تلقى الرئيس سليم الحص انتقادات واسعة بعيد عودته الى السلطة وتحديداً اثناء اعتداء اسرائيل على البنية التحتية الكهربائية في لبنان في شهر تموز يوليو 1999، لتخصيصه يوماً واحداً فقط من كل اسبوع لوزارة الخارجية ولانشغاله بأعمال رئاسة الحكومة. وكان وراء هذه الانتقادات دافعان: الأول سياسي محلي وانطلق اصحابه المعارضون في معظمهم لحكومته من رغبة في تصفية الحسابات معها. والثاني وطني وانطلق اصحابه من اقتناع بأن لبنان يخوض معركة عسكرية خارجية مع اسرائيل ولكنها غير متكافئة على رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها المقاومة، وبأن مصلحته تقتضي التخفيف من عدم التكافؤ. واقترح المنتقدون أن يتخلى الحص عن حقيبة الخارجية وإيكالها الى وزير متفرغ. لكن كل هذه الانتقادات فضلاً عن الاقتراح لم تلق آذاناً صاغية لأن التجاوب معها يقتضي تعديلاً حكومياً قد يفتح شهية الاستيزار عند جهات وشخصيات لبنانية كثيرة، الامر الذي قد يتحول إلى ازمة ليس وقتها الآن. ولأن التجاوب معها ايضاً يعني الاعتراف بخطأ في تركيبة الحكومة ويفتح الباب امام اعترافات بأخطاء كثيرة اخرى سواء في هذه التركيبة او في اداء اعضائها الامر الذي يحول دون تنفيذ السياسات الداخلية التي رسمتها لنفسها بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. الا انها كانت تتسبب بالأسى للرئيس الحص اقتناعاً منه بأنها تعبير عن عامل شخصي عليه وعلى العهد. وخلال الصيف الماضي استمرت الانتقادات، لكن بشيء من الخفر لاقتناع اصحابها برفض رئيسي الجمهورية والحكومة الاستجابة وبعدم استعداد سورية لإقناعهما بتعديل موقفهما على رغم ادراكها اهمية وجود وزير خارجية متفرغ في لبنان وبأن الانتخابات النيابية صارت قريبة ولا بد من الاستعداد لها والسعي بعد انتهائها الى تحقيق ما يريدون وخصوصاً في موضوع وزارة الخارجية. لكن عودة اسرائيل أخيراً الى تدمير البنى التحتية والمرافق العامة وتهديدها بالاستمرار بالضرب ومن تفهم اميركي لموقفها اعاد موضوع السياسة الخارجية ووزارة الخارجية الى واجهة الاهتمام، اذ تلقى الرئيس الحص انتقادات لعدم كفاية الديبلوماسية اللبنانية في مواجهة العدوان الاسرائيلي. لكن رئيس الحكومة أبدى مرارته لسببين. الاول انه قام منذ الاعتداء الاسرائيلي الاخير بكل مهمات وزير الخارجية فوجه كتاباً الى الامين العام للامم المتحدة وطلب تعميمه على اعضاء مجلس الامن وطلب من البعثات الديبلوماسية اللبنانية شرح الموقف اللبناني بكل دقة لحكومات الدول المعتمدين لديها والتقى السفراء العرب والأجانب حتى انه قيل انه جمع مجلس الامن في لبنان وتحدث الى الاعلام المحلي والخارجي. وهذا اقصى ما يستطيع ان يفعله. والآخر ان الانتقاد جاء من حلفاء او من شركاء مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري على رغم ان الاخير حاول عبر انتقاده تحييد التحرك الاخير لرئيس الحكومة عنه. وتعتبر مصادر سياسية الانتقادات الموجهة إلى الحص وجيهة. لكن يجب اعطاء رئيس الحكومة اسباباً تخفيفية خصوصاً انه قام في المحنة الاخيرة بجهود كبيرة هي جزء من عمله في كل حال. والاسباب التخفيفية كثيرة منها ان الديبلوماسية اللبنانية القوية التي عرفها لبنان قبل الحرب لم تكن موجودة. ومنها ايضاً ان اعادة بناء الدولة منذ انتهاء الحرب بفعل اتفاق الطائف لم يشمل وزارة الخارجية علماً انه لم يكن ناجحاً كما يجب في الادارات التي شملها. وهذا موضوع يتعلق بالحكومات السابقة كلها، ومنها من كان برئاسة الحص، ومنها ثالثاً التطابق الكامل في السياسة الخارجية بين لبنان وسورية منذ انتهاء الحرب خصوصاً منذ انطلاق عملية السلام وقرار البلدين توحيد مساريهما التفاوضيين مع اسرائيل بعد قرار التوازن ثم التلازم واقتناع المجتمع الدولي ان القرار الفعلي في هذه السياسة لدمشق لا لبيروت وان من الافضل التوجه اليها والبحث معها في كل ما يخص لبنان. ومنها رابعاً عدم اطلاع لبنان في شكل كاف على تطورات السياسة الخارجية المذكورة خصوصاً على صعيدي المفاوضات وعملية السلام وعدم قدرته ورغبته في آن على التعاطي معها بفاعلية لاعتبارات متنوعة. الا ان هذه الاسباب التخفيفية لا تلغي حقيقة اساسية هي ضرورة اقدام الدولة على تفعيل وزارة الخارجية بعيداً عن الحسابات السياسية المحلية والاقليمية من خلال اعتماد الكفاءة معياراً اساسياً في الاختبار. وهي ايضاً ضرورة اقتناع الدولة بأن علاقتها المميزة مع سورية هي خيار لا اضطرار وبأن صيانة هذه العلاقة تقتضي دوراً لبنانياً اساسياً في كل مظاهرها لا تخلياً عن هذا الدور. اذ ان ترك العبء كله على سورية لا يفيدها على رغم اقتناع بعضهم بعكس ذلك لأنه يحملها مسؤولية مباشرة عن كل ما يجري في البلد. ويساهم في تكوين انطباع خارجي بان لبنان لا حول له ولا قوة وأن المحاسبة اذا حصلت يجب ان تكون لسورية، كما ان ترك العبء كله لسورية لا يفيد لبنان لأن المحاسبة قد تنقلب مكافأة خصوصاً عندما يحين اوان السلم ويقتنع العالم بأن سورية هي ضمانة تنفيذه لا لبنان. وهذه الحقيقة الاساسية ليست طبعاً مسؤولية الرئيس الحص وحده. بل هي مسؤولية كل المراجع والمؤسسات الرسمية والاحزاب والشخصيات السياسية وكل المراجع الدينية خصوصاً بعد تحولهم لاعبين سياسين مهمين