أثار تسلم الدكتور بشار الاسد الحكم في سورية الكثير من التفاؤل بإمكان حصول "حركة تحديثية واسعة" في البلاد بهدف تطوير واقع فرضته ظروف اقليمية ودولية في العقود السابقة. وبعد مرور نحو ثلاثة اشهر على حكم الاسد، يمكن تلمس وجود "برنامج تجديدي وتحديثي في جميع المجالات"، بدأت معالمه تظهر. لكن هذا البرنامج يحتاج الى وقت اطول كي يتبلور اكثر وينعكس على حياة السوريين. صحيح انه لم تتحقق كل مطالب السوريين ولا "كل الآمال" التي عقدوها انطلاقاً من خطابات الدكتور بشار في السنوات الاخيرة التي سبقت وصوله الى رأس هرم السلطة في البلاد، لكن المراسيم الرئاسية والقرارات التي صدرت في الاسابيع الماضية تشير الى ان "قطار التحديث وضع على السكة باتجاه المستقبل". ولا شك في ان حال الطوارئ المعلنة بحكم حال الحرب مع اسرائىل، تركت آثارها على آلية عمل بعض المؤسسات، لذلك فإن ما صدر من قرارات الى الآن في مجالي "تحديث الادارة وتطوير الاقتصاد"، يدل الى ان "آلية التغيير" ستسير بتدرج لا يترك آثاراً سلبية على الاستقرار السياسي والامني الذي يعتبر اولوية بالنسبة الى دمشق. ويلاحظ مسؤول سوري رفيع المستوى انطلاق "برنامج واسع النطاق للتجديد والتحديث في شتى المجالات يشمل تحديث الادارة والقوانين والبناء على ما تحقق في السنين الماضية في مضمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورفع مستوى معيشة المواطنين وتوفير فرص العمل للشباب". وكان واضحاً ان الرئيس الاسد سيركز في بداية حكمه على الوضع الداخلي قبل استئناف سورية لدورها الاقليمي ديبلوماسياً وسياسياً. واتضح ذلك في خطاب القسم الذي القاه في 17 تموز يوليو الماضي عندما اعترف بوجود "فجوة" بين السياسة الخارجية والاهتمام بالامور الداخلية خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الاسد. او على الاقل فإن الاداء الداخلي لم يكن في مستوى سياسة الاسد الخارجية في السنوات الثلاثين الماضية، بسبب عدم ارتقاء بعض المسؤولين الحكوميين بادائهم الاقتصادي الى مستوى الاداء السياسي الخارجي. وبالتالي فإن القرارات التي اتخذها الدكتور بشار كان الرئيس الراحل سيتخذها لو انه بدأ حكمه في هذه المرحلة لأن "ما يفرضه القرن الحادي والعشرون من تطورات، يختلف عن حال السبعينات من القرن العشرين"، اي ان مسيرة التغيير القائمة هي استجابة للواقع الدولي والاقليمي تستهدف التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والسياسية لتعزيز الدور السوري. ولعل المراسيم التي وقعها الرئيس الاسد الى الآن، تركز في مجملها على اتجاهين: تطوير مستوى معيشة المواطنين والاقتصاد السوري من جهة، وتنفيذ الاتفاقات الاقتصادية الموقعة مع الدول العربية خصوصاً لبنان من جهة ثانية. ومن المراسيم الرئاسية اللافتة "قبول البدل المالي من المكلفين السوريين ومن في حكمهم الخاضعين للخدمة العسكرية الإلزامية المقيمين خارج البلاد"، ذلك انه يدل الى وجود "ذهنية جديدة" في التعامل مع هذا الأمر ما سمح بعودة آلاف المغتربين والخبرات السورية الموجودة في المهجر بهدف