الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقرّ الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2025م    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الأسبوع المقبل.. أولى فترات الانقلاب الشتوي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مبدعون.. مبتكرون    ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    7 آلاف مجزرة إسرائيلية بحق العائلات في غزة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الرياض الجميلة الصديقة    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    جمعية لأجلهم تعقد مؤتمراً صحفياً لتسليط الضوء على فعاليات الملتقى السنوي السادس لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" سألته عن الحاضر وبعض محطات الماضي . البارزاني : الحل بالفيدرالية في اطار العراق - خلاف الطالباني معنا قديم وحزبه يتحمل المسؤولية - الحوار مع الحكومة المركزية في بغداد لم ينقطع
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 1998

لا يستطيع مسعود البارزاني الاستقالة من المصير المؤلم لشعبه، فمحطات حياته كلها اختلطت بمواعيد المأساة الكردية. ولد مسعود في جمهورية مهاباد 1946 وهي اول جمهورية كردية في التاريخ. كان الحلم عابراً وسقوطه مدوياً. يقول مسعود: "يبدو ان ولادتي بحد ذاتها كانت علامة ذات دلالة في حياتي المقبلة، فهي وضعتني رغماً عني في خضم الحركة التحررية لشعبي. هاجرت وأنا طفل صغير لا يعي شيئاً. حملوني في قافلة طويلة من ابناء شعبي وسط هجمات عسكرية برية وقصف مدفعي وجوي متواصل الى ان عبروا بي الحدود العراقية - الايرانية العام 1947".
تدرب مسعود باكراً على الملعب الكردي بكل ما فيه من احلام ورهانات وتضحيات وهزائم وخيبات. لكن الصغير الذي ولد في مهاباد كان ايضاً نجل الملاّ مصطفى البارزاني "وهذا يلقي على كاهلي مسؤوليات مضاعفة لأن أكون اكثر المتحملين للمصاعب والتضحيات، وان اكون شعبياً اكثر مني حزبياً، وان اكون وطنياً قومياً اكثر من ان اكون مرتبطاً بجزء واحد من شعبي". ويعترف مسعود ب "ان اهم الاعباء هو ان الناس يتوقعون مني ان اكون ما كان عليه والدي، وهو ما لا اقدر عليه، لم استطع ملء الفراغ الذي خلفه في قيادة الحركة الكردية ولكل منا ظروفه...".
في ظل هالة والده كبر مسعود، وفي 1961 حمل البندقية اثر اندلاع الثورة في كردستان العراق. ومنذ تلك الأيام سيقاتل وسيفاوض وستكون التجربة مع "البعث" الذي عاد الى السلطة في بغداد في 1968 طويلة ومريرة، وهي مستمرة. كان حاضراً في المفاوضات التي ادت الى التوقيع على بيان 11 آذار مارس 1970، "كنت اعيش لحظات انتصار كبير لارادة السلام وانتصار كفاح الشعب الكردي". وكان حاضراً ايضاً حين اتخذ الملا مصطفى في آذار 1975 قرار وقف الكفاح المسلح بعدما نجح صدام حسين عبر اتفاق الجزائر مع شاه ايران في تطويق الاكراد وحرمانهم من أي دعم.
ولم تكن السنوات اللاحقة اقل قسوة حين انتقلت مقاليد القيادة الى مسعود. جاءت الحرب العراقية - الايرانية بعنفها وضراوتها ومخاوفها، وبعدما تجرعت ايران سم الموافقة على وقف اطلاق النار تجرع الاكراد في حلبجة غضب النظام في صورة غازات سامة، فكانت مجزرة حلبجة.
