من الأهداف المعلنة لزيارة الدولة التي قام بها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الى فرنسا أخيراً تطبيع العلاقات الثنائية، أي تحريرها من عقد الماضي وما يتولد عنها من سوء تفاهم دوري، ما انفك يؤثر سلباً على هذه العلاقات في بعدها السياسي بشكل خاص. ويثير هذا التطبيع مخاوف الأوساط التي تتطلع الى التخلص من عوامل التبعية لفرنسا - الموروثة عن فترة الاحتلال - لأن هامش المناورة المتاح حالياً للطرف الجزائري محدود جداً. وتخشى هذه الأوساط المناصرة لتنويع علاقات الجزائر الخارجية، أن يدفع هذا الوضع بالرئيس بوتفليقة الى جعل باريس الممر الإجباري لعلاقات الجزائر بأوروبا وغيرها. وحسب لغة الأرقام فإن فرنسا هي المصدّر الأول الى الجزائر بفائض تجاري لمصلحتها بلغ العام الماضي حوالي مليار دولار. وقد سبق زيارة بوتفليقة توقيع اتفاق بين "سوناطراك" وغاز فرنسا، يقضي بإنشاء شركة مختلطة مناصفة لتسويق الغاز الجزائري في أوروبا "ما يدعم موقع الشريك الفرنسي في الخارطة الغازية الجديدة في القارة" حسب مصدر فرنسي. ويرجح المراقبون أن تفوز "فرانس تيليكوم" بصفقة شبكة الهاتف النقال، على حساب منافسين من ايطاليا أول مستورد من الجزائر واسبانيا ووسطاء من الامارات العربية، كما يرجحون فوز "ليونيز دي زو" بصفقة مهمة في ميدان حيوي: معالجة المياه وتسويقها. وترغب فرنسا، تأكيداً لحضورها الاقتصادي القوي، في تحويل جزء من ديونها الى استثمارات في الشركات العمومية الجزائرية المعروضة للتخصيص كلياً أو جزئياً. لكن ماذا يمكن أن تجني الجزائر في مقابل كل ذلك؟ يطالب الطرف الجزائري أساساً بالآتي: 1- أن تراجع مؤسسة ضمان الصادرات الفرنسية كوفراس درجة المخاطر المسجلة على الجزائر حالياً - بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية الراهنة - والسعي في الاتجاه نفسه لدى المؤسسات الأوروبية المماثلة. وتنتظر الجزائر من ذلك تيسير المعاملات مع الشركاء الأوروبيين، في انتظار توفير الشروط الملائمة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية. 2- تسهيل انتقال الجزائريين الى فرنسا، بمراجعة الاتفاق المبرم العام 1968 والذي خرقه الطرف الفرنسي في أعقاب تأميم البترول في شباط فبراير 1971. وتلى هذا الخرق فرض التأشيرة العام 1986. ويواجه الجزائريون صعوبة في هذا المضمار منذ مطلع 1995، عندما بادرت باريس الى اغلاق عدد من قنصلياتها في الجزائر لأسباب أمنية واعتماد مصالح التأشيرة في مقر السفارة في حيدرة، مع تقديم الطلبات بالمراسلة الى مدينة نانت غرب فرنسا. ولا ينتظر المراقبون حصول انفراج وشيك على هذا الصعيد، طالما أن أهم القنصليات الفرنسية في عنابة ووهران خصوصاً لا تزال مغلقة، كما أن عملية المراجعة تستغرق وقتاً، لأنها مسألة خبراء في نهاية المطاف.