تعرض وفد منظمة العفو الدولية الذي زار الجزائر لحملة منسقة تنشطها وسائل الإعلام الموالية للحكومة وعدد من الأحزاب والمنظمات التابعة لها. وشاءت الصدف أن يكون هارولد كو، مساعد وزير الصحة الأميركي لشؤون حقوق الإنسان والديموقراطية، شاهداً على هذه الحملة، خلال الزيارة التي قام بها للجزائر في 12 و13 تشرين الثاني نوفمبر الجاري. وتثير هذه الحملة العنيفة على هذه المنظمة غير الحكومية تساؤلات عدة، لأن مجيء وفد منها إلى الجزائر للمرة الثانية برئاسة الكندي روجيه كلارك كان تلبية لدعوة من السلطات الجزائرية في مطلع العام الحالي لجميع المنظمات غير الحكومية العاملة في حقل حقوق الإنسان. وقد فسرت هذه الدعوة في حينها برغبة السلطات في الانفتاح على الهيئات الدولية التي ما انفكت تتابع بقلق أوضاع حقوق الإنسان في الجزائر. وزارت الجزائر خلال النصف الأول من هذا العام وفود من منظمة العفو الدولية و"محققون بلا حدود" و"الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان"، و"هيومان رايتس ووتش" و"فريدوم هاوس". فلماذا الحملة على وفد منظمة العفو الدولية إذن؟! لأنه عاد للمرة الثانية؟ لقد عاد الوفد الذي زار الجزائر في أيار مايو الماضي بنية واضحة: الإصرار على معرفة الحقيقة وعدم السكوت على الفظائع التي مست حقوق الإنسان خلال السنوات الماضية. وقبل العودة، تسرب لبعض الصحف المحلية أن المنظمة ارسلت - بناء على الزيارة الأولى - إلى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة "تقريراً مفصلاً يورط حوالي 100 شخصية في تلك الفظائع". وبعد 48 ساعة من وصول الوفد، عقد كلارك ورفاقه مؤتمراً صحافياً كشفوا فيه أنهم طلبوا مقابلة القيادة الحالية للجيش الجزائري، ممثلة في الفريق محمد العماري قائد الأركان واللواء محمد مدين توفيق واللواء إسماعيل العماري مسؤولي المخابرات. وكان هذا الطلب بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وجعلت بعض وسائل الإعلام الحكومية والخاصة تفتح النار على الوفد من جميع الجهات، متهمة المنظمة التي يمثلها بأنها "خبيرة في ضرب استقرار البلدان النامية"، وفي مقدمها الجزائر طبعاً. ويمكن تفسير هذه الحملة بأنها تهدف لإثناء المنظمات غير الحكومية الأخرى عن العودة إلى الجزائر. لكن هناك اعتبارات داخلية لا يمكن اغفالها، ومنها إثناء بعض الأحزاب المعارضة عن استغلال حقوق الإنسان المحرجة لبعض الدوائر الحاكمة ولسياسة الوئام المدني أيضاً، وهي سياسة من مقوماتها: "عفا الله عما سلف". غير أن بعض الأوساط السياسية والإعلامية يرى في هذه الحملة "مظهراً من مظاهر الصراع في قمة السلطة". وبعبارة أوضح، ان إحدى الكتل الحاكمة تراهن على ورقة حقوق الإنسان لتحجيم الكتلة المنافسة التي تبدي مقاومة شرسة في الحفاظ على مواقعها.