أدّى مقتل مايكل كينيدي، ثاني اكبر ابناء السيناتور الراحل روبرت، الاحد عشر، بينما كان يتزلّج على الجليد في منتجع أسبن في ولاية كولورادو في 31 كانون الأول ديسمبر الماضي الى موجة من الصخب والاهتمام الاعلامي الكبير في الولاياتالمتحدة بأسرة كينيدي المشهورة بمجازفات ابنائها ومغامراتهم الاجتماعية والانسانية والسياسية. لكن مجازفة مايكل كانت على ما يظهر طفولية، اذ كان يلعب "كرة القدم" على الجليد مع حوالي عشرين آخرين من الأقارب والاصدقاء. وكانت تلك المجموعة تنقسم الى "فريقين" يتسابقان على الانزلاق على احدى التلال وتمرير الكرة من لاعب الى آخر. وتبعاً لقواعد لعبة كرة القدم الاميركية التي كان يتبارى فيها الفريقان لا يجوز لأي لاعب ان يحتفظ بالكرة لأكثر من خمس ثوان. اما الكرة التي استخدمها الفريقان في أسين فكانت عبارة عن زجاجة بلاستيكية مملوءة بالثلج. وحين امسك مايكل بالزجاجة تطلع الى اليمين بحثاً عن احد اعضاء فريقه لقذفها اليه. وخلال ثوان ارتطم رأسه بقوة رهيبة باحدى الاشجار مما ادى الى اصابته بجروح بليغة في الجمجمة ونزيف في الشريان الوريدي. وأظهر تشريح جثته فيما بعد انه حتى لو نجا من الحادث، فإنه كان سيصاب بالشلل من رقبته الى اسفل، تماماً مثلما حدث للممثل الشهير كريستوفر ريف سوبرمان حين وقع عن صهوة الحصان الذي كان يمتطيه. وفور اصطدام مايكل الذي كان في التاسعة والثلاثين من عمره بالشجرة، كانت شقيقته روري اول من وصل الى مكان الحادث، وبعدها وصل ابنه الأصغر واسمه ايضاً روري الذي كان يصور المباراة بكاميرا فيديو. وتعود المآسي التي ألمّت بعائلة كينيدي، او الاشخاص المقرّبين من العائلة الى الحرب العالمية الثانية عندما فقد جوزيف كينيدي عميد العائلة الذي كان سفير أميركا في لندن في عهد الرئيس روزفلت نجله الاكبر والمحبّب لديه، واسمه جوزيف ايضاً. وكان عميد الأسرة جوزيف قد جمع ثروته الطائلة من خلال بيع المشروبات الكحولية التي كانت محظورة في الثلاثينات من هذا القرن، بالتعاون مع المافيا. وعندما أبلغ جوزيف رئيسه روزفلت انه يتوقع انتصار المانيا في الحرب، ونصحه بعدم الوقوف الى جانب بريطانيا ثار عليه ابناؤه وتمردوا على آرائه. وفي العام 1944 عاد جون الذي اصبح رئيساً فيما بعد الى الولاياتالمتحدة ليلقى استقبال الابطال بعدما نجا من طراده الحربي الذي اغرقه اليابانيون في المحيط الهادئ. اما شقيقه الاكبر جوزيف فتطوع لقيادة طائرته ومهاجمة موقع اطلاق القنابل الصاروخية الألمانية الجديدة في "بيني موندي" على الساحل الهولندي. لكن الطائرة التي قادها وهي محمّلة بالمتفجرات والقنابل، انفجرت في الجو مما ادى الى مقتله مع ملاّح الطائرة. بعد هذا المصاب بدأ السفير كينيدي يركز اهتمامه على ابنه جون الذي اصبح رئيساً للولايات المتحدة واغتيل العام 1963. وعقب مقتله تولى السيناتور روبرت كينيدي حمل الشعلة السياسية للعائلة، وبدأ حملته لتولي الرئاسة لكنه لقي المصير نفسه حين اغتاله احد رجال حرسه الخاص مع انه تم تلفيق تهمة اغتياله وإلصاقها بفلسطيني اسمه سرحان بشارة سرحان. ولم تقتصر المعاناة على الأبناء وحدهم. اذ ان بنات السفير كينيدي تعرضن للمعاناة ايضاً. فقد كانت روزماري التي ولدت معوقة، ضحية لاحدى العمليات الجراحية التي جعلت منها مجرّد جثة هامدة، مما دفع العائلة الى ارسالها الى احد الملاجئ منذ العام 1941. أما كاثلين فقد تزوجت من ضابط بريطاني إبان الحرب العالمية الثانية. لكنه