اندريك يعوض نيمار في منتخب البرازيل    "قوميز" يمنح لاعبي الفريق الفتحاوي إجازة 8 أيام خلال فترة التوقف الدولي    الكشافة يحققون أكثر من 26 ألف ساعة تطوعية في خدمة زوار المسجد النبوي خلال النصف الأول من شهر رمضان    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. فلسطين    أكثر من 21 الف مستفيد.. "نور" تقدم برامج دعوية خلال أسبوعين من رمضان    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العظام ويحفظ تاريخًا يمتد إلى 14 قرنًا    النصر يتغلّب على الخلود بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في الوقت القاتل .. ضمك يخطف فوزاً ثميناً من القادسية    ضبط (23865) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    البحرين تطلق القمر الصناعي "المنذر" في إنجاز وطني غير مسبوق    من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين    الوحدة يتغلّب على الخليج بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ( التطلي) والذكريات الرمضانية    المركزي الروسي يرفع سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    أمطار رعدية غزيرة وجريان للسيول في عدة مناطق بالمملكة    جمعية الأسر الاقتصادية تطلق هويتها الجديدة    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب شبه جزيرة ميناهاسا في إندونيسيا    واشنطن تطرد سفير جنوب إفريقيا    الدفاع المدني يكثف جولاته التفتيشية بالمدينة خلال رمضان    قصر ضيافة ومباني فندقية وسكنية في مزاد "جود مكة"    إنجاز سعودي في الأولمبياد الشتوي الخاص    ولي العهد يهنئ السيد مارك كارني    "ستاندرد آند بورز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "A+"    تفعيل مبادرة صم بصحة في فعالية إفطار حي خضيراء الجماعي    إفطار رمضاني يجمع صحافيي مكة على إطلالة البيت العتيق    فيديو.. غضب رونالدو بسبب استبداله أمام الخلود    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    20 جولة تبخير وتطييب للمسجد الحرام يوميًا خلال رمضان    السفير المناور يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه سفيرًا لدى المكسيك    الكشافة يقدمون خدماتهم لزوار المسجد النبوي    تحقيق أممي: الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين    المملكة ترحب باتفاق ترسيم الحدود بين جمهوريتي طاجيكستان وقرغيزستان    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    أمير منطقة المدينة المنورة يطلق حملة "جسر الأمل"    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    اكثر من 100 معاملة يتم إنجازها يومياً بالمنطقة عبر مبادرة الفرع الافتراضي    جمعية العناية بالمساجد " إعمار " تنفذ برنامج " سقيا المصلين "    أمانة القصيم تُعلن جاهزيتها لانطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية"    قطاع ومستشفى بلّحمر يُنفّذ حملة "صُم بصحة"    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل حملة "صُم بصحة"    "بسطة خير السعودية" تنطلق لدعم 80 بائعًا متجولًا بالشرقية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    محافظ الطائف يناقش تقرير لجنة الأسواق الشعبية    جامعة الملك عبدالعزيز تحتفل بيوم العلم السعودي بسباق "راية العز"    جامعة أمِّ القُرى تحتفي بيوم العَلَم    طيبة الطيبة.. مأرز الإيمان    العلا.. تضاريس ساحرة ونخل باسق    عَلَم التوحيد    مكة في عهد يزيد بن عبدالملك بن مروان.. استقرار إداري رغم التحديات السياسية    المشي في رمضان.. رياضة وصحة    نصائح لمرضى الكلى في رمضان.. يجب الالتزام بأساليب التغذية السليمة    الصين تتفوق عسكريا على أمريكا    خناقة بمسجد!    مباحثات جدة الإيجابية "اختراق كبير" في الأزمة الروسية الأوكرانية    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    تعهد بملاحقة مرتكبي انتهاكات بحق وافدين.. العراق يعيد مواطنيه من «الهول» ويرمم «علاقات الجوار»    مشروع الأمير محمد بن سلمان يحافظ على هوية مسجد الجامع في ضباء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتابان أميركيان مثيران يطرحان أسئلة عن مستقبل العراق . بغداد بعد بلغراد : حرب أم تعايش مع صدام حسين ؟
نشر في الحياة يوم 07 - 06 - 1999

صدر في العاصمة الاميركية كتابان جديدان عن العراق والرئيس صدام حسين. ويسعى المؤلفان الى ان يشرحا كيف أدت التصرفات الخرقاء للاستخبارات الاميركية، والأولويات الخاطئة للادارة، وجهل أعضاء الكونغرس، الى فشل ذريع في التعامل مع المسألة العراقية وكارثة بالنسبة الى الأمم المتحدة والشعب العراقي، وأدت في الوقت نفسه، الى تعزيز مكانة الرئيس العراقي وصعود نجمه السياسي.
