في الوقت نفسه زيادة الدعم العسكري الأميركي؟