المساهمة في العملية التحديثية القائمة في البلاد. وظهرت هذه "الذهنية الجديدة" ايضاً بالسماح للقطاع الخاص باستيراد السيارات بعدما كان ممنوعاً نحو 35 سنة عندما بدأت عملية التأميم في البلاد، اضافة الى تعديل قانون الاستثمار الصادر في العام 1991. لكن الابرز ان هذين القرارين عُدلا مرتين استجابة لطلبات رجال الاعمال بعد فترة قليلة على صدور التعديلات، اي ان الحكومة بدأت بالتجاوب العاجل مع ملاحظات واقتراحات رجال الاعمال على عكس ما كان يحصل مع الحكومة السابقة التي جمدت العملية الاستثمارية بسبب ترهلها. ويعلق خبراء في المعلوماتية آمالاً كبيرة على قانون حماية الملكية الفكرية لاعتقادهم انه "يشجع الابداع المحلي خصوصاً في مجال البرمجيات". حدود بين السلطات واظهرت الاشهر الثلاثة الماضية بروز الحدود في شكل اكثر بين السلطات في الدولة وقيام كل مؤسسة بدورها: حزب "البعث" يقوم بالدور القيادي المحدد للسياسات العامة للدولة "من دون الانغماس في العمل اليومي"، لكن مع الاحتفاظ بالقدرة على تقويم الاداء في فترات زمنية محددة. ومجلس الشعب البرلمان الذي يناقش الاقتراحات الحكومية والرئاسية قبل اقرارها. والسلطة التنفيذية التي تقوم بدورها الحكومي في تقديم الاقتراحات الى البرلمان وبتنفيذ الخطط طويلة الأجل. وفي المجال الاقتصادي أحال الاسد الى البرلمان ثلاثة مشاريع قوانين كان رجال اعمال وخبراء اقترحوا اقرارها. يتعلق الاول بإصدار قانون ايجار جديد، والثاني بإقامة مصارف خاصة، والثالث بانشاء سوق لتداول الاسهم. وتكمن اهمية صدور قانون الايجار باعتبار ان القانون النافد يعود عمره الى نصف قرن، الامر الذي خلق مشاكل اجرائية كثيرة بين المالكين والمستأجرين، ما دفع المالكين الى تفضيل ابقاء شققهم فارغة على تأجيرها لأن القانون السابق ادى عملياً الى تملك المستأجرين الشقق المستأجرة. وبلغت نسبة الشقق الشاغرة في جميع المحافظات 16 في المئة نصف مليون شقة. في المقابل فإن القانون المقترح يعيد العلاقة الى اصلها اي "العقد شريعة المتعاقدين"، ما سيؤدي الى حل مشكلة السكن وتالياً تراجع سن الزواج عند الشباب بعد ارتفاعه في السنوات الاخيرة. ولا يزال البرلمان يناقش القانون ومشروعي قانوني المصارف الخاصة وسرية عملها، وسوق تداول الاسهم. وحدد مشروع قانون المصارف الخاصة الذي حصلت عليه "الوسط" مبلغ 20 مليون دولار كحد ادنى لرأسمال اي مصرف مفسحاً في المجال اولاً للرأسمال العربي بالعمل شرط ألا تتجاوز حصته 50 في المئة. كما اقترح مشروع قانون آخر ان "تخضع لسر المهنة المصارف العاملة في سورية". وكانت الحكومة سمحت قبل اسابيع للمصارف الخاصة بالعمل في المناطق الحرة في حال كان رأسمالها اكثر من 11 مليون دولار اميركي، وأعطت رخصاً لثلاثة مصارف هي "فرنسبنك" و"الشركة اللبنانية - الاوروبية المصرفية" و"البنك الاوروبي للشرق الاوسط". وتأمل حكومة محمد مصطفى ميرو ان يؤدي ذلك الى تشجيع الاستثمارات وتطوير الاقتصاد وإعادة الرساميل السورية المقدرة بنحو خمسين بليون دولار. ويتزامن ذلك مع توجيهات ب"تحديث