عندما قدم ادوارد هندرسون الى الساحل المتصالح العام 1948 موظفاً لدى مؤسسة "تطوير البترول في الساحل المتصالح" مكتشفاً النفط ومشاركاً في اول عمليات مسح زلزالي في المنطقة وأصعبها، كتب في مذكراته الكثير من المشاهدات، مفصلاً وقائع الحياة اليومية في مدن وقرى الامارات العربية المتحدة وصحرائها. ويبدو ان اتخاذ المؤسسة مدينة دبي مقراً لأعمالها جعل من كتابات هندرسون مصدراً مهماً للمهتمين بالتاريخ الاقتصادي للمدينة والنمو القياسي فيها لقد اطلق سكان المدينة على هذا الخبير البريطاني لقب "بن هندر" ونادوه به باعتبار ان اسمه الانكليزي هندرسون! يصف هندرسون زيارة قام بها الى صديق من دبي اصبح لاحقاً من الاغنياء فيقول: بعدما تناولت معه القهوة كالعادة. سألته سؤالاً عابراً عن عمله وعما يتاجر به من سلع فابتسم قائلاً: "أنا أتاجر بكل ما يقع تحت يدي واستطيع الحصول عليه"، ثم اخذني الى خارج الدكان قائلاً: "تعال سأريك شيئاً" وسار بي في زقاق خلفي. وعندما صاح منادياً ظهر فجأة امامنا صبي يافع فأمره ان يفتح باباً كبيراً. ثم طلب مني الدخول وعلى رغم العتمة وفي مساحة منخفضة السقف من الطين وجدت عدداً كبيراً من الدراجات الهوائية وقلت له: ولكن اين هي الطرق التي ستسير عليها هذه الدراجات؟ لم أرَ احداً يستعملها هنا! فرد التاجر مبتسماً: بالطبع لن ابيعها هنا، ربما واحدة او اثنتان لكنها ستذهب كلها الى باكستان. كذلك فعلت مع ماكينات الخياطة السنجر". ذلك التاجر لم يكن سوى محمد الفايد صاحب متاجر "هارودز" وأحد مليارديرات العالم الآن. ومما لا شك فيه ان الكثير من التجار الذين وفدوا الى دبي في النصف الاول من القرن العشرين أضحوا الآن من اصحاب الثروات الطائلة في العالم وهم من جنسيات عدة، عدا ابناء الامارة انفسهم. ويصف "بن هندر" الذي توفي قبل اعوام، اثناء عمله الاخير الذي مارسه في الامارات في مركز الوثائق والدراسات في ابو ظبي ما سماه بلاط حاكم دبي واداء ولي عهده في ذلك الوقت الراحل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مؤسس دبي العصرية الفعلي. يقول: "كان مجلس حاكم دبي يُعقد اما صباحاً في مركز الجمارك المطل على الخور حيث يُعاد تصدير البضائع الى الهند وايران والعراق، واما عصراً في خيمة تتوسط حديقة قصر زعبيل مقر الحاكم. واحياناً ينعقد المجلس في معسكر صيد صحراوي، او في المصيف الصغير في "جميرا" ضاحية على اطراف دبي. كان الشيخ راشد الحاكم الفعلي للامارة على رغم انه كان لا يزال في ذلك الوقت ولياً للعهد 1948. لباسه مثل جميع الحاضرين في تلك الايام. كان العديد من رعاياه قد اصبحوا اثرياء قياساً بما تحققه التجارة في ذلك الوقت لكنهم يفتقرون للسيولة المالية فجميع اموالهم كانت قيد الاستثمار ومقابلة الشيخ ممكنة بزيارة مركز الجمارك صباحاً. هناك يتم الحديث عن الاعمال وتصريف الامور. غرفة صغيرة مزدحمة بالناس، عارية الجدران، مفروشة بالأرائك والجلوس على السجاد. واذا ما اراد الشيخ محادثة على انفراد فانه يصحبهم الى غرفة جانبية". ويكمل "بن هندر": "وصل الهاتف الى المدينة في تلك الفترة. وكان الشيخ الراحل يرد بنفسه عليه، ويحدد المواعيد لضيوفه وعند اللقاء كان الشيخ حريصاً على اللقاءات العملية القصيرة. يطلب القهوة للضيف ثم يجامله ببعض العبارات ويبدأ بمناقشة مقصده". واستنتج "بن هندر" ان من لا يستطيع متابعة حديث الشيخ وفهمه فهماً