وفي آذار 1991 واثر اندلاع "عاصفة الصحراء" التي انهت الغزو العراقي للكويت، انتفض الاكراد وتكررت فصول المأساة وكان "الملاذ الآمن". لكن الاكراد الذين ذهبوا لاحقاً الى انتخابات وعادوا منها ببرلمان وحكومة، عجزوا عن بناء نموذج مقنع وسرعان ما سلكوا طريق التناحر بين الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، فضلاً عن حروب حزب العمال الكردستاني والغزوات التركية المبرمجة للأراضي العراقية. وفوق بقع الدم الكردي المسفوك بأيد كردية تداخلت خيوط لعبة اقليمية معقدة، فقد بدا مسعود موصولاً بأنقره وبغداد، فيما الطالباني موصول بطهران. هذا على الاقل ما اتضح من احداث اربيل في صيف 1996 وما تلاها.
انها معضلة الاكراد، شعب من 25 مليون نسمة يعيش موزعاً على أربع دول تختلف في سياساتها وحساباتها لكنها تتفق في اعتبار قيام الدولة الكردية خطيراً ومحظوراً، لأنه يعني تغيير الخرائط في منطقة تنام على ذاكرة مثقلة بالحروب وصعوبات التعايش. في هذا الملف المفتوح يلعب مسعود البارزاني دوراً بارزاً، خصوصاً ان الوضع العراقي يبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات، وبينها خطر انفجار العراق. "الوسط" حاورت البارزاني فتحدث عن الجديد والقديم، وهنا نص الحلقة الاولى من الحوار الذي ينشر على حلقتين.
لم يستطع الاكراد اقامة علاقة مستقرة مع بغداد على رغم تغير الحكام والحكومات فيها، من يتحمل المسؤولية؟
- الاصح هو طرح السؤال بالعكس وهو: لماذا لم يستطع الحكام والحكومات في العراق اقامة علاقة مستقرة مع الاكراد؟ ذلك لأن الحكومة المركزية هي التي تملك مفتاح حل القضية، وهي التي تتحمل مسؤولية الخلافات التي غالباً ما أدت الى ثورات وانتفاضات كردية. فلو حصل حل جذري عادل للقضية الكردية، لما كان الشعب الكردي بحاجة الى كل هذا العناء. ان شعبنا مسالم، ويريد الاستقرار والتقدم في ظل السلام والحرية، شأنه شأن بقية الشعوب.
لا ننكر ان الحركة السياسية الكردية ارتكبت هي الاخرى أخطاء معينة كالاستعجال في ردود الفعل احياناً أو سوء التقدير، لكن الاخطاء شيء وانكار حق شعب كامل شيء آخر. ففي قناعتنا ان أصل المشكلة يعود الى كارثة تقسيم كردستان في الحرب العالمية الاولى 1914 - 1918، حين تم ربط جزء منها بالعراق، ولم يجر حل صحيح للقضية في اطار العراق. ومما زاد الامور سوءاً، ان الحكومات المتعاقبة كانت تلجأ الى القمع والقصف وحملات الابادة الجماعية، بدلاً من الحوار مع الشعب الكردي.
لقد اثبتت الحياة انه حينما لجأت الحكومات الى حلول أو محاولات لحلول عادلة، فان الشعب الكردي وممثليه كانوا يقيمون علاقات مستقرة على اساس التعاون مع الحكومات المركزية. مثلاً بعد ثورة 14 تموز يوليو 1958 حتى اوائل العام 1961، نشأت علاقات جيدة بين الاكراد من جهة وحكومة عبدالكريم قاسم من جهة اخرى وذلك لمجرد ان الدستور العراقي الموقت بعد الثورة نص في مادته الثالثة على شراكة العرب والأكراد في الوطن العراقي، اضافة الى تحقيق بعض المكاسب الثقافية والادارية الكردية التي حققتها الحكومة المركزية آنذاك.
كذلك بعد صدور اتفاقية 29 حزيران يونيو 1966، نشأت علاقات شبه مستقرة حتى عودة البعث الى الحكم في تموز 1968. وفي 11 آذار مارس 1970 وحتى 1974 كانت العلاقات مستمرة الى حد كبير اثناء "تحالف" حزبنا مع "البعث" على اساس اتفاقية 11 آذار 1970 وتحقيق الكثير من المكاسب والانجازات للشعب الكردي. وقامت الحكومة المركزية نفسها بنسف هذه العلاقات وتدميرها. فمن يتحمل المسؤولية؟
توصف علاقتكم بالسلطة في بغداد بأنها تراوح بين الغرام والاحتراب، وان قوى المعارضة العراقية تدفع غالباً ثمن مراحل الغرام مع السلطة.
