أكثر تلك التركة الثقافية الضخمة التي خلفها لنا أجدادنا العرب من مخطوطات أثرية وكتب نادرة مهمل، لا يلقى الرعاية والاهتمام المطلوبين للحفاظ عليه أطول فترة ممكنة. وفي غالب الحالات لا يكون هذا الإهمال مقصوداً، اذ ان غالبية المكتبات العامة التي تضم هذه المخطوطات أُنشئت منذ زمن بعيد ووفق شروط قديمة، فمن الطبيعي ان تتكاثر عليها ذرات الغبار، ويصيب بعضها شيء من الاهتراء كمخطوطات المكتبة الظاهرية في دمشق التي يلاصقها حائط الحمام الظاهري، اضافة الى عوامل الطبيعة من حرارة ورطوبة ونوع الإضاءة. كذلك الكتب النادرة والمخطوطات التي يمتلكها بعض الأفراد في مكتباتهم الخاصة. يعّرف المخطوط بأنه كل ما كتب بخط اليد على ورق مصنوع يدوياً، وتجاوز عمره 100 عام، أي لا بد له من رعاية وعناية خاصة لأن ألياف السيليلوز المركب منها ونوعية الأحبار المستخدمة فيه قد تتعرض للتلف أو الاهتراء بتقادم السنين. وقد تتأثر بعوامل البيئة أو العوامل البيولوجية الأخرى كإصابتها ببعض الفطريات والبكتريا والحشرات المختلفة التي لا تُرى بالعين المجردة، وتنبت وفق ظروف معينة الى جانب توافر الغذاء مكونات الورق فتنتشر عليها، معطية غزلاً فطرياً متخصصاً في تحليل هذه المواد الغذائية، مما يؤدي في النهاية الى مظاهر تلفية عدة مثل: ارتفاع الحموضة والتشوهات اللونية المختلفة والتصاق الصفحات واضمحلال الأحبار والاصباغ. لمجمل هذه الاسباب وغيرها وجب الاهتمام بنوادر مخطوطات تراثنا الفكري العربي، والعمل السريع والحثيث على جمعها من مختلف أماكنها، سواء أكانت في المكتبات أو البيوت أو غيرها ونقلها الى مكان لائق حضاري مصمم وفق المواصفات الضرورية لتأمين الحماية وحسن التخزين والعناية والنظافة وتوفير الغلاف الجوي الصحي والإضاءة السليمة. ويكوّن عادة قسم خاص للترميم، ليكون ورشة عمليات تجميلية دائمة تبذل كل جهدها وفق الامكانات الحديثة المتطورة لإعادة المواد الأثرية الى أقرب شكل لأصلها، طبعاً من دون اضافات متلفة أو مزورة. وما علينا نحن أحفاد العرب وقد وصلنا الى نهاية القرن العشرين، وبأبسط تقدير، الا ان نجد وسائل الحفظ الجيدة لتراث أجدادنا الحضاري والفكري والفني، الذي تعبوا فيه، وعملوا على انجازه قروناً عدة، خصوصاً اننا نعرف ان المسلمين بدأوا حضارياً وفي كثير من المجالات من نقطة الصفر، وتتلمذوا على أيدي سكان البلاد التي فتحوها، لكن لم يمض جيلان أو ثلاثة، كما يقول الاستاذ محمد حمادة، في كتابه "المكتبات في الاسلام"، حتى اصبح المسلمون أنفسهم سادة الحضارة، لأنهم اتقنوا ما تعلموه ثم ابدعوا فيه، اضافة الى حبهم القديم للكلمة الطيبة، اذ كانت تسحرهم البلاغة والفصاحة. أما المكتبات التي ضمت نفائس الحضارات فقد ظهرت وتطورت عندهم كنتيجة طبيعية للحياة الجديدة التي وجد المسملون انفسهم فيها بعد عصر الفتوح والاستقرار، وقد تم ذلك بتأثير عاملين اساسيين، الأول: أجنبي عنهم يتمثل في تفاعلهم مع الحضارات السابقة لحضارتهم كاليونانية والفارسية والسريانية، التي وجدوها في البلاد المحررة. والعامل الثاني: ذاتي منبعث من عقيدتهم وإيمانهم وإسلامهم، ويتمثل في موقف الاسلام من العلم والمعرفة الانسانية. وقد حضّ القرآن الكريم المسلمين والمؤمنين على التعلم، ومدح العلماء والعلم في أكثر من عشرة مواضع، فقد افتتح رب العزة والجلالة وحيه للرسول الكريم ص بقوله: "إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم". كما قرن الايمان بالعلم، قال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات...". كما بعث الرسول الكريم ص معلماً وهادياً ومرشداً للناس جميعاً. وكتب ول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة": "لم يبلغ الشغف باقتناء الكتب في بلد آخر من بلاد العالم - اللهم إلا في بلاد الصين في عهد منج هوانج - ما بلغه في بلاد الاسلام في القرون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر". اما أشهر من أحب الكتب من الأدباء العرب، ودافع عنها ومدحها وأطنب ونفقت سوقها عنده فهو الأديب الكبير الجاحظ، فقد قال مادحاً الكتب راداً على من عابها: "... ونعم الأنيس لساعة واحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين، ونعم الوزير والنزيل.... والكتاب هو الذي إذا نظرت فيه أطال متاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجّود بنانك، وفخم ألفاظك، ولجح نفسك، وعمر صدرك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر". وقد اهتم العرب والمسلمون بفهرسة مكتباتهم وتصنيفها وتنظيمها بحيث يسهل تناولها ويسهل استعمالها، ونجد ان أوائل مؤسسي المكتبات انتبهوا لأهمية الفهارس ووظيفتها، فقد حدّث الحسين بن سهل قال: "قال لي المأمون يوماً أي كتب العجم أشرف؟ فذكرت كثيراً ثم قلت خاويدان فرد أي يتيمة السلطان يا أمير المؤمنين. فدعا المأمون بفهرست كتبه وجعل يقلبه فلم يجد لهذا الكتاب ذكراً، فقال: كيف سقط هذا الكتاب من الفهرست؟". ولعل خير مثال مكتبة "دار الحكمة" التي انشئت في بغداد بعد انتقال عاصمة الخلافة اليها في العهد العباسي. فقد بلغت عصرها الذهبي في عهدي الرشيد وابنه المأمون اللذين أصبح نقل الكتب من اللغات الاجنبية اليونانية، الهندية، القبطية، الفارسية... في زمانهما عملاً رسمياً تتولاه الدولة وتنفق عليه من موازنتها وتحشد له أعظم العلماء والمفكرين وتؤسس له المؤسسات العلمية ويرتحل في طلب الكتب العلمية والفلسفية والطبية، ويراسل الملوك والحكام من أجلها فأضحت "دار الحكمة" أكاديمية بالمعنى العلمي الدقيق للكلمة، تحوي أماكن للدرس، لخزن الكتب، للنقل، للتأليف، الى جانب المرصد الفلكي. كما ازدهرت تجارة الكتب ازدهاراً واسعاً واشتغل بها علماء وأدباء أجلاء مثل: ياقوت الحموي الذي كان تاجراً للكتب يشتريها ويبيعها وينتقل بها في البلاد. ويقول عنه ابن خانكان: "وجعل بعض تجارته كتباً". ونجد ذكر ذلك في مؤلفاته، ولا سيما في كتابه الكبير معجم البلدان، في حين منع بعض الحكّام المتنورين تصدير الكتب من بلدهم الى آخر ولا سيما اذا كانت تلك الكتب نادرة ومنتقاة وجيدة. واختلفت أثمان الكتب باختلاف العصور والدول والأزمان والاماكن. وهناك صفات ومواصفات معينة تحكمت في أسعار وأثمان الكتب، منها جودة خط الكتاب، شهرة الخطاط، نسبة المخطوط الى شخص عظيم كخليفة أو وزير أو أمير، وشهرة مؤلف الكتاب. وكانت المكتبات العربية تحرص على ان تمتلك أكبر كمية ممكنة من الكتب المكتوبة بخط مؤلفيها، كذلك كان من عادة العلماء والوزراء والاغنياء ان يوقفوا بعد وفاتهم مكتباتهم على مدنهم، كما فعل الصاحب بن عباد اذ أوقف مكتبته على مدينة الري فأصبحت مكتبة عامة. ويبقى الورق الخامة الأساسية في تكوين المخطوطات أو الوثائق القديمة والكتب الحديثة. وطريقة صناعته تحدد قوته ودوامه. ويعتبر الورق المصنوع