الكتاب الأول: "العودة من العدم: بعث صدام حسين من جديد".
تأليف: أندرو وباتريك كوبيرن.
الناشر: هاربر كولينز 322 صفحة.
الكتاب الثاني: "اللعبة النهائية: حل المشكلة العراقية نهائياً".
تأليف: سكوت ريتر.
الناشر: سايمون وشوستر 240 صفحة.
اعتمد الاخوان كوبيرن اندرو من الصحافيين المرموقين في واشنطن، اما شقيقه باتريك فهو مراسل صحيفة الانديبندانت اللندنية في القدس المحتلة، وكذلك الاميركي سكوت ريتر على خبراتهم الطويلة خلال السنوات الاخيرة في الشؤون العراقية كي يتوصلوا على رغم اختلاف مجال تلك الخبرات الى استنتاجات متشابهة: "نظراً للانقسامات في الرأي بين الدول الاعضاء في منظمة حلف شمال الاطلسي وبين الدول العربية، ونظراً للشلل الذي يهيمن على الكونغرس الاميركي بسبب الخوف من تكبد خسائر فادحة في صفوف القوات الاميركية، ولاستحالة اجماع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي على اتخاذ قرار بغزو العراق من البر لاطاحة الرئيس صدام حسين، فان الحل الوحيد هو ان تتفاوض الامم المتحدة على هدنة مع الرئيس العراقي". ومعنى ذلك - حسب الكتابين - انه لن يكون في وسع العالم سوى مراقبة استئناف العراق امتلاك اسلحة الدمار الشامل من على البعد.
يركز الاخوان كوبيرن في كتابهما على المعاناة والاضرار التي لحقت بالشعب العراقي نتيجة استمرار العقوبات الدولية المفروضة على العراق منذ حرب "عاصفة الصحراء"، وهي جاءت بعد ثماني سنوات فحسب من الحرب بين ايران والعراق. ويشير كتابهما الى ان البنك الدولي ذكر في تقرير له ان العراق كان يتمتع قبل العام 1982 بپ"مستوى معيشة ونظام تعليم ورعاية صحية مماثلة لما تتمتع به دول اوروبية اخرى مثل اليونان، لكن الشعب العراقي يعيش الآن في فقر مدقع مشابه لحال الشعب الاثيوبي - باستثناء صفوة من السياسيين ورجال الحكم والمهربين وبعض رجال الاعمال".
ويقول الاخوان كوبيرن ان مجموع عدد الوفيات بين الاطفال الآن بسبب سوء التغذية وانعدام العناية الطبية "يزيد كثيراً على نصف مليون. وهو رقم يماثل ارقام ضحايا حرب الابادة في كل من كمبوديا ورواندا". لكن الفارق ان الكمبوديين والروانديين انفسهم هم الذين شنوا حرب الابادة في بلادهم بينما تشترك الامم المتحدة مجلس الامن الدولي والقوات الجوية الاميركية والبريطانية في شن حرب الابادة ضد العراق من دون ان تحقق الاهداف السياسية او العسكرية للعقوبات غرضها.