عميقاً في تلك اللحظة قد لا تُتاح له فرصة الحصول على المنافع الكثيرة التي كان يمكن ان يحققها، لأن الشيخ يحب الأذكياء والحاضري البديهة على الدوام، وعندما تتم مناقشة قضية ما في مجلسه، فانه ينتظر سماع آراء كل من حوله ثم يختم الجلسة بعبارات قاطعة ليخرج بعدها مسرعاً قبل ان يدرك الجميع ما حدث. هكذا كان يجري تصريف الاعمال في دبي. بعد رحيل الشيخ راشد بن سعيد حاكم الامارة كانت الملامح الجديدة للمكان قد بدأت بتأكيد حضورها وتحتاج لاستمرارية النهج وتطوير مستوى الاداء. وهكذا بدأ ابناؤه اطلاق عنان الافكار التي بدت غناءً خارج السرب المألوف خلال السنوات الماضية. وحققت الامارات استفادة قصوى بلا شك دعمت حضورها الاقليمي والعربي، وربما الدولي، لكن المتغيرات المتسارعة في المنطقة الآن، والمنافسة على استقطاب الاستثمار بأنواعه، تشكل عبئاً ضاغطاً على المخططين لمستقبل الامارة الصغيرة المساحة. والمتابع لما يجري فيها هذه الايام لا بد ان يلاحظ هذا الاستنفار الاقتصادي والاجتماعي الكبير فيها، وما زيارات الشيخ محمد بن راشد ولي عهد دبي ووزير دفاع الامارات المفاجئة للدوائر والقطاعات الحيوية ووصوله الىها مثل العاملين بها وتأنيبهم على تأخرهم وصرف بعضهم، الا مرحلة من اعادة تخطيط وتمهيد لمتغيرات قد تطال قيادات ووجوهاً اعتبرت لسنوات من المسلّمات في الامارة. وتمشياً مع لغة العصر، كشفت دراسة اقتصادية اعدها يحيى خالد من الدائرة الاقتصادية ونُشرت تحت عنوان "دبي القرن 21" ان الامارة كرّست لنفسها سمعة دولية كمركز اقليمي للتجارة والاعمال والخدمات باستكمالها البنية التحتية والتركيز على السياحة كمصدر رئيسي للدخل، اضافة الى تحويلها مركزاً للمؤتمرات والمعارض الدولية ومقراً اقليمياً للشركات العالمية العاملة في الخليج والشرق الاوسط. ونجحت المدينة في ان تنظم اجتماعاً لمجلس الذهب العالمي للمرة الاولى في تاريخه خارج الولاياتالمتحدة واوروبا، مستندة الى دورها الكبير في تجارة المعدن الثمين، اذ بلغ حجم وارداتها منه 5500 طن خلال 30 عاماً. كذلك نظّمت اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، وارتفع الناتج المحلي غير النفطي للامارة بمعدل 150 في المئة. وارتفع متوسط دخل الفرد الى 16 ألف دولار في العام، وهو رقم مرتفع على المستوى العالمي. ويعزو الخبراء الاقتصاديون هذه الطفرة الى جرأة دبي في تغيير قوانينها وانظمتها التجارية اذا وجدت انها تعيق طموحها الاقتصادي او ان نتائجها لم تكن مرضية. وكان لافتاً خفض الرسوم المفروضة على المنشآت الصناعية والتجارية الى النصف لتلغي قرارات كانت اتخذتها قبل عام فقط بزيادتها! وحسب الخطة المعلنة فان احتياجاتها من اليد العاملة قُدّرت ب52 الف عامل فقط مقارنة ب196 الفاً في حال ابقاء الوضع على ما هو عليه، ولأن سياسة اجتذاب مستثمرين خليجيين واجانب من الفئة الممتازة تتطلب من الامارة تحديد مجالات هذا الاستثمار وانظمة وقوانين ملكية رأس المال، والحوافز الخاصة وتوفير البيئة الخالية من الاحداث غير المتوقعة، فان الجهات المختصة في الامارة تجري دراسة ميدانية احصائية للمقيمين فيها يتم ملء استمارات خاصة بهم تتضمن سلسلة من الاسئلة التي يتأفف بعضهم منها حول المداخيل والمصاريف بكل تفاصيلها، لتوفير قاعدة بيانات دقيقة تهيئ ارضية موضوعية لخطط التنمية فيها. وتقول هذه الجهات ان الهدف الرئيسي هو تحسّن انتاجية