- اثناء ثورة ايلول 1961 - 1975 كانت كل مراحل مفاوضاتنا مع السلطة في بغداد في مصلحة قوى المعارضة العراقية ايضاً، سواء كان ذلك بسبب اصرارنا على الحقوق والحريات الديموقراطية في العراق عامة أو بسبب تعاوننا المعروف مع الاحزاب والمنظمات والشخصيات العراقية من مختلف التيارات، والتي كانت تلجأ الى كردستان للتخلص من الملاحقة والارهاب، كما انها كانت تتخذ من كردستان قاعدة لنشاطاتها. وكثيراً ما توترت العلاقات بين حزبنا والسلطة المركزية في زمن المفاوضات بسبب نشاط المعارضة العراقية انطلاقاً من كردستان المحررة. وهناك امثلة كثيرة، منها محاولة المرحوم سليم الفخري الانقلابية، والتي اعتبرتها السلطة المركزية عام 1964 حركة منطلقة من كردستان. كذلك دعوة حزبنا لممثلي معظم قوى المعارضة العام 1971 لحضور المؤتمر الثامن لحزبنا في ناوبردان جومان - واثناء أو في عز علاقاتنا الجيدة مع الحكومة المركزية بعد اتفاقية 11 آذار، والقى ممثلو المعارضة العراقية كلمات علنية في المؤتمر تندد بالحكومة المركزية وتهاجمها، وما احدثه ذلك من توتر في العلاقة بين الطرفين... وغير ذلك من الامثلة.
وبعد نكسة 1975، استمر دعم حزبنا، في مناطق نفوذه، لقوى المعارضة العراقية. ولم يدخل حزبنا في مفاوضات جدية وعلنية مع الحكومة في بغداد الا بعد انتفاضة 1991، وهو دخل المفاوضات في اطار الجبهة الكردستانية العراقية. ولم تأت المفاوضات على حساب المعارضة العراقية غير الكردية، بل ان هذه المعارضة استفادت كثيراً من النتائج غير المباشرة للحوار مع السلطة.
وفي ظل هذا الاستقرار، جرى عقد اكبر اجتماع وأوسعه لقوى المعارضة العراقية في صلاح الدين مقر حزبنا العام 1992، الذي اسفر عن انشاء "المؤتمر الوطني العراقي"، أكبر تجمع لأكبر عدد من احزاب وقوى المعارضة العراقية حتى الآن. الا ان بعض اطراف هذه المعارضة هي التي ترددت وتراجعت عندما واجهت المشروع الفيديرالي لحل القضية الكردية. كذلك اخطأت وتدخلت تدخلاً غير مشروع وغير وطني في الصراع الداخلي لكردستان العراق، مما الحق بها بعض خسائر تتحملها هذه القوى قبل غيرها.
ومعروف ان حزبنا الذي دخل الحوار مع السلطة في العام 1991 لم يكن وحيداً في ذلك، لكنه استمر على رغم تراجع بعض اطراف الجبهة الكردستانية العراقية وواصل هذا الحوار بأشكال مختلفة، وانه على الاقل لم يقطع العلاقات الاعتيادية مع السلطة المركزية. هذه العلاقات التي كانت في مصلحة الشعب العراقي وتجربة كردستان.
وحتى بعد 31 آب اغسطس 1996 فإن حواراً متقطعاً جرى بين حزبنا والسلطة المركزية ولم نخف ذلك، بل اعلناه صراحة ومرات عدة، لكننا لم ندخل في اي اتفاق على حساب المعارضة العراقية في اية مرحلة من الحوار.