كذلك يتناول الكتابان باسهاب شديد طبيعة النظام العراقي لا سيما الرئيس صدام نفسه، وابنه عديّ، وابناء عمومة الرئيس في مدينة تكريت. ويلاحظان ان اضواء المدن العراقية بصورة عامة تخفي وراءها نزعة وحشية الى العنف والتعذيب. وفي معرض تحليل شخصية صدام حسين يشير المؤلفان الى مكره وخداعه ودهائه واخطائه، ويعيدان ذلك كله الى فترة شبابه البائسة وحياته العائلية المزرية وتربيته الصارمة. فقد كان صدام صبياً متمرداً حتى في العاشرة من عمره حين هدد مدير مدرسته بالقتل ما لم يعدل عن قرار فصله من المدرسة!
ومنذ بداية حياته السياسية لجأ الى المكائد والمؤامرات، لكنه اتخذ سعد بن أبي وقاص الذي فتح العراق وانتصر على الفرس في معركة القادسية العام 633 ميلادية مثلاً اعلى.
ويقتبس كتاب الاخوين كوبيرن عن طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي قوله ان الهدف الاساسي من مهاجمة الكويت كان مجرد استرداد حقل نفط الرميلة وجزيرتين صغيرتين، لكن الاجتماع الذي جرى بين الرئيس العراقي والسفيرة الاميركية ابريل غلاسبي كان نقطة تحول مهمة. اذ ان السفيرة ابلغت صدام حسين بأن الولايات المتحدة "لن تتدخل في نزاع بين دولتين عربيتين"، وهو ما اعتبره صدام ضوءاً اخضر لاحتلال الكويت بكاملها.
اما سكوت ريتر فيعترف صراحة بأنه استغل دوره حين كان مسؤولاً عن فرق التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق لاطلاع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي.آي.ايه والاستخبارات الاسرائيلية الموساد على ما توصل اليه من معلومات، وما قاد اليه هذا التصرف من صدام مع الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان وانتهى الامر باستقالة ريتر. ويقول المؤلف ان ريتشارد بتلر رئيس اللجنة الخاصة لنزع الاسلحة العراقية كان يتلهف دائماً على التعاون مع الاستخبارات الاسرائيلية الخارجية الموساد والاستخبارات الاسرائيلية الداخلية أمان، كما انه اي بتلر كان يذعن دائماً لطلبات صموئيل بيرغر رئيس مجلس الامن القومي الاميركي وهو يهودي.
لكن هناك من يتحدى صدقية ريتر لأنه من اليمين الاميركي المتطرف اولاً، ولأن غلاف كتابه يورد اقتباسين من آبي روزنتال من صحيفة نيويورك تايمز وجورجي ويل من مشاهير المعلقين السياسيين وهما من اخلص مؤيدي اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة. ومع ذلك فان ريتر يصر على انه يسرد القصة في الكتاب من وجهة نظره الخاصة.
ويدعي الكتابان ان العراق، الذي يواجه الخطر النووي الاسرائيلي، لا تزال لديه برامج للتسلح النووي والكيماوي والجرثومي، كما انه يسعى الى تطوير صواريخ يصل مداها الى الفي كيلومتر لمجابهة التفوق النووي الاسرائيلي. لكنهما في الوقت نفسه يشيران الى ان العراق تخلى عن فكرة تطوير قنبلة نيوترون وعن فكرة "المدفع العملاق" الذي اقترحه العالم الكندي الاصل جيرالد بول الذي اغتالته الاستخبارات الاسرائيلية.
ويرى الكتابان ان صدام حسين يُحكم قبضته على العراق الآن بعدما نجح في التخلص من معارضيه الداخليين وتهميش الفئات الكردية في شمال البلاد، وبعدما ثبت انه ليس هناك ما يمكن ان يخشاه من الجماعات المعارضة في الخارج. ولا يخفي الكتابان عدم تقديرهما للمعارض العراقي احمد الجلبي الذي تمكن من تأمين مساعدات مالية اميركية للمؤتمر الوطني العراقي الذي اسسته الاستخبارات الاميركية اصلاً.
