مع الفشل التدريجي لرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو في تطبيق سياسته المالية والاقتصادية والاجتماعية، وبعدما اجمعت معظم دول العالم على تحميله مسؤولية جمود مسيرة السلام في الشرق الاوسط، بدأ يبرز وزير المالية السابق دان ميريدور الذي صوّت اخيراً في الكنيست لصالح اجراء انتخابات مبكرة، على رغم انه عضو في حزب الليكود. ويتوقع المراقبون ان يستغل ميريدور مسلسل الفشل المستمر لنتانياهو للوصول الى زعامة الحزب، وتطبيق سياسته المالية التي كانت سبباً لخروجه من الحكم في حزيران يونيو 1997، نتيجة تعارضها مع خطة الحكومة لتحرير اسواق صرف العملات الاجنبية المفروضة منذ قيام الدولة العبرية عام 1948. واذا كانت خطة نتانياهو المدعومة من حاكم بنك اسرائيل ياكوف فرنكل تهدف الى معارضة الدعم المصطنع للشاقل عن طريق رفع معدلات الفائدة، و"تعويم" العملة الاسرائيلية تدريجياً في الاسواق، فإن ميريدور كان يخشى ان يؤدي توسيع هامش التقلبات الى اعادة النظر في قيمة الشاقل الامر الذي يؤثر على الصادرات، مع العلم ان رجال الاعمال ايدوا خفض معدلات الفائدة تمهيداً لخفض قيمة الشاقل، لأن ذلك يساهم في دعم القدرات التصديرية للاقتصاد الاسرائيلي. وقد أكدت صحيفة "هآرتس" طموح ميريدور في الوصول الى السلطة، عندما اشار احد كتّابها عكيفا الدار الى ان ميريدور مصمم على ترشيح نفسه لمنصب رئيس الحكومة في الانتخابات المقبلة، وهو يحاول اجراء تحالفات تساعده على تحقيق هذا الهدف. ويبدو أن نتانياهو فشل في طمأنة المستثمرين الاجانب، بالتأكيد على انه ملتزم تدريجياً بالتحرير الاقتصادي والمضي في عمليات التخصيص، ولوحظ ان هؤلاء ينظرون بقلق بالغ الى تطور سياسة الحكومة الاسرائيلية، وهم يؤكدون في هذا المجال انه لا يمكن للاقتصاد الاسرائيلي ان يسجل اي نمو في ظل جمود عملية السلام، وان كل تأخير في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة من شأنه ان يعرقل المسيرة الاقتصادية ويجعل الاقتصاد الاسرائيلي بحاجة اكثر فأكثر الى المساعدات الاميركية التي قدرت بنحو 75 مليار دولار خلال فترة 48 سنة من 1951 حتى 1998، وهي تؤمن حالياً 600 دولار سنوياً لكل شخص في اسرائيل. وتشير المعطيات الاقتصادية الاسرائيلية الى ان اجمالي الناتج المحلي ارتفع في الدولة العبرية في الربع الاول من السنة الحالية بنسبة 2.1 في المئة، فيما انخفضت الاستثمارات بنسبة 6.3 في المئة وذلك عقب انخفاض حاد بلغ 9.17 في المئة في الربع الاخير من العام الماضي. وتضمنت التقديرات الاولية لوزارة المال وبنك اسرائيل للسنة الحالية، كما نشرتها الصحف الاسرائيلية، توقعات لنمو اقتصادي بنسبة 1.3 في المئة، الا انها استبدلتها اخيراً بنحو 1 الى 2 في المئة، واتضح حالياً ان النسبة اقرب الى واحد في المئة منها الى اثنين في المئة. وتعتبر الاوساط الاقتصادية انه لم يعد في امكان نتانياهو ان يأمل بتنشيط نمو اجمالي الناتج القومي المجمد حالياً على واحد في المئة سنوياً، وهو ادنى معدل له منذ 32 عاماً. وعلى اكثر التوقعات تفاؤلاً، يتوقع موشي ليون المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، ان تبدأ اسرائيل الخروج من حالة