القطاع المصرفي العام" كي يكون قادراً على المنافسة عندما تتاح. فمن جهة فإن الاتحاد الاوروبي يمول مشاريع لتحديث "المصرف المركزي" و"المصرف التجاري" وإدخال الحاسوب اليهما، ومن جهة ثانية فإن الرئيس الاسد اصدر مرسوماً بتأسيس "مصرف للاستثمار" برأسمال قدره 30 مليون دولار، ومن المتوقع ان يصدر مرسوماً آخر لتأسيس "مصرف التجارة الخارجية". ويتوقع خبراء اقتصاديون قيام تعاون سوري - لبناني في المجال المصرفي في اطار العلاقات الثنائىة بين البلدين، ذلك ان هناك توجهات رسمية ب"تعميق العلاقات في المجالات الاقتصادية" لتعزيز المصلحة بين الطرفين على اساس التكامل. وفي اطار اهتمامه بالعلاقات بين بيروتودمشق، أصدر الرئيس الاسد مرسومين لتنفيذ اتفاقات سابقة. يتعلق الاول بإقرار اتفاق انشاء المكاتب الحدودية بين سورية ولبنان الموقع من قبل وزيري المال في بداية العام 1997، فيما يضع الثاني اتفاق حرية تبادل المنتجات الزراعية بين سورية ولبنان الموقع في تشرين الاول اكتوبر العام الماضي في مجال التطبيق. أما شعبياً، فإن القرار الاهم الذي صدر في الاشهر الثلاثة الماضية كان زيادة الرواتب بنسبة 25 في المئة. وفي الواقع فإن مناقشات طويلة استبقت صدور القانون، اذ ان موقفاً شعبياً -اعلامياً وتوجهاً عالياً "اقنع" الحكومة برفع الرواتب والاجور للعاملين في القطاع العام وفق "خطة مدروسة" تحقق الإفادة العملية القصوى الممكنة من الزيادة. لكن الأهم ان هذا القرار أرفق بخطة اخرى تحمل اسم "مشروع مكافحة البطالة" رصدت خلاله الحكومة مبلغ بليون دولار اميركي لإنجاز مشاريع استثمارية تعالج هذه المشكلة المنتشرة في صفوف الشباب. ويعتقد خبراء ان "ربط هاتين الخطوتين سيؤدي الى نتائج ايجابية في السنوات المقبلة على الطبقة الوسطى في البلاد". وكانت الحكومة رفعت اسعار السجائر وألغت الدعم عن السكر والرز بهدف توفير موارد اضافية لتغطية الزيادة في الرواتب. واذا كان القرار الاول عملياً، فإن الغاء دعم مادتي السكر والارز ادى الى انتقادات من الصحف الرسمية، مع ان وزارة التموين عملت الى الحد من النتائج السلبية لهذه الخطوات على نحو 17 مليون سوري اعتادوا شراء هاتين المادتين بأقل من كلفتهما على الحكومة، عبر قيام "الشركة العامة لتجارة التجزئة" ببيعهما ب"هامش ربح قليل جداً لما فيه مصلحة المواطن". وسيساهم الغاء دعم الرز والسكر في ازالة بعض العقبات امام توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي حيث تجري مفاوضات في هذا الشأن منذ مدة وكذلك سيسهل مسألة انضمام سورية لمنظمة التجارة العالمية، ذلك ان جولة رسمية من المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي ستعقد في النصف الثاني من الشهر المقبل. وسيكون الموقف التفاوضي السوري اقوى بعد حل مشكلة الديون مع المانيا الاتحادية. اذ قالت مصادر ديبلوماسية ل"الوسط" ان "الاتفاق النهائي" سيوقع في الاسابيع المقبلة بعد التوصل الى حل مبدئي تعزز خلال زيارة المستشار الالماني غيرهارد شرودر. ونص الاتفاق المبدئي على "اعتراف" دمشق بموضوع ديون