قد لا تختلف التسهيلات التي تقدمها دبي عن غيرها في دول مجلس التعاون الخليجي، لكن ما يميز الامارة عن بقية دول المنطقة او حتى بقية مدن دولة الامارات، هو "المرونة"، التي تعتبر سر نجاح تطور دبي في الأعوام القليلة الماضية، واحتلالها مركزاً اقليمياً للتجارة والخدمات في منطقة الخليج والشرق الأوسط، بعدما كانت مدن عدة في المنطقة تستحوذ على هذا اللقب في السبعينات والثمانينات من هذا القرن. وأصبحت دبي التي تعتبر البوابة الرئيسية لتجارة اعادة التصدير في الشرق الأوسط المركز التجاري الاقليمي في المنطقة. فتجارتها الخارجية غير النفطية تقترب حالياً من حاجز ال25 بليون دولار وهي مرتبطة مع 159 دولة في انحاء متفرقة من العالم. اما حصة الفرد من الواردات فتقدر بحوالى 84 الف درهم 23 الف دولار وهي من اعلى المعدلات في العالم. وتستمد الامارة الساحلية التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة تقريباً عمقها الاستراتيجي من دولة الامارات اذ تعتبر ثاني اكبر الامارات السبع التي تتشكل منها الدولة المتحدة، في حين ترتبط بعلاقات واسعة مع اسواق دول مجلس التعاون الخليجي وشبه القارة الهندية ودول الاتحاد السوفياتي السابق وإيران اضافة الى اليمن ودول شرق افريقيا وبعض الدول العربية الأخرى. وخلال العقد الماضي والحالي انفقت الامارة عشرات البلايين من الدراهم لايجاد بنية اساسية متطورة وشبكة اتصالات متطورة تماثل ارقى الدول الصناعية، في حين اتجهت جهودها في مطلع التسعينات نحو الابتعاد عن النفط كمصدر وحيد للدخل. وكان من بين ابرز خياراتها قطاع السياحة الذي بات يساهم بنحو 15 في المئة من اجمالي الناتج المحلي للامارة الذي يدور حول 11 بليون دولار سنوياً. ويلحظ اي مقيم او زائر الى دبي ان تلك الامارة في نشاط دائم فيصعب ان يمر اسبوع على مدار السنة دون ان تكون دبي محوراً نشطاً على الصعيد الاقتصادي الاقليمي، فهي مركز اقليمي للمؤتمرات والمعارض، ونشط لتجمعات الشركات العالمية العاملة في الشرق الأوسط، وساحة خصبة للمهرجانات التجارية، وتجمع مهم لرجال الأعمال والوفود والبعثات التجارية العالمية الراغبة في الدخول الى اسواق منطقة الخليج للمرة الأولى، ومركز ترفيهي نشط، ومكان آمن يؤمه الجميع. تسهيلات ووضعت دبي هدف جذب الاستثمارات والتحول الى قاعدة للشركات الاقليمية والعالمية في الخليج نصب اعين مسؤوليها، فانطلقت من فكرة ادارة المؤسسات والدوائر الحكومية على أسس تجارية في مسعى يهدف الى تقديم ارقى الخدمات للقطاع الخاص المحلي والاجنبي الراغب في الاستثمار في الامارة، فدائرتها الاقتصادية التي لم يمض على تأسيسها سوى ستة اعوام والتي جرى تعديل اسمها في وقت سابق الى دائرة للتنمية الاقتصادية، اناطت بها الحكومة مسؤولية منح التراخيص المختلفة لممارسة مختلف الانشطة الاقتصادية، وكذلك متابعة تنفيذها، على رغم وجود جهات اتحادية اخرى تعنى بالتراخيص. وأسست الدائرة التي تخضع لاشراف مباشر من ولي عهد الامارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مركزاً للعلاقات التجارية يوفر مجموعة متكاملة من الخدمات للشركات والمؤسسات العاملة في الامارة ويعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط الذي تؤسسه وتديره دائرة حكومية وذلك بهدف تعزيز موقع دبي بين المراكز التجارية والمالية في العالم، والعمل على جذب مزيد من الشركات العالمية للعمل في الاماراة. ويساهم المركز بشكل فعال في تسهيل اعمال الشركات وانجاز معاملاتها في الدوائر الاخرى المعنية سواء الاتحادية منها مثل وزارة العمل ووزارة الاقتصاد والتجارة او المحلية مثل دائرة الاقامة والبلدية وغرفة التجارة وغيرها، كما تشمل خدماته تقديم المعلومات حول مختلف التشريعات والقوانين الى جانب المعلومات الخاصة بتطور الانشطة الاقتصادية في الامارات. ولا تحتاج الشركات الكبرى الراغبة