يشتكى وزير الزراعة الاميركي من وجود "أميركي جائع بين كل عشرة أميركيين". وفي الوقت نفسه تقول صحيفة "نيويورك تايمز" ان معدل الفقر في الولاياتالمتحدة قد يرتفع من 7.12 في المئة الى 17 في المئة بسبب التعديل الذي قد يجريه المكتب الاميركي للاحصاء لتعريف عتبة الفقر في اغنى دولة في العالم، وعلى هذا الاساس ينتظر ان ترتفع هذه "العتبة" من 6.16 ألف دولار سنوياً لعائلة من 4 افراد، الى 5.19 ألف دولار، الامر الذي يجعل عدد الفقراء في الولاياتالمتحدة 46 مليوناً. والفقر مشكلة متعددة الابعاد، وهي تختلف بين دولة واخرى حسب النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة في توزيع الدخل وتنمية الموارد البشرية، وكلها تحديات رئيسية، تواجه البلدان الصناعية وفي مقدمها الولاياتالمتحدة، وكذلك البلدان النامية بمختلف اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ومن بينها البلدان العربية. ويتم قياس معدل الفقر وفق مستوى الدخل والانفاق الذي يؤمن الحد الادنى من مستويات المعيشة. وقد اعتمدت دول كثيرة "خطوط فقر" وطنية وفق الدخل المنزلي وبدأت بمراقبة اعداد الفقراء الذين يتجاوزون هذه الخطوط. وقدر البنك الدولي "الفقر المطلق" العام 1990 عن طريق استخدام معيار لدخل الفرد الواحد يعادل 370 دولاراً سنوياً. وباستخدام هذا المعيار، تبين ان هناك 1.1 مليار شخص في العالم يعيشون في فقر مدقع تقديرات 1990. اما اليوم فقد تعدى الفقراء 5.1 مليار شخص بمن فيهم فقراء الدول المتطورة. ويتوقع ان يرتفع العدد الى 9.1 مليار شخص العام 2015. أما "الفقر النسبي" فيعتبر ان الفقر ليس فقط مسألة بقاء بل يشكل ايضاً المستوى الادنى لمعيشة الشخص بالمقارنة مع المجتمع الذي يعيش فيه ذلك الشخص. وفي بعض الدول الاوروبية ثبت خط الفقر عند نصف معدل الدخل الوطني. ويذهب "توجه التنمية البشرية" خطوة اضافية للاعتراف بأن اجتثاث الفقر هو اكثر من مسألة زيادة الدخل لشراء منتجات السوق. فيستخدم هذا التوجه معايير اضافية، بما فيها وفيات الاطفال وتوقع العمر والتغذية والصحة والوصول الى المياه النظيفة والنظافة ومعرفة القراءة والكتابة، ومظاهر اخرى من الوجود الانساني التي تؤثر على نوعية الحياة بأكملها. وتنتشر جيوب الفقر في كل مكان حتى داخل الدول الغنية. الا ان الدول النامية هي الاكثر تأثراً، اذ يعيش ثلث سكان هذه الدول تحت خط الفقر. ويعيش معظم الفقراء في 48 دولة من الدول الاقل نمواً في العالم. وتشير ارقام الاممالمتحدة الى ان لائحة هذه الدول ارتفع عددها من 25 العام 1971 الى 48 دولة حالياً. وتضم منطقة جنوب آسيا التجمع الاكبر لأكثر فقراء العالم - او نصف فقراء العالم، وذلك في الهند وباكستان وبنغلادش ومالديف وسري لانكا وبوتان ونيبال، وهي بلدان تضم 21 في المئة من سكان العالم. ويعاني نصف سكان القارة الافريقية من الفقر المدقع. وتضم 16 في المئة من فقراء العالم، معظمهم 60 في المئة في المناطق الريفية جنوب الصحراء الافريقية. وبالمقارنة مع باقي دول العالم، لا يزال مستوى الفقر المنعكس في مستويات الاستهلاك والانفاق محدوداً في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، وهناك حوالي 5 في المئة من اجمالي السكان يعيش على اقل من دولار أميركي في اليوم حسب احصاءات العام 1985، وهو اقل مستوى من المسجل في المناطق النامية الاخرى في العالم. كذلك تمكن مقارنة منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بالنسبة الى العالم عن طريق