موضوع "موت الشعر" سؤال قديم وجُربت اجابات كثيرة عليه، وتبين في النهاية أنه رد فعل لبعض الوقائع أكثر مما هو سؤال جديد... لماذا؟ لأن الشعر من حيث هو جوهر لا يمكن أن يموت، فهو حاجة أساسية من حاجات الانسان مثل الحب. لا نستطيع أن نتحدث عن موت الفن، يمكن أن نتحدث عن موت نوع من الفن، حتى الحديث عن الموت فكرة غير دقيقة : الأنواع تتطور، أما الموت فيمكن قبوله بمعنى مجازي وليس بمعنى حقيقي. لم يعد الشعر النوع الفنيّ الاول، كما كان حتى نهاية القرن الماضي بالنسبة إلى الغرب، فقد زاحمته فنون اخرى مثل الرواية. والآن، الرواية تراجعت، إذ زاحمتها والشعر فنون اخرى مثل الفيلم أو الاغنية والاستعراض. فإذا قارنت بين جمهور مايكل جاكسون وجمهور بيتهوفن ستجد أن الفئة الأولى هي الأكثريّة الساحقة. الثقافة الحديثة أصبحت جماهيرية ومركبة، بعد اتساع دائرة المهتمّين بها، بسبب الديموقراطية ومجانية التعليم. والشعر بات تيارات واتجاهات وابتعد عن الموضوعات اليومية التي اصبحت تعتمدها الصحافة، وتهتم بها الاحزاب. الشعر أصبح أرستقراطياً، وجمهوره جمهور "مثقفين". الشعر العربي قبل شوقي والبارودي كان فناً منحطاً ولغته ركيكة لأن العرب ابتعدوا خمسة قرون عن لغتهم الصحيحة. لكن النهضة العربية وخصوصاً في مصر ولبنان وسورية في القرن التاسع عشر ايقظت الشعر من جديد. ولا شك في أن الشعر العربي الذي كتب في القرن العشرين أفضل بكثير من كل الذي كتبه الشعراء العرب بعد المعري وصولاً إلى البارودي، والشعر تراجع بشكل عام بسبب تراجع الافكار والقيم والهموم والظروف التي ارتبط بها الشعر بشكل عام، بسبب تراجع الروح الجماعية، وتراجع فكرة الانتماء. اللغة نفسها تراجعت، تلك التي يكتب بها الشعر والأغنية والقصة والرواية والصحافة. موت الشعر خرافة اشاعها بعض النقاد، فحين يطلّ شاعر جيّد يجد جمهوره كما هي الحال بالنسبة إلى محمود درويش او سعدي يوسف أو محمد علي شمس الدين أو أي شاعر جيد. هناك خرافات واوهام كثيرة تحيط بتصورنا لحال الشعر في الماضي، وحال الشعر في العصر الحاضر.