يدوياً ومن القماش القطن من أقوى الانواع وأكثرها دواماً ومقاومة لعوامل الزمن. ومن المعروف ان العرب نقلوا عن الصين صناعة الورق اليدوي العام 795م، وانشأوا أول مصنع للورق في بغداد، وادخل العرب استعمال الأقمشة في صناعة الورق بدلاً من النباتات، كما اعتمدوا ايضاً الكتابة على الجلود والرق والبارشمنت المصنع من جلود بعض الحيوانات. ومع اختراع آلة الطباعة شمل التطور الآلي صناعة الورق، وبدأت تدخل في تركيبه نشارة الخشب. وبانتشار الطباعة ازدهر تصنيع الورق الأقل عمراً مما أدى الى خفض تكاليفه التي كانت باهظة عند نشأته في الصين، وأخذ ينتشر مع الكتاب في مختلف الأصقاع. وبدأت تنشأ وبكثرة المكتبات العامة لتيسر للجميع فرصة الاطلاع والاستفادة من هذه المكتوبات كالمخطوط بخط اليد والمطبوع والكتاب المطبوع والحاوي علامات من شخصية تاريخية لها قيمتها بخط اليد أو المطبوعات المشتملة على كل ما طبع بوسائل الطباعة القديمة والحديثة. ويفترض في هذه المكتبات كغيرها من الهيئات والمؤسسات العلمية والتقنية والاقتصادية والصحية ان تواكب التقدم الحضاري، وتعمل على التزود بكل تقنيات وتجهيزات التقدم العلمي التي تخدم عملها وتطوره وتسهله، وألا تنسى في غمرة هذه المواكبة كتب التراث ونوادر الكتب والوثائق التاريخية العامة لنا وللأجيال القادمة من بعدنا. ولكم كانت دهشتنا ونحن نطلع على قسم الترميم في "مكتبة الأسد الوطنية" في دمشق، ونقف على مراحل إزالة نوائب الزمن عن العديد من المخطوطات المهمة والتي تجمعت فيها من مختلف المكتبات العامة في المحافظات السورية، والمحاولات الحثيثة لإزالة بصمات الزمن عنها، خصوصاً مظاهرها المتمثلة في التشققات والثقوب والتفتتات والكسور والتهتكات واحياناً اختفاء أجزاء منها تفقد المخطوط تماسكه. بدأنا مع بداية هذا القسم الذي انشىء مع افتتاح مكتبة الأسد في 1984 التي تعد أكبر المكتبات الوطنية في سورية، وتعتبر من كبرى المكتبات الحديثة في الوطن العربي، وتحتل مكاناً حضارياً بارزاً لما تقوم به من أعمال في مجال جمع التراث الفكري وتوثيقه، خصوصاً المتوافر لديها في سورية. وقد روعي في مبناها تحقيق المواصفات المطلوبة في مباني المكتبات الحديثة، وتم تجهيزها بما يلزم ليتيسر استثمارها وحفظ كل اشكال أوعية المعلومات في قاعاتها ومستودعاتها ضمن شروط جوية مناسبة. وقد نص مرسوم إحداث المكتبة بأن تشمل عملية التزويد جمع مخطوطات التراث والكتب النادرة لضمان سلامتها، ولأن الشروط الجوية للحفظ وغيرها ليست متوافرة في مباني المكتبات الأخرى. وبالفعل تم ذلك ووصل عدد المخطوطات التي جمعت حتى هذه اللحظة في مكتبة الأسد من جميع المكتبات الرئيسية في العاصمة دمشق ومكتبات المراكز الثقافية في المناطق السورية وكبريات مكتبات المحافظات ومديريات الآثار والمتاحف 19215 مخطوطاً. وبذلك تعتبر مجموعاتها من كبرى المجموعات في المكتبات العربية مناسبة للحفظ. بل جهدت لإحداث قسم خاص بترميم واعادة إحياء ما أتلف وخرّب من هذه المخطوطات وبأيد فنية محلية اخضعتها لدورات تدريبية خاصة داخل سورية وخارجها، أتاحت لها فرصة الاطلاع على تجارب ومدارس الحضارات الاخرى في مجال الترميم روسيا وفرنسا والمانيا وتركيا وأخذ المناسب منها واعتماده في ترميم تراثنا العربي. وبالفعل استطاع هذا القسم ان يثبت جدارته وكفاءته حتى اعتمد منذ 1990 أحد مراكز التدريب التابعة للمنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم، وأحد مراكز جامعة الدول العربية. وينظم القسم حالياً دورات متخصصة لتدريب وتأهيل المرممين المندوبين من مختلف البلاد العربية والاسلامية. وبالعودة الى رحلة المخطوط في هذا القسم، نجد انه بعد خروجه من مستودع الحفظ المطابق للمواصفات العالمية من حيث درجة الحرارة والرطوبة، وقبل فحصه وتحديد وضعه ومدى إصابته، يخضع المخطوط لعملية التعقيم، وهو يشمل المخطوطات كلها، السليم منها والمصاب. وهذا عمل دائم لا يتوقف يجري بشكل دوري على جميع المخطوطات، ريثما يأتي دورها في عمليات الترميم، ولا يعتمد القسم منهج تقسيم العمل الى مراحل متعددة، بل يتولى كل مرمم قسمه الخاص، وذلك خوفاً على المخطوطات من أي خطأ قد يصعب معه تحديد مرتكبه. لذلك يتولى كل مرمم مخطوطاً واحداً. وتسبق عملية الترميم اجراءات احترازية عدة: تصوير المخطوط تصويراً تسجيلياً لإبراز العيوب الموجودة قبل الترميم. وكيف أصبح بعد الترميم ولتقويم مهارة المرمم والتعرف على الاصابات الحشرية من بقايا أو فضلات الحشرات أو مظاهر الاصابة ذاتها، وجمع الاجزاء المفصولة عن المخطوط بسبب الاهتراء أو غيره، في ظرف أو علبة لإعادة استخدامها في عملية الترميم. وعلى خلاف كثير من مراكز الترميم العالمية التي تعتمد الترميم الآلي، يعتمد هذا القسم في طريقة عمله على الترميم اليدوي، على رغم انها الأغلى مادياً، إلا أنها في الواقع عملية فنية وذوقية وجمالية، وتحتاج الى حس عالٍ وحرفية نادرة، وحساسية فائقة لا يمكن ان تتلمسها أو تملكها الآلات. والترميم فنياً عملية تكنولوجية دقيقة ذات عرف خاص موحد عالمياً، تعتمد على المهارة اليدوية، وتأتي كعملية تالية ونهائية بعد عمليات المعالجات الكيميائية تنظيف الأثر، معادلة حموضته ان وجدت، وتثبيته وتقويته بالمحاليل واللواصق الكيميائية. ويبدأ بدراسة المخطوط وتحديد وضعه العام ونوع الاصابات وسبل معالجتها وفق الطرق والمدارس ووجهات النظر المناسبة للمخطوط وطبيعة تراثنا العربي. ثم ينظف المخطوط على الناشف في جهاز يساعد على امتصاص الأتربة والغبار العالقة بين وريقات المخطوط، ثم يعقم ويغسل بالماء والكحول. وبعد فحص ألياف أوراقه تحت المجهر لتحديد نوعيتها السماكة واللون وغير ذلك يحضر ورق مماثل ومناسب له ومصنوع يدوياً، ويُصبغ اذا احتاج الأمر بأصبغة طبيعية ويستخدم في ترميم أجزاء وحواف أوراق المخطوط المتآكلة بسبب الحشرات، ثم يعاد فرد تلك الأوراق تحت مكبس خاص، وعندما ينتهي ترميم جميع أوراق المخطوط تعاد خياطة كل ملزمة فيه وحبكها يدوياً، ومن ثم خياطته وتجميعه ككل ليتحول الى التجليد. وفي التجليد يخضع الغلاف الجلدي الخارجي للمخطوط الذي يعبر هو الآخر عن حقبته وهويته وانتمائه الى عمليات الترميم نفسها باختيار جلد طبيعي مناسب، وصبغه باللون نفسه، ثم تجميع أجزاء الجلد الجيدة وتصميغها وترميمها بأجزاء جديدة إذا احتاجت. ويضم القسم غلافاً آخر للمخطوط يستخدم فيه نوع من الورق يدعى الرخامي الايبرو وهو نوع من الورق السميك الملون، أول من استخدمه في التجليد الايرانيون والاتراك الذين كانوا يضعونه على الغلاف الخارجي للكتاب، باستثناء "الكعب" الذي يستخدم فيه الجلد. ثم انتقلت طريقة تصنيع هذا الورق في القرن الثالث عشر الى أوروبا التي استخدمته في الغلاف الخارجي والصفحات الأولى للكتب. وبحلول القرن التاسع عشر دخل الورق المرخم