العولمة واقع. قطار سريع لا بد من ركوبه. وهي، الى ذلك، الحل الأمثل لمشاكل العالم. النبرة التبشيرية في هذه الجمل الثلاث واضحة. ولذلك فهي تصلح مدخلاً الى كتاب توماس ل. فريدمان العابر للقارات: "السيارة ليكساس وشجرة الزيتون: محاولة لفهم العولمة" الذي صدرت ترجمته العربيّة أخيراً في مصر عن "الدار الدوليّة للنشر والتوزيع" تعريب : ليلى زيدان، مراجعة فايزة حكيم . وفريدمان هو كاتب عمود الشؤون الخارجية في صحيفة "نيويورك تايمز"، وصاحب مهارات. يقدم العولمة كما يراها، وببساطة. لكنها بساطة مخادعة بالتأكيد، او هي، لنقل، بساطة تبلغ حد التبسيط: العولمة هي النظام الدولي الجديد الوارث لنظام الحرب الباردة. وما تفعله هو تحويل العالم الى قرية كونية. والهدف: توحيد السوق. فتح الحدود امام تنقل رأس المال، وتأمين الشفافية. لماذا الشفافية؟ من أجل بعث الأمان في "القطيع الالكتروني"، أو "جماعات الاستثمار" شبه الخيالية، إنّما الحقيقية جداً إذ تدير الاقتصاد العالمي... وإذ تتمكن في غضون ايام من تدمير اقتصاد أندونيسيا. التقدم الاقتصادي وحده يتيح تجاوز آفات العالم الاجتماعية : هذا ما يزعمه فريدمان. وما يقدمه من براهين ممتع وذكي، ومتنوع: من غابات البرازيل الى وادي السيليكون. لكن هل هو مقنع فعلاً؟ وجهة النظر المتفائلة التي نقع عليها لدى فريدمان، لها ما يناقضها جذريّاً في كتب مرجعيّة أخرى عن العولمة. وهي كتب غير طافحة بالتفاؤل ربّما، لكنها أدق وأكثر واقعية. ولعلّ إبرز هذه الكتب "جهاد ضدّ ماك ورلد" Jihad Vs Mc world راندوم هاوس، 1995، للكاتب بنيامين باربر، الذي تتوجّب ترجمته الى العربية. كما يكفي أن نتوقّف عند بعض الأرقام، كي نعيد النظر بتفاؤل توماس فريدمان : 3.1 بليون شخص يعيشون اليوم في فقر مدقع، أكثر من 150 مليون طفل يعملون في ظروف فظيعة، ملايين الاشخاص دمروا اقتصادياً بسبب التطورات على صعيد التجارة العالمية. هذه الأرقام التي طرحت في مؤتمر اقتصادي عالمي، عقد اخيراً في ملبورن أستراليا، تدفع إلى طرح السؤال التالي: كيف تحل العولمة مشاكل الانسان اذا كان اهتمامها الاول منصباً على المادي لا الانساني؟ والسؤال الأهم: هل تستطيع العولمة ان تكون ديموقراطية؟ ومن يضمن ذلك؟