تستعد تركيا لانهاء هذا القرن وهي تخطو خطوتين الى الأمام وخطوة الى الوراء، في اطار حركتها الديموقراطية التي بدأتها في الخمسينات. فالجيش عاد بقوة الى مسرح السياسة مرة أخرى، بعد الانفتاح الذي عاشته باسم الديموقراطية والحريات منذ العام 1983 اثر ثلاثة انقلابات عسكرية. ويقول سياسي تركي ليبرالي، في شأن موقع الجيش "ان تركيا شركة مساهمة ورث الجيش عن أتاتورك 51 في المئة من اسهمها، على أساس دستور ينص على أنها دولة ديموقراطية علمانية اجتماعية ودولة حقوق. اما أصحاب الشركة الباقون فلا يوجد بينهم من يطالب بهذه العناصر الأربعة مجتمعة. فالاسلاميون يقولون ان تركيا دولة مسلمة، واليساريون ينادون بكبح الليبرالية. لكن قطبي المعادلة هما أنصار العلمانية وأنصار الدين. لقد تشكلت حكومة مسعود يلماظ التي تضم ثلاثة أحزاب مدعومة بحزب من خارج البرلمان، بعد استقالة حكومة حزبي الرفاه والطريق القويم، اثر صراع بين أنصار العلمانية وأنصار الدين، ونتيجة ضغوط بلغت ذروتها في الاجتماع الشهير لمجلس الأمن القومي في 28 شباط فبراير الماضي الذي أعلن ان مؤيدي الاتجاه الديني يهددون النظام في تركيا. وتسلمت حكومة يلماظ الحكم والبلاد تجتاز أزمة اقتصادية بسبب عدم الاستقرار الذي استمر عاماً كاملاً، وكان أول اجراء تتخذه زيادة مدة التعليم الأساسي من خمس سنوات الى ثماني، الأمر الذي أدى الى اغلاق المرحلة المتوسطة في مدارس الأئمة والخطباء، الى حد ما. فاندلعت التظاهرات بعد كل صلاة جمعة أمام المساجد. لكن اللافت ان حزب الرفاه الذي كان يشارك في التظاهرات بقوة تراجع عنها بشكل ملموس بعد صدور قانون الاصلاح. وعلى صعيد السياسة الخارجية تعيش تركيا علاقات متوترة مع جيرانها، روسيا واليونان وايرانوالعراق وسورية. لكن أكثر دولتين شغلتا جدول أعمال السياسة الخارجية التركية في عهد حكومة الرفاه والطريق القويم هما اسرائيل وايران. فعلى رغم كراهية اربكان لاسرائيل، إلا أن العلاقات بين تركيا واسرائيل تطورت بشكل لم يسبق له مثيل، انما بمبادرة من الجيش التركي. كما أنه ليس من الخطأ القول إن العلاقات التركية - الايرانية توترت بسبب تعاطف طهران مع اربكان. وعلى رغم استمرار العلاقات وتطورها بين أنقرة وتل أبيب، إلا أن نائب رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد يعتبر ان هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في توقف عملية السلام، وان على تركيا أن تعيد النظر في المناورات العسكرية التركية - الاسرائيلية التي ستجرى في البحر المتوسط. الى أين تسير تركيا وسط صخب العواصف الداخلية والخارجية؟ "الوسط" حاولت الاجابة من خلال ثلاثة لقاءات: الأول مع نائب رئيس الوزراء التركي بولند أجاويد والثاني مع وزير الخارجية اسماعيل جم والثالث مع الرجل الثاني في حزب "الرفاه" عبدالله غول. أجاويد: علينا إعادة النظر في موقفنا من اسرائيل اشتهر نائب رئيس الوزراء التركي بولند أجاويد، الشاعر والصحافي السابق، بلقب "الشاب الأسمر" تشبهاً بالشاب الأسمر الذي يقوم بدور البطل الذي يدافع عن الأتراك ضد البيزنطيين في الأفلام المتحركة، ويطلقون عليه اسم "فاتح قبرص" لأن الحكومة التي ترأسها في العام 1974 نفذت الانزال العسكري في الجزء الشمالي من قبرص، الذي يقول الاتراك عنه انه كان مجرد "عملية سلام" في الجزيرة التي مزقتها الحرب الأهلية. لكن أجاويد ذا الاتجاه الديموقراطي الاشتراكي الذي أصدر قوانين الأحزاب مُنع من ممارسة العمل السياسي الذي طبع حياته طوال نصف قرن، اثر الانقلاب العسكري في أيلول سبتمبر 1980. ولا شك في أن أجاويد زعيم حزب اليسار الديموقراطي من أكثر السياسيين الأتراك اثارة للجدل، إن لم يكن أكثرهم. فأثناء حرب تحرير الكويت انتقد مشاركة بلاده في الحرب، وبينما كانت الولاياتالمتحدة تقود تحالفاً واسعاً ضد الرئيس صدام حسين، توجه أجاويد إلى بغداد في 1990 وأجرى لقاء صحافياً بصفته مراسل صحيفة "ملليت" وحصل على جائزة جمعية الصحافيين الأتراك. في حديثه الى "الوسط" تطرق اجاويد الى علاقات تركيا مع جيرانها وبدا متحفظا واحياناً غير واضح حيال المناورات العسكرية التركية الاسرائيلية. لقد اتهمتم الحكومة التركية السابقة باجراء تغييرات جذرية في السياسة الخارجية التي تتبعها تركيا منذ 70 عاماً، وبتوجيه خطها نحو الشرق. فما هو وضع السياسة الخارجية التي تسلمتموها من الحكومة السابقة؟ وما هي التغييرات التي اضطررتم لإجرائها؟ - في الحقيقة عاشت السياسة الخارجية التركية حالة من الفوضى في عهد حكومة حزبي الرفاه والطريق القويم، ولم يكن من المعروف من المسؤول عن ذلك، حيث ان وزيرة الخارجية السيدة تشيللر كانت لا تعرج على مبنى وزارة الخارجية. كما ان السيد اربكان كانت له سياسة مختلفة. وكان ممثلو الدول الاجنبية لا يعرفون مع من يبحثون في السياسة الخارجية في تركيا بسبب عدم معرفتهم للمخاطب الحقيقي. هل يبحثونها مع عبدالله جول وزير الدولة في حكومة اربكان، او مع اربكان، ام مع تانسو تشيللر، ام مع القادة العسكريين؟ وحدث للمرة الاولى انهم شعروا بالحاجة لزيارة القادة بسبب اضطرارهم لذلك. كما انه لم تكن هناك في الحقيقة سياسة منتظمة منفتحة نحو الشرق ايضاً. لقد تأسست مجموعة تسمى مجموعة الدول الثماني، الا انه لم يتم التفكير بدعوة جمهوريات آسيا الوسطى واذربيجان للانضمام الى هذه المجموعة. كما ان اربكان لم يقم بزيارة هذه الدولة المعجبة بالعلمانية والتي تولي الاهمية لهويتها التركية والوطنية. ان هذا الوضع كان يثير قلق اربكان. فمن ناحية كان يحاول الانفتاح نحو الشرق، الا ان هذا الانفتاح لم يشمل اهم الدول مثل الصين واليابان. ولكنه قام بزيارة نيجيريا. وكانت هذه عبارة عن سلسلة لحالة غير منتظمة. ولهذا السبب من الصعب جداً التوصل الى قرار في شأن القول ان السياسة في تلك الفترة كانت كذا وكذا. وعندما تأخدون المعيار الاسلامي في الاعتبار، فآنذاك ايضاً من السهل جداً العثور على التناقضات. فعلى سبيل المثال في الهند اكبر عدد من السكان المسلمين، ولم تتم دعوتها للانضمام الى مجموعة الدول الثماني، الا انه تمت دعوة نيجيريا التي لا يمكن اعتبارها دولة اسلامية بشكل تام. اني لا ارى اي تناقض بين الانفتاح نحو الشرق والغرب، فالسياسة الخارجية لا يمكن تجزئتها الى اقسام. يتحدث برنامج حكومتكم عن سياسة خارجية لتركيا يرتكز ثقلها الى المنطقة، فما القصد من ذلك؟ - عندما اشرنا الى ذلك كنا نقصد المناطق الواقعة خارج تركيا والمناطق التي لا توجد لنا معها اي حدود. ولأجل ان تعيش دولة ما في استقرار، يجب قبل كل شيء ان تبني علاقات مع الدول الموجودة في منطقتها. وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي اتسعت المنطقة المحيطة بتركيا. ففي السابق كان الى شمالها الاتحاد السوفياتي، الا انه توجد الآن دول لها ارتباطات خاصة مع تركيا نابعة من التاريخ والثقافة. لقد اصبحت المنطقة الآن اكثر اتساعاً وتعقيداً، ونتيجة لذلك حصلت تركيا على موقع جغرافي وسياسي مهم. ان برنامج حزبنا، حزب اليسار الديموقراطي، يولي اهمية للسياسات الاقليمية، لكن هذا لا يعني ابداً ان تركيا ستسجن نفسها في منطقتها فقط. اذ بإمكان الدولة الانفتاح على الخارج بسهولة بعدما تستقر في منطقتها. لقد عشنا هذا الوضع في عهد اتاتورك، فعلى رغم ان عدد السكان في الجمهورية التركية كان 13 مليون نسمة في عهد حرب التحرير والوضع الاقتصادي كان سيئاً جداً، والصناعة كانت شبه معدومة، ومعدات الجيش كانت ناقصة، ولكن على رغم ذلك تمكنت تركيا من ان تصبح الدولة الرائدة في المنطقة، وذلك عن طريق تعزيز علاقاتها مع الشرق الاوسط استناداً الى حلف سعد آباد، ومع دول البلقان استناداً الى حلف البلقان، وكذلك عن طريق تأسيس علاقات خاصة مع الاتحاد السوفياتي. لقد تمكنت تركيا من ان تصبح دولة رائدة في البلقان والشرق الاوسط. وبدأت تنفتح نحو الشرق والغرب بهذه المواقع التي حصلت عليها. ولم تتمكن تركيا ان تصبح دولة رائدة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، الا انها اصبحت تمتلك القوة اللازمة للدولة القائدة. يتهمونكم في الداخل والخارج بأنكم من الصقور؟ هل انتم بالفعل كذلك؟ - بدأ بعضهم يعتقد في السنوات الاخيرة بأن العولمة تقتضي الاستسلام للدول الكبرى، ويستغرب قيامنا بالدفاع عن حقوقنا الوطنية. أنا لا امتلك الحق بأن اشكو من الموجودين في الخارج، الا ان باستطاعتي ان الومهم. لكن بعض كتّاب المقالات وبعض المؤسسات وبعض المثقفين في الداخل يساورهم القلق بمجرد قيامنا بالدفاع عن حقوق تركيا ويتهموننا بأننا صقور. لقد لفّقوا تسمية الصقر بي، لقيامي بعملية السلام في قبرص، الا ان هذا الادعاء خاطئ جداً، وذلك واضح من خلال قيامنا في الفترة التي كنت اتولى فيها منصب رئاسة الوزراء باستخدام حقنا كجهة ضامنة في قبرص، لانه كانت هناك فوضى سائدة قبل حدوث الانقلاب العسكري اليوناني هناك. لقد مرّ 23 عالماً على قيامنا بعملية السلام الحقيقي لقبرص، ولم نكتف بنقل السلام فقط الى قبرص، بل ساهمنا في انهاء نظام الطغمة العسكرية التي حكمت اليونان ست سنوات لتحلّ محلها الديموقراطية. ان اكثر السياسيين اعتدالاً في نظرتهم الى تركيا في الخارج يقولون ان تركيا احتلت قبرص. - ان احتلال قبرص ليس مدار بحث، لان هناك اتفاقات دولية. ففي 15 تموز يوليو 1974 وعلى اثر قيام الطغمة العسكرية اليونانية بانقلاب في قبرص، اصبح من حق تركيا ان تتدخل في قبرص، بل واكثر من ذلك، فانها منحت لتركيا حق التدخل، ونحن قمنا باستخدام هذا الحق، ولم يعترض احد على ذلك. تطلب اذربيجان من تركيا ان لا تفتح حدودها مع ارمينيا كشرط لقاء موافقتها على مد خط النفط عبر تركيا. - نحن نرغب بتطوير علاقاتنا مع ارمينيا. كما ان ارمينيا ايضاً بحاجة لتطوير علاقاتها مع تركيا، الا انها ما زالت تحتل الى جانب قره باخ ناغورنو، جزءاً كبيراً من الأراضي الاذربيجانية، لذلك يجب عليها ان تنهي هذا الاحتلال وتتوصل الى حل سلمي في شأن مشكلة قره باخ. لقد اقترحت حلاً لهذه المشكلة، بدأ العالم يهتم به، هناك كثافة سكانية ارمنية في بعض مناطق قره باخ، ومن الجهة الأخرى فقد تم اقحام أراضي ارمينيا بين ناهجيوان وأذربيجان في مقابل ذلك. وهذه الأراضي كانت في السابق خاضعة لأذربيجان، الا انه عندما ضمت الى ارمينيا في عهد ستالين، اضطرت اذربيجان للابتعاد عن جمهورية ناهجيوان المستقلة التابعة لها. ويؤدي هذا الوضع الى صعوبة تحقيق المواصلات بين تركيا وكل من القوقاز وآسيا الوسطى، ولهذا السبب يجب ضم جزء من الأراضي التي يوجد فيها السكان الأرمن بكثافة في منطقة قره باخ الجبلية الى ارمينيا، لقاء ضم الأراضي الواقعة بين اذربيجان وناهجيوان الى اذربيجان. تحاول روسيا بيع السلاح لكل من ارمينياوجنوب قبرص وسورية وإيران، وهناك تقارب بين روسيا وأرمينيا وإيران من جهة، وبين سورية والعراق وسورية وإيران من جهة اخرى. - ان كل هذه التطورات تثير قلق تركيا. ففي العهد السوفياتي كان الروس لا يتبعون سياسة خارجية تستند على الفوارق العرقية والدينية لأن الفكر الشيوعي يمنع ذلك، الا انه بعدما تفكك الاتحاد السوفياتي، زال هذا العائق الفكري، وتقوم دولة روسيا الفيديرالية اليوم، وبشكل علني، باتباع سياسة عرقية سلافية وأرثوذكسية. ولقد رأينا ذلك في البوسنة والهرسك. وتسعى روسيا لمحاصرة تركيا برابطة أرثوذكسية تبدأ من البوسنة وتمتد الى البلقان عبر اليونان وشمال البحر الأسود فالقوقاز وحتى جنوب قبرص. لقد بدأت روسيا منذ الآن باتخاذ قواعد لها في جنوب قبرص من الناحية الاقتصادية. كما يوجد عدد كبير من الروس هناك. واضافة الى ذلك هناك المافيا والبنوك الساحلية والجرائد الروسية. وعندما تصل الصواريخ الى قبرص ستقوم بجمع قوتها العسكرية أيضاً بحجة التدريب. وتعتبر هذه المرة الأولى التي تقوم فيها روسيا بتخطي خطوات ملموسة بعدد تملك السكان في البحر لمتوسط، في حين ان اوروبا الغربية تبقى في موقف المتفرج ازاء ذلك، وعلى رغم ان اميركا لا تبدي موقفها بشكل صريح إزاء هذه الحالة، فإني اعتقد انها تشعر بالقلق. شهدت تركيا قبل أشهر توتراً كبيراً في علاقاتها مع ايران على رغم الصداقة بين أربكان والمسؤولين الايرانيين. لكن تقارير الجيش والاستخبارات التركية تقول ان ايران تدعم حزب العمال