ويعتقد الكتابان ايضاً بأن تدمير اسرائيل للمفاعل النووي العراقي في 1982، والهجوم العسكري المضاد الذي شنته ايران على العراق اثر استيلائه على بعض الجزر المتنازع عليها في وقت لاحق من العام نفسه، كانا تطورين مهمين لأنهما دفعا صدام حسين الى طلب حماية المظلة النووية السوفياتية. ومع انه ربط نفسه بواشنطن طوال سنوات الحرب العراقية - الايرانية، فانه لم يثق بأي من الدولتين العظميين.
ويخلص الكتابان الى القول ان الرئيس صدام حسين يستطيع التأثير الى حد كبير في تصويت كل من فرنسا وروسيا في مجلس الامن الدولي، وهو يأمل بأن تبذلا جهودهما لانقاذه من حقد وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت على العراق. والسبب الذي يعطيه الاخوان كوبيرن وريتر لذلك ان العراق مدين بمبالغ طائلة لكل من روسيا وفرنسا. ويرى الكتابان، في الوقت نفسه، ان معظم الدول العربية وتركيا وايران تتعاطف مع الرئيس صدام حسين في تعامله مع الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب ورفضه الحركات الانفصالية، كما انها تدرك ان قوته العسكرية لم تعد تهدد جيرانه. ولهذا يقترح ريتر على الولايات المتحدة ان تتفاوض مباشرة مع الرئيس العراقي وان توفد مبعوثين الى بغداد من اجل ذلك. ويطرح المؤلف اسماء عدة لانجاز هذه المهمة في مقدمتها زعيم الغالبية الديموقراطية سابقاً في مجلس الشيوخ السيناتور جورج ميتشل اللبناني الاصل الذي توسط بنجاح لحل مشكلة ايرلندا الشمالية.
الأطلسي والعراق
بعدما قرر حلف شمال الأطلسي توسيع نطاق صلاحياته ومسؤولياته من "الدفاع عن سيادة الدول الاعضاء" لتشمل "المحافظة على القيم الديموقراطية والاستقرار السياسي ومقاومة تهديد هذه القيم"، بدأ الكثيرون يتساءلون عما اذا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا ستقودان الحلف الى شن حرب جديدة على العراق؟
خلال معركة "عاصفة الصحراء" ضد العراق وصلت نسبة التأييد الشعبي للرئيس جورج بوش الى 90 في المئة، وهي نسبة لم يسبق أن حصل عليها أي رئيس قبله، مما يعني انه لو وقعت حرب الخليج بعد عام ونصف من تاريخ وقوعها فإن بوش كان سيحقق فوزاً كاسحاً في انتخابات الرئاسة الاميركية على خصمه بيل كلينتون. وهذا ما دفع بعض المعلقين الى القول ان انتصار حلف شمال الاطلسي في الحرب ضد يوغوسلافيا سيتيح الفرصة لمرشح الحزب الديموقراطي نائب الرئيس آل غور للفوز بسهولة في انتخابات الرئاسة المقرر اجراؤها في العام 2000، ويساعد الديموقراطيين على الفوز بغالبية المقاعد في مجلسي الكونغرس.