المانياالشرقية البالغة 530 مليون دولار و"اعتراف" المانيا ب"الوثائق المضادة" Counter Claims السورية وحذف 170 مليوناً من المبلغ، اضافة الى سداد دمشق مبلغ 265 مليون مارك الماني خلال عشرين سنة مع خمس سنوات سماح. واوضحت المصادر ان الخبراء "سيحلون مشكلة ضمانات القروض التي منحتها شركة هيرماس الالمانية بقيمة ثلاثين مليون مارك قبل توقيع الاتفاق النهائي". ولا شك ان حل الموضوع رفع "التحفظ" الاوروبي على تقديم مساعدات الى سورية، ذلك ان "البنك الاوروبي للاستثمار" رصد نحو 570 مليون يورو لمشاريع اقتصادية في سورية. واعلن شرودر ان بلاده ستقدم قرضاً بقيمة 62 مليون مارك، وان "البنك الاوروبي للاستثمار" سيصرف 75 مليون يورو على الفور. وبذلك تكون دمشق حلت آخر مشاكل ديونها الاقتصادية الخارجية باستثناء ديون الاتحاد السوفياتي العسكرية وقيمتها نحو 11 بليون دولار، بعدما حُلت مع كل من ايران في ايار مايو العام الماضي بدفع 502 مليون دولار وحسم الفوائد البالغة 466 مليوناً، وفرنسا بحسم 50 في المئة من الفوائد من اجمالي القيمة البالغة 8،1 بليون فرنك فرنسي خلال زيارة الرئيس جاك شيراك في العام 1996، ومع "البنك الدولي" بسداد المبلغ الاساس من الاجمالي البالغ 529 مليون دولار اميركي. تطوير العمل السياسي يمكن القول ان خطابات الرئيس الاسد إثر تسلمه الحكم أثارت جواً جديداً من المناقشات في الاوساط الثقافية والمدنية والشعبية. تبدأ بمستوى المعيشة وتنتهي بالعمل السياسي والديمقراطية وتقبل الرأي الآخر. وبعد اسبوعين على ادائه القسم ترأس في بداية آب اغسطس اجتماعاً ل"الجبهة الوطنية التقدمية" لبحث كيفية "تفعيل العمل السياسي" و"تقوية" الائتلاف السياسي - الحزبي الرسمي في البلاد، طالباً من قادة الاحزاب تقديم اقتراحات خطية لذلك. واستبق الرئيس الاسد ذلك الاجتماع ب"تسمية" ميرو ووزير الخارجية فاروق الشرع ووزير الادارة المحلية سلام ياسين في قيادتها و"تثبيت" نائبي الرئيس عبدالحليم خدام ومحمد زهير مشارقة ورئيس "اتحاد نقابات العمال" عز الدين ناصر فيها، علماً ان الاخير فقد منصبه في القيادة القطرية في المؤتمر القطري الذي عقد في حزيران يونيو الماضي، وذلك بعدما "ثبت" خدام ومشارقة كنائبين للرئيس. واذا كان اجتماع "الجبهة الوطنية التقدمية" أسفر لاحقاً عن السماح للاحزاب المنضمة اليها بفتح فروع لها في المحافظات، فإن اقتراحاتها الاخرى لا تزال تحت الدرس. ونصت الدراسات التي حصلت "الوسط" على نسخ من بعضها على "تطوير الرواتب واصلاح الضرائب" والسماح ب"صحافة علنية مرخصة رسمياً" واقامة "مؤسسات المجتمع المدني" و"تطوير دور البرلمان" وصولاً الى "رفع حال الطوارئ" في البلاد التي اعلنت قبل اكثر من ثلاثة عقود بسبب حال الحرب مع اسرائىل. وشجع التوجه الرسمي لتفعيل العمل السياسي مثقفين ورجال اعمال للسعي الى تأسيس جمعيات ومنتديات تهتم ب"المجتمع المدني" بعد دعوة الاسد الى "التطوير والتجديد والحوار والرأي والرأي الآخر" على اساس ان "الرأي والرأي الآخر لا يعني الإلغاء ولا نسف ما تحقق بالعرق