تسعى دول الخليج للتحول الى اسواق جاذبة للاستثمارات الدولية، بعدما كانت المنطقة في مراحل سابقة، اكبر مصدر للرساميل الى الخارج، وبادرت هذه الدول الى اقرار قوانين جديدة للاستثمار الاجنبي، بما في ذلك تحديث القوانين القائمة، وتوفير حوافز وتسهيلات اكثر اهمية للمستثمر العالمي. وفي هذا السياق عمدت البحرين، وهي الدولة الخليجية الوحيدة غير النفطية، الى الافساح في المجال امام الاجانب، خصوصاً من دول الخليج الاخرى، لتملك غالبية المشاريع التي يساهمون فيها، كما عمدت سلطنة عمان الى تحرير قطاعات اقتصادية مختلفة من شرط الملكية الغالبية لمواطنيها، الى حد السماح للمستثمر في بعض المجالات بتملك كامل مشروعه. وتقوم الحكومة السعودية حالياً بوضع اللمسات الاخيرة على الصيغة النهائية لمشروع قانون الاستثمار، على ضوء الثغرات التي تبين وجودها في القانون الحالي. كما تقوم الحكومة الكويتية بإقرار قانون جديد للاستثمار، على ضوء الملاحظات التي تبديها الجهات المعنية، وفي ظل التوصيات التي قدمتها شركات استشارية. أما دولة الامارات فبادرت الى جانب فتح الباب امام زيادة ملكية الاجانب في المشاريع التي يساهمون فيها، الى اعتماد صيغة المناطق الحرة على اختلافها، لجذب التوظيفات الاجنبية، ما ساهم في تدفق مئات الشركات العالمية للاستثمار في مختلف المشاريع التحويلية، وهو ما ادى الى تحقيق صادرات تتجاوز قيمتها السنوية ملياري دولار. وبدورها بادرت قطر الى تحديث انظمة الاستثمار الاجنبي، وفتح اسواقها امام مساهمة الشركات العالمية في المشاريع الصناعية الضخمة، مثل مشاريع البتروكيماوية والصناعية. والى جانب تطوير قوانين الاستثمار لديها، بادرت غالبية دول الخليج الى اعتماد برامج صارمة للتوازن الاقتصادي، عن طريق الزام الدول والشركات التي تبرم عقوداً حكومية معها، باستثمار نسبة محددة من قيمة هذه العقود، في مشاريع ذات طابع انتاجي. ومع ذلك فإن ثمة خصوصية تميز سعي دول الخليج الى زيادة حصتها الاستثمارية، فهي دول تملك امكانات مالية كبيرة، اذ تقدر فوائضها المالية في الخارج بحوالي 500 مليار دولار، موزعة على مختلف الاسواق العالمية، وان كانت اسواق الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية ما زالت تستقطب الجزء الاهم من هذه التوظيفات. الى ذلك تملك غالبية دول الخليج، ان لم يكن جميعها، مستويات سيولة مرتفعة، فعلى سبيل المثال تزيد قيمة الودائع المصرفية في السعودية وحدها عن 75 مليار دولار، في مقابل 24 ملياراً، قيمة الودائع المصرفية في الكويت و28 ملياراً في الامارات. وإذا كانت دول الخليج تملك رأس المال، وهو ما تفتقر اليه غالبية الدول النامية الاخرى، فما هي الأسباب التي تدفعها الى اجتذاب التوظيفات والاستثمارات الاجنبية؟ في الواقع تعترف المداخلات التي قام بها المشاركون في مؤتمر الفرص الاستثمارية الذي عقد في الكويت اخيراً، بأن ما تسعى اليه دول الخليج يندرج في سياق الخطط التي قررت هذه الدول اعتمادها لتنويع القاعدة الاقتصادية لديها. وبحسب وزير التخطيط الكويتي السابق الدكتور علي فهد الزميع، فإن ما تسعى اليه الكويت، ودول الخليج الاخرى، هو الافادة من الخبرات المتقدمة التي تملكها الشركات الاجنبية، في الادارة والتشغيل، والتكنولوجيا المتطورة، الى جانب الافادة من خبرتها في مجال استثمار الثروات الوطنية. ومن وجهة نظر الخبراء الذين شاركوا في المؤتمر، فإن مساهمة الرساميل الاجنبية في المشاريع الوطنية، تجعل من هذه الرساميل اكثر التزاماً بإنجاح المشاريع التي تساهم فيها، سواء من الناحية الانتاجية، ام من الناحية التسويقية. ومع ان دول الخليج، استطاعت تطوير اوضاعها القانونية، الى جانب مزايا الاستقرار السياسي والامني التي تتوافر لها، الا ان المشاركين شددوا على ان جذب الاستثمار الاجنبي بصورة اكثر فعالية، بات يستوجب استكمال تطوير الانظمة والقوانين المتممة، مثل اعادة النظر بالانظمة الضريبية، وقوانين انشاء الشركات، وانظمة التملك العقاري، وقوانين الاقامة للاجانب، بما في ذلك ما يتعلق بإجراءات الدخول والخروج، ثم تطوير القوانين التي ترعى نشاط الأسواق المالية