وإثر اعتراف وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت في الآونة الأخيرة بأن الحوار بين حلف الأطلسي ودول البحر الأبيض المتوسط "يمكن ان يفتح الباب أمام دول أخرى من خارج أوروبا للانضمام الى الحلف، أخذ المعلقون يشيرون الى احتمال انضمام دول عربية. اذاً هل سيكون في وسع حلف الاطلسي في مثل هذه الحال ان يجند قوة عربية بقيادة قوات اميركية لإطاحة الرئيس العراقي صدام حسين من خلال عملية شبيهة بالعملية الحالية ضد الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش؟
المعروف ان قرارات الامم المتحدة الخاصة بالتعامل مع العراق لا تنص اطلاقاً على "تغيير النظام العراقي"، لكن الجميع يعرفون، في الوقت نفسه، ان سياسة الرئيس كلينتون نحو العراق، وهي السياسة التي وضعتها اولبرايت، تقضي بإطاحة النظام. ولهذا سيتوقف كثير في هذا الجانب على مدى تأييد العالم العربي والاسلامي أو مدى معارضته لتجنيد مثل تلك القوة ضد العراق. وتفيد تقارير السفارات الاميركية في الشرق الأوسط انه على رغم دفاع الحلف عن المسلمين المضطهدين في كوسوفو، فإن حكومات دول المنطقة لا تؤيد الحرب التي يشنها الحلف وان كانت صحف المؤسسات الحاكمة أعربت عن تأييدها. وتقول تلك التقارير ان معظم حكومات دول الشرق الأوسط لا تعتقد بأن واشنطن تدافع عن المسلمين بقدر ما تنتهز فرصة الشقاق بينهم وبين المسيحيين في البلقان. وقد أعربت الحكومتان الايرانية والعراقية صراحة عن هذا الرأي الذي يشاطرهما فيه وزير العدل الاميركي السابق رامزي كلارك في مقابلة اجرتها معه "الوسط" عقب زيارته الأخيرة ليوغوسلافيا.
وتفيد تقارير السفارة الاميركية في القاهرة ان الحكومة المصرية "ستتردد في التدخل في السياسة العراقية الداخلية، كما أنها ستعترض على تدخل أي جهة أخرى، لا سيما إذا كانت تلك الجهة من خارج المنطقة".
وتضيف تقارير السفارات الاميركية: "ان معظم أصدقاء اميركا في المنطقة" يعتقدون بأن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الى المعارضة العراقية في الخارج لا يفيد في شيء سوى مساعدة النظام في بغداد، كما أنهم يصرون على ان تغيير النظام مسألة تعود الى العراقيين داخل العراق. وهناك شعور عام بأن هيمنة اللوبي الاسرائيلي على السياسة الاميركية في المنطقة تجعل من "الحرص الاميركي الرسمي" على الصالح العام للمسلمين في كوسوفو والعراق وأماكن أخرى مجرد حرص ظاهري يفتقر الى أي صدقية. ومع ذلك فإن من الواضح ان نجاح الادارة الديموقراطية في اضافة هزيمة صدام حسين الى هزيمة الرئيس اليوغوسلافي ستساعد الحزب الديموقراطي على تحقيق فوز كاسح في انتخابات عام 2000.
لكن الاتحاد الأوروبي اتفق منذ العام 1980 على وجوب ضمان الاجماع بين دول الاتحاد في قضايا السياسة الخارجية. فهل ينطبق هذا المبدأ على دول الحلف الاطلسي التسع عشرة التي أخذت بوادر الانقسام بينها تظهر أخيراً؟
من الصعب على دول الحلف ان تتوصل الى اجماع على جميع القضايا مثلما أثبتت الحرب التي يشنها الحلف على يوغوسلافيا. وفي هذا ما يثير سؤالاً مهماً: ماذا سيكون موقف دول الحلف المختلفة اذا ما تقرر مثلاً ارسال قوات برية تابعة للحلف لتشق طريقها الى بغداد؟
تؤكد تقارير وزارة الدفاع الاميركية، ان دولاً مثل العراق ويوغوسلافيا، تستطيع مثلما فعلت فيتنام في السابق، الانتصار في حروبها لسبب بسيط، وهو استعداد هذه الدول للتضحية في وقت يهيمن فيه الخوف على دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من غزو العراق أو يوغوسلافيا بقوات برية، لما ينطوي عليه ذلك من خسائر بشرية جسيمة.
وتقول التقارير ان الرئيس صدام حسين صمد واستطاع البقاء في الحكم لأن الرئيس السابق بوش كان يخشى عواقب الزحف البري على بغداد.
