اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    موقف توني من مواجهة الأهلي والعين    باص الحِرفي" في جازان: احتفالية فنية تعزز التراث وتلهم الأجيال    أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة في الرياض    «هيئة الإحصاء»: ارتفاع الصادرات غير النفطية 22.8 % في سبتمبر 2024    "يلو 11".. ديربي حائل وقمم منتظرة    في أقوى صراع الحريق يشعل منافسات براعم التايكوندو    المعرض المروري يستعرض أبرز مسببات الحوادث بالمدينة    تحت رعاية ولي العهد.. السعودية تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي في الرياض    بوريل: الاتحاد الأوروبي ملزم باعتقال نتنياهو وغالانت    "تعليم الرياض" يحتفي باليوم العالمي للطفل    "السجل العقاري" يبدأ تسجيل 90,804 قطع عقارية بمدينة الرياض والمدينة المنورة    التدريب التقني والمهني بجازان يفتح باب القبول الإلكتروني للفصل الثاني    "الصندوق العقاري": إيداع أكثر من مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر نوفمبر    «التعليم» تطلق برنامج «فرص» لتطوير إجراءات نقل المعلمين    أمر ملكي بتعيين 125 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    اقتصادي / الهيئة العامة للأمن الغذائي تسمح لشركات المطاحن المرخصة بتصدير الدقيق    الأرصاد: أمطار غزيرة على عدد من المناطق    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    يلتهم خروفا في 30 دقيقة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    توقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج ..وزير الصناعة: المحتوى المحلي أولوية وطنية لتعزيز المنتجات والخدمات    القِبلة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    المدى السعودي بلا مدى    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انقلاب على تمثيل الأصوليين في الانتخابات اللبنانية . هل يواصل "حزب الله" تمرده على الإرادة السورية ؟
نشر في الحياة يوم 02 - 09 - 1996

منذ اسابيع، لا بل منذ اشهر و "حزب الله" يستعد للمعركة الانتخابية التي بدأت في لبنان يوم الاحد، الثامن عشر من آب اغسطس الماضي. وبدا واضحاً من تصريحات اركانه ومن تصرفات آلته الانتخابية على ارض الجنوب والبقاع - وهي في المناسبة منظمة وقوية وفاعلة - ان قيادته لن ترضى هذه المرة بالحصة التي حصلت عليها في مجلس النواب الذي تشرف ولايته على الانتهاء وكان انتخب صيف 1992. كانت الحصة سابقاً 12 نائباً ينتمي 8 منهم إلى الطائفة الشيعية 4 في بعلبك - الهرمل، و2 في الجنوب، وواحد في المتن الجنوبي - بعبدا، وواحد في بيروت. في حين ينتمي اثنان من الاربعة الباقين إلى الطائفة السنية. وواحد إلى الطائفة المسيحية المارونية وآخر إلى طائفة الروم الكاثوليك. والكل عن دائرة بعلبك - الهرمل الانتخابية نفسها التابعة لمحافظة البقاع.
اما الاسباب التي دفعت هذه القيادة، او شجعتها على السعي إلى زيادة حصة الحزب في المجلس النيابي المقبل فكثيرة أبرزها:
1- الخدمات التي قدمها الحزب إلى المواطنين من دون النظر إلى انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، خصوصاً في مناطق وجوده الفاعل التي يمثل شريحة مهمة من ابنائها في مجلس النواب. واهلته لذلك امكاناته المادية الواسعة.
2- مواصلة الحزب مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من الجنوب والبقاع الغربي، والمتعاملين اللبنانيين معه، وفي مقدمهم "جيش لبنان الجنوبي" الذي يرئسه اللواء انطوان لحد. ونجاحه في توجيه ضربات موجعة اليهم.
3- افادة الحزب من عملية "عناقيد الغضب" الاسرائيلية ضد لبنان في نيسان ابريل الماضي التي زادت حجم التعاطف الشعبي معه ومع المقاومة عموماً، خصوصاً بعدما استهدفت العملية المدنيين والمنشآت الحيوية والمرافق العامة. وافادته ايضاً من تحوله رقماً صعباً في المعادلة الاقليمية. وافادته اخيراً من الرعاية المباشرة التي احاطته بها ايران - وهي رعاية موجودة من زمان - في اثناء عملية "عناقيد الغضب"، ومن اعلان وزير خارجيتها الدكتور علي اكبر ولايتي رسمياً زيادة حجم تمثيل "الحزب" في المجلس النيابي المقبل.
