لم يشعر "حزب الله" بأي ارتياح للاحداث التي شهدتها منطقة الضنية في شمال لبنان قبل اسابيع لاعتبارات متنوعة. منها الخوف من ان تتعرض المؤسسات الرسمية اللبنانية، المدنية والعسكرية الى تجربة قاسية في وقت لا يزال المسؤولون يتابعون عملية بناء الدولة على رغم انقضاء زهاء عشرة اعوام على اتفاق الطائف الذي انطوى على ميثاق وطني جديد مقبول من الجميع على رغم الاجماع على وجود عدد من الثغرات فيه. ومنها ايضاً الخوف من ان انتقال الحساسيات بل الخلافات المذهبية المتفاقمة على رغم اجتهاد الكثير من المراجع في اخفائها او في تجاهلها او في اتهام من يتحدث عنها بالرغبة في الاصطياد في المياه العكرة، الى واجهة الوضع الداخلي في البلاد الامر الذي يعطل بناء الدولة ويعيد اجواء الصراعات ويعزز الانطباع عن عدم قدرة لبنان بسبب بنيته الطائفية والمذهبية على حكم نفسه بنفسه وعلى حاجته تالياً الى وصي او الى ولي امر. ومنها ثالثاً الخوف من انعكاس سلبي لهذه الاحداث على المقاومة الشرسة للاحتلال الاسرائيلي التي يشكل "الحزب" عمودها الفقري. وهذا الانعكاس قد يتخذ اشكالاً عدة منها اثنان. الاول نشوب صراع مذهبي يعطل دعم فئة مهمة من اللبنانيين للمقاومة ويجر القائمين بها على رغم ممانعتهم ورفضهم المبدئي والعملي، الى الوقوع في أوحاله، الامر الذي يحقق هدف اسرائيل من جهة ويهدد المناعة الوطنية اللبنانية جدياً من جهة اخرى. والثاني تكوّن رأي عام لبناني واسع متنوع في انتمائه الطائفي والمذهبي رافض ليس فقط للممارسات المسلحة والعنفية للتيارات الاسلامية الاصولية بل لوجود هذه التيارات ومكافح لفكرها بحجة تعريضها سلامة الكيان اللبناني للخطر ومعها العيش المشترك والتوازن والديموقراطية وما الى ذلك. ولن يفرق الرأي العام عند تفاقم الاوضاع بين المعتدلين في التيارات الاسلامية الاصولية السنّية الرافضين منطق العنف والداعين الى الحوار والتفاهم بالتي هي احسن وبين "الشلل" المبالغة في تطرفها والمتورطة عن وعي او عن جهل في تخطيطات خارجية لا تخدم لبنان بكل طوائفه ومذاهبه وتياراته السياسية والفكرية. ولن يفرق ايضاً بين التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية التي اثبتت وطنية في مقاومة الاحتلال وحكمة في التعاطي مع مواضيع الداخل الخلافية وبين متطرفيها الموجودين في مناطق معينة والقادرين على الاخلال بالامن في حال قرروا ذلك على رغم الضبط الاقليمي الراهن لهم. ولن يفرق الرأي العام ثالثاً بين الاصوليتين السنّية والشيعية، فيرفض الاثنتين معاً. ومن الاسباب التي ابعدت الشعور بالارتياح عند "حزب الله" في اعقاب احداث الضنية معرفة قيادته بحقيقة الوضع الاقليمي خصوصاً في ضوء معاودة سورية واسرائيل مفاوضاتهما منتصف كانون الاول ديسمبر الماضي وفي ضوء احتمالات توصلهما الى تسوية تفتح الباب امام تسوية مماثلة ومتزامنة على المسار اللبناني - الاسرائيلي على رغم التعثر الذي يواجهها وادراكها ان هذه التسوية قد تكون انعكاساتها سلبية على "الحزب" من نواح عدة، منها احتمال الانخفاض التدريجي للوهج الكبير الذي وفرته له مقاومته الشرسة والفاعلة للاحتلال الاسرائيلي خصوصاً بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 والانسحاب الجزئي او غير الكامل الذي نفذه جيش الاحتلال بعد ذلك، الامر الذي يؤثر سلباً على قوته الشعبية الكبيرة خصوصاً في اوساط الطائفة الشيعية وتحديداً بعد تخليه المفترض عن السلاح، و يعيد الصراع السياسي والانتخابي داخل هذه الطائفة الى قواعده السابقة وان معدلة. ومن الانعكاسات السلبية على "الحزب" الخوف ان يكون ثمن التسوية او بالاحرى احدى مضاعفاتها فتح ملفات "الحزب" التي لا علاقة لها بالمقاومة بل بأعمال اخرى حصلت في لبنان اثناء الحروب الاهلية وغير الاهلية فيه. وثالثها اضطرار "الحزب" الى مواجهة خيار صعب على رغم استبعاده حالياً، وهو بروز خلاف بين راعيه منذ نشأته وداعمه بكل الاشكال والمقاييس اي الجمهورية الاسلامية الايرانية وبين سورية الموجودة وحدها بفاعلية في لبنان والداعمة والمسهلة الكبيرة لنشاطاته المقاومة والحامية له من محاولات اخصامه المحليين والاقليميين والدوليين ضربه او اضعافه. ومعروف هنا استناداً الى تجارب كثيرة على مدى زهاء عقدين ونصف، ان سورية لا تحبذ اي مشاركة لها في لبنان خصوصاً عندما تستتب لها الامور الاقليمية وعندما تنجح في اقامة علاقة مميزة بل تكاملية معه على كل الصعد. وفي الحصول على مباركة او بالاحرى على موافقة اقليمية - دولية على ذلك. هل ان مخاوف "حزب الله" مبررة؟ عدم الشعور بالارتياح هو في محله. والمخاوف في معظمها في محلها ايضاً، لكن ذلك لا يعني ابداً ان ترجمة هذه المخاوف ستكون حتمية لاعتبارات متنوعة، اهمها ثلاثة: - الحكمة التي اظهرها حزب الله وتحديداً قيادته في التعاطي مع الوضع الداخلي اللبناني ومع المواجهة للاحتلال الاسرائيلي ومع ايران وسورية، على الاقل حتى الآن. ولا يستبعد ان تستمر الحكمة وأن تسفر عن مرونة في التعاطي مع كل الامور المثيرة للمخاوف بما فيها التسوية مع اسرائيل من دون ان يكون ذلك على حساب مبادئها. ومن هنا بدأت قيادة "الحزب" الكلام على مقاومة التطبيع عندما لاحظت ان احتمالات التسوية السورية الاسرائيلية فاللبنانية الاسرائيلية تتزايد وتقوى. 2 - الرصيد الكبير الذي كونه "الحزب" داخل الجمهور الشيعي وفي الاوساط اللبنانية بسبب المقاومة وكذلك داخل سورية. وقد تكون ترجمته افساح المجال امام "الحزب" لممارسة نشاطه في حرية وضمن القوانين والنظام العام وترك الرأي العام يحدد مستقبله مع عدم حرمانه في هذه المرحلة وتحديداً عبر الانتخابات النيابية المرتقبة اواسط الصيف المقبل من اظهار قوته الشعبية وتركه يمارسها لتعزيز تمثيله النيابي. 3 - عدم اقتناع الكثيريين في سورية وايرانولبنان وتحديداً عدم اقتناع "حزب الله"، باحتمال انهيار التحالف الاستراتيجي القائم بين دمشق وطهران منذ اكثر من عقدين على الاقل، في المستقبل المنظور. علماً ان هذا الاقتناع ليس موجوداً بقوة في دوائر دولية عدة خصوصاً اميركية