ومن العوامل الأخرى التي تدفع الولايات المتحدة الى التردد في الإقدام على خوض حرب برية في مناطق مثل كوسوفو والعراق، خوف واشنطن ودول المنطقة من العواقب الوخيمة التي يمكن ان تترتب على تجزئة دولة كالعراق. لكن غراهام فولار المدير السابق لمكتب سياسة الشرق الأوسط في مجلس الاستخبارات القومي الاميركي يعتقد بأن نهاية الحرب الباردة وتعاظم مدّ العولمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي سيجعلان "تكرار مأساة كوسوفو في مناطق اخرى من العالم أمراً محتوماً".
العولمة وحقوق الانسان
وقال فولار ل"الوسط" ان كوسوفو تمثل النمط الذي سيشهده العالم في المستقبل، لأن الأقليات سترفض في القرن المقبل مواصلة العيش في ظل حدود اعتباطية وظروف لا طاقة لها على احتمالها. وضرب فولار مثالاً بالوضع في التيبت حيث يجد ابن التيبت نفسه مجبراً على العيش في اطار حدود الصين التي تمارس الاضطهاد الثقافي ضده لمجرد ان الامبراطورية البريطانية وقعت على معاهدة مع اسرة تشينغ لإقامة منطقة عازلة ضد الامبراطورية القيصرية. اذ لم تعد هذه المعاهدة تشكل حجة أخلاقية. هذا هو الواقع هذه الأيام لأنه لم يعد في وسع الأقليات ان تقبل حكومات مستبدة أو طاغية في عالم لا يكف عن الحديث عن وجوب التحول الديموقراطي والعولمة وحقوق الانسان وما الى ذلك".
ويرى فولار ان تقديم المساعدة الى الأقليات كالأكراد مثلاً سيساعد على الاستقرار في نهاية المطاف. واضاف فولار الذي يشرف على قسم الشرق الأوسط في مؤسسة راند: "من المرجح ان نشهد في القرن المقبل تفكك الدول الاستبدادية وتحولها وحدات عرقية اصغر".
لكن جورج تينيت المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي.آي.ايه أبلغ أخيراً لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الاميركي في إفادة علنية نادرة "ان المشكلة الراهنة التي تواجهها الإدارة الاميركية في تعاملها مع العراق تتمثل في عدم وجود سياسة واضحة إزاءه". ولذلك يطالب بعض المسؤولين الاميركيين بإطاحة الرئيس صدام حسين لأن تكاليف الإبقاء على مناطق حظر الطيران فوق العراق أصبحت "باهظة جداً من دون ان يبدو ان هذه السياسة ستعطي أي نتيجة". وقد يساعد ذلك على تفسير التقرير الأخير الذي أعدته وزارة الخارجية الاميركية عن العراق. إذ يقول التقرير: "ان الرئيس كلينتون مرتاح الى جميع الترتيبات والضرورات الراهنة لأنها ستمكنه من التصرف بسرعة وحزم في أي لحظة يلجأ فيها صدام حسين الى الاستفزاز".
وتعتقد وزارة الدفاع الاميركية ان أي حرب برية ضد العراق ستؤدي الى مقتل حوالى عشرة الاف جندي غربي. لكن السؤال المهم هو: ما الذي سيحدث إذا أطيح الرئيس العراقي؟ هل سيكون في وسع اميركا التي رفضت مع اسرائيل وكوريا الشمالية التوقيع على معاهدة انشاء المحكمة الدولية لجرائم الحرب ان تقدم الرئيس العراقي الى المحاكمة في لاهاي؟ أم هل ستقرر الامم المتحدة محاكمته مثلما تفعل مع ميلوشيفيتش؟ وماذا سيكون موقف كل من روسيا والصين في مجلس الأمن؟
وإذا شن الحلف الاطلسي هجوماً برياً على العراق، ووجد نفسه مجبراً على الاحتفاظ ب"قوات لإحلال السلام" هناك، فمن الذي سيقود تلك القوات؟ هل سيكون جنرالاً اميركياً أم من جنرالات دول الشرق الأوسط؟ وهل سيتم تشكيل ادارة موقتة في بغداد باسم الامم المتحدة ريثما تُجرى انتخابات عامة؟ وإذا قرر الحلف الاطلسي اطاحة صدام بدعوى أنه يشكل خطراً على المنطقة التي تزود العالم بمعظم حاجاته من النفط، كيف ستتصرف ايران في مواجهة ذلك كله؟
اندرو كوبيرن : قد لا يكون هناك مفر من بقاء صدام !