ان الموقف الوطني العراقي لحزبنا، الذي تأسس العام 1946، معروف، وقد خاض كل وثبات وانتفاضات الشعب العراقي. وعُرف بكونه حزباً ديموقراطياً عراقياً الى جانب كونه حزباً قومياً تحررياً كردياً. وكان ولا يزال يُعتبر فصيلاً وطنياً عراقياً. ومعروف عنه ثبات علاقاته الوطنية واستقرارها مع قوى المعارضة المختلفة بتياراتها الرئيسية.
كان لاتفاق الجزائر بين شاه ايران وصدام حسين وقع مأسوي على القضية الكردية. ماذا تذكر من ملابسات تلك المرحلة؟
- غالباً ما يثير بعض الكرد عن خلاف أو حقد على البارزاني الاب بانه كان يجب على قيادة الحركة الكردية آنذاك الاستمرار في المقاومة المسلحة، الا ان الوقائع التاريخية اثبتت بأن قرار ايقاف الكفاح المسلح في آذار 1975 من قبل مصطفى البارزاني، كان قراراً حكيماً جنب الشعب الكردي ويلات كثيرة. علماً بأن البارزاني قد خيّر القيادة بين الاستمرار في المقاومة أو عدمه.
بعد تلك الاحداث لجأ الملا مصطفى الى الولايات المتحدة. كيف كانت تلك المرحلة، وماذا كان يقول، وعلى من راهن وخاب رهانه؟
- لم يلجأ الملا مصطفى البارزاني الى اميركا ولم يطلب اللجوء فيها. وكنت أنا مرافقاً له طيلة هذه الفترة. ذهب الى الولايات المتحدة لتلقي العلاج من مرض السرطان. كانت مرحلة صعبة ومريرة جداً، لكنه لم يفقد رباطة جأشه وكان يحاول ان يقوي من عزيمتنا، ويحثنا على التحلي بالصبر والجلد، ويبعث فينا الامل. كان يشعر بمرارة تجاه خيانة اميركا لوعودها، ولولا وعود اميركا لما كان ليعتمد على شاه ايران اطلاقاً.
اندلعت الحرب العراقية - الايرانية بعدما كان صدام قد ضرب المعارضة، ولجأ جزء منها الى كردستان وتبنى الكفاح المسلح. ماذا تذكرون من تلك المرحلة؟
- السلطة المركزية في بغداد ضربت قوى المعارضة منذ زمن طويل قبل الحرب العراقية - الايرانية. فقد ضربت الحركة الكردية بقيادة البارزاني العام 1968 - 1969 حتى آذار 1970 حيث اضطرت الى عقد مفاوضات معه واصدار اتفاقية 11 آذار 1970. ثم التفت السلطة المركزية على الحركة الكردية وضربتها ضربة قاسية في آذار 1975 بتوقيعها على اتفاق الجزائر. وفي العام 1977 - 1978 شنت السلطة حملة شاملة على الحزب الشيوعي العراقي، الذي انتقل الى الكفاح المسلح في كردستان اضافة الى اشكال المقاومة الاخرى في مناطق العراق وفي الخارج.
بمعنى آخر، عندما اندلعت الحرب العراقية - الايرانية كان جل قوى المعارضة في مواجهة شاملة مع الحكومة المركزية، أعلنت جميعها التمسك بخيار الكفاح المسلح. وكانت هناك مجموعات ديموقراطية واسلامية وقومية عربية مختلفة انضمت الى الجبهات والمحاور السياسية المعارضة. ففي اوائل تشرين الثاني نوفمبر 1980 تشكلت في دمشق "الجبهة الوطنية القومية الديموقراطية" العراقية جوقد. كما تشكلت في كردستان "الجبهة الوطنية الديموقراطية" العراقية جود، المؤلفة من حزبنا والحزب الشيوعي العراقي والحزب الاشتراكي الكردستاني الموحد، وانضمت اليها في ما بعد أربعة احزاب عراقية وكردستانية تحت لواء الكفاح المسلح.
