مع مرور الوقت 35 عاماً قد تبدو سوليون في دور لوليتا، لدى ستانلي كوبريك متصنعة بعض الشيء، الى درجة ان كثيرين فضلوها في نهاية الفيلم حين تتحول ربة بيت عادية على صورة وهي فتاة لعوب تثير ثائرة جيمس مايسون. من هنا قد يبدو مشروعاً افتتان البعض بجمال دومينيك سوين، التي لعبت الدور نفسه في "لوليتا" الجديد الذي حققه ادريان لين. وضمن حدود معينة قد يبدو تمثيل جيريمي آيرونز في دور البروفسور هومبرت هومبرت، اكثر وقعاً من تمثيل مايسون للدور نفسه في الفيلم القديم. ولكن لو وضعنا هذين العنصرين جانباً، هل يمكن التسامح مع من يجرؤ على الدنو من فيلم حققه ستانلي كوبريك قبل ثلاثة عقود ونصف ويعتبر اليوم من كلاسيكيات السينما العالمية؟ ادريان لين "تسعة أسابيع ونصف"، و"علاقة قاتلة" هما فيلمان من ابرز ما حقق تجرّأ على ذلك. ولكن من الواضح انه احرق اصابعه، اذ ان فيلم "لوليتا" العصري الذي حققه ويعرض في بعض انحاء العالم اليوم لا يمكن بأي حال من الاحوال مقارنته بفيلم كوبريك، ناهيك عن أن كوبريك نفسه لا يقارن به احد من السينمائيين. فهذا المخرج الصموت الذي لا تكف الصحافة من الحديث عن فيلمه الجديد من دون ان يراه أو يعرف عنه أحد شيئاً، اعتاد طوال حياته انجاز افلام تفتح آفاقاً سينمائية جديدة، وهاجسه دائماً، في كل افلامه، جنون البشر وارتباط جنونهم بسلوكهم وتصرفاتهم وانعكاس ذلك على بيئة تترك عليهم بصماتها. سينما كوبريك منذ "القتلة" وصولاً الى "سترة حديدية كاملة" مروراً بپ"سبارتاكوس" و"اوديسة الفضاء" و"اشراق" و"باري لذرن" و"دكتور ستراغلاف" و"البرتقالة الآلية" هي منظومة متكاملة. ولئن اعتاد كوبريك اقتباس اعماله من روايات معروفة لكتاب راسخين، فإن الرواية تتحول على يديه شيئاً آخر تماماً. كان ذلك، على أي حال، وضع "لوليتا" على يديه، فهذه الرواية التي كتبها فلاديمير نابوكوف وكانت أشهر أعماله على الاطلاق، وتحكي افتتان استاذ كهل بصبية مراهقة، بكل ما يحمله ذلك الوضع من ابعاد ميلودرامية، تحولت على يد ستانلي كوبري حكاية جنون. فاستحواذ "لوليتا" الصبية على الاستاذ، ووقوعها من ناحية ثانية تحت تأثير كاتب مسرحي لعب دوره بشكل رائع بيتر سيلرز في فيلم كوبريك كان اشبه بلعبة فاوستية لدى كوبريك. اما في فيلم ادريان لين، الذي هو ثالث عمل يقتبس عن الرواية نفسها، فقد اضحى الامر لعبة مصادفات وحكاية تبدو لنا اشبه بالموعظة الاخلاقية تدور رحاها في عمق اعماق اميركا الأربعينات التي كانت لا تزال خاضعة لمبادئ وقيم صنع بعضها جزءاً من الحلم الاميركي. اذن، بين ستانلي كوبريك وفلاديمير نابوكوف وآدريان لين، صارت لدينا حكايات ثلاث، وابعاد شديدة التنوع. بدت دومينيك سوين في دور لوليتا، ابنة شارلوت هاز ميلاني غريفيث التي تحمل سنوات مراهقتها على كتفيها الجميلتين، مقنعة للكثيرين وتحاول قدر الإمكان ان تجعل لعبتها شيئاً آخر غير لعبة سوليون. من هنا، اذا كان الكثيرون قد اخذوا على ادريان لين سطحية فيلمه، وعدم غوصه في الابعاد الحقيقية لرواية نابوكوف وفيلم كوبريك، وعدم قدرته على - او عدم رغبته في - تصوير الجنون العادي في ارتباطه بمبدأ الحب، فان كثيرين ايضاً فتنوا بسحر دومينيك سوين، وتمنوا لها مستقبلاً سينمائياً افضل من المستقبل الذي كان لسوليون بعد بروزها الساحق في "لوليتا" كوبريك. ومن المعروف ان سوليون مثلت أفلاماً عدة بعد "لوليتا" ولكن من دون ان تنجح في فرض حضورها في أي من تلك الأفلام، تماماً كما لو ان الناس لم تستسغ فيها الا صورة المرأة-الدمية، التي انتفضت على مصيرها في "لوليتا" حين وجدت كهلا يقبل بأن يلعب ازاءها، وتحت ادارتها الخفية بالأحرى، دور الرجل-الدمية، في انقلاب ادوار قلما عرفه الأدب بمثل تلك الصورة. "لوليتا" ادريان لين، سيُنسى عما قريب، ولكن من المؤكد ان دومينيك سوين لن تُنسى بمثل تلك السرعة. لأن طراوتها وجدتها وشبابها ضمانة لوجود مستقل عن وجود فيلم كانت فضيلته الأولى انه اطلقها .