على ضوء ما يحدث الآن في يوغوسلافيا، هل تعتقد بأن في وسع دول حلف شمال الأطلسي مجتمعة، أو أميركا وبريطانيا وحدهما، اطاحة الرئيس العراقي؟
- لا اعتقد بأن حلف الأطلسي أو أميركا وبريطانيا تريد أن تخوض أكثر من حرب واحدة في وقت واحد. وعلينا أن نسأل أنفسنا: هل نجحت أميركا وبريطانيا في هزيمة الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش؟ باعتقادي ان الدولتين تعلمتا من خبرتهما في العراق انه لا يمكن الحاق الهزيمة العسكرية بيوغوسلافيا أو العراق بالحرب الجوية وحدها. فقد اعتقدت الدولتان بأنهما ستهزمان صدام حسين بالقوة الجوية. ولكن، مع أن الحرب الجوية الحقت أضراراً شديدة بالاقتصاد والبنية التحتية الأساسية العراقية، فهي لم تهزم صدام حسين. كذلك حاولت الدولتان اغتياله، مثلما حاولتا استفزاز حركات في العراق لتتمرد عليه، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل.
لهذا اعتقد الآن بأن خبرة حلف الأطلسي في التعامل مع ميلوشيفيتش ستكبح جماح رغبات أميركا وبريطانيا في التخلص من صدام حسين لفترة طويلة مقبلة. ولكن لا بد لي من الاشارة الى أن أميركا ستدخل خلال أشهر قليلة معركة انتخابية جديدة. ونحن نعرف أن نائب الرئيس آل غور من أكثر المتشددين حيال العراق، بل نعرف أيضاً ان غور مارس كل أنواع الضغوط على وكالة الاستخبارات الأميركية طوال ولاية كلينتون الأولى 1992 - 1996 كي تشن على العراق حملة على النمط الذي شنته في افغانستان. ولهذا فمن المحتمل أن يلجأ غور الى الإقدام على مغامرة سريعة في العراق. لكن السؤال المهم هو: حتى في حال نجاح تلك المغامرة، من الذي سيتولى مقاليد الأمور في بغداد؟ هل هو أحمد الجلبي؟!
إذا لم تكن هناك وسيلة سوى التوصل الى تسوية عن طريق المفاوضات مع صدام، ما هي في رأيك المقترحات الأولية لتحقيق ذلك؟
- حكم ذاتي للأكراد، واعتراف رسمي بالكويت، والتخلص من أسلحة الدمار الشامل، وبالطبع رفع جميع العقوبات المفروضة على العراق. ومن البدهي ان يكون هناك إصرار على احترام حقوق الانسان في العراق. لكن كيف يمكن لنا أن نعرف تلك الحقوق في ظل الثقافة العراقية؟
وما هو النظام الذي سيخلف صدام؟ رئيس من الجيش؟
- الجميع يفترضون ذلك. لكنني لا أرى أي سبب يدفعنا الى السير على هذه الطريق. فالعراق يخضع لحكم حزب البعث منذ عهد طويل، لكن الجميع يتوقعون ظهور نظام ديكتاتوري جديد يهيمن عليه السنّة. لماذا؟ هناك في لندن على سبيل المثال منفيّون عراقيون من الشيعة الذين يستطيعون المساعدة في بناء عراق واحد لجميع العراقيين.
من الذين سيواصلون العمل من أفراد النظام الحالي؟
- لا شك في أن بعض التكنوقراط سيظلون، لا سيما ان هناك عدداً كبيراً منهم من المقتدرين وذوي الخبرة. وعلينا أن نتذكر ان صدام حسين أبدى براعة هائلة في توظيف الفنيين وأصحاب القدرات. ومن الطبيعي ان على اولئك العمل في ظل النظام الجديد.
