المعركة التنافسية التي وزّعت العائلات البعلبكية على لائحتين لخوض انتخابات المجلس البلدي في مدينة الشمس 21 عضواً، الأولى يدعمها "حزب الله" والثانية تساندها احزاب البعث والشيوعي والسوري القومي الاجتماعي الطوارئ و"حركة أمل"، تكتسب اهمية خاصة وتحمل بعداً سياسياً يتجاوز مسألة تطوير البلدة وإنمائها، الى الصراع على التمثيل السياسي للمدينة الذي افتقدته بسبب التحالفات النيابية. وبغض النظر عن البرنامجين الانتخابيين للائحتين فلا بد من الاشارة الى ان الانتخابات النيابية كانت جمعت خصوم اليوم في الاستحقاق البلدي في لائحة بقاعية موحّدة حالت دون تمكين الأفرقاء من اختبار قوتهم، وإن كان الحزب شهد انطلاقته الأولى من منطقة بعلبك - الهرمل التي كانت احتضنت من قبله وفي مطلع السبعينات "حركة المحرومين" أمل التي أسسها رئىس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الإمام المغيّب السيد موسى الصدر. وتشهد بعلبك غداً الأحد صراعاً على المرجعية السياسية، بعدما انصرف رئيس المجلس النيابي السابق النائب حسين الحسيني الى الاهتمام بمعركته البلدية في شمسطار مسقطه في مواجهة "لائحة التغيير" المدعومة من الحزب وتضم ممثلين عن العائلات التي انقسمت بين اللائحتين المتنافستين، في مقابل انكفاء الحزب عن التعاطي مع المعركة البلدية في بريتال مسقط قائد "ثورة الجياع" الشيخ صبحي الطفيلي الملاحق من القضاء اللبناني. وهذه الاسباب مجتمعة أدت الى بروز "أمل" كقوة داعمة لكل الذين ينافسون الحزب، على رغم انها تعتمد كلياً النفوذ السياسي لرئىسها رئىس المجلس النيابي نبيه بري، في ظل افتقادها الى الجسم التنظيمي الذي سيكون في مقدوره الدخول في منافسة للماكينة الانتخابية التي يتمتع بها الحزب، اي ان لديها حضوراً معنوياً تحاول عبره تعويض الوجود المادي مستفيدة من الخدمات التي تؤديها للبقاعيين. ولم يكن للذين حشدوا قواهم وانتظموا في صف انتخابي ضد الحزب، سوى هدف واحد هو توجيه ضربة اليه في عقر داره، بعدما دخلت بعلبك او ادخلت في تاريخ الاحداث السياسية التي شهدها لبنان من خلال النمو السياسي المتزايد الذي حققه الحزب، حتى تحولت المدينة من وجهة نظر الإعلام الغربي الأوروبي والأميركي معقلاً اساسياً للحزب الأصولي الأبرز على الساحة اللبنانية، وأخذ يلصق كل التهم بهذه المدينة التي اخذت تستعيد عافيتها فور انتهاء الحرب. ثم ان بعلبك والمناطق المجاورة لا تزال تعتبر خط الدفاع الرئيسي للحزب، وهي تزوّد المقاومة الاسلامية مقاتلين ينتشرون في مواقع قتالية عدة في مواجهة اسرائيل. وتتطلع الاحزاب ومعها "أمل" الى خوض معركة اثبات وجود ضد "حزب الله" الذي سيحاول في المقابل تأكيد مرجعيته في بعلبك، ليزيل من ذاكرة البقاعيين خصوصاً، واللبنانيين عموماً ومن خلالهم الرأي العام العالمي ان المدينة لم تستسلم له في زمن الحرب بل صوتت بملء ارادتها للائحة التي يدعمها. وتحاول الاحزاب ان تنال من هيبة "حزب الله" البقاعية، بعدما راهن البعض على "ثورة الجياع" كقوة ولدت من رحم الحزب، ستكون قادرة على توجيه ضربة سياسية له تبدأ من المدينة ومحيطها لتمتد تدريجاً الى سائر البلدات في قضاءي بعلبك - الهرمل حيث الغالبية الشيعية. وبما ان "ثورة الجياع" اقلقت الحزب وشغلت باله مدة من الزمن ولم تحقق ما كان البعض يصبو اليه، لم يكن امام هؤلاء الا حشد الاحزاب علّهم يتمكنون من ليّ ذراع الحزب في منطقة تشكل العمق الحيوي لدمشق التي قررت الوقوف على الحياد ورسمت لنفسها مسافة متساوية من كل القوى المتنافسة التي تجمع على رؤية واحدة من سورية كدولة حليفة. ومع ان القوى الحزبية المناوئة للحزب في البلديات انخرطت في حلف انتخابي فأن الرئىس بري يُعتبر بطريقة او بأخرى، العرّاب الأول لهذه القوى، وبالتالي يراهن على ان يقطف ثمار المعركة من الزاوية السياسية. وفي هذا السياق، نقل نواب ووزراء عن قيادة "أمل" اعتقادها "ان الحركة لا تدخل في مواجهة مباشرة مع الحزب في البقاع وبالأخص في بعلبك، بمقدار ما انها اختارت لنفسها الحضور السياسي في الموقع المنافس له، أياً يكن هذا الموقع. فقيادة "أمل" ترفض ان تخلي الساحة الانتخابية للحزب اذ ستترتب على ذلك مضاعفات سياسية"، ويشير هؤلاء الى ان "ليس للحركة لوائح في البقاع، لكنها ستحاول تجيير الناس للاقتراع لمصلحة خصوم الحزب". وتابعت "ان "أمل" تؤيد التوافق والإئتلاف في بعلبك - الهرمل، لكن غيابهما دفع بنا الى الوقوف الى جانب القوى المنافسة للحزب"، مؤكدة "ان المعركة في بعلبك ستكون حامية وأن النتيجة غير محسومة لأي من الفريقين، ويمكن ان تتبدل لمصلحة الأحزاب في حال احجمت بعض العائلات عن التصويت للحزب واختارت اللائحة المعارضة له". وبالنسبة الى الانتخابات البلدية في شمسطار، اكدت مصادر في "أمل" انها كانت دعت الى التوافق، باعتبار انها ناخب في البلدة "وليست طرفاً، الا اننا نستطيع تأييد لائحة يتنكّر الذين يدعمونها لوجود "أمل" وبالتالي لم يكن من خيار امامنا إلا ان نكون مع الرئيس الحسيني، مع ان للحركة اصدقاء يدعمون اللائحة الاخرى". ولفتت المصادر الى "ان عدم اعتراف الحزب بوجود "أمل" في البقاع، كان من الاسباب الرئيسية التي أملت على الرئيس بري تأييد خصومه". وتحظى المعركة في بعلبك باهتمام السفراء العرب والأجانب المعتمدين في لبنان من زاوية من سيربح في "المنازلة"، وهل يتمكّن الحزب من الدفاع عن عقر داره في بعلبك، على نحو يعيد خلط الأوراق استعداداً للإنتخابات النيابية في العام 2001 التي ستدفع بالطرفين الى الاحتكام الى النتائج في تقويم الاحجام السياسية