من جهة اخرى، كانت لنا علاقات جيدة مع اطراف واحزاب اسلامية الدعوة، العمل الاسلامي، ثم المجلس الاسلامي الاعلى، كذلك مع احزاب ومنظمات قومية عربية قيادة قطر العراق لحزب البعث، الاشتراكي في العراق، وفصائل واحزاب الثورة العراقية الشاملة والشخصية المعروفة اللواء حسن النقيب وشخصيات عراقية وطنية مرموقة اخرى. كان حزبنا دوماً احد المحاور الاساسية في اية محاولات جبهوية سياسية أو تحالفات وطنية عراقية، مثل تجربة لجنة العمل المشترك 1990 - 1991، وغيرها.
اين وقف الاكراد في الحرب العراقية - الايرانية؟
- كرد العراق عموماً، بمختلف تنظيماتهم، عبروا منذ البداية عن ادانة هذه الحرب. ثم اختلفت المواقف في ما بعد، اذ ان الحرب طالت ثماني سنوات جرى خلالها تغيير في الموازين والقوى، ولكن في النهاية لا سيما منذ عام 1985 عادت جميع الاحزاب والمنظمات السياسية الكردية في العراق تعلن عن ادانة الجانب العراقي بسبب هذه الحرب. اما على الصعيد الشعبي، فقد استمر هروب الجنود الاكراد والمدعوين الى الخدمة العسكرية الجيش الشعبي تعبيراً عن رفض الشعب الكردي لهذه الحرب.
احداث حلبجة أعادت طرح مأساة الاكراد، ماذا حصل وما هي الارقام؟
- مأساة حلبجة وقعت العام 1988 16/3/1988، حين قصفت الطائرات الحربية العراقية مدينة حلبجة الآمنة بقنابل كيماوية فراح ضحيتها ما يقرب من خمسة آلاف شهيد وحوالي عشرة آلاف جريح، اضافة الى الاضرار البيئية والمادية والرعب والهلع بين سكان بقية مناطق كردستان. انها مأساة تبقى في وجدان الشعب الكردي وذاكرته، كما انها هزت الرأي العام العالمي وفتحت ابواباً عدة في مختلف انحاء العالم أمام طرح القضية الكردية.
انتفاضة الشمال
وقعت حرب الخليج الثانية. ماذا كان موقفكم منها؟ وما هي الظروف التي ادت الى انتفاضة الشمال؟
- منذ البداية أصدرنا نداءات وبيانات بادانة غزو الكويت ودعونا الى انسحاب القوات العراقية من الكويت، وأوضحنا خطورة ذلك، وأعلنا في الوقت نفسه ايقاف الكفاح المسلح في كردستان ريثما تنتهي أزمة الكويت. وحين توجه السكان العرب من بغداد والجنوب الى كردستان هرباً من مخاطر القصف الجوي والحرب، قمنا بتوجيه نداء الى السكان الاكراد في كل المدن الكردية لاستقبال العوائل العربية واستضافتها واحترامها.
ولما وقعت الحرب وتعرض العراق الى ما تعرض له من كارثة رهيبة، نظمنا ضمن الجبهة الكردستانية العراقية، وبالتعاون مع قطاعات الشعب المختلفة داخل المدن والقصبات، انتفاضة آذار 1991 لانقاذ شعبنا من المحنة. وكانت هناك ثلاثة عوامل لنجاح الانتفاضة في البداية:
أولاً - الاستعداد الذاتي لحزبنا وبقية قوى الجبهة الكردستانية العراقية التي هيأت للانتفاضة تنظيمياً وجماهيرياً واعلامياً.
ثانياً - ظروف حرب الخليج التي ادت الى تخلخل كبير في النظام السائد وتفكك اجهزة السلطة وضعف الثقة بما كان قد تبقى من صدقية النظام، حتى لدى المقربين منه لا سيما في كردستان.