أخيراً، ما هو رأيك في اقتراح سكوت ريتر التوصل الى اتفاق مع الرئيس صدام حسين نفسه؟
- اعتقد بأن ريتر قَبِلَ في نهاية المطاف الحقيقة المرّة التي قبلتها أنا من قبل، وهي انه ربما لا مفرّ من بقاء صدام. ولكن يبدو أننا أشبه بمن يرقص في عتمة الظلام، لأنه ليس هناك ما يدل على أن صدام حسين على استعداد لتقديم أي تنازلات.
سكوت ريتر : لو كنت صدام حسين ...
ألا ترى ان من السذاجة وعدم الانصاف ان نطلب من دول الشرق الاوسط، بما فيها العراق التخلي عن مساعيها لتأمين دفاع ضد الخطر النووي الاسرائيلي إلا اذا أصرّت الدول الكبرى على نزع السلاح النووي الاسرائيلي في مقابل تأمين مظلة حماية نووية للدولة العبرية؟
- لا. لست ارى اي سذاجة او عدم انصاف، فالسذاجة هي ان أتوقع من اسرائيل نزع اسلحتها النووية في ظل الظروف الاقليمية الراهنة. ومع انني افهم مساعي جيران اسرائيل لامتلاك قدرات مماثلة فان مساعي العراق لامتلاك هذه الاسلحة لا تعود الى استخدام اسرائيل لمثل تلك الاسلحة ضد جيرانها. المسألة المهمة في هذا السياق ان مجلس الامن الدولي هو الذي قرر تخلي العراق عن مساعي امتلاك اسلحة الدمار الشامل.
لكنني لا افهم كيف يمكن ان تستثني اسرائيل من المعايير الدولية التي قبلتها الدول الاخرى؟
- ارجو ان لا تُسيء فهمي لأنني من مؤيدي البيئة العالمية الجديدة التي اعقبت نهاية الحرب الباردة. وفي ظني ان هناك فرصة مضطردة لاحلال السلام في الشرق الاوسط مما سيجعل امتلاك اسرائيل اسلحة الدمار الشامل عندئذ امراً غير ضروري، لأن تلك الاسلحة ستصبح في ذلك الحال عائقاً خطيراً بوجه السلام.
لو كنت مكان صدام حسين، ما هي الحدود الدنيا التي ستصرّ على الوصول اليها في اي اتفاق مع مجلس الامن؟
- اولاً: رفع العقوبات والغاؤها بصورة شاملة وكاملة، وممارسة السيادة الكاملة على الاقتصاد العراقي، وشطب جزء من الديون العراقية. واعتقد بأن من الطبيعي والواقعي ايضاً ان يصرّ صدام حسين على ان تكون عملية نزع الاسلحة العراقية، جزءاً من برنامج عام لنزع الاسلحة في المنطقة بما في ذلك اسلحة اسرائيل، لكنني لا اعتقد بأن الولايات المتحدة ستقبل المطلب العراقي.
لو أُتيحت لك الفرصة مرة اخرى للعودة الى التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق، هل كان تعاملك مع الاستخبارات الاسرائيلية والبريطانية سيختلف؟
- لا، لأنني لم ارتكب اي خطأ اصلاً. وكل ما فعلته كان يتفق مع تفويض مجلس الامن وتعليمات رؤسائي وفي مقدمهم رولف ايكيوس وريتشارد بتلر. اما علاقاتي مع اجهزة الاستخبارات تلك فقد كانت تعتمد على البيئة والظروف العامة وعلى طبيعة اللجنة الخاصة يونيسكوم لأنني كنت الشخص المكلّف بتلك المعلومات. واعتقد بأنني أظهرت في تعاملي أمانة وصدقاً واخلاصاً طبقاً لتفويض مجلس الامن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.