أشهر قصص الحب في منطقة القبائل المحيطة بممر خيبر الشهير - على الطريق المؤدية من مدينة بيشاورالباكستانية الى مدينتي جلال أباد وكابول الأفغانيتين - تعكسها أغنية باشتونية تتحدث عن وقوع شاب يدعى الفنستين آدم أحد أشجع شبان قبيلته في غرام فتاة، تدعى "درْ خاني"، وهي على قدر كبير من الجمال لكنها تنتمي الى قبيلة اخرى. وحال وقوع خلافات بين القبيلتين دون ان يكتب القدر لهما الفرحة لتتزوج الفتاة زعيم قبيلتها، الذي ما لبث ان علم بتردد الحبيب على المنطقة التي يسكن فيها، وانتهى الامر بقتال بين الرجلين أسفر عن إصابة العاشق بجروح. حاول زعيم القبيلة اختبار حب زوجته له والتي كانت تفضّل الجلوس في أحد أركان "حوش" منزلهما لتعتني بزهرتين احداهما تحمل اسم آدم، وعندما علم بحقيقة الامر، اختفى ليعود شاهراً سيفه، ليبلغها بأن الدم الظاهر على رأس السيف هو دم آدم، ثم أغمد سيفه في قلبها ليضع حداً لحياتها. ودفن العاشقان على مقربة من بعضهما البعض وزُرعت شجرتان تتعانق اغصانهما دليلاً على الرابط بينهما حتى بعد مماتهما. وتكثر مثل هذه القصص التي هي على عكس ما يوحي به واقع المنطقة التي يُمنع على كل أجنبي السفر فيها من دون مرافقة رجل أمن باكستاني، خوفاً من التعرض لأذى ابناء القبائل الذين ينزلون الى الطرقات للبحث عن ضحاياهم إذا ما اضطرتهم الظروف. وعلى رغم سعي بعض المؤرخين الى إعادة أصول هؤلاء الى افغانستان، وبشكل محدد الى ابناء ارميا او بركيا ابناء شاوول ملك اسرائيل، الا ان معظم افراد القبائل الذين أتيحت لنا فرصة الحديث معهم يفتخرون بجذورهم الاسلامية التي تقول روايات بعضهم انهم يتحدرون من قيس الذي يُعرف لديهم بعبد الرشيد الذي حظي بمباركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، عبر خالد بن الوليد، الذي يعتبره الباشتون واحداً منهم، ويتغنّون بأمجاده وبطولاته. ويقولون ان من ابناء قيس الاربعة سربانار وغورغاشت وبتيان وكارلنار تنحدر كل قبائل الباشتون الذين يعيشون في محيط ممر خيبر ويُعرفون بالخيبريين. وتعتبر قبائل مثل "الافريدي" "الشنواري"، الشالماني"، و"الملاغوري" من ابرز القبائل هناك، اضافة الى قبائل اخرى صغيرة تفرعت عنهم. ويسجل للافريديين انهم أقدم القبائل في ما يُعرف بوكالة خيبر، واشتهروا بحراستهم لممر خيبر ويعيشون في محيط الممر. اما الفرع الآخر منهم الذي يعيش في ممر كوهات فيُطلق عليهم اسم "الآدم فليليين". ولا تخلو الرحلة من المغامرة لكثرة ما حدّثني مرافقي عن غياب سلطة الدولة وانتشار السلاح بين ايدي المواطنين، وكذلك الاتجار بكل ما هو غير شرعي في ارجاء هذه المنطقة التي استضافت على مدى عقدين اكثر من ثلاثة ملايين لاجئ افغاني، واشتهرت قبل ذلك بحدودها الواسعة وغير المراقبة مع افغانستان نظراً لاتساع مساحتها. ويقول ضابط باكستاني برتبة نقيب يدعى بدر الدجى خان من الفرق التاريخية المعروفة باسم "خيبر رايفلز" بنادق خيبر ان بعض القبائل لا تحتاج الى تأشيرات دخول او وثائق لعبور الحدود من باكستان واليها بسبب انتشارها اصلاً على جانبي الحدود. ويقول جان افريدي ان قبيلته تنقسم الى ثمانية فروع، هي: "زكهاكيل" المعروفون بحبهم للقتال وينتشرون في محيط خمسة أميال من ممر خيبر، في منطقة تبدأ بغورغوريا وتنتهي بتلال بيل، وعُرفت عنهم مقاومتهم للاحتلال البريطاني، وتتفرع منهم فروع اخرى. وهناك "كوكي كاهيل" الذين يعيشون في وادي راجغال الى الشرق من ممر خيبر وحتى تلة روهتال. ويعتبر فرع "مالك دين كاهيل" سرادار الافريدييين ويعيشون في مناطق ميدن وشورا وكوجاري، والى ميدن يلجأ كل من يهرب لخلاف مع قبيلته. ويمتد نفوذ هذه القبيلة من بلدة علي