كانت اهم قضية تمت مناقشتها في اجتماع مجلس الأمن القومي التركي الذي اجتمع في 29 ايلول سبتمبر الماضي قضية الارهاب والدعم الذي تقدمه سورية للارهاب. ومما تجدر الاشارة اليه ان تركيا منذ 14 عاماً تشتكي من دعم سورية لمنظمة حزب العمال الكردستاني، وإيوائها زعيم هذه المنظمة عبدالله اوجلان. ولهذا السبب تساءل كثيرون عما حدث فجأة حتى تغير تركيا موقفها ازاء سورية بعدما كانت العلاقة بين سورية وهذه المنظمة اصبحت من القضايا الروتينية. وما الذي ادى الى قيام تركيا برفع صوتها ضد سورية الآن؟ ولماذا بدأ الحديث عن الحرب؟ اول تساؤل في هذا الشأن اطلقه رجائي كوتان زعيم حزب "الفضيلة" الذي يعتبر امتداداً لحزب "الرفاه" السابق الذي تم حظره. واعقبه بعد ذلك قائد القوات البحرية السابق جوفن ارقايا حيث تساءل: ما الذي تغير لكي يتم اتخاذ قرار من هذا القبيل؟ وما الهدف من ذلك؟ ورد رئيس الجمهورية سليمان ديميريل بقوله ان "الوضع وصل الى مرحلة لم تعد تحتمل. فقد صبرنا بما فيه الكفاية ولم نعد نستطيع بعد الآن. لقد صبرنا لفترة طويلة، وكنا نعتقد بأنه قد يتم حل المشكلة بالطرق السلمية، الا ان ذلك لم يتحقق، ولذلك اعلنا الوضع للعالم لأنه كان من المفروض علينا ان نعلن عن ذلك". وتنفق تركيا 7 مليارات دولار سنوياً على مكافحة الارهاب. كما ان سبب ظهور التأثير العسكري في ادارة البلاد هو الارهاب الذي يلعب دوراً كبيراً في نمو وتطور المافيا، وتمتد علاقاته الى كبار المسؤولين في الدولة. ولكن هل من الممكن ان تكون وراء التشدد الحاصل في موقف الادارة السياسية التركية ضد سورية مثل هذه الاوضاع؟ لقد ذكر رئيس الوزراء مسعود يلماز في الكلمة التي القاها في البرلمان بأن الجواب على ذلك "نعم"، مشيراً الى ان الفرق الموجود بين القدح المليء بالماء والقدح الخالي مجرد قطرة من الماء. ومن ناحية اخرى فإنه من الصعب الموافقة على الرأي القائل بأن زيادة تطور العلاقات بين اسرائيل وتركيا في الفترة الاخيرة هي التي تقف وراء حدوث هذا التوتر. وللعلم فان اسرائيل ليست قلقة من الارهاب الحاصل في جنوب شرقي تركيا، بل على العكس فانها قد تكون مرتاحة من الازمة بين تركيا وسورية. ومن ناحية اخرى فإن اسرائيل لم تدل في اي وقت من الاوقات بأي بيان في انها ستدعم تركيا في كفاحها ضد الارهاب. وهل من الممكن أن تكون أنقرة قد شددت في موقفها ضد سورية لكي تتخلص من المشاكل السياسية الداخلية مثلما تقوم بذلك اغلب الإدارات السياسية في العالم؟ ليس من الصعب العثور على جواب لهذا السؤال. فلقد شهدت تركيا في العام 1995 نمو الإسلام السياسي. واعقب ذلك وصول الزعيم الإسلامي نجم الدين اربكان إلى منصب رئاسة الحكومة في تركيا. ولكنه اضطر إلى تقديم استقالته بضغط من الجيش ومن ثم تم حظر حزبه ومنع هو من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات. ولم تتقبل تركيا الاتاتوركية نجاح الإسلاميين. كما أن حزب "الرفاه" لم يتقبل عزله من الحكم. لقد بدأت تركيا العودة الى الوراء في شأن الديموقراطية التي استعادتها في الثمانينات. فقد أغلقت اغلب الجامعات أبوابها بوجه الطالبات المحجبات. وقام الآلاف من أولياء الطالبات مع الطالبات بتنظيم تظاهرات احتجاجية ضد ذلك. أما الشرطة التركية التي اعتادت ان تضرب بالهراوات اليساريين على مدى سنين طويلة، فقد عمدت للمرة الأولى إلى استخدام هذه الهراوات ضد الطالبات المحجبات. وأصدرت المحكمة قراراً بسجن رئيس بلدية اسطنبول رجب طيب ارضوغان بسبب القائه قصيدة. واضطرت الحكومة الائتلافية المتشكلة من حزبين يمينيين وحزب يساري والمدعومة من قبل حزب يساري آخر من خارج البرلمان، إلى اتخاذ قرار باجراء الانتخابات العامة المبكرة في نيسان ابريل 1999 على اثر ضغط من حزب الشعب الجمهوري. في الحقيقة فإن هذه الانتخابات ليست لمصلحة الحكومة ولا المعارضة. وإلى الآن لم يتمكن حزب "الرفاه" من جمع شمله. كما ان الحكومة فشلت في خفض نسبة التضخم البالغة 80 في المئة. وزاد في الطين بلة بالنسبة الى الحكومة التصريحات التي ادلى بها زعيم المافيا التركي علاء الدين جاقيجي نزيل السجن في مدينة نيس في فرنسا والتي نشرتها اجهزة الاعلام بما فيها المرئية، حيث انه تم نشر اشرطة كاسيت مسجلة فيها اتصالات هاتفية مع وزير من حكومة يلماز ومع وزيرة من حكومة تشيللر. وقد اضطر الوزير لتقديم استقالته. ليصبح اول ضحية لجهود يلماز في مكافحة الرشاوى والمحسوبية. لقد اتحدت احزاب المعارضة مع الاحزاب الحاكمة ضد سورية. ورغم ان المعارضة اشتكت من عدم تزويدها بالمعلومات الكافية من قبل الحكومة، فإنها شددت موقفها ضد سورية. وطلب حزب الشعب الجمهوري اتخاذ كل ما يلزم ضد سورية وعمدت اجهزة الاعلام الى نشر اخبار الحرب. لكن هل سيتم ضرب سورية؟ وكيف سيتم ذلك؟ لا يجيب احد بالايجاب على هذا السؤال. وقال رئيس الوزراء ان سورية هي في حرب غير مباشرة مع تركيا حيث انها تدعم الارهاب، وانه وفق المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة فان لتركيا حق الدفاع المشروع عن نفسها. وذكر ايضاً ان الحكومة قد تطلب صلاحية اعلان الحرب من البرلمان ولا توجد اي علاقة لهذه الازمة بكل من اسرائيل والدول العربية. وحتى منتصف الاسبوع الماضي كانت مؤشرات الحرب راجحة، قبل ان تتغير. وعمد المسؤولون الأتراك الى تأكيد ان أنقرة لم تتخذ بعد اي خطوة باتجاه تأزيم الموقف... الا انها بعد الآن ستشهرها امام العالم. والواضح انه عندما يتم اللعب بالنار لا تمكن معرفة النتائج سلفاً