سرعان ما قتل في الأيام الأخيرة من الحرب العام 1945. وفي العام 1948 قتلت كاثلين في حادث تحطم طائرة مع عشيقها. وهكذا لم يعد على قيد الحياة من أشقاء الرئيس كينيدي واخواته سوى السيناتور ادوارد كينيدي وشقيقته يونيس. ومع أن السيناتور كينيدي لم يستطع خوض معركة الرئاسة بعد مقتل شقيقيه بسبب سلسلة الفضائح وتهديدات القتل التي تلقاها فإن حياته كانت مليئة أيضاً بالمصاعب. ففي العام 1964 تدهورت السيارة التي كان يقودها فوق أحد الجسور في ولاية مساشوستس مما أدى الى مقتل أحد مرافقيه وغرق عشيقته ماري كوبشني. وفي العام 1973 قرر الأطباء بتر ساق ابنه الأكبر بسبب اصابته بالسرطان. وفي العام 1984 توفي ديفيد شقيق مايكل في أحد الفنادق بعدما تناول جرعة كبيرة من المخدرات عقب طرده من منزل الأسرة في بالم بيتش في ولاية فلوريدا. وواجه روبرت وهو أحد أبناء إيثل كينيدي التي قتل والداها في حادث تحطم طائرة تهمة امتلاك المخدرات، لكن نفوذ العائلة ساعد على اطلاق سراحه. وبينما كان جوزيف كينيدي عضو الكونغرس والنجل الأكبر لروبرت وايثل يقود سيارته اصطدم بسيارة أخرى مما أدى الى اصابة رفيقته في السيارة بالشلل الدائم. وفي العام 1991 اعتقلت الشرطة ابن شقيقة كينيدي وليام كينيدي سميث في بالم بيتش بتهمة الاغتصاب لكن المحكمة برأت ساحته وأطلقت سراحه. وقبل مقتل مايكل أخيراً كانت العائلة تعلق عليه آمالها السياسية، لا سيما بعدما أثبت نجاحاً واسعاً في ميدان الأعمال. إذ كان يدير شركة للاقتصاد في استخدام الطاقة ومساعدة العائلات الفقيرة في دفع تكاليف التدفئة. وفي العام 1994 أدار بنجاح كبير حملة عمّه ادوارد الانتخابية. وكانت العائلة قد قررت في العام الماضي أن يخوض جوزيف عضو الكونغرس معركة انتخابات حاكم ولاية مساشوستس وأن يخوض مايكل حملة انتخابات الكونغرس خلفاً له هذا العام. إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. فحتى قبل مقتل مايكل نشرت احدى صحف بوسطن خبراً قالت فيه ان مايكل عاشر لفترة طويلة مربية أطفاله حين كانت في الرابعة عشرة من عمرها. وإثر انتشار نبأ "الفضيحة" قررت زوجته فكتوريا الانفصال عنه والشروع في اجراءات الطلاق. ولم يمض وقت طويل حتى انسحب جوزيف أيضاً من حملة انتخابات حاكم الولاية بعدما نشرت زوجته السابقة كتاباً عن أسباب الطلاق بينهما. وعلى رغم السلوك الطفولي الذي أدى الى وفاة مايكل المفاجئة فانه كان يحظى باحترام كبير بين الناس، كما أن مثله الأعلى كان والده "بوبي". وتقول أسرته ان جمعية محاربة تعاطي الكحول منحته قبل وفاته وساماً على نشاطه في هذا الميدان. وهكذا شيعت الأسرة في الثالث من كانون الثاني يناير الجاري ابناً آخر من أبناء عائلة كينيدي التي تعج حياتها بالمآسي. فما الذي ستؤول اليه هذه الأسرة؟ يرى المتابعون للعائلة ان كاثلين شقيقة مايكل التي تتولى الآن منصب نائب حاكم ميريلاند ستخوض معركة انتخابات مجلس الشيوخ هذا العام. أما تيدي فمن المرجح أن يصبح زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ. وفيما عدا ذلك من الصعب على المرء أن يتوقع ما إذا كانت أشباح أبناء الأسرة الذين رحلوا في ظروف مأسوية ستغيب الى الأبد أم ستظل تطارد آل كينيدي. ومهما يكن الأمر فإن الشيء الأكيد الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن اسم "كينيدي" سيظل عالقاً في أذهان الأميركيين الذين يربطون بين هذا الاسم وعالم السياسة والمجازفات والمآسي.