كشفت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية ان دول مجلس التعاون لم تتفق حتى الآن على خريطة صناعية واضحة المعالم للعقدين المقبلين، ما ادى الى عدم وجود التنسيق المطلوب، والى بروز ظاهرة الازدواجية في تنفيذ المشاريع، خصوصاً تلك الموجهة نحو السوق الداخلية والاقليمية، وما نتج عنها من منافسة ضارة وطاقات انتاجية فائضة ومعطلة، اضافة الى ضآلة عائد الاستثمار. وأوضحت المنظمة "ان دفع عملية التصنيع في كل دول المجلس يقتضي القيام بوضع خريطة صناعية لدول المنطقة، تبين الصناعات المطلوبة حتى العام 2020، وتوزيع الصناعات الاساسية فيها على الدول حسب المزايا النسبية التي تتمتع بها كل منها، انطلاقاً من منطق العدالة في توزيع المنافع، كما يقتضي ايجاد المؤسسات القادرة على دراسة الفرص الصناعية، والترويج لها، وتأمين متطلبات انشائها من رأس المال والعمالة الفنية والتكنولوجيا والاسواق". وعلى رغم الجهود الكبيرة التي قامت بها دول المجلس لتحقيق درجة اكبر من الاكتفاء الذاتي من السلع الصناعية، الا ان معدل التطور في هذا الاكتفاء الذاتي كان بطيئاً للغاية، اذ زادت نسبته من 6.25 في المئة عام 1985 الى 7.26 في المئة فقط عام 1995. وقد عملت دول المجلس بكفاءة، وحققت درجة مقبولة من الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الاساسية والاستهلاكية على حد سواء، مثل الالمنيوم، والحديد والصلب، والمنظفات الصناعية والزيوت بأنواعها المعدنية والنباتية، ومنتجات الالبان والعصائر، والاسمنت، ومنتجات البلاستيك والكابلات الكهربائية وغيرها. غير ان معدلات النمو البطيء لنسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الصناعية، بالاضافة الى الزيادة المتواضعة بالنسبة إلى مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي تؤكد أن الجهود التصنيعية، على اهميتها، كانت غير كافية لتطوير الصناعة وتحقيق درجة مقبولة ومطلوبة من الاكتفاء الذاتي في منتجاتها خاصة حول التكامل بين قطاع النفط والغاز والقطاعات الاخرى. وفي هذا المجال حقق التكامل بين قطع النفط والقطاع الصناعي تقدماً خلال الفترة المنصرمة، اذ تم انشاء عشرات المشاريع التي تعتمد على النفط والغاز، اما كمصدر للطاقة او كمادة اولية، وذلك مثل مشاريع التكرير، والبتروكيماويات، والاسمدة، والحديد والصلب والالمنيوم، ومحطات توليد الكهرباء وتحلية المياه وغيرها. وتعتبر هذه الصناعات هي العمود الفقري للصناعة التحويلية في دول المنطقة. كما انها تتميز بإنتاجيتها العالية، وقدرتها الكبيرة على امتصاص العمالة الوطنية، وزيادة الصادرات الصناعية واستمرار التكامل بين قطاع النفط والغاز والقطاع الصناعي من شأنه ان يساهم مساهمة كبيرة في تطوير قطاع الصناعة التحويلية على اسس حديثة. وأدت الجهود التي بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي الى زيادة القيمة المضافة للصناعة التحويلية من 11643 مليون دولار عام 1985 الى 20019 مليون دولار عام 1995، وبزيادة بلغت نسبتها 173 في المئة اي ان ناتج الصناعة التحويلية قد تضاعف تقريباً خلال العشر سنوات الماضية، الامر الذي يؤكد حجم الجهود المبذولة في تنمية هذا القطاع. اما نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي فقد تطورت هي الاخرى من 5.7 في المئة الى 2.9 في المئة خلال العامين المذكورين وكذلك تطورت نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي غير النفطي من 8.11 في المئة الى 7.13 في المئة خلال الفترة المدروسة. الاستقرار السياسي وتوافر المال لقد وصف وزراء الصناعة في دول مجلس التعاون الخليجي مساهمة الصناعة في الناتج المحلي بأنها نسبة ضئيلة، مقارنة مع عدد من دول جنوب شرقي آسيا حيث تتراوح بين 25 الى 30 في المئة، وأكدوا امكانات دول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق هدفها الاستراتيجي في مضاعفة القدرة الصناعية الخليجية، خلال السنوات المقبلة في ظل توافر عوامل ايجابية عدة اهمها الاستقرار السياسي، المناخ الاستثماري الجيد، توافر المواد الاولية والايدي العاملة، وتوافر المال والتسهيلات الائتمانية المصرفية. ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي يركز وزراء الصناعة في اجتماعاتهم المستمرة على توجهات رئيسية تتعلق بإعادة النظر في نسبة الملكية الخليجية في المشاريع المشتركة حتى تتمتع هذه المشاريع بالمزايا والاعفاءات المطلوبة، وكذلك اعادة تعريف نسبة القيمة المضافة، حتى تعتبر السلع الصناعية المنتجة في كل دولة من دول المجلس صناعة خليجية، الامر الذي يساعد في زيادة انسياب التجارة بين الدول الخليجية، مع العلم ان اعفاء الصناعات من التعرفة الجمركية يتطلب ان تكون ذات رأسمال خليجي بنسبة 51 في المئة، ولا تقل نسبة القيمة المضافة المنتجة محلياً عن 40 في المئة. وتأتي هذه التوجهات في اطار خطة تهدف الى جذب استثمارات الخليجيين الموظفة في الخارج والتي قدرتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية بحوالي 200 مليار دولار. اضافة الى ذلك، يرى وزراء الصناعة الخليجيون ضرورة تشجيع الاستثمارات الاجنبية، عن طريق اعادة النظر في مشاركة رأس المال، ورفع حصة المستثمر الاجنبي في المجال الصناعي من 49 في المئة حالياً الى نحو 70 في المئة. وتبرز اهمية الاستثمار الاجنبي المباشر كونه من اهم الروابط الاقتصادية بين البلدان النامية والبلدان الصناعية، كما انه رباط تتزايد اهميته فيما بين البلدان النامية. وبلغ حجم تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى دول مجلس التعاون الخليجي خلال النصف الاول من التسعينات نحو 15.5 مليار دولار، اي بمعدل سنوي يزيد عن المليار دولار، وقد اعتبرته منظمة الخليج للاستشارات الصناعية بأنه ضئيل جداً مقارنة مع الاستثمارات المتدفقة على بلدان اخرى. وبالاستناد الى دراسات منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، فقد بلغ عدد المنشآت الصناعة التحويلية في دول مجلس التعاون الخليجي التي يشارك في ملكيتها رأسمال اجنبي 962 منشأة مجمل استثماراتها حوالي 5.30 مليار دولار يعمل فيها قرابة 125 ألف عامل. وتساهم المصانع المشتركة بحوالي 50 في المئة من رأس المال المستثمر في الصناعة التحويلية في دول التعاون وتشكل مساهمة الدول من خارج مجلس التعاون حوالي 36 في المئة. واضافة إلى المشاريع المشتركة يعمل في دول المجلس 123 منشأة صناعية اجنبية الملكية بالكامل يبلغ مجمل استثماراتها قرابة 5.2 مليار دولار ويتركز وجود هذه المنشآت في دولة الامارات والسعودية، ويستثمر ما يقارب 80 في المئة من اموالها في صناعة المنتجات الكيماوية والبلاستيكية. وتمثل استثمارات المشاريع في المملكة العربية السعودية حوالي 4.73 في المئة من اجمالي رأس المال المستثمر في المشروعات المشتركة بدول المجلس، تليها دولة البحرين 1.16 في المئة ثم دولة الامارات بنسبة 4.6 في المئة، وبذلك تبلغ الاستثمارات المشتركة في هذه الدول الثلاث حوالي 9.49 في المئة من اجمالي رأسمال المشروعات المشتركة في دول المجلس. وهكذا يلاحظ ان الامارات تحوي اكبر عدد من المصانع المشتركة، في حين تتركز الاستثمارات في السعودية والبحرين وقد يعزى هذا الوضع الى وجود صناعة الكيماويات والبتروكيماويات الاساسية والصناعات الاساسية الاخرى خصوصاً في السعودية، والتي تتطلب بطبيعتها رؤوس اموال كبيرة نسبياً، الى جانب ان نسبة كبيرة من المشروعات المشتركة في الامارات قد تكون من المشروعات التي تتطلب رأسمال اقل مصانع الملابس الجاهزة مثلاً مقارنة بالصناعات الاساسية. وتعتبر الخطة الاستراتيجية الصناعية في منطقة الخليج فرصة استثمارية للمستثمرين العرب والاجانب، واذا كانت الدول الخليجية قد خصصت 63 مليار دولار للمشاريع الصناعية خلال الخمسة عشر عاماً الماضية من اجل الحد من الاعتماد على النفط، فإن هذه الدول تحتاج حتى العام 2020 الى نحو 30 مليار دولار وبمعدل سنوي لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار، حتى تحافظ على معدل النمو الحالي