والجهد والسنوات الطويلة بل تعزيز الايجابيات ومحاصرة السلبيات". وانتقل النقاش حول "المجتمع المدني" الى الصحافة الرسمية والعربية، اذ ان صحيفة "البعث" حذرت من احتمال قيام "بعض" المثقفين بالنيل من "الاستقرار والامن" في البلاد الذي "لا يمكن السماح بتفريطه او المساس به تحت أي يافطة من اليافطات". واشارت الى احتمال وقوع البعض "من حيث يدري او لا يدري في طاحونة أعداء الوطن". وعندما لم يحصل النائب رياض سيف على ترخيص بإقامة "جمعية اصدقاء المجتمع المدني" نظم "منتدى الحوار الوطني" حيث تحدث في جلسته الاولى في ايلول سبتمبر الماضي المثقف انطون المقدسي عن "نشوء وتطور المجتمع المدني واهميته في بناء الدولة الحديثة". واذ قال المقدسي ان "المجتمع المدني ليس حصان طروادة لتهديد الحكم" في اي دولة عربية، كتب تركي صقر رئيس تحرير "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم: "يريد بعضهم ان يفهم تفعيل الحياة السياسية على انه إلغاء للواقع القائم ونسفه من جذوره واستبداله بصيغ مستوردة ظاهرها براق ومضمونها يخفي السم الزعاف". وزاد الدكتور عماد فوزي شعيبي في مقال له: "ان بعض النوايا النقدية الحسنة قد تقطع الطريق امام الذين يؤمنون بأن التغيير الاصلاحي الممكن هو الطريق الوحيد امام تقدم المشروع السياسي في سورية، والذهاب الى الأقصى هو أمانة للفكرة على حساب الواقع وهي امانة غير سياسية لأن السياسة فن الممكن". ويشمل تطوير العمل السياسي ايضاً احتمال صدور قانون للاحزاب ذلك ان السلطات "تبحث جدياً" إصداره وهي طلبت من خبراء وسياسيين "دراسات قانونية وسياسية". وكان واضحاً ان القيادة السورية لم تزعج من هذه التحركات والنقاشات ولا حتى من بيان المثقفين ال 99، وان كانت تأمل "التريث وعدم نفاد الصبر لتحقيق توقعات المواطنين السوريين وفق خطة مدروسة تستهدف البناء على ماتحقق وتطويره دون اي آثار سلبية". ولم تقتصر حملة التحديث والنقاش على الجانبين الاقتصادي والثقافي، بل شملت المؤسسة الحزبية وستشمل الديبلوماسية السورية. ذلك ان القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم غيرت معظم قادة فروع الحزب في المحافظات والجامعات واعضائه بهدف "ادخال دماء جديدة" الى قاعدة الحزب وفق توجهات المؤتمر القطري الاخير. واقترحت القيادة القطرية للحزب في نهاية آب اغسطس تعيين 21 سفيراً في البعثات الديبلوماسية في الخارج، وكان نصف هؤلاء من الذين استقالوا او فقدوا مناصبهم في التغييرات الاخيرة في البلاد، منهم رياض نعسان آغا مدير المكتب السياسي للرئيس الراحل حافظ الاسد الذي عيّن سفيراً في مسقط، ووزير الدولة السابق يوسف الاحمد سفيراً في القاهرة، ورئيس تحرير صحيفة "البعث" تركي صقر سفيراً في طهران، ورئيس تحرير صحيفة "تشرين" السابق محمد خير الوادي سفيراً في بكين، وسعيد حمادي عضو القيادة القطرية ورئيس "اتحاد شبيبة الثورة" الذي استبدل في المؤتمر القطري التاسع سفيراً في الجزائر، ووزير شؤون الرئاسة السابق وهيب فاضل سفيراً في موسكو. وجاء القرار في وقت تبدو دمشق في حاجة الى