4- تعثر عملية السلام في الشرق الاوسط وجنوحها نحو الانهيار بعد خروج شمعون بيريس وحزب العمل من السلطة في اسرائيل وحلول بنيامين نتنياهو على رأس تحالف قومي - ديني - يميني متطرف اليها. وهذا ما يبقي حاجة سورية إلى المقاومة وتالياً إلى "حزب الله" امراً ملحاً، ذلك انه الورقة المهمة التي يستطيع بواسطتها الضغط على اسرائيل ومواجهة ضغوطها، والحؤول في الوقت نفسه - مع اوراق لبنانية اخرى - دون سير الوضع اللبناني في اتجاهات معادية لدمشق. وقد جاء طرح نتنياهو مشروع "لبنان اولاً" الذي رفضته سورية ولبنان ليعزز هذه الحاجة وليدفع الحزب إلى التمسك بمطالبه الانتخابية.
5- اعتقاد قيادة الحزب، استناداً إلى احصاءات ميدانية اجرتها، بأن قوته الانتخابية في الجنوب تقدر بزهاء اربعين الف صوت. علماً ان بعضهم يقول انها حورت احصاءاتها واحصاءات جهات اخرى حاولت معرفة حقيقة الوضع الشعبي في هذه المنطقة. واعتقادها، تبعاً لذلك، بأنها تستطيع ان تفرض على حركة "أمل" وزعيمها رئيس مجلس النواب نبيه بري ائتلافاً يأخذ مطالبها الانتخابية في الاعتبار. واذا لم يقبل فان بامكان الحزب، بالتعاون مباشرة او من تحت الطاولة مع خصوم "امل" الكثر في الجنوب تيار الرئيس السابق لمجلس النواب كامل الأسعد والسيد حبيب صادق والحزب الشيوعي والعائلات التقليدية الفوز في الانتخابات. واعتقاد القيادة ايضاً بأن قوتها في بعلبك - الهرمل كبيرة تؤمن لها ما تريد من مطالب انتخابية، خصوصاً اذا دعمتها سورية التي تدرك حاجتها إلى الحزب.
مطالب مرفوضة
ماذا كانت المطالب الانتخابية ل "حزب الله"؟
يقول مراقبون ان اولى مطالبه كانت الاستئثار بالتمثيل الشيعي في بعلبك - الهرمل من خلال رفع حصته من اربعة نواب إلى ستة. والحصول ثانياً على ستة مقاعد للشيعة في دائرة الجنوب الانتخابية المكونة من محافظتين. والاحتفاظ ثالثاً بالتمثيل المسيحي الذي للحزب في بعلبك - الهرمل، والحصول على حق تسميته بعض الممثلين غير المسلمين في الجنوب. واعتبر المعنيون مباشرة بالانتخابات، وكذلك سورية راعية الوضع في لبنان، ان هذه المطالب تعجيزية لا يمكن قبولها: اولاً لأن الحجم الشعبي للحزب، على ضخامته، لا يستحق هذا العدد من التمثيل النيابي، وثانياً لأن المطالب تقلص احجام جهات عدة موجودة بقوة، وثالثاً لأنها تغلق باب التنوع الذي تحرص عليه دمشق وان مع الحلفاء. لكنهم اعتبروا ايضاً ان رفع السقف مقصود ووصفوه بأنه من اصول التفاوض.
وعندما بدأ، قبل اسابيع، البحث الجدي في هذا الامر بين "امل" و "حزب الله" وبين سورية وكل منهما، قدّم عرض إلى الحزب وافقت عليه الحركة يقضي بالمحافظة على تمثيله الشيعي في الجنوب والبقاع، اي ستة نواب. ولكن بعد زيادة نائب في الجنوب وانقاص نائب من بعلبك - الهرمل. ويقضي العرض ايضاً باحتفاظ الحزب بمقعدين نيابيين سني ومسيحي في البقاع. لكن قيادته رفضت على رغم اصرار دمشق، وشددت على ان يمثل في الجنوب بخمسة نواب ولن تكون لها كلمة في اختيار نواب جنوبيين مسيحيين. ووافقت على تمثيلها في البقاع بثلاثة نواب بدلاً من اربعة. ورفضت "امل" وكذلك سورية. وعكست وسائل الاعلام ذلك. ثم تطور الامر إلى اتهامات متبادلة بين الفريقين وتهديدات بخوض معركة كسر عظم بينهما.