العمال، ورفاهيتهم ومنحهم التأمين الصحي الشامل، وتوفير الحد الادنى لمستوى الاسكان الخاص بالعمالة الرخيصة. ومرة اخرى تؤكد دبي ملامح خطتها بقرار ولي عهدها بانشاء "مدينة الانترنت" ومنطقة حرة للتجارة الالكترونية وأول جامعة انترنت في العالم. وهذا ما تراهن عليه قيادات الامارة في سباق البحث عن التفرّد وبسرعة قياسية. الا ان قطاع السياحة الذي يستأثر باهتمام الجميع في المدينة خلال الاعوام الخمسة الماضية له مبرراته، فقد بلغ عدد نزلاء الفنادق في المدينة مليوناً ومئتي الف نزيل خلال الفترة من كانون الثاني يناير الى حزيران يونيو 1999. وحققت الفنادق والشقق المفروشة عائدات قُدّرت بمليار ونصف مليار درهم حسب احصائية اعلنتها دائرة السياحة والتسويق التجاري. وقد احتل العرب المركز الاول. اما انخفاض النزلاء من روسيا ودول البلطيق بنسبة 22 في المئة فلم يؤثر كثيراً. وتجدر الاشارة الى ان ولي عهد الامارة يرأس دائرة السياحة ويولي هذا القطاع اهمية خاصة دفعته لتحويلها الى مدينة مهرجانات تسويقية وترفيهية على مدار العام. واوضح عبدالرحمن غانم المطيوعي مدير عام غرفة التجارة في الامارة ان لدى الغرفة خطة متكاملة للتجارة الالكترونية وان الاساليب التقليدية التي اشتهرت بها ماضياً لا بد ان تتطور ولهذا فالبداية ستكون في قطاعات الحكومة ثم قطاع المال والاعمال ومن بعدهما المستهلك. ويعلن المسؤولون عن ظهور شركاء جدد على صعيد الاستثمار لم تُحدد هويتهم بعد ويستشهد الدكتور محمد العسومي مدير ادارة الدراسات في المصرف الصناعي بمؤتمر سياتل الاخير في حديثه عن اهمية اللحاق بالمتغيرات، وتزايد حدة المنافسات في اعقاب سريان مفعول اتفاقات منظمة التجارة العالمية، ويعتقد بأن مدينة الانترنت في دبي تعزّز مكانتها على الخريطة التجارية للعالم. اكتفاء ذاتي ويأخذ قاسم سلطان المدير العام لبلدية دبي في الاعتبار صغر مساحة الامارة 4400 كلم مربع معدل النمو السكاني فيها 6.4 في المئة بواقع 43 فرداً للهكتار الواحد وتوقع ارتفاع عدد السكان الى 1.2 مليون بحلول العام 2005، مؤكداً ان البلدية ستحقق اكتفاءً ذاتياً في تمويل موازنتها اعتباراً من العام 2002 مبيّناً ان المصاريف الحكومية على البنى الاساسية خلال السنوات الخمس الماضية زادت على التسعة مليارات درهم. واعلن افكاراً لزيادة عوائد البلدية بدأت بالفعل في تحصيل رسوم مواقف السيارات في المدينة المزدحمة، ويعترف سلطان بتقلص حجم الاراضي الممنوحة للمواطنين للبناء والسكن ويُصرّ على أن الحل في الشقق السكنية وليس "الفلل". قبل اعوام وعندما كثر الحديث عن خطط دبي للحلول مكان هونغ كونغ التي استعادتها الصين، أصرّ الخبراء واصحاب القرار فيها على أن دبي لن تكون هونغ كونغ جديدة لاعتبارات كثيرة اهمها الموقع الجغرافي. وكان لافتاً اصرار تي دبليو داف المستشار المالي البريطاني الذي عاصر حكومة دبي لفترة طويلة في مراحل نموها على "ان النمو المنضبط سيكون شعار دبي للألفية الجديدة في حدود الجغرافيا الطبيعية والسياسية للمنطقة الخليجية والامكانات المناخية ايضاً، فدبي ليست جزيرة معزولة عن محيطها" واذا كانت استطاعت تسجيل اكثر من سبق وانفراد خلال العقدين الماضيين واستفادت جيداً من مرونتها السياسية والاقتصادية اثناء الازمات الصعبة في محيطها، بدءاً بالحرب العراقية - الايرانية، وحرب الخليج الثانية، فان الاتجاه العام في الاقليم