ثالثاً - الاستعداد الشعبي العام، لا سيما بعد كل ما عاناه الشعب الكردي طوال العقدين الماضيين من مآسي التهجير والتعريب والابادة والقمع واستخدام الاسلحة الكيماوية وعمليات الانفال المشؤومة. ويمكن اعتبار العامل الثاني حرب الخليج ونتائجها عاملاً أولاً ورئيسياً، أو العامل الموضوعي الأول الذي هيأ للعاملين الآخرين.
الورقة الكردية
تحول الاكراد بعد ذلك الى ورقة اقليمية ودولية. هل خدعتكم الولايات المتحدة، وماذا انتظرتم منها؟ وهل خيبكم الغرب عموماً؟ وماذا عن ايران؟
- هذا ليس صحيحاً. الاكراد موجودون منذ فجر التاريخ ولهم قضية مشروعة وحقوقهم ليست ورقة اقليمية أو دولية. بل ان الوضع الاقليمي كان ولا يزال ضد هذه الحقوق، على بساطتها ووضوح مشروعيتها. حيثما تكون هناك اية مشكلة سياسية، كالمشكلة الكردية، تحاول بعض الدول ان "تتلاعب بها"، لكن فرصة هذا "التلاعب" تقع على الطرف الاساسي المسؤول عن ظهور المشكلة. لماذا لا تتحول حقوق الشعب السويدي أو المصري أو الأردني الى "ورقة اقليمية"؟ السبب واضح وهو انه ليست لهذه الشعوب مشاكل قومية كالشعب الكردي. فالصحيح هو ان الحكومات المركزية للبلدان التي يتواجد فيها الشعب الكردي هي التي تتسبب في الظروف التي تتحول فيها المشكلة الكردية احياناً الى ما يوصف ب "الورقة" بيد هذا أو ذاك، يعني بيد من يحاول او يدعي انه يحاول مساندة هذا الشعب المحروم الذي من حقه ان يطرق اي باب قد يجد فيه ملاذاً أو ظهيراً.
اما عن الموقف الحالي للولايات المتحدة والغرب، فكما قلنا في اجابة سابقة، نكرر ان هذه الدول كانت وراء كارثة تقسيم كردستان في الحرب العالمية الاولى، كذلك كارثة سقوط جمهورية مهاباد العام 1946، وهذه الدول هي التي ساندت، ولفترة طويلة، كل الاحلاف والاتفاقات الاقليمية ضد الشعب الكردي.
أما اليوم، فإن هذه الدول هي نفسها التي اقامت منطقة آمنة في كردستان العراق. ولم تنته هذه التجربة بعد، لكننا نعتقد في الوقت نفسه بأن اميركا ودول الغرب لم تف حتى الآن بما يعتبره الشعب الكردي حقاً مشروعاً له في اطار الجمهورية العراقية على سبيل المثال، لم تضمن هذه الدول وهي دول كبرى عالمياً اي حق محدد لشعبنا. ومن حق الشعب الكردي ان يتطلع الى ضمانة دولية لوجوده القومي بما يحفظ الدولة العراقية الواحدة والسلام والاستقرار في المنطقة. نحن واقعيون ونعتقد بأن الحل الصحيح لمشكلتنا في العراق انما يتحقق في اطار العراق نفسه على ان نضمن العدالة والانصاف على اساس الفيديرالية.
الحوار مع صدام
لماذا عدتم الى الحوار مع صدام؟
- أي حوار تقصدون؟ اذا كان المقصود حوار العام 1991، فقد تحدثنا عنه، والذي جرى في اطار الجبهة الكردستانية العراقية، وظل حزبنا في حوار مع الحكومة المركزية لمدة اطول من بقية الاطراف. وكنا حريصين على انجاح هذا الحوار، لولا ان مسائل جوهرية ظلت من دون حلول، منها تحديد المنطقة الكردية على اساس الجغرافيا والتاريخ، وصلاحيات الادارة المحلية في المنطقة على اساس الفيديرالية، واشاعة الديموقراطية في العراق. الا ان حوارنا في الحقيقة لم ينقطع. وكنا نرى ان بناء علاقات طبيعية على اساس الاحترام المتبادل على رغم الخلافات هو افضل من التوتر والاعمال الصبيانية ضد السلطة كما قام بها بعضهم العام 1995.
