فضلت وزارة الداخلية الجزائرية التعامل مع "حركة الوفاء والعدل" التي يتزعمها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية السابق بطريقة خاصة، تؤشر باتجاه السلطة إلى تأسيس "ديموقراطية خصوصية"، على غرار "الاشتراكية الخصوصية" ابان عهد الرئيس الراحل هواري بومدين. فالوزارة التي يسيرها منذ 24 كانون الأول ديسمبر الماضي السيد يزيد الزرهوني - الرجل الثاني سابقاً في المخابرات - رفضت في 26 من الشهر نفسه تسليم الحركة وصلاً بإيداع ملف الاعتماد لدى المصلحة المعنية، كما جرت العادة. كما رفضت تسليمها إذناً بالنشاط بعد انتهاء مهلة 60 يوماً، كما ينص على ذلك قانون الأحزاب المعدل في 7 آذار مارس 1997. وقد أدى تصرف وزارة الداخلية إلى نشوء وضع غير مألوف، فحركة الوفاء شرعت في القيام بنشاطها استناداً إلى القانون المذكور الذي يلزم الداخلية بالرد على طلب الاعتماد، سلباً أو ايجاباً، في فترة لا تتجاوز 60 يوماً. في حين يؤكد وزير الداخلية "ان الحركة لم يتم اعتمادها طالما أنها لم تحصل على وصل ايداع الملف". إلا أن هذا التصريح يمكن أن يضع السيد الزرهوني تحت طائلة القانون، لأن هناك خرقاً مع سبق الإصرار، فما أسهل ان يستنتج المرء أن الداخلية، وهي ترفض تسليم وصل الايداع، كانت تبيت رفض الاعتماد من دون مبرر قانوني. فالدكتور الإبراهيمي من المناضلين منذ مطلع الخمسينات، وكان من قياديي جبهة التحرير الوطني ابان مرحلة الكفاح المسلح 1954 - 1962، وهو كذلك من الشخصيات التي خدمت الحكم 1965 - 1988 واستطاعت في الوقت نفسه ان تكوّن لنفسها رصيداً سياسياً مرموقاً. لقد تمكن الدكتور الإبراهيمي بسهولة اثناء حملة الانتخابات الرئاسية العام الماضي من جمع 75 ألف توقيع كشرط للترشيح، في حين عجزت شخصيات أخرى، مثل بلعيد عبدالسلام ورضا مالك وبلقاسم الشريف، عن تخطي هذه العقبة. وأكثر من ذلك أنه احتل المرتبة الثانية في اقتراع 15 نيسان ابريل بقرابة 5.1 مليون صوت على رغم انسحابه من السباق عشية التصويت مع رفقة خمسة مترشحين من بينهم حسين آيت أحمد زعيم "جبهة القوى الاشتراكية" ومولود حمروش رئيس الحكومة السابق. والملاحظ أن "حركة الاصلاح الوطني" التي أعلن عن تأسيسها غداة الانتخابات الرئاسية مثل "حركة الوفاء" لم تواجه الاشكال نفسها، ما يدفع إلى التساؤل: "لماذا الإبراهيمي وليس جاب الله؟!". الجواب على هذا السؤال يكمن في نظر المراقبين في تخوف السلطات من احتمال يظل وارداً: ان تتمكن "حركة الوفاء" من استقطاب جمهور الناقمين من جراء السياسات المطبقة منذ منتصف الثمانينات والتي أدت إلى افقار وتهميش نسبة مهمة من المواطنين. أي أن يتكرر سيناريو مطلع التسعينات، لكن بدرجة مضاعفة نتيجة وجود شخصية سياسية محنكة بحجم الدكتور الإبراهيمي على رأس الحركة الشعبية الجديدة. وبعبارة أوضح، تخشى السلطات من الترخيص ل"حركة الوفاء" من الوقوع في الخطأ نفسه عندما رخصت للجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل أكثر من عشر سنوات.