قياس عدالة الداخل. قبل الفورة النفطية وبعدها ولا شك في ان غياب المعلومات الضرورية وصعوبة المقارنة بين الدول تجعل من الصعب تقييم مستوى الفقر في العالم العربي، لذا من غير المستغرب ان تختلف التقديرات بشكل واسع. وعموماً، تتجه مصادر البنك الدولي نحو تقديرات منخفضة عن مستويات الفقر في العالم العربي عن غيرها من المصادر، خصوصاً تلك الجارية داخل المنطقة نفسها. ويلاحظ انه خلال الفورة النفطية 1972 - 1980 تراجع مستوى الفقر في الدول العربية. ثم عادت وارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في مطلع الثمانينات حتى منتصف التسعينات. وفي منتصف التسعينات قدر اختلاف مستويات الدخل في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا ب03.38 في المئة، وهي نفس النسبة المسجلة في شرق آسيا والباسيفيكي 09.38 في المئة، وبارتفاع عن الدول الصناعية 94.28 في المئة وجنوب آسيا 88.31 في المئة، وبانخفاض عن دول جنوب الصحراء الافريقية 95.46 في المئة، وأميركا اللاتينية والكاريبي 3.49 في المئة. هل يتجه الفقر نحو الانخفاض او الارتفاع في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا؟ الاحصاءات المتوافرة تظهر تراجعاً لمستوى الفقر في تونس وفي المغرب بدرجة اقل، وارتفاعاً في السودان والاردن. وعند الاخذ في الاعتبار اثر حرب الخليج الثانية على العراق، والعقوبات المفروضة عليه، والازمة الداخلية الحالية في الجزائر، والمشاكل في المناطق المحتلة في فلسطين، يمكن التأكيد أن الفقر سجل ارتفاعاً خلال النصف الاول من التسعينات في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. ومن هنا تؤكد دراسة وضعتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أسكوا علاقة نظام الحكم بتطور الفقر في العالم العربي، وتشير معلومات مصدرها لبنانوالاردن واليمن ومصر ان المركزية الصارمة وغياب التنسيق وانتشار الفساد وضعف القدرة المؤسسية والبشرية في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، تشكل عائقاً امام تطبيق سياسات تخفيف حدة الفقر. وفي تقويم سريع لبرامج التنمية في مصر واليمن، ونشاطات صندوق المساعدة الوطنية في الاردن، تظهر نقاط القصور الآتية: - القدرة المحدودة للمؤسسات الحكومية للوصول الى الفقراء عند المستوى المحلي. - القدرة المحدودة للمنظمات غير الحكومية لتطبيق برامج ناجحة. - غياب الدراسات المنظمة. - النسبة العالية من البرامج الفاشلة، وانخفاض نسبة القروض. - تعدد الدول والوكالات المانحة، في مقابل قلة في المساهمات. - توافر الاموال لا يبدو انه يشكل عائقاً. - الحاجة الملحة للمهارات القادرة على صياغة، تطبيق ومراجعة نسبة تطبيق برامج اجتثاث الفقر. هل تستطيع الدول العربية مكافحة الفقر المدقع والتخفيف من الفقر المطلق "في اقل وقت ممكن"، او في مطلع القرن المقبل، كما جاء في برنامج العمل لمؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية؟ دراسة "الاسكوا" تجيب بأن ذلك لن يكون سهلاً في ظل غياب الجهود الحقيقية لقياس معدلات الفقر، ومستوياته واتجاهاته، وغياب القدرة على تعريف خصائصه، وتحليل محدداته بشكل شامل، وتقويم اثر برامج اجتثاثه وتخفيف حدته. والاكثر اهمية، من ناحية اخرى، هو غياب التعهد السياسي لمكافحته في معظم الدول العربية. اذ هناك فقط ثلاث دول عربية لديها خطط واضحة لمكافحة الفقر، اثنتان منها ما زالتا غير قادرتين على ايجاد التمويل اللازم للتطبيق. وحدها تونس تشكل مثالاً