ائتلاف لا بد منه؟
هل العودة إلى الائتلاف في الجنوب بين الفصيلين الاساسيين الشيعيين ممكنة؟
المراقبون يقولون ان "امل" و "حزب الله" محكومان بالائتلاف على رغم الخصومة المستحكمة بينهما من زمان والتي ساهم في تخفيف ترجمتها العملية الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من الجنوب والبقاع الغربي، وعلاقة التحالف الوثيقة التي تربطهما بسورية. وهم يستندون في قولهم هذا إلى مبررات عدة ابرزها:
1- اقتناع كل من الطرفين بأن الائتلاف بينهما، وان من خلال لوائح منفصلة وغير مكتملة، ليس ممكناً، وبأنهما سيضطران تبعاً لذلك إلى خوض معركة كسر عظم تؤدي إلى خسارتهما معاً او إلى "تشويه" تمثيلهما معاً، ذلك ان المستفيدين من معركة كهذه سيكونون الخصوم من تيارات عائلية وسياسية تقليدية ساهم الاثنان في انحسار نفوذها وتقليص شعبيتها وابعادها عن السلطة سنوات طويلة.
2- اقتناع كل من الفريقين بأن سورية، حليفتهما معاً، ترفض المواجهة بينهما انتخابياً، ليس لأنها لا تستطيع ان تنسج علاقات مع خصومهما في الجنوب، ولا سيما التقليديين منهم - وبعضهم يقول انها لم تعد بعيدة عن ابعدهم منها ومن الحركة والحزب _ بل لأن الوضع في الجنوب يختصر في هذه المرحلة الوضع في لبنان بتعقيداته الاقليمية. ولذلك فان المطلوب استمرار وحدته في مواجهة المشاريع التي يطرحها الحكم الجديد في اسرائيل ويرمي من ورائها إلى عزل سورية واستفرادها وربما ضربها من خلال لبنان. والمطلوب ايضاً ابقاء اجواء التضامن الشعبي مع المقاومة المسلحة التي يقوم بها "حزب الله" وكذلك مع المقاومة التنموية التي تقوم بها "امل" والسلطة، او التي قيل انهما تقومان بها.
والمطلوب اخيراً عدم اضعاف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي هو رئيس "امل" لأن دوره اساسي في التركيبة السياسية الحاكمة، ولأن اعتماد سورية عليه كبير في مواجهة الكثير، من داخل ومن خارج. وهذا ما ابلغه مسؤول سوري كبير إلى مسؤولين في "حزب الله" خلال اجتماع مشترك مع مسؤولين في الحركة عقد قبل مدة.
3- حرص قيادة "حزب الله" على عدم اعطاء الفرصة لخصومه المحليين والاقليميين والدوليين لتصفية حساباتهم معه. وهذا الامر قد يحصل، في حال استمرار الموقف السوري الدافع في اتجاه ائتلافه مع "امل"، ويبدو انه مستمر، استناداً إلى معلومات المراقبين انفسهم.
ثلاث لاءات سورية
ويبدو ايضاً ان تمسك الحزب بأقصى مطالبه قد يوفر الفرصة لتصفية الحسابات معه وقد يعرضه لخسائر لا تعوض. وتفيد مصادر ان المسؤولين السوريين المعنيين مباشرة بالوضع اللبناني ابلغوا قيادة الحزب ثلاث لاءات هي:
أ- لا لائتلاف انتخابي مع خصوم الرئيس بري و "امل" وان كانوا حلفاء لسورية اساساً و "تقدميين" في سياستهم المحلية والعامة. وهذا يعني عدم استحسان تحالف الحزب مع اللائحة التي يحاول النائب الجنوبي حبيب صادق تأليفها لمواجهة لائحة بري، بعدما كان في عداد كتلته النيابية.
ب- لا لائتلاف انتخابي مع خصوم بري والحركة من ذوي السياسة المحلية والاقليمية المتعارضة مع السياسة السورية وتالياً السياسة اللبنانية، على رغم عودة بعض العلاقة بينهم وبين دمشق. وهذا يعني عدم الموافقة على ائتلاف مع الرئيس كامل الأسعد الذي نجح، على رغم الظروف غير المؤاتية كلها، في المحافظة على شعبية جنوبية مهمة له تراوح نسبتها بين 20 و25 في المئة.
ج- لا لاتفاقات تبادل اصوات، من تحت الطاولة كما يقال، بين لائحة "حزب الله" والفريقين المذكورين اعلاه او غيرهما.
