شهدت مدينة "الايخيدو" الجنوبية الاسبانية، حيث يقطن حوالي 10 آلاف مهاجر مغربي يعملون في الزراعة والتعمير، اضطرابات عنصرية طرحت على بساط البحث موضوع الهجرة والمهاجرين الى أوروبا عبر اسبانيا، اضافة الى قضية الهجرة غير الشرعية. كما أبرزت ايضاً طريقة عيش الهاربين من بلدانهم لطلب الرزق وجرأة البلدان المصدرة للمهاجرين في الدفاع عن مواطنيهم، واتهام البلدان المضيفة لهم بعدم معاملتهم كما يجب وعدم اعطائهم ما لم تتمكن هي نفسها من توفيره لهم: العمل والمستوى المعيشي المعقول. ومن المؤكد ان حاجة الدول الغربية الى اليد العاملة لا تعني وجوب إرغام العمال المهاجرين على قبول الواقع الذي يفرضه عليهم عوزهم أو حاجتهم الى العمل ووضعهم في المجتمع الذي يستقبلهم، ولا رضوخ الدول التي تستقبلهم، برضاها أو من دونه، الى أمور تتعارض مع قوانينها. فخلال توقف المهاجرين عن العمل في "الايخيدو" بلغت خسائر المزارعين الاسبان نحو 700 ألف دولار يومياً. غير انه لا يمكن اغفال النزعة العنصرية التي تراود شعوب أوروبا، علماً ان شعب اسبانيا اقلهم عنصرية لوجود نسبة أقل من المهاجرين فيه. ويشير استطلاع للرأي الى ان من أصل 20 ألف شخص، هنالك 23 في المئة فقط يعتبرون ان ما يراوح بين 70 و90 في المئة من الشعب الاسباني عنصريون، وعشرة في المئة فقط يعتبرون ان أقل من 10 في المئة منهم عنصريون، في الوقت الذي يرى 56 في المئة منهم ان ما حصل في الايخيدو انما هو رفض عام لوجود المهاجرين في البلاد، في الوقت الذي رأى فيه 18 في المئة ان ما حصل يأتي في اطار قضية قامت بها مجموعة معزولة اثر عمل اجرامي قام به مختل عقلياً، تصادف انه مهاجر مغربي. وبين المغاربة، كما باقي المهاجرين والمواطنين الاسبان والأوروبيين قلة من المجرمين، ولكن لا يمكن ان نحكم من واقع تصرفاتها على المجتمع الذي تنتمي اليه. فما حصل في اسبانيا واثار دهشة وغضب بعض الزعماء الاوروبيين والمغاربيين مثل رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي، الذي طالب بإيجاد تسوية للمشكلة الناجمة عن وجود المهاجرين بكثافة في احدى المناطق الاسبانية، ونبه الى "ضرورة الاستعداد في أوروبا لمواجهة ظاهرة الهجرة"، محذراً من "كره الاجانب الذي من شأنه تحويل أوروبا الى جحيم"، انما كان تلك النقطة التي فجرت القضية. فمنذ نحو شهرين ظلت وزارة الداخلية الاسبانية تراقب بحذر تلك المنطقة الجنوبية وذلك بسبب التوتر الذي كان سائداً قبل موجة العنف التي مارسها بعض المتطرفين ضد المهاجرين ومنازلهم ومحلاتهم. وعلى رغم التقرير الذي نشرته الاممالمتحدة مطلع السنة الحالية ويكشف حاجة اوروبا الى 159 مليون مهاجر لايجاد توازن ديموغرافي، اذ من الممكن ان ينخفض عدد السكان في جميع الدول الأوروبية، باستثناء فرنسا والنرويج، خلال السنوات الخمسين المقبلة بشكل ملفت فيصبح عدد سكان المانيا 73 بدلاً من 82 مليوناً حسب احصاء العام 1998، وايطاليا سينخفض عدد سكانها من 57 الى 41 مليوناً، واسبانيا من 40 الى 30 مليوناً. على رغم كل ذلك، فإن أوروبا لم تتقبل بعد مساواتها بالمهاجرين، لأسباب عدة منها وجود فئة من المجرمين وسط المهاجرين. اذ انه اضافة الى مجموعات "النشالين" المنظمة من بعض الجنسيات الاميركية اللاتينية والمغاربية، هناك ايضاً مهربو المخدرات المغاربة، اذ ان أكبر كمية من الحشيش تدخل اسبانيا من المغرب. كما ان مشهد اعداد كبيرة من المهاجرين المغاربة في الساحات العامة يولد لدى الاسبان انطباعاً بأن العنف من طبع هؤلاء، على رغم ان معظمهم مسالمون ولا يريدون سوى الحصول على لقمة العيش. يضاف الى ذلك دخول معظم المهاجرين بطريقة غير شرعية على متن "قوارب الموت" مفضلين ذلك على خضوعهم لسياسة الهجرة التي رسمها الاتحاد الأوروبي وحكومة اسبانيا لتطبيقها بالاتفاق مع حكوماتهم، لعدم ثقتهم بالحصول على عمل في اسبانيا. وقد اقترح مجلس المستشارين المغربي تشكيل خلية برلمانية اسبانية - مغربية لدراسة سبل تحسين أوضاع المهاجرين. اما البرلماني الأوروبي المتحدر من أصل جزائري سامي نائير، مستشار حكومة فرنسا لشؤون الهجرة، فهو يعارض فتح أبواب أوروبا على مصراعيها امام المهاجرين، ويعتبر ذلك "خطأ فادحاً". ويؤكد ان "التنظيم المشترك لتيارات الهجرة بين أوروبا وحكومات بلدان الشمال الافريقي يشكل الحل الوحيد للتخفيف من مشاكل الهجرة". والواقع ان السياسة الاجتماعية للحكومة المغربية الأخيرة وللعهد الجديد تعطي الأولوية للمساواة في ايجاد فرص العمل، ولكن يجب على حكومات البلدان المصدرة للمهاجرين ونظيراتها الأوروبية ان تكسب ثقة هؤلاء بشتى الوسائل، اذ انهم ما زالوا يعتبرون هذه الحكومات تعسفية ظالمة تقوم بملاحقتهم. ومنذ بدء العمل بقانون الاجانب الجديد منذ نحو شهر، وخلال الاحداث العنصرية التي تفجرت في الجنوب، اعتقل حراس الشواطئ الاسبان اكثر من 800 مهاجر على متن "قوارب الموت"، احدهم يبلغ الثالثة والثمانين من عمره. ويتساءل الاسبان هل يعقل ان هذا العجوز خاطر بحياته ليعمل في اسبانيا؟ كل ذلك يؤثر سلباً في المواطنين الاسبان ويغذي لديهم النزعة العنصرية الموجودة اساساً. واذا أردنا تحليل أسباب الاحداث العنصرية الأخيرة في اسبانيا فسنستنتج ان الأسباب كثيرة، ومن يعالجون هذه الظاهرة بشكل فعال بعيدون عن واقع المواطنين الاسبان بُعد المهاجرين عن أوطانهم وحكوماتهم، فهجرة الاسباني الى أوروبا في الاربعينات والخمسينات ومعاملة باقي الأوروبيين له كمواطن من الدرجة الثانية أثارت في نفسه رغبة في الرد بالمثل انتقاماً من المرارة التي ذاقها. ومن أسباب هذه الظاهرة ايضاً عدم ترجمة السياسيين من مختلف الفئات أقوالهم أفعالاً، وعدم وضوحهم، اضافة الى استغلالهم وضع هؤلاء الضعفاء لكسب الأصوات أو انتزاعها من الفريق السياسي الآخر، ما دفع الوزير المغربي الأول عبدالرحمن اليوسفي الى تقديم شكره للمسؤولين الاسبان الذين أبدوا ردود فعل "ايجابية وتضامنية"، وشجب "الانتهازيين الذين استغلوا هذه الفرصة للتشكيك بقانون الاجانب والهجرة الجديد". فالطبقة الحاكمة تتحدث عن نظريات التعايش وحب الاجانب في الوقت الذي تبث فيه شبكات التلفزيون أفلاماً "عنصرية"، اي أنهم لا يبذلون جهداً في تثقيف مواطنيهم من النزعة ضد الاجانب، بل يتلهون بقضايا تثير تلك المشاعر كتأييدهم اسرائيل. ففي التهميش حض على العنصرية، وهذا ما تُعلّمه معظم حكومات أوروبا لشعوبها، فهي تحتاج في معظم الاحيان الى بُعد نظر، وهذا ما كانت تفتقده حكومات اسبانيا الديموقراطية المتعاقبة. وهناك سبب آخر جاء ليزيد هذا الو ضع حدة يتمثل في تعاطي بعض الصحافيين من مراسلي صحف عربية مع الجانب المغربي وحده، مما حدا بقطاعات من العرب والمغاربة الى التشكيك في نيات الأوروبيين. كما ان بعض السياسيين من البلدان المصدّرة للمهاجرين تحمسوا لأسباب سياسية، وسارعوا للإدلاء بتصريحات غير لائقة. وكان عليهم بدلاً من ذلك ان يقتدوا بحكومة اليوسفي وسياستها الاجتماعية، بل كان يجب فصل القضايا السياسية مثل المفاوضات المتعلقة بترتيبات الصيد البحري واعتراض المزارعين الاسبان شاحنات الخضروات المغربية التي جوهرها اقتصادي، عن قضية الايخيدو الاجتماعية العنصرية، اذ ان القيّمين على الأولى هم من السياسيين الاسبان والمغاربة وكبار المزارعين والتجار من الجانبين، في الوقت الذي حركت فيه القضية الثانية مجموعة من المشاغبين العنصريين الذين لا يتمتعون بأي دعم حكومي أو اجتماعي ضد مهاجرين مغلوبين على أمرهم، جل ما يريدون ان تمنحهم اسبانيا عملاً وبطاقة اقامة ومساواتهم بباقي المواطنين عند دفع اجورهم، اذ ان معاشهم اليومي يزيد قليلاً عن نصف معاش العامل الاسباني، كما أنهم يطالبون بمنحهم التأمين الصحي