الكردستاني والحركات الاسلامية المتطرفة. - لكن أربكان كان يشعر بالقلق إزاء تلك التقارير. ان نظرة اربكان الى السياسة الخارجية نظرة غير مسؤولة بشكل عام. فبينما كانت لتركيا علاقات جيدة مع تونس قام أربكان كرئيس للوزراء باجراء اتصالات مع الجهات التي ترغب بتغيير النظام في تونس عن طريق الارهاب. ومارس الطريقة نفسها بالنسبة الى باكستان ومصر أيضاً، مما دفع هذه الدول الى النظر بشك الى تركيا، إلا أن هذه الشكوك زالت الآن. لقد قمتم خلال حرب الخليج بزيارة العراق والتقيتم الرئيس صدام حسين ودافعتم لوحدكم عن الحوار معه، في فترة كان العالم كله قد أسس تحالفاً مضاداً له، وكانت تركيا أيضاً من ضمن هذا التحالف. كيف سينعكس أسلوبكم الذي اتبعتموه في تلك الفترة على سياسة تركيا إزاء العراق بصفتكم نائباً لرئيس الوزراء؟ - أنا لم أقم بذلك بسبب تعاطفي مع صدام، بل قمت بذلك لحماية مصالح تركيا، كان من الواضح أن تلك الحرب ستؤدي الى تجزئة العراق وخلق فراغ في السلطة في شمال العراق سينتفع منه حزب العمال الكردستاني وسيزداد الارهاب في تركيا. وقد تحققت أقوالي هذه. ان العراق كان جاراً لتركيا وله معها أفضل العلاقات قبل حرب الخليج. كانت هناك بعض الاضطرابات داخل العراق التي تؤثر أحياناً على تركيا، إلا أنه كانت هناك علاقات اقتصادية متطورة بين الدولتين. كما أنه لم تكن هناك أي عناصر تهديد متبادلة بيننا. ولقد ازداد الآن عدد الذين أدركوا صحة توقعاتنا في تلك الفترة. لكن المشكلة أصبحت أكثر تعقيداً، فالسياسة التي اتبعتها الولاياتالمتحدة أفلست، حيث أنها أبعدت من المنطقة كل شخص قدم مساعدات لها في شمال العراق. كما ان أميركا لم تتمكن من إطاحة صدام. وأنا اعتقد بأن اميركا لم تحدد نوعية السياسة التي ستتبعها ازاء العراق. وتعتبر تركيا من أكثر الدول تضرراً بسبب التطورات في العراق من الناحيتين الأمنية والارهابية. كما أنها تأثرت بسبب الحظر المفروض على العراق. واعتقد بأن على تركيا أن تستمر في اقامة العلاقات الحسنة مع أميركا من جهة، إلا أنه يجب عليها من جهة أخرى أن تحدد مع اميركا سياسة أكثر واقعية ازاء العراق. لقد ازداد التوتر بين اسرائيل والفلسطينيين ويجري الحديث عن الحرب من جديد. فيما يؤكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان اسرائيل لن تنسحب من القدسالشرقية. ما هو تقويمكم للوضع؟ - إننا نتألم كثيراً. ان تركيا ترغب في تطوير علاقاتها مع اسرائيل في كل المجالات، إلا ان هناك شرطاً لا يمكن التخلي عنه وهو استئناف مسيرة السلام وتنشيطها من جديد. كيف ستتأثر العلاقات التي ازدهرت في السنوات الأخيرة بين تركيا واسرائيل، في حال اقفال الطريق المؤدي الى السلام؟ وهل من الممكن تعليق الاتفاقات العسكرية بين الدولتين أو إلغاؤها؟ - هناك تنظيمات مختلفة في الدولة لها علاقة بهذا الموضوع، ولم تجر حتى الآن محادثات مفصلة في هذا الشأن، إلا انه سيتم البحث في هذا الموضوع قريباً. ويجب علينا ان نبحث في ما اذا كان على تركيا ان تقوم باجراء المناورات مع اسرائيل في البحر المتوسط أم لا، في هذه المرحلة التي تتعرض فيها مسيرة السلام للانقطاع. كما يجب علينا ان نعيد النظر في موقفنا من جديد. وبما اننا لم نبحث هذا الموضوع بشكل مفصل حتى الآن، فليس بمقدوري أن أقول شيئاً ملموساً في هذا الصدد. أدى التقارب بين تركىا واسرائيل الى قيام تحالفات جديدة ضد تركيا في الشرق الأوسط. فالعراق اقترب وطور علاقاته مع ايران. ومن ناحية اخرى تقوم روسيا بمحاولة لاستغلال القلق الناجم لدى الدول العربية ازاء هذا الوضع ضد تركيا. - ان تركيا ليست الدولة الوحيدة التي طبعت علاقاتها مع اسرائيل في المنطقة. فمصر قامت بذلك قبل أعوام. كما ان الأردن بدأ يرفع مستوى علاقاته مع اسرائيل منذ بدء مسيرة السلام. اني أرى ان الانتقادات التي توجهها الدول العربية لتركيا بسبب قيامها برفع مستوى علاقاتها مع اسرائيل، غير محقة، أشك منذ فترة في ان تكون بعض الدول العربية ترغب في اقامة دولة فلسطينية مستقلة بالمعنى الحقيقي، لان بعض الدول العربية يخشى ان يصبح النظام الديموقراطي - العلماني في تركيا نموذجاً لشعوبها. وانه من الواضح ان الدولة الفلسطينية المستقلة هي الأخرى ستكون دولة ديموقراطية وعلمانية في التطبيق. أي من الدول العربية لا ترغب في ان ينال الفلسطينيون استقلالهم؟ - لا أريد الدخول في التفاصيل. قلتم ان روسيا حاصرت تركيا برابطة سلافية واورثوذكسية، الا ان تركيا وقعت قبل فترة قصيرة اتفاقية للغاز الطبيعي معها. وأدى الى توجيه انتقادات في الداخل مفادها ان تركيا منحت روسيا ورقة الغاز. فهل ستقومون بتجربة طريقة مماثلة بالنسبة الى سياستكم ازاء الشرق الأوسط أيضاً؟ - ان وجهة النظر القائلة بأننا وضعنا حاجتنا للغاز تحت سيطرة روسيا ليست صحيحة. لأننا نقوم بشراء الغاز من قنوات اخرى كذلك. ان قيام علاقات جيدة بين روسيا وتركيا هو لمصلحة الدولتين من الناحيتين الأمنية والاقتصادية. وكنا قد طورنا علاقاتنا الى حد كبير في السبعينات. اننا من جهة نبلغ روسيا مخاوفنا، ومن جهة اخرى نطور علاقاتنا معها كتعبير عن نياتنا الحسنة. كما اننا نرغب في توجيه نداءات بنياتنا الحسنة الى الدول العربية أيضاً كحكومة جديدة، الا ان الدول العربية تختلف عن بعضها البعض كثيراً، لذلك قد لا يكون نداء واحد مناسباً لها جميعاً. وفي الواقع لا توجد أي مشكلة حقيقية بين تركيا وأي دولة عربية ما عدا سورية. كما انه لا توجد مع سورية أيضاً مشاكل لا يمكن حلها. لكن يجب على سورية ان تتخلى عن أوهامها التي من غير الممكن تحقيقها في شأن الأراضي. ومن الممكن ان نحل مشكلة المياه بيننا بشكل عادل. هل تقصدون ان المشكلة القائمة بين تركيا وسورية ليست مشكلة من دون حل، وانه في حال تخلي سورية عن مطالبها في شأن الأراضي، فإنه من الممكن ان يتم ايجاد حل عادل لمشكلة المياه؟ - تفكر تركيا بطريقة لتلبية احتياجات منطقة الشرق الأوسط الى المياه، ليس بواسطة مياه نهري دجلة والفرات فقط، بل بطرق أخرى أيضاً. وبطبيعة الحال فإن المياه مهمة جداً ومصادرها ليست غنية جداً. والأمر المهم هنا، هو ان تقوم الدول التي ترغب الاستفادة من مصادر المياه معنا بتحديد سياسة زراعية مشتركة. لقد قدمت تركيا اقتراحات بناءة كثيرة في شأن المياه، الا انها لم تتلق التفهم من قبل سورية وزير الخارجية جم : علاقاتنا مع اسرائيل ليست ضد العرب وزير الخارجية التركي الجديد اسماعيل جم من نواب حزب اليسار الديموقراطي وهو كاتب وصحافي قبل أن يكون ديبلوماسياً، إذ أصدر حتى الآن 13 كتاباً، وقد تابع دروساً جامعية في تركيا وخارجها. وهو معروف باهتمامه بالتكنولوجيا، ففي اليوم التالي لتسلمه منصبه افتتح صفحة خاصة به في الانترنيت. وعلى رغم انشغالاته ومسؤولياته فهو يدقق جميع الرسائل التي تصل إليه ويرد عليها. يشير برنامجكم الحكومي الى ان تركيا هي نقطة التقاء مناطق تمتد من البلقان الى القوقاز وآسيا الوسطى تصل الى البحر الأسود ومنها الى البحر المتوسط فالشرق الأوسط. وأنها ستقوم بدور قيادي عن طريق تنفيذ سياسة يفرضها موقعها لتحقيق التضامن والتعاون الاقليمي. ما هي الخطوات الأولى لتطبيق هذه السياسة؟ - تقع تركيا في احدى اهم المناطق وأكثرها حساسية في العالم. ونعتقد بأنه لن يتم تقويم طاقات المنطقة وامكاناتها بالقدر الكافي، وان نسج شبكة للصداقة والتعاون في المنطقة سيكون لمصلحة جميع دول المنطقة. ويعتبر التعاون الاقليمي من أهم أبعاد السياسة الخارجية التركية. لقد اتخذت تركيا دوراً فعالاً وقيادياً في كل من منظمة التعاون الاقتصادي ومنظمة التعاون الاقتصادي لدول البحر الأسود واللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الاسلامية. كما ان تركيا تساهم في الاجتماعات التي تستهدف تحقيق التعاون في البلقان والبحر المتوسط وفي الجهود الدولية التي تبذل داخل اطار مسيرة السلام في الشرق الأوسط. وتولت دوراً سباقاً في تأسيس مجموعة الدول الثماني. من المعروف ان نائب رئيس الوزراء بولند اجاويد عارض بقوة التحالف الغربي الذي تزعمته الولاياتالمتحدة وضم تركيا خلال حرب الخليج. كما انه من أكثر الزعماء الأتراك دفاعاً عن وحدة الأراضي العراقية. فهل من الممكن ان تكسب وجهة نظر أجاويد بعداً مختلفاً للعلاقات التركية - العراقية؟ - ان تركيا تدعم باخلاص استقلال وسيادة ووحدة الأراضي العراقية وتحدد سياستها في المنطقة وفق ذلك. والسيد أجاويد من أشد المدافعين عن وجهة النظر هذه. وتشاطره حكومتنا الاهتمام الذي أظهره منذ البداية ازاء وحدة الأراضي العراقية. ولقد تم تشغيل خط الأنابيب بين كركوك وبومورتاليك بشكل جزئي في اطار قرارات مجلس الأمن الدولي. ويتم بذل الجهود لتأمين احتياجات الشعب العراقي من المواد الغذائية والأدوية. على رغم ان الرأي العام العالمي بدأ ينظر بشك الى اسرائيل ورئيس وزرائها نتانياهو بعد توقف مسيرة السلام، وعلى رغم ان رئيس الوزراء السابق أربكان غير متعاطف مع اليهود، فان العلاقات بين الدولتين تطورت. كيف تفسرون ذلك؟ - تشعر تركيا بالقلق ازاء توقف مسيرة السلام في الشرق الأوسط وتتمنى على الجهات المعنية التخلي عن السياسات الخاطئة التي تؤدي الى نشوء هذا الوضع. ان العلاقات التركية - الاسرائيلية لا تستهدف تأسيس جبهة ضد جهات اخرى. اننا ندعم الحقوق المشروعة للفلسطينيين والعرب الآخرين، وأي ضعف في هذا الدعم ليس موضع بحث. هل توجد أي اعتراضات أو تعديلات تفكر الحكومة الجديدة باجرائها في هذا الموضوع؟ - نحن نأمل في ان نطور علاقاتنا مع الدول العربية الصديقة والشقيقة ومع اسرائيل كذلك. وأنا لا أشارك الرأي القائل ان اقامة العلاقات مع احد الجانبين هي ضد الجانب الآخر. اننا عازمون على المشاركة بشكل فعال في مسيرة السلام في الشرق الأوسط ضمن اطار الجهود الدولية وفي الآلية الموجودة المقترحة في شأن التعاون في البحر المتوسط. وتستهدف حكومتنا اتباع سياسة فعالة أكثر في الشرق الأوسط. تقول تركيا ان علاقاتها مع اسرائيل لا تشكل تهديداً لأي دولة في المنطقة، بل على العكس انها تساعد في تأسيس السلام في المنطقة. هل يمكن ان يكون هدف الاسهام في السلام واقعياً من خلال اقامة علاقات وطيدة مع دولة تعتبر من المشاكل الرئيسية في المنطقة؟ ما هو قصدكم من السياسة الخارجية الأكثر فاعلية في الشرق الأوسط. - أعتقد بأنه يمكن حل المشاكل بالطرق السلمية وعن طريق تطوير العلاقات، فالتوترات والتكتلات لا توفر المنافع للدولة وللمنطقة، ولهذا السبب اعتقد، ومن صميم قلبي، بأن سياسة تركيا أكثر فعالية في الشرق الأوسط ستساهم في تحقيق السلام. لقد قام السيد رئيس الجمهورية ديميريل بزيارة عمل لمصر قبل أيام كما ستتم زيارات مماثلة لدول المنطقة الأخرى. وقد تبين انه من المفيد القيام بمبادرة جديدة للبحث في السبل الكفيلة بازالة المصاعب التي تواجه العلاقات بين تركيا وايران بعدما تولت حكومتان جديدتان الحكم في كلا البلدين. ما هي توقعات تركيا من العالم العربي؟ - نحن نرغب في ان نعزز العلاقات الموجودة بيننا. وستستمر تركيا في دعم القضايا العربية وستأخذ في الاعتبار حساسياتها. ان مهمة ازالة سوء الفهم الذي يحدث بين الحين والآخر تقع على عاتق الجانبين. ونحن سنقوم بكل ما يقع على عاتقنا من اجل تأمين تبادل المعلومات ووجهات النظر عن كثب. واعتقد بأن الزيارات المتبادلة على المستوى الرفيع ستكون نافعة من اجل تطوير علاقات الصداقة والتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والبنية الأساسية. وبطبيعة الحال فإن لتركيا أيضاً بعض القضايا الوطنية الحساسة. ونحن نتوقع من الدول العربية الشقيقة ان تدعم تركيا في قضاياها المحقة. ويؤلمنا عدم اظهار الحساسية اللازمة ازاء الدفاع المشروع الذي تقوم به بلادنا ضد منظمة ارهابية تقوم بنشاطاتها في دولة جارة مستفيدة من الفراغ الحاصل في السلطة ومستهدفة وحدة أراضينا وأمن مواطنينا. في الاجتماعات التي عقدتها رئاسة الأركان التركية بدت كل من سورية وايران كدولتين تهددان الأمن التركي، ولكن وردت الى جانبهما أسماء دول صغيرة اخرى. فهل ان تركيا مهددة وأعداءها كثيرون الى هذا الحد. - تقوم تركيا بمحاربة منظمة ارهابية دموية يقيم زعيمها خارج حدودنا. ونحن نتوقع من الدول المعنية ان تقوم بمراعاة الوثائق الدولية وان لا تسدل الظل على علاقات الصداقة مع تركيا. ما هو تقويمكم لمجموعة الدول الثماني التي تأسست بزعامة أربكان وتعرضت للانتقادات في تركيا؟ - مجموعة الدول الثماني عبارة عن برنامج للتعاون الاقتصادي متعدد الأطراف تأسست نتيجة تقييم الدول السبع الأخرى وليس بتقييم تركيا فقط. وتسعى حكومتنا لتوسيع نطاق هذه المجموعة لتشمل دول آسيا الوسطى أيضاً ولتظهر نشاطات أكثر فعالية. لقد صوتت تركيا في الأممالمتحدة ضد التصديق على الاتفاقية المتعلقة باستخدام الطرق المائية الدولية خارج نطاق النقل. وكان رئيس الوزراء مسعود يلماز قد أشار الى انه مثلما لا يوافق العرب على اقتسام النفط المستخرج في بلادهم، فإن تركيا أيضاً لن توافق على اقتسام مياهها. فهل يجب النظر الى المياه كمصدر استراتيجي وطبيعي، أم كمصدر عائد للانسانية؟ وهل تفكر تركيا بالبدء بمناقشة من هذا القبيل؟ - ان تركيا ليست الدولة الوحيدة التي لم تقتنع بهذا النص الاتفاقية. وبالنسبة الى ما توصل اليه القانون الدولي في شأن استخدام طرق المياه العابرة للحدود لأهداف خارج نطاق النقل في هذه المرحلة، فإن اقتسام المياه ليس موضوع بحث، بل ان استخدامه بشكل عادل ومنطقي هو الأساس المعتبر. ونحن نقوم بتنفيذ ما يفرضه ذلك، واقترحنا من خلال هذا المفهوم وبمشاركة الدول الثلاث المعنية البدء بدرس التربية وتطوير تقنية طرق الري. ولكننا لم نتلق الرد الايجابي على ذلك. وفي حال عدم البدء بدراسة من هذا القبيل، والقيام بتحديد طلبات استخدام المياه باسراف كبير المدى، فإنه من الواضح ان المياه الموجودة لن تكفي أحداً قطب "الرفاه" عبدالله غول : عائدون الى الحكم في 1998 غالباً ما يلتقي قطب "الرفاه"عبدالله غول الصحافيين في مكتبه في البرلمان، على عكس زعيم الحزب نجم الدين اربكان الذي قرر عدم التحدث الى حين اعلان الحكم في الدعوى المرفوعة ضد حزبه. والمعروف ان غول اسلامي معتدل في بلاده لا تستهدفه عادة الحملات التي تستهدف "الرفاه". هل سيتم حظر حزب "الرفاه"؟ - لا يتم حظر حزب "الرفاه"، بل رفعت دعوى ضده. ومن حق المدعي ان يطلب فرض العقوبة التي يرغبها في الدعوى، إلا ان الأمر المهم هو القرار الذي تتخذه المحاكم. كما ان المدعي من حقه ان يطلب فرض عقوبة الاعدام او السجن المؤبد او غلق الدعوى، إلا ان القضاة هم الذين يتخذون القرارات، وهم يتخذونها بمعرفة. ان حزب "الرفاه" هو من أكبر الأحزاب في تركيا ولم يقم بأي اجراء يتعارض مع القوانين والدستور. كما انه حصل على أصوات ربع الشعب التركي، وازداد حجماً الآن، ولهذا السبب من غير الممكن حظر حزب من هذا الحجم في الأنظمة الديموقراطية. لكن حكومة "الرفاه" واجهت معارضة قوية واضطرت لتقديم استقالتها. انكم تشيرون باستمرار الى ان حكومتكم ابعدت عن الحكم بواسطة الضغط والقوة، في حين انكم كنتم تذكرون ان حكومتكم ستستمر حتى العام 2000. - من الممكن، إلا ان الأمر المهم هو فكر حزب "الرفاه" الذي هو العمود الفقري لتركيا وسيكون كذلك. هل تقصدون انه سيتم حظر حزب "الرفاه" ومن ثم تأسيس حزب جديد باسم آخر؟ - الأمر المهم هو الفكر، وهذا الفكر موجود في تركيا. ففي السابق كان هناك حزب النظام الوطني وكان يمتلك نسبة 5 في المئة من الأصوات، وقد تم حظره. وبعد ذلك تأسس حزب السلامة الوطني فحصل على 12 في المئة من الأصوات، وتم حظره أيضاً لأنهم خافوا منه. وتم في ما بعد تأسيس حزب "الرفاه" ففاز بنسبة 22 في المئة من الأصوات. ويتضح من خلال استبيانات الرأي العام التي يتم اجراؤها حالياً ان نسبة أصواته بلغت 34 في المئة، وهذا يعني انه في حال حظر "الرفاه"، فإن الحزب سيحصل نتيجة رد فعل الشعب على أكثر من 50 في المئة من الأصوات، ولهذا السبب لا نهتم كثيراً بقضية حظر الحزب. توجهون انتقادات شديدة جداً الى الحكومة الحالية. - هذه الحكومة لم تفز في الانتخابات ولم تأت الى الحكم بأصوات الشعب انها حكومة أقلية، شكلتها القوى المتحكمة في تركيا. كما تم شراء بعض النواب بالأموال وأبعدوا عن أحزابهم، في حين تم ابتزاز وتخويف نواب آخرين. تتهمون الحكومة