الركود الاقتصادي في النصف الثاني من عام 1998، لتسجل نمواً بمعدل 4 في المئة في عامي 1999 و2000، ولكن يلاحظ انه على رغم هذا التفاؤل بالتوقعات للعامين المقبلين فإن معدل النمو يبقى اقل من المعدل الذي سجله عام 1996 والبالغ 5.4 في المئة، ويبدو ان سياسة بنيامين نتانياهو التي نسفت كل احتمالات السلام، نسفت معها احتمالات العودة الى معدل النمو البالغ 1.7 في المئة والذي سجله عام 1995 في ظل تقدم مسيرة مفاوضات السلام في ذلك الوقت والتي ساهمت في تدفق الاستثمارات الخارجية الى الاقتصاد الاسرائيلي. ارتفاع خط الفقر من خلال الركود الاقتصادي تبرز بحدة هذه المرة ازمة البطالة في اسرائيل، وقد اعلنت دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية عن ازدياد عدد العاطلين عن العمل ليصل الى 198 ألفاً خلال شهر آذار مارس الماضي، وقالت الدائرة ان هذا الرقم يعني ان نسبة البطالة وصلت الى 4.8 في المئة من طاقات العمل المدنية في المرافق الاقتصادية، ثم ارتفعت في حزيران الماضي الى نحو 3.9 في المئة. وتوقعت جمعية الصناعيين الاسرائيليين في احصاءات نشرتها ان يصل عدد العاطلين عن العمل في اسرائيل في العام 1999 إلى 240 ألف شخص، أي 10 في المئة من السكان القادرين على العمل. وكان عدد المتوجهين الى مكاتب الاستخدام قد ارتفع في نهاية العام الماضي بنسبة 30 في المئة، مقارنة بنهاية 1996. وتوقعت وزارة العمل والرفاه الاجتماعي ان يزداد مجموع عدد الحاصلين على تعويض بطالة وضمانات دخل من العاطلين بنسبة 7.17 في المئة بحيث يصل عددهم الى 120 ألف شخص، كذلك سيرتفع مجموع المبالغ التي تدفعها الدولة العبرية الى مستحقي تعويضات البطالة من 4.2 مليار شاقل عام 1997 الى 8.2 مليار شاقل في 1998. اما بالنسبة الى تقسيم عبء البطالة بين شرائح المجتمع الاسرائيلي، فقد اشار تقرير مصلحة تخطيط القوى البشرية في وزارة العمل والرفاه الاجتماعي الى "ان الزيادة العامة في نسبة البطالة في الاقتصاد سوف تؤذي النساء والمهاجرين الجدد وسكان بلدات التطوير". وتوقع التقرير زيادة البطالة بنسبة 5.17 في المئة لدى المهاجرين الجدد في 1998، في مقابل زيادة 5.8 في المئة في صفوف القدامى وسكان المدن الكبيرة. وإذا كانت الهجرة اليهودية قد ساهمت نسبياً في زيادة عدد الاغنياء حسب مصادر هجرتهم وكفاءاتهم، فإن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين ساهمت بزيادة عدد الفقراء داخل الكيان الاسرائيلي. وللتدليل على مدى مساهمة الهجرة في زيادة عدد الفقراء اشارت "ايديعوت احرنوت" الى ان ما يقارب ربع العجزة والمهاجرين الجدد هم فقراء. وخط الفقر، هو خط احصائي تعتمده الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، وكلما ارتفع الاجر في الاقتصاد يرتفع معه خط الفقر، ومن بين اسباب الزيادة في عدد الفقراء في اسرائيل، هو خط الفقر الذي ارتفع بنسبة 8 في المئة خلال 1995 لدخل من 1516 شاقلاً للزوجين و2009 لزوجين وولد واحد. لكن المشكلة الاكثر خطورة في اسرائيل ان ثلثي الأُجراء يتقاضون اجراً لا يزيد عن متوسط الاجر البالغ 4207 شاقلات، وتزداد الخطورة عندما يتبين ان متوسط الاجر ارتفع بنسبة 7.7 في المئة، بينما زادت مخصصات