على رغم تراجع إيرادات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة حوالي 30 في المئة بسبب انخفاض الاسعار في العام 1998، فإن اقتصادات هذه الدول ستحقق نمواً حقيقياً قدرته مؤسسة "بلاكيني للاستشارات المالية" في لندن بنحو 4.2 في المئة، في مقابل نمو حقيقي بلغ 5.4 في المئة العام 1997، بسبب نمو القطاعات الاقتصادية الاخرى، خصوصاً القطاع الخاص. وعلى رغم تراجع معدل النمو، فقد وصفه خبراء المال والاقتصاد بأنه نمو ايجابي، خصوصاً أن ايرادات النفط تعتبر الادنى منذ العام 1998، وفي حال اعتماد الاسعار الحقيقية يكون حجم الايرادات في ادنى مستوى له منذ عشرين سنة، مع الاخذ في الاعتبار تراجع قيمة الدولار وارتفاع معدلات التضخم. ويبدو ان نشاط القطاع الصناعي الخليجي ساهم في تحقيق هذا النمو الاقتصادي الايجابي، واذا كانت الإحصاءات الدقيقة في هذا المجال لم تتوافر بعد، فإن الاحصاءات المتوافرة لدى منظمة الخليج للاستشارات الصناعية تشير الى وجود 6700 مصنع في دول مجلس التعاون بنهاية العام 1997، في مقابل 4690 مصنعاً في العام 1988، بزيادة بلغت نسبتها 43 في المئة خلال تسع سنوات، وزادت الاستثمارات في الفترة ذاتها من 5.28 مليار دولار الى 3.77 مليار دولار، والايدي العاملة من 254 ألفاً الى 532 ألف عامل، وبالتالي زادت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي من 5.5 في المئة الى 6.9 في المئة. وأفادت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية الى ان دول المجلس انفقت نحو مئة مليار دولار لبناء المدن الصناعية وتجهيزها. لقد أدت الجهود التي بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي الى زيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي وهي مساهمة ضئيلة مقارنة مع عدد من دول جنوب شرقي آسيا حيث تتراوح بين 25 و30 في المئة، وواكبت الجهود الخليجية عوامل ايجابية عدة اهمها: الاستقرار السياسي، المناخ الاستثماري الجيد، توافر المواد الاولية والايدي العاملة، وتوافر المال والتسهيلات الائتمانية المصرفية. ولتحقيق هذا الهدف تحاول دول الخليج اعادة النظر في نسبة الملكية الخليجية في المشاريع المشتركة حتى تتمتع هذه المشاريع بالمزايا والاعفاءات المطلوبة، وكذلك اعادة تعريف نسبة القيمة المضافة، حتى تعتبر السلع الصناعية المنتجة في كل دولة من دول المجلس، صناعة خليجية، الامر الذي يساعد في زيادة انسياب التجارة بين الدول الخليجية، مع العلم ان اعفاء الصناعات الجمركية من التعرفة الجمركية يتطلب ان تكون ذات رأسمال خليجي بنسبة 51 في المئة، تقل نسبة القيمة المضافة المنتجة محلياً عن 40 في المئة. وتأتي هذه التوجهات في اطار خطة تهدف الى جذب استثمارات الخليجيين الموظفة في الخارج والتي قدرتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية بنحو 200 مليار دولار. واضافة الى ذلك، يرى وزراء الصناعة الخليجيون ضرورة تشجيع الاستثمارات الاجنبية، عن طريق اعادة النظر في مشاركة رأس المال، ورفع حصة المستثمر الاجنبي في المجال الصناعي من 49 في المئة حالياً الى نحو 70 في المئة. ويلتقي هذا التوجه مع دعوة اطلقتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية وهي تقدم عادة المشورة الى حكومات دول مجلس التعاون، الى تطوير مناخ الاستثمارات الاجنبية في دول المجلس ووضع استراتيجية صناعية واضحة، وتحديد الشركات الاجنبية التي تنفق استراتيجياتها مع استراتيجية دول المنطقة، فضلاً عن توفير الظروف التي تحقق اكبر مساندة لتلك الاستراتيجيات لتصبح ارصدة الاستثمار الاجنبي المباشر كبيرة بالقدر المطلوب. وتبرز اهمية الاستثمار الاجنبي المباشر كونه من اهم الروابط الاقتصادية بين البلدان النامية والبلدان الصناعية. وبلغ حجم تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى دول مجلس التعاون الخليجي خلال النصف الاول من التسعينات حوالي 15.5 مليار دولار، اي بمعدل سنوي يزيد عن المليار دولار، ووصفته منظمة الخليج للاستشارات الصناعية بأنه ضئيل جداً مقارنة مع الاستثمارات المتدفقة على بلدان اخرى. وبالاستناد الى دراسات للمنظمة فقد بلغ عدد المنشآت الصناعية التحويلية في دول مجلس التعاون التي يشارك