ما من ملاكم أثار عواصف من الغبار داخل الحلبة وخارجها كما أثار مايك تايسون، وما من ملاكم لاحقته المتاعب ولازمته كظله كمايك تايسون، وما من ملاكم يسعى وراءه منظمو المباريات ويدفعون له أضعاف ما يدفعون لمنافسيه سواء كان يلعب على اللقب العالمي أم يخوض مباراة عادية، كما يسعى هؤلاء وراء مايك تايسون... انه في اختصار "ظاهرة رياضية" لها سلبياتها وايجابياتها، ويكفي للدلالة على هذه الظاهرة ان 21 ألف بطاقة طرحت للبيع بمناسبة لقائه في مانشستر مع جوليوس فرنسيس بطل بريطانيا في الملاكمة للوزن الثقيل، نفدت خلال 48 ساعة... لكن هذه المباراة التي ينتظرها عشاق الفن النبيل على أحر من الجمر في التاسع والعشرين من كانون الثاني يناير الجاري، كانت مهددة بالإلغاء بعدما صرح مسؤول في وزارة الداخلية البريطانية بأنه لن يسمح لمايك تايسون بدخول بريطانيا، كونه قضى في السجن فترة تزيد على 12 شهراً لاغتصابه ديزيريه واشنطن احدى ملكات الجمال في الولاياتالمتحدة الاميركية. وكان لهذا التصريح وقع الزلزال على فرانك ورين منظم اللقاء لأنه سيسبب له كارثة مالية لن تقوم له قائمة بعدها، ناهيك بأنه سيرسم علامة استفهام سوداء فوق مستقبل تنظيم المباريات العالمية في بريطانيا، وسيسدد ضربة قاضية الى مستقبل تايسون الرياضي كما لو ان ثمة لعنة غامضة تطارد هذا الملاكم الاسطوري. وبعد مساعٍ على أعلى المستويات تمت تسوية الأمر وسمح لتايسون بدخول بريطانيا رغم الاحتجاجات التي صدرت عن جمعيات نسائية عدة. ولا يقل حدث قدومه الى بريطانيا للملاكمة عن حدث مجيء محمد علي قبل ثلاثين سنة لمواجهة هنري كوبر. ويقيم تايسون حالياً في فندق غروفنر هاوس في العاصمة البريطانية حيث سيقضي 10 أيام استعداداً للقاء الموعود، ثم ينتقل الى مانشستر قبل اللقاء بثلاثة أيام. وتجدر الاشارة الى ان مايك تايسون وقف مبهوراً امام سيارة ماكلارين المعروضة في احد المحلات قريباً من فندقه، وأبدى رغبته في اقتناء هذه السيارة التي يبلغ سعرها 634500 جنيه استرليني، لكنه أصيب بخيبة أمل عندما علم بأن الشركة انتجت عدداً محدوداً من هذا النوع وقد توقفت حالياً عن انتاجه، والمعروف عن تايسون انه يعشق سيارات السباق وانه ينفق جزءاً لا يستهان به من عائدات مبارياته على اقتنائها. وعلى صعيد استعداده للقاء فرنسيس تدرب تايسون لمدة 90 دقيقة على حلبة اقيمت لهذا الغرض في الفندق، ولما كانت الحلبة ضيقة فقد آثر الملاكم الاميركي الانتقال الى أحد الأندية الرياضية لمتابعة التدريب الذي بدأه في الساعة الثانية من بعد ظهر الاثنين في السابع عشر من كانون الثاني يناير بالركض في بارك لاين. وقد عبر تايسون بعد التدريب عن ارتياحه وعن محبته لبريطانيا وللشعب البريطاني قائلاً: "أنا أحب بريطانيا، وأحب الشعب البريطاني. وما هو رائع بعد عودتي الى هنا، انني لست مضطراً الى الالتفات الى الوراء طوال الوقت اتقاء لطعنات الغدر. فهنا انا اعيش حياتي سعيداً كما يحلو لي، ومعنوياتي عالية جداً". والواقع ان تايسون يدرك تمام الإدراك ان مباراته المنتظرة في مانشستر هي فرصته الاخيرة لترميم سمعته كملاكم يثير الرعب في نفوس منافسيه بعد خسارته مرتين امام بطل العالم السابق ايفاندر هوليفيلد، وبعد خوضه مباريات ربحها أمام منافسين لا هم في العير ولا في النفير. والطريق الى استعادة "لقبه العالمي الضائع" تبدأ في مانشستر وعليه ان يثبت لجمهور الملاكمة وللنقاد انه ما زال يملك شهوة الزئير، وان ابتعاده عن الحلبة جراء المتاعب التي سببها لنفسه والتي أثارها في وجهه من يسعون الى وأد طاقاته الهائلة وخنق طموحاته المشروعة. ويبدو ان تومي بروكس الذي يتولى تدريب تايسون منذ 14 شهراً متفائل الى أقصى حدود التفاؤل، اذ يرى "ان تايسون يتمتع بلياقة بدنية عالية وهو الآن قادر على مواجهة لينوكس لويس والفوز عليه، وعلى أي حال ان لقاءه مع لويس لن يتأخر كثيراً، وأتوقع ان يتم قبل نهاية هذه السنة". ولكن لدون تيرنر مدرب ايفاندر هوليفيلد بطل العالم السابق رأياً آخر، فهو يعترف بأن تايسون أعلى الملاكمين سعراً في العالم، وهو أعظم الملاكمين وأسوأهم على حد سواء. ويكفي ان نلقي نظرة على ملاكمين عاديين أمثال توني تاكر وميتش غرين وبوني كراشر سميث استطاعوا ان يسببوا له متاعب حقيقية على الحلبة، لندرك ان اسطورة تايسون قد انتهت. ويقول كارلوس اورتيز وهو بطل العالم السابق في الملاكمة للوزن الخفيف: "تايسون ليس في وضع جيد. فهو قد دمّر نفسه ودمر الملاكمة. لقد أخاف منافسيه وهو في قمة مجدة، أما الآن فإنه مجرد ملاكم عادي". وأكد الحكم البريطاني روي فرنسيس - لا يمت بصلة قربى الى جوليوس فرنسيس منافس تايسون - الذي سيكون حكم الحلبة في مانشستر، انه سيكون قاسياً مع تايسون اذا حاول ان ينتهك قوانين اللعبة. ورغم انهماك تايسون في التدريب، فقد وجد متسعاً من الوقت لكي يستقبل أحد أشقائه المسلمين ويعانقه بحرارة... وعلى الأثر أديا الصلاة معاً. ولاحظ المراقبون ان تايسون لم يكن سعيداً يوماً بمقدار ما هو سعيد الآن... والمهم ان يبقى سعيداً بعد المباراة.