طرق التصنيع الآلي. اما في مكتبة الأسد فإن فريق قسم الترميم يصنعه يدوياً. كما يراعى باستمرار في القسم وأثناء القيام بعمليات الترميم دراسة تأثير المواد الكيميائية على الورق حتى بعد 25 سنة وذلك بوضعها تحت درجة حرارة محددة وضمن زمن معين في جهاز يدعى المحم للتأكد من ان هذه المخطوطات ستبقى بحالة جيدة ويستخدمها الباحثون والطلاب بعد عشرات أو ربما مئات الاعوام. ومع مرحلة التجليد يختتم المخطوط رحلته في قسم الترميم، ويذكر ان عدد المخطوطات التي رممت حتى الآن في مكتبة الأسد وصل الى 2396 مخطوطاً. بعد الترميم تأتي مرحلة التحقيق والتدقيق التي لا بد ان يتولاها فريق متخصص من الباحثين والدارسين المتمتعين بدراية كاملة بأنواع الخطوط وخصائص العصور والأزمنة التي كتب فيها المخطوط... ليتمكنوا من التحقيق والتدقيق في الاجزاء المفقودة من المخطوط وذلك بالبحث عنها في نسخ أصلية ثانية قد تكون موجودة في بلاد اخرى عربية أو اجنبية. والواضح ان هذه العملية تحتاج الى مجهودات مادية ومعنوية خاصة. اذ لا يكفي توافر المال وحده من دون الباحثين لنستطيع التحقيق في أي مخطوط. وكذلك لا يكفي توافر الدراسين من دون المال، وانما يجب اجتماع القدرات العلمية والثقافية للباحث والامكانات المادية. وقد تجتمع هذه الشروط والمقومات اذا قامت مراكز عربية خاصة بتبني هذا الموضوع وإيلائه الرعاية والاهتمام بحيث توفر الالتزامات المالية، المكان المناسب، المنهجية العلمية، الدورات المتخصصة لجيل الباحثين الشباب لحثهم على العمل في تحقيق مخطوطات تراثنا العربي المصفوف أكثره على رفوف المكتبات ينتظر من يخرجه الى النور ويضعه بعد طبعه في كتب عادية بين أيدي الدراسين. لأن المهمة الأولى والأخيرة من جمع المخطوطات ومتابعة ترميمها ليس الخوف عليها من التلف، بل الحفاظ على تراثنا الحضاري وإعداده وتهيئته ليبقى دائماً في خدمة البحث والتقدم وبالتالي الدارسين والعلماء، لذلك عملت المكتبة على تصوير المخطوطات على مصغرات فيلمية ميكروفيش ووضعها بين أيدي الباحثين، لأن نظام المكتبة في الحفاظ على المخطوطات - كما في جميع مكتبات العالم - لا يسمح بدراسة المخطوط نفسه وانما صورته المصغرة. وأحياناً يستطيع الدارس الاطلاع عليه ليأخذ فقط بعض المعلومات الضرورية التي لا توفرها النسخ المصورة كنوع الورق وحجمه ولون الحبر. وصور حتى الآن 15009 مخطوطات على الميكروفيش. كما تتوافر في قاعات المطالعة المخصصة فقط للباحثين كل المتطلبات التي يحتاجها الدارس سواء للاطلاع على أفلام الميكروفيش أو على نسخة المخطوط الأصلية. وتقوم المكتبة بإرشاد اصحاب المكتبات الخاصة ممن لديهم مخطوطات أصلية لأساليب وطرق حفظها وتقدم لهم خدمات التعقيم مجاناً واحياناً إجراء بعض الترميمات الضرورية لمخطوطاتهم. أما بالنسبة الى فهرسة وتوثيق هذه المخطوطات ككل، نفاجأ في المكتبة بأن لا طريقة عربية - على الأقل - محددة وموحدة في الاستخدام، وان كل مكتبة في سورية كانت تتبع منهجاً خاصاً بها، وحاول مسؤولو الجهات العربية المعنية بهذا الموضوع الاتفاق على منهج خاص موحد لفهرسة المخطوطات لكنهم لم يتوصلوا الى شئ، فبقيت كل مكتبة عربية تعتمد طريقة خاصة بها، واعتمدت مكتبة الاسد في ترتيب مخطوطاتها على فهرسة المكتبة الظاهرية التي كانت تسمى سابقاً دار الكتب الوطنية السورية، ومنها نقل اكبر عدد من مجموع مخطوطات المكتبة الحالية .