الخليجي الآن هو إلى فتح الابواب على مصراعيها للاستثمارات الاجنبية وتكاثر المناطق الحرة وكثافة الامتيازات التجارية التي تغري اصحاب رؤوس الاموال من كل حدب وصوب، كل هذا قلّل من خصوصية دبي كوجهة تجارية فبدأت تخسر زبائن مهمين، مثل تجار جمهوريات الكومنولث الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهكذات التفتت الى قطاع السياحة لاستقطاب حصة اكبر من مليارات كثيرة يصرفها الخليجيون، وهم بالمناسبة من اكثر شعوب الارض انفاقاً على السياحة عبر العالم. وهكذا اتجهت حكومة دبي الى اطلاق مهرجاناتها السنوية للتسوّق وسجلت لنفسها الريادة في هذا الاطار، الا ان مهرجانات التسوّق اصبحت موضة منتشرة في المنطقة، في الوقت الذي لم يعد بإمكان الخليجي انفاق ما اعتاد انفاقه في الماضي. ولعل تقليص عدد سيارات دبي للمواصلات خلال العامين الماضيين ووقف توسعات الشركة التي سبق ان اعلنت عنها دليل على تناقص اعداد القادمين الى مهرجانات دبي وتراجع الجدوى الاقتصادية لهذا القطاع. كذلك تراجع عدد الشركات العاملة في المنطقة الحرة لجبل علي بعد طفرة ظاهرة. وان كان سلطان بن سليم رئيس سلطة المنطقة اعلن مراراً ان هدف ادارته الكيف وليس الكم، وان اكثر من 90 شركة تم شطبها وانهاء اعمالها في المنطقة لانها لم تستوف الشروط اللازمة لمباشرة نشاطها. وتتجه ادارة بن سليم الآن الى كسب زبائن مثلما هو الحال مع الموانئ اللبنانية والليبية وميناء جدة السعودي وموانئ افريقية اخرى. وفي الوقت نفسه تحاول استقطاب شركات عالمية اوروبية واميركية ذات سمعة جيدة. ولعل الحفاوة الكبيرة التي استُقبل بها البروفيسور رينهولد فيرت الالماني مؤسس وصاحب مجموعة "فيرت" الالمانية الصناعية خير دليل، فقد قوبل افتتاح مقر هذه المجموعة في المنطقة الحرة بجبل علي 80 الف منتج توزع وتُصنع في 79 بلداً في العالم وتغطي ما يعادل 5 في المئة من الانتاج الصناعي العالمي في مجالات تقنية مختلفة بحفاوة بالغة لكنه اعلن في مؤتمر صحافي ان مجموعته تحتاج لفترة يصعب تحديدها حتى تقرر انتاج بعض صناعاتها في المنطقة وانهم سيكتفون بتسويق منتجاتهم في الاسواق المحيطة بالامارة الخليج. ويعترف حسن بن الشيخ رئيس غرفة تجارة دبي بأن تضارب الانظمة التجارية الداخلية وتباين قوانينها بين بلد خليجي وآخر أضرّ ببعض المنتجات ولعل حرب الألبان الطازجة التي وقعت اخيراً بين شركات سعودية توزع منتجاتها في اسواق الامارات وشركات الالبان المحلية غير المدعومة خير دليل. ودعا بن الشيخ الى منع الازدواجية وتحديث الاتفاقية الاقتصادية الموحدة لدول مجلس التعاون بما يراعي مصالح الجميع. مدينة اعلامية يتفق المهتمون على ان "تخمة معمارية" حصلت في دولة الامارات عموماً، وان اتجاه رؤوس الاموال الى تجميد اعمالها في هذا القطاع وتفضيل المحافظة عليها في البنوك وتحصيل اسعار الفائدة المعتادة مؤشر قوي على مرحلة من التقاط الانفاس لمواجهة مرحلة جديدة في المنطقة، وبطبيعة الحال دبي جزء منها وهكذا اطلقت سوق دبي المالية للعمل. والمتابعون لعمليات التداول في هذه السوق يدركون انها لا تزال حذرة في حجم عمليات التداول فيها، خصوصاً ان رؤوس اموال ضخمة من امارة ابو ظبي الغنية النفطية تفضّل ادارة عملياتها عبر سوق ابو ظبي المالي حتى الآن، وقد يكون الاستقبال الحافل الذي لاقاه سلطان بروناي في دبي لافتاً بالنسبة إلى العارفين بشؤون الاقتصاد في