مسجد الى غورغوريا اما ثاني قبيلة في خيبر فهي "الشنواري" التي تنتشر من خط دوراند في وادي ننغراهار الى خيبر. ففي باكستان يعيشون في لاندي كوتال اما الجانب الآخر من القبيلة فيقيمون في الجزء الشرقي من ممر خيبر، مما يتيح للقبيلة المذكورة التحكّم بحركة المرور، ويجعلهم عرضة للنزاعات مع قبائل تقع على شمال مناطقهم مثل قبيلة "موهمند". ويعتبر أمير حمزه شنواري ابرز شعرائهم. وقد حوّلوا اخيراً لاندي كوتال الى سوق مركزية كبيرة يبيعون فيها بضائعهم التي يحملونها معهم سواء من باكستان او افغانستان بسبب عدم التزامهم القوانين التي يخضع لها غيرهم من ابناء القبائل الاخرى على جانبي الحدود الباكستانية - الافغانية. ويقول البروفسور احمد حسن داني، المحاضر في جامعة قائد اعظم، ان ممر خيبر هو صلة الوصل بين سلسلة جبال الهملايا الجنوبيةالشرقية وسلسلة جبال هندوكوش وهو يعتبر حاجزاً طبيعاً تعززه الوديان والأنهار خاصة في ممر آدم خيل دارا القريبة من معبر تورخم الحدودي مع افغانستان. وعلى مقربة من تورخم تبدو نقطة شاهاهغير التي ينبع منها نهر خيبر الذي يتجه نحو جمرود، يلتقي نهر جمشيد الذي يحمل اسم البطل التقليدي جمشيد شاهنامه، عند أضيق معبر لهما في بلدة "مسجد علي"، حيث سبق قرون عدة ان توقف البوذيون ليشربوا المياه الصافية ويرووا حيواناتهم ويتركوا اثارهم، وقبل ان يغادر المسلمون الى بناء مسجد يكرّمون فيه الإمام علي بن ابي طالب الذي ينظر الباشتون باعتزاز الى بطولاته وصولاته وجولاته. ويجمع المؤرخون والخبراء على ان ممر خيبر يمتد من بلدة تورخم الى جمرود بمسافة تصل الى 35 ميلاً تقريباً، ويضم في جنباته بلدة لاندي كوتال وقرية شاري باجياري والى الشمال تقف جبال روهاتس وتارتاره التي تمتد كسلسلة جبلية باتجاه لاندي كوتال. وخلف "مسجد علي" يرتفع جبل "الاعشى غار" الذي يفصل ممر خيبر عن وادي البازار، قبل ان تتحول الطريق الى ممر متعرج، يؤدي الى لاندي خانا، عبر نولاه الى تورخم، حيث نقطة الحدود الباكستانية مع افغانستان. والى الشرق من ممر خيبر، توجد قرية قدم. ويعزو بعضهم هذه التسمية الى وضع بوذا قدمه فيها، ومع انه لا توجد أي آثار بوذية تدلّ على ذلك، الا ان الشاهد على ذلك النبع الذي يوجد هناك. ويضيق الممر على بعد اقل من 150 ياردة خلف الجبل ليصل الى عرض لا يزيد على 30 قدماً، قبل ان يعاود اتساعه تدريجياً حتى وصوله الى "مسجد علي" في حين يرتفع الجبلان على جانبي الطريق ما بين الف والف وثلاثمئة قدم. وعلى بعد عشرة أميال من جمرود يقف بناء شيّده البريطانيون على تلّة شاهاقي وتعتبر أعلى نقطة تطلّ على ممر خيبر. ومن هناك يبدو جبل خيبر ستوبا القريب من ولاية سفولا وتوجد على بعد اربعة اميال منطقة اثرية في لاندي كوتال، والى يسارها تمكن رؤية "كافيركوت" التي بناها الحكّام الأتراك على تلّة لحماية الممر التاريخي. ولا ينكر كل من زار المنطقة او قرأ تاريخها ان ممر خيبر يختصر تاريخ القارة الآسيوية الذي ضمّته دفّتي واديين عظيمين هما وادي ترانس او كسيانا واندو غانغتيك، اضافة الى الحضارتين المميزتين التي عاشت احداهما الى الشمال فيما يُعرف ببلاد ما وراء النهر، فيما كانت الحضارة الى الشمال تحاول صهر كل من هاجر اليها في بوتقة واحدة. ولعل فتح بوابات ممر خيبر وإفساح المجال للنظر الى واقع حال هذه المنطقة وتاريخها وما مرّ بها من غزاة وتجّار والنظر الى "الترانس اوكسانيون" الاوائل في الاستيطان في النوماند عندما قدموا من مناطق الشمال الباردة لبناء حضارة آسيا الوسطى يفسر اندفاع هؤلاء باتجاه منطقة خيبر والمناطق الدافئة. ويعترف "الخيبريون" بالفضل لمؤسس دولة المغول زهير الدين