نحن مع حلول جدية على اساس حوار منطقي. وسنكون الى جانب الحل السلمي للقضية مع الحكومة المركزية طالما احتفظت هي الاخرى بهذه القاعدة. ولا نخفي اننا خضنا حلقات اخرى من الحوار مع الحكومة المركزية العام 1996 وبعد ذلك ايضاً، وان الحل الصحيح للقضية الكردية هو الحل السياسي السلمي مع الحكومة المركزية في اطار الجمهورية العراقية.
لماذا الطلاق مع جلال الطالباني؟
- خلاف الطالباني معنا وليس خلافنا معه هو أساس المشكلة. خلافه معنا قديم ويعود الى سنوات 1964 - 1966، واما السبب المباشر للاقتتال الداخلي، فهو رفضه نتائج الانتخابات البرلمانية العام 1992 حيث فاز حزبنا بنسبة 51 في المئة من الاصوات في مقابل 49 في المئة لقائمة حزبه أ. و. ك. ان رفض جلال الطالباني لنتائج اية انتخابات هو السبب المباشر لكل ما يحدث الآن، اضافة الى مشاكل ذاتية وحزبية اخرى.
لماذا تعثرت الادارة في كردستان؟
- كان بامكان الادارة ان تتقدم بنجاح لولا لجوء أ. و. ك الى استعمال السلاح أيار 1994 لحل المشاكل السياسية، ومحاولة تغيير موازين القوى بالعنف.
حتى تجربة المناصفة، كان بامكانها ان تستمر لو ان أ. و. ك التزم قواعد ادارة الاقليم التي ارادها كلها له، باحتكار السلطة عن طريق انقلاب عسكري.
اما عن التجربة الادارية، أو مقدرة الاكراد على ادارة انفسهم، فإن تجربة عام واحد من ادارة حزبنا والاحزاب المؤتلفة معه بادارة العاصمة ومحافظتي اربيل ودهوك ونجاح هذه الادارة والاستقرار السائد في المحافظتين، كل ذلك يدل على امكانية الاكراد وصلاحيتهم لإدارة شؤونهم بأنفسهم، هذا اذا تخلصوا من العقلية الاحتكارية الديكتاتورية للسلطة.
هل تراهنون على حل دائم مع النظام الحالي؟
- اوضحنا سابقاً أننا من جانبنا بذلنا ما يمكن لحل القضية بالتعاون مع النظام الحالي، سواء العام 1968 أو 1970 - 1974، كذلك في 1991 و1996، وقد عملنا ما بوسعنا. ونأمل ان نتوصل الى حل سلمي عادل ودائم لقضيتنا في اطار العراق المتقدم الآمن المستقر والمزدهر.
ألا تعتبرون ان حل المشكلة الكردية مرهون في النهاية بحل للقضية العراقية ككل؟
- في كل محاولاتنا منذ الستينات، والى اليوم، طرحنا دوماً حل قضيتنا بحل أزمة الحكم في العراق، وحتى حوارنا العام 1991 كان في الاتجاه نفسه، ولم نغفل القضية العراقية، بل اكدنا على الديموقراطية للعراق ايضاً. ولكن كيف سيتم حل القضية العراقية؟ أو ما هو جوهر القضية العراقية؟ ان هناك أزمة للحكم منذ تأسيس الدولة العراقية، وجاءت كل الحكومات العراقية لتحمل في احشائها جرثومة الازمة أزمة الحكم وغياب الديموقراطية فالعبرة ليست في تغيير الحكومات، انما العبرة في ان تكون هناك حكومة مركزية تحل هذه الازمة، سواء كانت الحكومة الحالية أو اية حكومة اخرى. ان حل ازمة الحكم سيسهّل حل القضية الكردية.
الحلقة الثانية الاسبوع المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.