دبي، فالمدينة تتحدث عن حجز افراد عائلة السلطان للعديد من الاجنحة الفاخرة في فنادق دبي من الدرجة الممتازة 7 نجوم على مدار العام وهذا مؤشر لتحول المدينة الى محطة مهمة في حياة اغنياء العالم من عرب واجانب على حدّ سواء، لكن جولة السلطان في مشروع تلال الامارات السكني الفاخر الذي تقوم على تنفيذه شركة اعمار برأس مال ضخم جداً وتتم عملية تسويقه قبل انجازه والاعلان عن خطة تمليك الاجانب من الفئة الممتازة لوحداته السكنية المرفقة بأكثر مشاريع السكن رفاهية وخدمات ومرافق ملاعب غولف، مرسى يخوت فاخرة وصالات العاب… الخ بداية لوفود رؤوس اموال ضخمة ترغب بالعمل خارج موطنها الاصلي. ويطمح ولي عهد الامارة الى تحويل دبي مدينة اعلام عالمية، فهو من اكثر الناس ادراكاً لاهمية وسائل الاتصال والاعلام بأنواعه في انعاش الاقتصاد والترويج للمكان ولا يبخل بتقديم الحوافز التي قد تدفع بمحطات فضائية عربية واقليمية وشركات "كيبل" وغيرها الى المجيء الى المدينة، خصوصاً بعد انشاء مدينة الانترنت، لكن الكاتب البحريني محمد العياد كتب محذّراً من الاعلام الخدماتي للشركات العالمية والاجنبية عموماً التي ترى المنطقة سوقاً استهلاكياً للمنتجات بأنواعها ليس اكثر، منبهاً الى تحول اقتصاد السوق المحلي الى دور السمسار والمروّج فقط! خصوصاً ان الجمعية الدولية للاعلان اتخذت من مدينة دبي مركزاً اقليمياً لأعمالها، وكان لافتاً استقبال ولي عهد الامارة لمديرها العام. والهند الشريك الرئيسي في تجارة دبي عبر جاليتها تبدو جادة في اخذ مساحة كبيرة لها في مدينة الانترنت حتى ان وادياً آخر للسيليكون في العالم سينشأ في دبي، هدفه السوق الافريقية والشرقان الادنى والاوسط، وفق خطط اقتصاد العولمة التي بشّرت بها الولاياتالمتحدة. السياحة والصفقات تلقى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي دعوة لحضور المؤتمر الأفرو-شرق اوسطي الذي سينعقد في مونتريال الكندية للحديث عن تجربة دبي. ومما لا شك فيه ان مزيداً من المفاجآت سيعلنها امام المؤتمرين، لكن الصورة العامة لمدينة دبي التي تبدو مغرية وجذّابة لكل من يزورها كسائح قد لا تكون هي نفسها بالنسبة الى المقيم. فزائر المدينة لا بد ان تختزن ذاكرته تلك المشاهدات الحيّة اللافتة المتعلقة بالتركيبة الديموغرافية بين مناطقها، في محاولة للاستمتاع بمساء هادئ على ضفة خور دبي قرب المنطقة التراثية البديعة التشكيل في إنارتها وعمارتها. كانت حركة العبارات المائية الكثيفة بين الضفتين مع نهاية يوم العمل في اسواق المدينة التقليدية الذهب، الاقمشة، الالكترونيات في ديرة هذه الحركة المحمومة كانت ساعات الذروة في عمل العبّارات تنقل بالنفر عشرات العمال والموظفين فوق سطحها حتى منتصف الليل. انهم الهنود الجالية الاكثر تعداداً ونفوذاً في اسواق المدينة ينتقلون عائدين الى مواقع سكنهم. وقد حقق رجال المال والاعمال منهم ارباحاً هائلة خصوصاً فئة البانيان الهندوس الذين يشكلون تكتلاً لكثرة ما فيه من التكافل والتنظيم. والمقيم في الامارات منذ سنوات لا بد ان يلمس تأثير "لوبي كيرلا"، وهي احدى الولاياتالهندية، الذي يمثل السواد الاعظم من الجالية الهندية في الامارات ودول مجلس التعاون عموماً. وزعامات هذا "اللوبي" مقرها دبي، وتسيطر على تجارة الالكترونيات والذهب والاقمشة وبعض المواد الغذائية الرئيسية. ويعزو العارفون ببواطن الامور المسألة