انطلاقاً من كل ذلك يقول المراقبون ان البحث استؤنف بين الفريقين برعاية سورية، بعيداً من الاضواء ولكن في صورة غير مباشرة. الا انه لم يؤد إلى نتيجة لأسباب عدة قد يكون ابرزها سقوط مرشح "حزب الله" في انتخابات المتن الجنوبي - بعبدا الضاحية الجنوبية للعاصمة الحاج علي عمار، بعدما تحالفت ضده "امل" ورئيس الحكومة رفيق الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والوزير ايلي حبيقة وآخرون. وقد يكون منها ايضاً توقع الحزب سقوط مرشحه في بيروت محمد البرجاوي للأسباب نفسها، علماً بأن تمثيله في العاصمة والمتن الجنوبي بقي خارج محادثات اللائتلاف مع الحركة.
لماذا التمرد؟
هل من اسباب معينة لجنوح "حزب الله" نحو التمرد على الارادة السورية الساعية بصدق إلى ائتلاف معقول بينه وبين حركة "امل"؟
كثر الكلام في الفترة الاخيرة على اسباب جنوح "حزب الله" إلى التمرد على نصائح سورية التي لولا تحالفه معها واستناده اليها لما كان حقق انتشاره الواسع في اوساط الطائفة الشيعية ولما كان وصل إلى المجلس النيابي بكتلة كبيرة وتمكن من ممارسة المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي. علماً بأن هذه الممارسة كانت العامل الابرز الذي دفع سورية إلى حمايته من اعدائه الكثر على الصعد المحلية والاقليمية والدولية، وأثار تعاطف اللبنانيين معه ولا سيما الشيعة منهم.
وتركز هذا الكلام على اعتبار الجنوح رداً من الحزب على سعي سورية إلى تقليص حجمه في المجلس المقبل. وتركز ايضاً على اعتبار التقليص نوعاً من الاستجابة لمواقف الولايات المتحدة التي تحملها مسؤولية تنفيذ "عمليات ارهابية" ضد مصالحها ورعاياها وحلفائها ومسؤولية توفير الدعم والخبرة والمساعدة للتيارات الاسلامية الاصولية غير اللبنانية المعادية لأميركا والناشطة ضدها في اكثر من مجال.
وتركز الكلام اخيراً على اعتبار الاستجابة محاولة لتلافي سورية الانعكاسات السلبية للتغييرات الجذرية التي طرأت في اسرائيل وحملت إلى السلطة تحالفاً قومياً دينياً يمينياً متطرفاً يرفض الاعتراف بحقوقها ويحضر للحرب معها. وذلك يكون ببذل الجهد لعدم اعطاء هذا التحالف الذريعة التي ينتظر - علماً بأنه يستطيع افتعال الذرائع ساعة يشاء - وللحؤول دون تساهل الولايات المتحدة معه على هذا الصعيد خصوصاً في ظل الاجواء المعادية لدمشق داخل الكونغرس وفي اوساط الاعلام والرأي العام.
وادخل الكلام نفسه ايران في جملة اسباب الجنوح، وذلك عندما اعتبر انها تحاول الاخلال بمعادلة قائمة مع سورية متعلقة ب "حزب الله" عن طريق الاستئثار به، اذا جاز التعبير، وتحويله ايرانياً صرفاً بعدما كان تعبيراً عن شراكة بينهما.
ما مدى صحة هذا الكلام؟
يعترف قريبون من دمشق بأن القيادة السياسية السورية العليا التي تتقن قراءة الاوضاع الاقليمية والدولية وتحسن تقويم المتغيرات تسعى إلى توجيه اشارات إلى الولايات المتحدة تجعلها مصرة على التمسك بالوضع الحالي في المنطقة وعلى عدم جنوحه نحو المواجهة العسكرية. لكنهم يؤكدون، في الوقت نفسه، ان هذه القيادة لم تفكر - على الاقل حتى الآن - في تقليص حجم "حزب الله" على النحو الذي يتحدث عنه قادته والآخرون، ولا ضربه طبعاً. ذلك انه لا يزال، بالمقاومة التي يمارس، ضرورة لها لمواجهة الوضع الاقليمي خصوصاً بعد المتغيرات التي طرأت عليه. وجل ما فعلت او ما سعت ولا تزال تسعى إلى فعله، من دون نجاح حتى الآن، هو اعطاء تنازل شكلي في موضوع تمثيل الحزب في المجلس النيابي المقبل والمحافظة فعلاً على حجمه، وهو ليس صغيراً على الاطلاق. واظهرت ذلك المفاوضات التي جرت بين "حزب الله" وحركة "امل" برعاية سورية مباشرة لإقامة ائتلاف انتخابي بينهما في دائرتي الجنوب والبقاع. فالعرض المقترح تضمن انقاص التمثيل الشيعي للحزب في البقاع من اربعة نواب إلى ثلاثة وزيادته في الجنوب ليصبح ثلاثة نواب. وذلك يبقي عدد نوابه الشيعة على حاله. وتضمن ايضاً احتفاظه بمقعد سني وآخر مسيحي في البقاع، علماً بأن تمثيله شيعي اساساً. ولم تدخل دائرة بيروت ولا دائرة المتن الجنوبي - بعبدا العرض لأسباب عدة، وكان يمكن ان تدخلاه لو اظهرت قيادة الحزب مرونة في التعاطي مع جوهر العرض في الجنوب والبقاع.