في التواجد في دبي او تلك المتواجدة الى متابعة مصالحها بين دائرة وأخرى باستخدام الخدمة الجديدة، اذ يقوم موظفون مختصون في الدائرة بمتابعة انجاز معاملات تلك الشركات وذلك لقاء مبلغ رمزي يعادل كلفة انجاز تلك المعاملات. ويتولى المركز انجاز الرخص التجارية ومعاملات السجل التجاري والحصول على الموافقة المبدئية والنهائية للرخص الجديدة واختيار الاسم التجاري والقيام بالاجراءات المتعلقة بتسجيل فروع الشركات الاجنبية والمكاتب التمثيلية الى جانب القيام باصدار وتعديل وتجديد وإلغاء تأشيرات الاقامة لموظفي الشركات والحصول على تأشيرات الزيارة والمرور وغيرها من الأعمال التي تتطلب بذل الجهود للقيام بها. وطبقت دبي العام الماضي نظاماً جديداً لتجديد التراخيص التجارية والصناعية والخدمية هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط، اذ يتيح للمؤسسات العاملة في الامارة تجديد رخصها التي يتجاوز عددها الأربعين الفاً عبر البريد وذلك على غرار ما هو متبع في المدن التجارية العالمية المتطورة، بهدف تطوير الخدمات المقدمة لقطاع الاعمال في الامارة وتقليص الروتين وتخفف مراجعي التجديد بنسبة 50 في المئة وكذلك تخفيف الاجراءات المتعلقة بالتجديد بنسبة 70 في المئة وتقليص كمية الاوراق المتداولة الى النصف. الجودة وتبنت دبي قضية الجودة وأطلقت جوائز خاصة لتشجيع الشركات والمؤسسات العاملة في الامارة على تبني مفهوم الجودة اذ تعتبر الامارة ان الالتزام بالجودة مع تطوير معاييرها بشكل متواصل يعزز الموقع التنافسي لدبي خصوصاً في المرحلة المقبلة وبالتالي يقوي ميزة الاقدام لديها كما يعزز مصداقيتها وديناميكية اقتصادها حاضراً ومستقبلاً على مختلف المستويات المحلية والاقليمية والدولية. ولم تقتصر قضية الجودة على الشركات الخاصة بل شملت ايضاً الدوائر الحكومية اذ أعلنت الحكومة عن جوائز سنوية لدوائرها المحلية هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط لتحفيزها على التنافس في ما بينها وتقدم اعلى مستويات الكفاءة والابتعاد عن الروتين في خطوة تهدف الى الارتقاء بمستويات الخدمة فيها بما يتناسب والتسهيلات التي تقدمها الحكومة لقطاع الاعمال والمجتمع والتطور الذي بلغته الامارة في الشرق الأوسط كونها مدينة خدمات رئيسية في المنطقة. وأناطت الحكومة بالقطاع الخاص مهمة اختيار الدائرة الحكومية الأفضل فيما شكلت لجان فنية خبيرة ومتخصصة في مجال الادارة والتطوير الاداري والتنظيم والجودة من العاملين في القطاع الخاص لاختيار الدوائر الحكومية الأكثر كفاءة وتميزاً وكذلك تكريم الادارة او الوحدة التنظيمية المتميزة في الدائرة الحكومية، واختيار الموظف الحكومي المتميز. وحرصت حكومة دبي على التأكيد ان الجوائز تهدف الى تطوير القطاع الحكومي والارتقاء بمستوى الأداء فيه من خلال توفير حوافز معنوية تشجع روح المنافسة الايجابية بين الدوائر والهيئات الحكومية ودعم برامج التنمية والتطوير في هذه الدوائر، وتحسين انتاجيتها وزيادة كفاءتها لتشجيعها على الالتزام بتقديم خدمات جيدة وسريعة للمتعاملين معها ولمجتمع الاعمال في دبي ولمواطنيها والمقيمين فيها. وتأتي الجوائز التنافسية التي اطلق عليها "جوائز دبي للأداء الحكومي المتميز" بتوجيهات مباشرة من حاكم الامارة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ومتابعة من ولي العهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وذلك بعد عامين من اطلاق الحكومة لجوائز دبي للجودة المقدمة لشركات القطاع الخاص العاملة في دبي والتي تطبق افضل معايير الجودة في خدماتها ومنتجاتها. ويحرص المسؤولون في دبي على اعلى المستويات على استقبال مسؤولي الشركات العالمية لدى زيارتهم للامارة، وعلى توفير مختلف التسهيلات لهم بما في ذلك فتح قاعات الشرف لاستقبالهم، وهو ما يمنح شعوراً ايجابياً لدى تلك الشركات بتوافر مناخ استثماري مميز في الامارة. القطاع الخاص وتعمل حكومة دبي بشكل مشترك مع القطاع الخاص اذ اطلقت في منتصف العقد الجاري فكرة جديدة لتنشيط الأسواق وزيادة المبيعات تحت اسم "مهرجان التسوق"، ونجحت الفكرة بقوة منذ عامها الأول وباتت مثلاً للعديد من الدول، وقدمت الحكومة كافة التسهيلات لانجاح الفكرة، وطلبت من جميع الدوائر التفاعل والمساعدة... لكنها في الوقت ذاته اشركت القطاع الخاص بقوة، من خلال الترويج لأعماله. محور آخر ينظر الى دبي بعين الاهتمام، يتعلق بالترويج للامارة في المحافل الدولية، فالامارة تحرص عبر دائرة للترويج التجاري والسياحي اسستها في مطلع العقد الجاري، على المشاركة في المعارض والاحداث العالمية المختارة لاستقطاب الشركات العالمية والسياح معاً. وتسير الحكومة والقطاع الخاص معاً او بشكل منفصل العديد من الوفود التجارية لمناطق وأسواق جديدة يمكن ان تشكل بعداً وأعمالاً اضافية للامارة، كما فعلت في السنوات القليلة الماضية بالنسبة لأسواق دول الاتحاد السوفياتي السابق والعديد من الدول الافريقية التي نظمت فيها معارض خاصة بدبي، فيما تواصل تركيزها على اسواقها التقليدية في أوروبا ودول جنوب شرقي آسيا. هذه جوانب من سعي دبي لتوفير بيئة ومناخ مناسبين لجذب الأعمال وتطوير الأسواق، وهناك الكثير من التفاصيل التي تحتاج الى قراءة متأنية لتقييم تجربة نجاح دبي في احتلال مركز متقدم في الأعمال في المنطقة، لكن لا بد من الاشارة الى ان حكام الامارة ومسؤوليها يمتلكون عقلية تجارية منفتحة، ورثوها من مؤسس "دبي التجارية" المرحوم الشيخ راشد بن سعد آل مكتوم الذي كان يتابع يومياً مبيعات الأسواق والشركات بشكل منفرد. متابعة ويتابع حاكم دبي الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم ونائب الحاكم الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم وولي عهد الامارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بصورة دائمة تفاصيل الخطط والمشاريع المنفذة في الامارة، ويحرصون بشكل مستمر على متابعة اداء الشركات الخاصة سواء الوطنية او الاجنبية منها، وذلك لارسال اشارات ايجابية لمجتمع الأعمال وتحفيزه على توظيف مزيد من الاستثمارات بما يحقق التنمية للاقتصاد الوطني ويعزز موقع دبي التجاري والمالي في المنطقة والعالم، كما تشمل الجولات العديدة زيارات مفاجئة للدوائر الحكومية للتفتيش عليها وحفزها على تقديم أقصى درجات الخدمات. ولا تتردد حكومة دبي في الغاء قوانين وقرارات تتخذها بين فترة وأخرى اذا وجدت ان نتائجها لم تكن مرضية لتطور اقتصاد الامارات، ففي الشهر الماضي اتخذت الحكومة خطوة جريئة هدفها تنشيط الاقتصاد ودعم القطاعين التجاري والصناعي، وقررت خفض الرسوم المفروضة على المنشآت الصناعية والتجارية الى النصف لتلغي بذلك قرارات اتخذتها دوائر الاقتصادية منذ اكثر من عام زادت فيها رسوم التسجيل التجاري والصناعي والخدمي. ويقول ولي عهد دبي الشيخ محمد بن راشد في هذا الصدد ان "الحكومة ستعمل على اعادة النظر في قوانينها الخاصة بالرسوم المفروضة على بعض القطاعات اذا وجدت ان تلك القوانين ستحد من نموها الاقتصادي والاجتماعي فأي قرارات تؤثر سلباً في الأداء الاقتصادي سيعاد النظر فيها ويجري تغييرها بما يتماشى مع التطلعات المستقبلية". ويضيف قائلاً: "الحكومة تعمل جاهدة على تحقيق الاستقرار بما يعزز النمو الاقتصادي في الامارة على الصعيدين الاقليمي والعالمي، مؤكداً انه لن تكون هناك اي اجراءات تعرقل هذه المسيرة". ولقيت خطوة حكومة دبي اشادة كبيرة من قبل الاوساط التجارية والصناعية في الامارة، اذ اعتبرت بأنها ستساعد على خفض تكاليف عمليات التشغيل والانتاج في المرافق المختلفة، وتقليص الأعباء المالية على المستثمرين، وهو ما ينعكس ايجاباً على اسعار بيع السلع والخدمات في الامارة، مما يقلص معدل التضخم الى مستويات اقل.