الضمان الاجتماعي بنسبة منخفضة كثيراً هي 3.2 في المئة، ما يعني ان الذين يحصلون على مخصصات اجتماعية، حصلوا على اقل بكثير مما كان يفترض ان يتقاضوه من الدولة الامر الذي يساهم في اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء. وفي ظل هذه الاجواء السلبية افاد تقرير للشرطة الاسرائيلية ان معدل الاجرام زاد بشكل ملحوظ في اسرائيل خلال النصف الاول من 1998 ويعود ذلك جزئياً الى ارتفاع البطالة. وأفادت احصاءات الشرطة ان الاعتداءات العنيفة زادت 10 في المئة بين شهري كانون الثاني يناير وحزيران يونيو الماضيين في حين ارتفعت جرائم السرقة والابتزاز واختلاس الاموال والفساد الى 4492 حالة، في مقابل 3604 خلال الفترة ذاتها من عام 1997. وان انتهاكات الملكية الخاصة زادت بمعدل 5.13 في المئة وعمليات السطو مع تحطيم الابواب والنوافذ 5.14 في المئة وحوادث السير 3.11 في المئة. حيال كل هذه التطورات السلبية ابلغ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو حكومته أنه قد يشكل مجلساً من الوزراء وكبار رجال الاعمال والقيادات العمالية لمعالجة مشكلة البطالة، لكن مصدراً مسؤولاً في وزارة المالية شكك في قدرة مجلس الوزراء على فعل شيء لخفض معدل البطالة. مخاطر التضخم إذا كانت سياسة شد الحبال التي استمرت اكثر من سنة بين وزير المال السابق دان ميريدور من جهة وياكوف فرنكل حاكم البنك المركزي مدعوماً من نتانياهو من جهة ثانية، قد انتهت الى استقالة الاول وانتصار الثاني في حزيران 1997 وقد وصف نتانياهو ذلك ب "انه انقلاب كبير باتجاه تحرير حقيقي للاقتصاد الاسرائيلي". فهل سينتصر هذه المرة ميريدور على نتانياهو بعد فشل سياسة "تعويم" الشاقل؟ لقد اعلن بنك اسرائيل عن "تعويم" الشاقل والسماح ابتداء من اول أيار مايو 1998 للبنوك الاسرائيلية باستخدام عملات أجنبية لشرائه من مؤسسات خارجية تمهيداً لجعله عملة قابلة للتحويل. وعلى الرغم من تفاؤل حكم بنك اسرائيل المركزي ياكوف فرنكل بنجاح مهمته في الاصلاح الاقتصادي، فإن ديفيد كلاين رئيس قسم صرف العملات الاجنبية والقسم المالي في البنك المركزي الاسرائيلي كان حذراً حيال نجاح ترتيبات جعل "الشاقل" قابلاً للتحويل التام، لأن الاسرائيليين يملكون من الموجودات المالية ما يبلغ 150 مليار دولار، وقال كلاين "لا نريد ان نصحو صباح يوم لنجد ما لدينا من عملات اجنبية طار خارج اسرائيل، نريد ان نسمح للشركات بأن تقوِّم ما تحتاج اليه من تحويلات مع الحد الادنى من تدخلنا، لكننا نريد ان نتأكد من وجود سقف على المقدار الاجمالي الذي يحق للشركات ولغيرها ان تخرجه من اسرائيل". وتأتي مخاوف الاسرائيليين من احتمال ارتفاع معدلات التضخم في وقت نصح فيه صندوق النقد الدولي اسرائيل بضرورة وضع التضخم تحت السيطرة، وأشار الصندوق في تقرير رسمي الى وضع سياسة نقدية تتفق مع معدل التضخم الذي تستهدفه الحكومة الاسرائيلية بحيث يصل الى مستواه لدى شركاء اسرائيل التجاريين. وكان التضخم في اسرائيل قد بلغ في 1995 حوالي 5.14 في المئة، وهو معدل مرتفع لذلك اتخذ مصرف اسرائيل المركزي سلسلة اجراءات لخفضه، ولكن وزير المالية يعقوب نئمان يتوقع نسبة تضخم لعام 1998 بحدود 18 في المئة