ويرى القريبون من دمشق ان من حق "حزب الله" ان يسعى إلى زيادة حجم تمثيله النيابي وان يوظف في سبيل ذلك المقاومة التي يمارس، خصوصاً انه مقتنع بأن نسبة شعبيته، داخل الطائفة الشيعية تحديداً، تضاعفت في الاعوام الاربعة الماضية. ومن حق خصومه ان يعملوا لاحباط مسعاه لأنه سيكون على حسابهم ولاقتناعهم بأن شعبيته ليست في الحجم الذي يقول وبأنها قامت اساساً ولا تزال تقوم على اساليب وسياسات وممارسات غير ديموقراطية سمحت بها سورية ل "اعتبارات استراتيجية".
نتائج المواجهة
هل يصل "حزب الله" في جنوحه إلى النهاية، اي إلى حد مواجهة حركة "امل" شريكته في "التحالف" مع سورية؟
يجيب قريبون من دمشق ان المساعي الائتلافية لا تزال مستمرة، لكن الامل في نجاحها يتضاءل يوماً بعد يوم. ذلك ان قيادة كل من الحزب والحركة قد تكون ذهبت بعيداً في الخصومة لا بل في العداء العلني، الامر الذي يجعل تعاونهما انتخابياً من الصعوبة بمكان. وفي هذه الحال فان المعركة في الجنوب ستكون قاسية وسيتمكن الحزب من خرق لائحة بري جدياً ولكن ليس بطريقة تهدد مواقعه الاساسية. وقد تساعده في ذلك عوامل كثيرة منها "التيار الوطني" الذي يقوده النائب حبيب صادق واحتمال التفاف الحزب الشيوعي حوله كما في العام 1992، خصوصاً اذا استمرت ابواب لائحة بري موصدة في وجه مرشحه سعد الله مزرعاني. ومنها "التيار التقليدي" السياسي والعائلي الذي يعد الرئيس كامل الاسعد ابرز اركانه.
هذا طبعاً اذا سمح القادرون بالافادة من كل ذلك او اذا فشلوا في عدم السماح به عملياً، مع الاشارة هنا إلى ان الجمهور الشيعي الجنوبي يتعاطف في قسم كبير منه مع الحزب. اما المعركة في البقاع فقد تكون مختلفة ذلك ان مناصري الحزب في المحافظة دائرة انتخابية واحدة لا يكفون لانجاح لائحته على رغم اهمية حجمهم. اذ ان السنّة والمسيحيين عموماً ليسوا من جمهوره الطبيعي لاعتبارات عدة، فضلاً عن ان الدروز واصواتهم بالآلاف قد لا يقترعون له بعد الخلاف العلني الحاد الذي نشب بين قيادته والحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه جنبلاط بسبب الانتخابات الاخيرة في المتن الجنوبي - بعبدا، فضلاً عن ان سورية تستطيع في البقاع توجيه دفة الامور في الطريق الذي تريد.
وهذا يعني ان التمثيل المقبل ل "حزب الله" في مجلس النواب قد يراوح، في حال حصول مواجهة بينه وبين "امل"، بين اربعة نواب شيعة وستة. ويعني ايضاً انه لن يكون له تمثيل مسيحي او سني.
وفي اي حال يبدو ان مخرج الانتخابات النيابية الحالية الذي هو غير لبناني يميل إلى تقليص حجم تمثيل التيارات الاسلامية الاصولية في مجلس النواب بعدما نجح في تقليص تمثيل التيارات المسيحية الاصولية سياسياً من دون ان يمس ذلك المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي.
وقد جاء سقوط مرشح "حزب الله" في المتن الجنوبي وسقوط مرشحي الجماعة الاسلامية ومرشح جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية المعروفة ب "الأحباش" في الشمال يشجع هذا المخرج على عدم الحماسة إلى نجاح مرشح "الاحباش" في بيروت على رغم تأييدهم له، والى نجاح مرشحي الجماعة الاسلامية في بيروت و "حزب الله" فيها وكذلك لتقليص حجم تمثيل الحزب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.