عادت قضية حجاب الفنانات لتشغل الرأي العام في مصر بعد أن هدأت نسبياً خلال السنوات الأخيرة على أثر توقف اتجاه مزيد من الفنانات المصريات نحو ارتداء الحجاب واعتزال التمثيل، وكذلك العودة المعاكسة لبعضهن الى عالم الأضواء والشهرة. وتعود إثارة هذه القضية مرة أخرى الى قرار أتخذته الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية في مصر ظنه بعضهم قراراً عادياً مثل غيره من القرارات الرقابية لكن يبدو أن أطرافاً أخرى ليست لها علاقة مباشرة بالأمر أرادت أن تبقي على القضية في بؤرة اهتمامات المواطن العادي ربما لكسب مزيد من الفنانات باتجاه ارتداء الحجاب واعتزال الفن نهائياً. القرار الذي أتخذته الرقابة وأثار كل هذه الردود من الأفعال كان يقضي برفض عرض وتداول أول شريط فيديو كاسيت يتضمن حوارين مع اثنين من الفنانات المعتزلات هما الممثلة عفاف شعيب والراقصة زيزي مصطفى، وتدير المقابلة الشاعرة الدينية علية الجعار الموظفة السابقة باتحاد الاذاعة والتلفزيون التابع لوزارة الإعلام المصرية. وأصل الحكاية أن إحدى شركات الانتاج الخليجية المعروفة انتجت قبل فترة شريط فيديو عنوانه "والذين اهتدوا.. نجوم عائدة" وهو عبارة عن برنامج حواري من إعداد وتقديم الشاعرة علية الجعار، واخراج احمد عبد الله حسب ما جاء في مقدمة الشريط الذي تتصدره عبارات للشاعرة المعروفة تقول فيها: "في هذه السلسلة للمرة الاولى بالصوت والصورة تتحدث اليكم نجوم الفن العائدة الى رحاب الإيمان بعد رحلة طويلة قضتها بحثاً عن الشهرة والمجد وتحقيق الذات لتجد المرفأ الحقيقي بعد ذلك على شاطئ التقوى"، وبعد اغنية دينية بعنوان "العائدات التائبات" وعرض صور للعديد من الممثلات المحجبات تتحدث كل من عفاف شعيب وزيزي مصطفى عن تجربتهما الشخصية بين الفن والحجاب. هذا الشريط الذي يرجح أنه بداية لسلسة من الأشرطة المماثلة تحوي شهادات أخرى لفنانات معتزلات كان الهدف الأساسي من وراء إنتاجه تسويقه عبر الأقنية الفضائية العربية المختلفة، وكان من الممكن أن يتم بسهولة تسريب شريط كهذا داخل مصر، ثم تداوله سراً داخل مجالس وحلقات درس المحجبات، غير أن الفنان حسن يوسف، المعروف عنه سالانضباط والتزام سلك الطرق الرسمية، تقدم الى إدارة الرقابة على المصنفات الفنية للحصول على موافقتها على توزيع الشريط داخل مصر من خلال شركة الانتاج والتوزيع التي يملكها في مصر. لكن المدير العام للرقابة على المصنفات الفنية في مصر الناقد السينمائي علي أبو شادي رفض التصريح بتداول الشريط المذكور، وقال بأنه ليس ضد الفنان الكبير حسن يوسف الذي يحترم تاريخه وعطاءه الفني خصوصاً انه منح الترخيص من قبل لأكثر من عمل ديني من انتاج شركته من دون أدنى مشكلة، كما أنه ليس ضد حجاب الفنانات في ذاته، فكل إنسان له كامل حريته الشخصية لكنه ضد المبالغات التي يمتلئ بها الشريط، وتصوير الفنانات المعتزلات على أنهن قديسات، كما أنه ضد الايحاء بتكفير الاخريات بداية من عنوان الشريط "والذين اهتدوا.. نجوم عائدة" مروراً بعبارة الشاعرة في مقدمة المقابلة، وعنوان الاغنية "العائدات التائبات" وصولاً إلى اقوال كل من عفاف شعيب وزيزي مصطفى التي يفهم منها أن هذا هو الطريق الوحيد للهدى والإيمان. وعلى رغم اقتناع الرقيب العام بصحة موقفه فإنه - حسبما قال ل "الوسط" - يرحب بلجوء أي متضرر للجنة التظلمات التابعة للرقابة ولن يضيره أن تلغي هذه اللجنة قراره السابق وتجيز تداول الشريط في مصر. وعلمت "الوسط" أن الموقف من جانب الرقابة قوبل بالاستياء والاستهجان من قبل معظم الفنانات المعتزلات وفي مقدمهن بالطبع عفاف شعيب وزيزي مصطفى فضلاً عن ياسمين الخيام وسهير رمزي وشهيرة. أما الفنان حسن يوسف، وهو أحد أطراف القضية، فقد احترم وجهة نظر الرقابة، وتعامل مع الأمر بموضوعية ولم يشأ السير وراء الذين حاولوا أن يدفعوه الى القضاء، فيما يتردد أن الشاعرة علية الجعار مقدمة البرنامج تنوي السير في هذا الاتجاه، ولكن حتى كتابة هذه السطور، ووفق ما ذكره أبو شادي ل "الوسط" لم يتقدم أحد بأي شكوى رسمية في هذا الصدد، وأشار إلى أنه لم يكن هناك ما يدعو لإثارة كل هذه البلبلة على موضوع بسيط، واضاف متسائلاً: من هو المستفيد من تلك الزوبعة المفتعلة؟ ويتساءل الناس في مصر حالياً إذا كان الفنان حسن يوسف هو الذي سعى إلى توزيع الشريط فلماذا لم تظهر فيه زوجته الممثلة المعتزلة شمس البارودي على رغم أنها تواظب على القاء المحاضرات الدينية في مصر والدول العربية؟ وتفيد معلومات "الوسط" بأن الممثلة المعتزلة منذ عام 1983 رفضت بالفعل الظهور في أشرطة كهذه لأنها ترتدي النقاب وترفض التصوير رفضاً تاماً شأنها في ذلك شأن فنانات آخريات مثل شادية ونسرين وهناء ثروت، أما سهير البابلي ونورا - وهما لا ترتديان النقاب - فيعرف عنهما أنهما ترفضان المبدأ نفسه حتى لا تتحول أي منهما إلى داعية دينية. وكانت بداية التسعينات قد شهدت ظاهرة إرتداء الفنانات الحجاب واعتزالهن لكنها أخذت في الانحسار بعد عام 1993 لأسباب غير معروفة. تبقى الإشارة إلى أن الشريط- الضجة الذي لا تزيد مدته عن 45 دقيقة يتم تداوله سراً داخل مصر، وأن سعره قد تضاعف بسبب قرار المنع الرقابي، فهل كان من الأحرى التصريح به تجنباً لإثارة فضول الكثيرين؟ الرقيب علي أبو شادي يرى أن الترخيص للشريط يكسبه صفة الشرعية ويعني الموافقة الضمنية على كل ما جاء فيه.