حملة من "الديبلوماسية العامة" خصوصاً ان سورية كانت تعاني من عدم وجود سفراء في بعثاتها الخارجية اذ انه من اصل 57 بعثة ديبلوماسية لا تملك سوى خمسة سفراء هم أحمد الحسن في طهران الى بداية العام المقبل، والياس نجمة في باريس، واحمد حلاق في ابوظبي، وميخائيل وهبة في نيويورك، وتوفيق الجهني في البرازيل. استئناف الدور الاقليمي يقول مسؤول سوري ان "برنامج التجديد والتحديث ومشروع البناء الداخلي لا يصرفنا عن سعينا لتحقيق السلام العادل والشامل" في الشرق الاوسط، ذلك ان مسؤولين سوريين أعلنوا في تموز يوليو ان سورية "مستعدة لاستئناف مفاوضات السلام في اي لحظة" يوافق فيها الاسرائىليون على الانسحاب من الجولان الى خطوط 4 حزيران يونيو 1967، وذلك لتأكيد الثقة بالاستقرار السياسي من جهة والرغبة في السلام من جهة ثانية. وما ان وضعت العجلة على السكة ومتنت أسس "البيت الداخلي"، حتى استعادت الديبلوماسية السورية دورها الاقليمي والعربي. واذا كان خطاب الاسد يوم اداء القسم ركز على الشأن الداخلي، فإن خطابه في القمة العربية تناول الشأن الخارجي وعملية السلام، ما أظهر تكاملهما. وكان المؤشر الاول لوجود "عقلية جديدة" في العلاقة مع لبنان هو بقاء دمشق على "مسافة واحدة من الجميع" وان "التعامل هو بين المؤسسات الدستورية في البلدين وليس بين الافراد" وان "العلاقة استراتيجية دون التدخل في التفاصيل"، اضافة الى استمرار التنسيق في السياسة الخارجية خصوصاً ملف عملية السلام وفق ما يعرف رسمياً ب"وحدة المصير والمسار"، المدعوم باتفاقات اقتصادية وتجارية وزراعية ومصلحية للطرفين. وتمثلت الخطوة الاولى لاستئناف سورية دورها العربي بقيام الرئيس الاسد بزيارة القاهرة في نهاية اىلول سبتمبر تلتها بعد اسبوعين زيارة الى السعودية. ودل ذلك الى تمسك بالمثلث العربي السعودي - المصري - السوري. ومع ان المسؤولين السوريين يرفضون تسميته ب"المحور"، فإن هذا المثلث هو الذي رتب لعقد قمة عربية في العام 1996، ومناقشاته استبقت انعقاد القمة الاخيرة في 21 و22 الشهر الماضي. ودمشق لم تكن سوى "مرتاحة نسبياً" الى نتائجها لأنها لم تتبن موقفاً حاسماً باعلان "وقف العلاقات والتطبيع" مع الدولة العبرية. ورغبةً في تعزيز "خيار السلام" وتقويته، أرسلت القيادة السورية أخيراً عدداً من الاشارات بوجود "خيارات اخرى". ومن اهم تلك الاشارات استقبال الاسد نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز وارسال طائرات سورية الى "مطار صدام الدولي" وما تردد عن معلومات عن استئناف تشغيل انبوب النفط الذي جمد قبل نحو عشرين سنة. كما ان دمشق تتمتع للمرة الاولى في تاريخها الحديث بعلاقات ليست غير متوترة وحسب بل جيدة مع جميع دول الجوار باستثناء اسرائىل. وفي مقابل "العلاقات الاستراتيجية" مع ايران، فإن خدام زار انقرة لنقل رسالة من الاسد الى الرئيس التركي احمد سيزر، تستهدف التمهيد للتوصل الى "اعلان مبادئ" يتناول القضايا الاساسية العالقة بين الطرفين وهي: الحدود، الامن، المياه، الاقتصاد، التعاون التجاري، العلاقات الثقافية