محمد بابر، في جنوب آسيا، لجعله ممر خيبر يتمتع بالشهرة التي يُعرف بها الآن، فبعد سيطرته على كابول وتقدمه نحو بيشاور، كان الانجح من بين الغزاة، سواء كانوا يونانيين او سلاجقة او تتاراً او فُرساً، في اكتشاف أقصر وأسهل الطرق للوصول عبر اختياره ممر خيبر معبراً ليصل به الى مبتغاه. ويؤكد البروفسور احمد حسن داني، انه كان من المستحيل على أي غازٍ ان يتقدم الى ممر خيبر اذا كان سكان بيشاور لا يكنّون له الود، الى درجة دفعت الكثير من الغزاة الى ضمان اقامة معسكر كبير لهم في بيشاور، وهو أمر أدركه وعرفه السيخ والبريطانيون بشكل جيد. ومع ان السيخ لجأوا الى بناء حامياتهم على قمم التلال والجبال، وأبقوا على مسافة تفصلهم من سكان المنطقة من قبائل الباشتون، الا ان البريطانيين بنوا حامية وسطهم بعد ان أقاموا معهم علاقات طيبة. وواقع الحال اليوم ان الحكومة المركزية في باكستان شاركتهم في المسؤولية وحوّلتهم الى حراس مسؤولين عن ممر خيبر الذي هو مفتاح عاصمتها الى آسيا الوسطى وقبل ذلك الى افغانستان. وفي "شاهاقي" - المبنى المميز المطل على الوادي - وقف الضابط الباكستاني بدر الدجى من وحدة "بنادق خيبر" وقوامها 3500 جندي من افراد القبائل المحلية يتبعون وزارة الداخلية ويشرف على قيادتها ضابط من الجيش الباكستاني يتغيّر كل مدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، مشيراً الى التلال المشرفة على المكان ليقول ان هذا الموقع، ويُعرف ب"شمشاد"، هو نقطة المراقبة السوفياتية بعد غزو موسكولافغانستان، ويوضح ان مدينة جلال اباد الافغانية تبعد عن شاهاقي نحو 94 كيلومتراً، اما كابول فتبعد عنه نحو 255 كيلومتراً. وتدل الزيارات التاريخية لشخصيات عالمية الى ممر خيبر ومقر قيادة "خيبر رايفلز" على الاهمية التي أولاها قادة، مثل شاه ايران او الملكة اليزابيث وجون وجاكلين كينيدي وملك وملكة اليابان والعاهل الأردني الراحل الملك حسين اضافة الى الأميرة ديانا ومارغريت ثاتشر وجون ميجور وكمال أتاتورك وغيرهم، لهذه المنطقة. وفي صالون مقر قيادة "خيبر رايفلز" من الصور ما يؤكد ان هذه الوحدة العسكرية التي تأسست العام 1878 اقدم وحدة عسكرية في هذه المنطقة من العالم، إن لم يكن في القارة الآسيوية. ويذكّر سكان المنطقة بفضل البريطانيين في اقامة شبكة مواصلات جيدة، إذ أقاموا خطاً للسكك الحديد افتتح العام 1921، طوله 40 كيلومتراً، ويمر عبر 92 جسراً، ويعبر نحو 34 نفقاً طول بعضها خمسة كيلومترات. واستغرق بناء الخط الحديدي 19 عاماً بكلفة تصل الى 210 ملايين روبيه. ويوضح النقيب بدر الدجى ان قادة حربيين كباراً مرّوا على خيبر، منهم الاسكندر الكبير وسلطان محمود غزناوي، وسلطان محمود غوري، وجنكيز خان وتيمورلنك وظاهر الدين بابار مؤسس مملكة المغول ونادر شاه واحمد شاه عبدلي. ويقرّ كل الذين عاشوا في المنطقة واختلطوا بأبناء قبائلها بحُسن ضيافتهم لزائرهم وان كانت ملامحهم تبدو قاسية. ويشير بدر الدجى الى ان ابناء القبائل هناك شجعان ويحترمون التقاليد ومنفتحين على ابناء الديانات الاخرى ويهوون اقتناء السلاح ويجيدون استعماله بمهارة. ويضيف: انهم اصدقاء جيدون لكنهم ألدّ الاعداء اذا أرادوا ذلك. ويستغل تجار المخدرات والمهربون الحدود الواسعة التي تخلو على الاغلب من نقاط التفتيش ودوريات المراقبة لتهريب كل انواع المحرمات ابتداءً بالسلاح وانتهاء بالمخدرات بأنواعها المختلفة. وتقول احصائيات و حدة "بنادق خيبر" ان كميات الهيروين التي هُرّبت في الفترة ما بين 1995 الى 1998 وتمت مصادرتها تزيد على 7065 كيلوغراماً، والحشيش حوالي 123811 كيلوغراماً اضافة الى 106668 كيلوغراماً من الأفيون