بأنها حكومة نظام انتقالي. ويتم اتهامكم ايضاً بمحاولة تغيير النظام. - الحكومة الحالية هي حكومة نظام انتقالي. ونحن لسنا القائلين بهذا الشيء، فالعالم كله يعرف ذلك. توجد حكومة نظام انتقالي، إلا انه في النهاية سيتم اجراء انتخابات، والمسؤولون عن كل هذه الأوضاع سيمنون بهزيمة كبيرة في تركيا. كما ان الأحزاب السياسية التي تولت هذه الأدوار ستزول. وقد حدث ذلك دوماً في السابق. تثيرون قلق الجيش بسبب الأصوات التي تمتلكونها حالياً. وقد رفع مجلس الأمن القومي توصيات عدة الى الحكومة، ومنذ ذلك الوقت بدأ الجيش يعقد اجتماعات يحضرها الحكام والمدعون العامون والاكاديميون والصحافيون ورجال الأعمال وتستهدفكم. كيف تنظرون اليوم الى موقف الجيش منكم؟ - الجيش هو جيشنا والقوات المسلحة في تركيا ليست قوات مسلحة تعمل بأجر، وكلنا نؤدي الخدمة العسكرية. فالجيش التركي هو جيشنا كلنا. اما إذا كان البعض من الجيش قد اختلط في السياسة، فذلك لا يعكس وجهة نظر كل القوات المسلحة. ان تلك الاجتماعات التي عقدت كانت خاطئة. والأمر المهم هو رأي الشعب الذي لم يرض بهذا الأسلوب وسيتضح ذلك في أول انتخابات تجرى في البلاد. تقولون ان هناك نظاماً انتقالياً في تركيا، فكيف ترون مستقبل تركيا القريب؟ - نعم صحيح، انا اقول ان هناك نظاماً انتقالياً في تركيا، لأن المجتمع التركي هو مجتمع منفتح ومن غير الممكن ان يرجع الى وراء نتيجة الضغوط، وسيحكم تركيا نظام ديموقراطي مثل النظام الديموقراطي الغربي، وسيأتي الاداريون المدنيون أي الممثلون الحقيقيون للشعب الى الحكم في العام 1998. هل ترون ان القائمين على ادارة حزبكم هم مدنيون وديموقراطيون؟ وهل تقومون بالنقد الذاتي؟ - نعم، قد تكون لحزبنا بعض النواقص، إلا ان حزبنا "الرفاه" هو الحزب المدني الوحيد في تركيا. حسناً، لقد وقع رئيس الوزراء على قرارات مجلس الأمن القومي المتخذة في 28 شباط فبراير ولم يقم بتطبيقها، فلماذا لم تستقيلوا؟ كما تأسست في عهد حكومتكم مجموعة من الجيش داخل بنية رئاسة الوزراء تحت اسم مجموعة العمل الغربية، وقامت هذه المجموعة برصد الحركات الدينية في تركيا. - ان مجلس الأمن القومي مؤسسة دستورية. ونحن لم نقدم استقالتنا لأننا لم نرغب في ان يتم اتهامنا بغلق مؤسسة دستورية. ان مجلس الأمن القومي قام بابلاغ الحكومة بالقضايا التي ناقشها داخل الاطار الدستوري. وقد قامت الحكومة بالتوقيع على القرارات كي لا تسد طريقه ولا تعرقل نشاطاته. ونفذت الحكومة ما ترغبه وفق الصلاحية المخولة لها. وفي ما يتعلق بمجموعة العمل الغربية فليست لنا أي علاقة بها، فهي تأسست خارج نطاق معلوماتنا من قبل الجيش. لقد حدث اضطراب كبير في تركيا عندما أصبح حزب "الرفاه" شريكاً في الحكومة، وكنتم تقولون ان حزبكم سيصل الى الحكم وحده، فهل الدولة مهيأة لحكومة من هذا النوع، في حين يعتبر كثيرون ان حزبكم يهدد النظام في تركيا؟ - ما القصد بأن الدولة مهيأة؟ ان تركيا هي للأمة التركية، وحزب "الرفاه" من الأحزاب التركية. ان الدولة قائمة لأجل الأمة. والذين يقولون ان حزب "الرفاه" هو مصدر تهديد، لا أوافقهم الرأي قطعياً. ان بعض الأشخاص يقومون باستخدام بعض الأشخاص الأجانب والمؤسسات كأدوات لخدمتهم. التقى زعيم حزب "الرفاه" السيد اربكان زعيم حزب الجبهة الوطنية الفرنسية جان ماري لوبان، وأشير داخل البلاد وخارجها الى ان هناك نواحي شبه بين حزب "الرفاه" وبين حزب الجبهة الوطنية، فلماذا التقى أربكان بلوبان؟ - جاء لوبان الى تركيا لقضاء العطلة، وهو يأتي الى تركيا منذ 11 عاماً، وطلب عقد لقاء مع زعيم أكبر حزب في تركيا. فوافقنا على طلب اللقاء المقدم من زعيم أحد الأحزاب المهمة لدولة كبيرة مثل فرنسا. وقد تم الحديث خلال اللقاء عن العلاقات بين تركيا وفرنسا وعن القضايا الدولية. ومن حقنا ان نلتقي بكافة الأحزاب، فقد كنت موجوداً في اللقاء مع لوبان، حيث أشار الى ان هناك اتهامات خاطئة كثيرة بحقهم، في حين انه يؤيد ان يحافظ كل شخص على ثقافته وأنه ليس معادياً لأي عرق. وبطبيعة الحال لن أقوم بمهمة محامي الدفاع عنه