في ملكيتها رأسمال اجنبي 962 منشأة مجمل استثماراتها حوالي 5.30 مليار دولار يعمل فيها قرابة 125 ألف عامل. وتساهم المصانع المشتركة بحوالي 50 في المئة من رأسمال المستثمر في الصناعة التحويلية في دول التعاون وتشكل مساهمة الدول من خارج مجلس التعاون حوالي 36 في المئة منها وتتركز الاستثمارات الصناعية المشتركة في صناعة المنتجات الكيماوية والبلاستيكية. وإضافة الى المشاريع المشتركة يعمل في دول المجلس 123 منشأة صناعية اجنبية الملكية بالكامل يبلغ مجمل استثماراتها قرابة 5.2 مليار دولار ويتركز وجود هذه المنشآت في دولة الامارات والسعودية، ويستثمر ما يقارب 80 في المئة من اموالها في صناعة المنتجات الكيماوية والبلاستيكية. وتمثل استثمارات المشاريع في السعودية حوالي 4.27 في المئة من اجمالي رأسمال المستثمر في المشاريع المشتركة في دول المجلس، تليها دولة البحرين بنسبة 1.16 في المئة ثم الامارات بنسبة 4.6 في المئة، وبذلك تبلغ الاستثمارات المشتركة في هذه الدول الثلاث حوالي 9.49 في المئة من اجمالي المشاريع المشتركة في دول المجلس. وهكذا يلاحظ ان الامارات تحوي اكبر عدد من المصانع المشتركة، في حين تتركز الاستثمارات في السعودية والبحرين. وقد يعزى هذا الوضع الى وجود صناعة الكيماويات والبتروكيماويات الاساسية والصناعات الاساسية الاخرى خصوصاً في السعودية، التي تتطلب بطبيعتها رؤوس اموال كبيرة نسبياً، الى جانب ان نسبة كبيرة من المشاريع المشتركة في الامارات قد تكون تتطلب رأسمال اقل مصانع الملابس الجاهزة مثلاً مقارنة بالصناعات الاساسية. وتعتبر الخطة الاستراتيجية الصناعية في منطقة الخليج فرصة استثمارية للمستثمرين العرب والاجانب، واذا كانت الدول الخليجية قد خصصت 63 مليار دولار للمشاريع الصناعية خلال الخمسة عشر عاماً الماضية من اجل الحد من الاعتماد على النفط، فإن هذه الدول تحتاج حتى العام 2020 الى نحو 30 مليار دولار بمعدل سنوي لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار، حتى تحافظ على معدل النمو الحالي. ولكن بعد مضي اكثر من 13 سنة على وضع الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية لدول الخليج، حصلت تطورات تستدعي اعادة النظر في بنود هذه الاستراتيجية، وذلك على ضوء التقييم المتعمق والموضوعي لها في ظل النظام الجديد للتجارة الدولية، واستناداً الى ما حققته خلال السنوات الماضية. وكشفت منظمة الخليج للاستشارات الصناعية ان دول مجلس التعاون لم تتفق حتى الآن على خريطة صناعية واضحة المعالم للعقدين المقبلين، ما ادى الى عدم وجود التنسيق التكاملي المطلوب، والى بروز ظاهرة الازدواجية في تنفيذ المشاريع وخاصة تلك الموجهة نحو السوق الداخلية والاقليمية، وما نتج عنها من منافسة ضارة وطاقات انتاجية فائضة ومعطلة، اضافة الى ضآلة عائد الاستثمار. وأوضحت المنظمة "ان دفع عملية التصنيع في كل دول المجلس يقتضي القيام بوضع خريطة صناعية لدول المنطقة، تبين الصناعات المطلوبة حتى العام 2020، وتوزيع الصناعات الاساسية فيها على الدول حسب المزايا النسبية التي تتمتع بها كل منها، انطلاقاً من منطق العدالة في توزيع المنافع، كما يقتضي ايجاد المؤسسات القادرة على دراسة الفرص الصناعية، والترويج لها، وتأمين متطلبات انشائها من رأس المال والعمالة الفنية والتكنولوجيا والاسواق". وعزت المنظمة ضآلة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي الى العديد من الاسباب في مقدمها حداثة التجربة الصناعية في دول الخليج، وعدم توفير البيئة الطبيعية والموارد الملائمة لدفع عجلة التصنيع بشكل سريع. وأضافت ان انخفاض نسبة مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الاجمالي يعني ان دول الخليج تحتاج الى فترة طويلة قبل ان تتمكن من رفع نصيب الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي الى نسبة مماثلة او قريبة من تلك التي تسجلها الدول الحديثة التصنيع، كسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، وهذا يتطلب في الواقع بذل المزيد من الجهود والاستثمارات في قطاع الصناعة التحويلية لتحقيق هدف تنويع مصادر الدخل القومي، وصولاً الى مضاعفة القيمة المضافة للصناعة التحويلية كل عشر سنوات