الى اهتمام هذه الولاية الهندية بالتعليم وتصدير الكفاءات مرددين ان لها "لوبياً" آخر في بريطانيا وكندا والولاياتالمتحدة. وبعيداً عن الحضور المكثّف للجاليات الاجنبية في الامارة فان مشكلة اخرى تواجه التوسعات المعمارية فيها على حساب مشاريع تحسين البيئة العامة، وما التمدد العمراني باتجاه جبل علي وابو ظبي سوى دليلٌ على الواقع المزدحم للمدينة، وحسب مصادر مهتمة في الامارة فان تخصيص المدينة الام الممتدة على ضفتي الخور للاعمال التجارية والمكاتب والمتاجر والاسواق بأنواعها ودفع السكان الى الاطراف الاكثر رحابة حل ضروري للقضاء على الازدحام وتوفير شواغر للمزيد من الاستثمارات ويتوقع تقليص عدد حدائق الاحياء السكنية داخل المدينة للحصول على مساحات لبناء ابراج جديدة. وتواجه ادارة الصرف الصحي والنفايات في المدينة مشكلة حيوية خلال الاعوام الاخيرة. وقد أعدّت دراسة تفيد بأن معدل كميات النفايات التي ينتجها الفرد الواحد تعدى الالف كيلوغرام سنوياً. وهذا رقم مخيف اقليمياً وعالمياً، دفع إلى اطلاق حملة اعلامية هدفها خفض الكمية الى 555 كيلوغراماً للفرد سنوياً، لكن الاعلان عن انشاء مصانع لاعادة تدوير النفايات بأنواعها وبطاقة عالية اعتبر بمثابة نَعي للخطة، اضافة الى التوسعات الدائمة في محطة معالجة الصرف الصحي على اطراف المدينة العوير. الضوضاء ومسار الطائرات وعلى رغم زيادة مساحات الزراعات التزيينية في شوارع المدينة ومداخلها، فان اقسام الانف والاذن والحنجرة في مستشفياتها تستقبل المزيد من الحالات بسبب ارتفاع الضوضاء وهذه حقيقة يقرّ بها الجميع. ويقول الدكتور عدنان الفضلي الاستشاري في مستشفى راشد الحكومي ان ابعاد المطار ومسار الطائرات من سماء المدينة ضرورة ملحّة. لكن خبراء الهندسة الملاحية يقدمون في كل مرة تبريراً منطقياً يتعلق بتقنيات وخطط ومسارات لا بد ان تستخدمها الطائرات القادمة الى دبي التي يزيد عددها بمرور الوقت. ويتوقع وصول 40 مليون راكب الى مطار دبي بحلول العام 2005. ان انحسار المساحة المتاحة لهامش الريادة والتميز يضيق بطموحات دبي النوعية مع الوقت، والمتابع لما يحدث فيها لا بد ان تستوقفه تلك التصريحات النارية التي يطلقها رؤساء الدوائر المختصة فيها والتي تتحول الى حديث الشارع، فارتفاع معدلات الجريمة وانتشار المخدرات والسياحة غير النوعية امور تقلق جهاز الشرطة في الامارة في الوقت الذي يطرح فيه مدير الجوازات والهجرة المسؤولة عن منح التأشيرات والاقامات خطة اعتبرها الكثيرون مستحيلة، واعتبرتها قلة مرحلة ضرورية لتعريب سوق العمل في بلاده بشكل عام خلال 5 سنوات. وقد يكون مفيداً التذكير بعمليات النصب والاحتيال التي يتعرض لها اقتصاد الامارات بهروب التجار الاجانب وترك قيادات الادارات في ارتباك ظاهر. وما الاعلان عن انشاء جهاز لمكافحة الفساد الاداري تحت اشراف الشرطة والامن العام في الامارة سوى دليل على خلل وقع خلال سنوات الطفرة. لكن العارفين باسلوب السلطات في ادارة شؤون الامارة والخبرة التي المكتسبة من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يدركون بأن الحملة الصارمة ضد الترهل الاداري والفساد التي يقودها الشيخ محمد ولي العهد ستحدث تغييراً كبيراً في الهرم الاداري للدوائر الحكومية من دون الدخول في متاهات الاثارة الاعلامية فقد آن الأوان للموازنة بين حجم الفوائد وحجم الاعباء على الامارة المتفرّدة