ناجحاً، حيث استطاعت صياغة برنامج واضح لمكافحة الفقر، مدعوماً بالارادة السياسية. واذا كان الفقر مرتبطاً بالجوع، فإن الجوع بدوره مرتبط بواقع الامن الغذائي، ويشير تقرير صدر عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية الى ان انتاج مجموعة من المحاصيل الغذائية الرئيسية، اتجه للزيادة في العام 1998 بنسبة 29.11 في المئة الى 45.43 مليون طن، مقارنة بعام 1997، كذلك ازداد انتاج البقوليات بنسبة 64.18 في المئة الى 4.1 مليون طن، وانتاج السكر بدوره زاد بنسبة 5.7 في المئة الى 58.2 مليون طن، وانتاج اللحوم الحمراء بنسبة 37.6 في المئة الى 34.3 مليون طن، واللحوم البيضاء الى 89.1 مليون طن، وانتاج الاسماك الى 59.2 مليون طن، وانتاج الالبان الى 33.19 مليون طن. وتساهم مؤشرات التجارة الخارجية في تكوين اهم المعايير الدالة على واقع الامن الغذائي، اذ ترتبط تغيرات قطاع الانتاج بتطورات مصاحبة لها في قطاعي التصدير والاستيراد. وفي ما يتعلق بأوضاع التجارة الخارجية الغذائية الاجمالية لعام 1997 وتقديرات العام 1998، اوجز التقرير المؤشرات والنتائج المهمة الآتية: 1 - تواصل قيمة الصادرات الغذائية ارتفاعها الى حوالي 082.5 مليار دولار العام 1998، ويصاحب ذلك استمرار الاتجاه الانكماشي في الواردات الغذائية لتصل قيمتها الى حوالي 236.18 مليار دولار في ذلك العام بنسبة زيادة تبلغ 3.2 في المئة للصادرات، ونحو 1.4 في المئة للواردات، متأثرة باتجاهات ومعدلات النمو الايجابي في الانتاجية والانتاج، وكذا توجهات سياسات تنمية الصادرات وترشيد الاستهلاك، ومن ثم التقليص والاحلال للواردات. 2 - أسفرت المحصلة الايجابية لتزايد قيمة الصادرات وتراجع قيمة الواردات، عن تراجع قيمة العجز في الميزان التجاري الغذائي من حوالي 051.14 مليار دولار في العام 1997 الى 154.13 مليار دولار العام 1998. 3 - تحسنت نسبة تغطية الصادرات للواردات، حيث يقدر لها ان تزيد الى 87.27 في المئة في العام 1998 مقارنة بنحو 13.26 في المئة في العام السابق. 4 - ما زالت مجموعة الحبوب تأتي في مقدم الواردات الغذائية العربية، حيث بلغت قيمة وارداتها ما يوازي 61.37 في المئة من اجمالي قيمة الواردات الغذائية، تليها الالبان ومنتجاتها بنسبة 40.11 في المئة والسكر بنسبة 16.9 في المئة، والزيوت النباتية بنسبة 0.9 في المئة، اضافة الى الفاكهة واللحوم الحمراء والخضر واللحوم البيضاء بنسبة 1.5 في المئة، 99.4 في المئة، 11.4 في المئة، 40.3 في المئة، على الترتيب. 5 - احتفظت الاسماك بمرتبتها الاولى بالنسبة الى الصادرات الغذائية العربية، اذ بلغت قيمتها 16.1 مليار دولار تمثل حوالي 2.16 في المئة من اجمالي قيمة تلك الصادرات في العام 1998. 6 - تزايدت الاهمية النسبية للحبوب والخضر في الصادرات الغذائية العربية حيث بلغت حوالي 10 في المئة، 74.8 في المئة على التوالي، بينما تراجعت الاهمية لكل من الفاكهة والزيوت حيث قدرت بنحو 95.12 في المئة، 02.12 في المئة لكل منهما على التوالي. وعلى رغم هذه النتائج الايجابية يعاني العالم العربي من مجموعة من المشاكل والمعوقات التي تواجه مسيرة الامن الغذائي، وأهمها التغيرات غير المؤاتية في الظروف الطبيعية والمناخية ومحدودية المياه الجوفية والتدهورات في خصائص التربة، وكذلك ضعف الامكانات المادية والتمويلية، وضعف الاستثمارات في مجالات البنية الاساسية وفي تطوير مهارات العنصر البشري المدرب والقادر على تحمل متطلبات التنمية الزراعية.