كلما هدأت الفتنة بين اتباع المذاهب الاسلامية وجدت من يوقظها من أفراد الجماعات المسلحة في الجزائر. وكلما وقعت مذبحة جماعية شنيعة ومنكرة باسم السياسة سعى منفذوها الى مزج دم ضحاياهم بالتفسير الذي يرتأونه للدين، وهو التفسير نفسه الذي يريدون فرضه على الآخرين. ويسوقون لذلك الحجج ويستشهدون بالآيات والأحاديث واجتهادات العلماء خارج سياقها وفي غير موضعها الصحيح. وتمضي عجلة الحياة في الجزائر: انتخابات، حكومة جديدة، استمرار ملاحقة أفراد الجماعات المتشددة. وما أن تجف دماء من يذبحون خارج الجزائر العاصمة حتى تتخضب أرض جزائرية أخرى بدماء ضحايا جدد حكم عليهم المسلحون بالموت بعد تكفيرهم واهدار دمهم. سألت "الوسط" علماء الأمة الاسلامية في عواصم عدة: هل يؤيدون فقه الجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر؟ ما هو حكم الشرع في ما تقوم به الجماعة من مذابح جماعية؟ في مسعى لعرض الجوانب الفقهية والدينية السليمة لموقف الاسلام من العنف والذبح وقتل النفس التي حرم الله قتلها، إلا بالحق. اختارت السلطات الجزائرية فتح صفحة جديدة مع "الإنقاذ" وترجمت رغبتها هذه بإطلاق عباسي مدني وعبدالقادر حشاني والسؤال كيف ترد الإنقاذ وماذا سيكون موقف الجماعات المسلحة الأخرى؟ يعد الشيخ عبدالعزيز بن باز أحد أبرز علماء الأمة الاسلامية في العصر الحاضر ويرأس الهيئة العامة للافتاء والدعوة والارشاد في المملكة العربية السعودية. وقد نسب اليه أحد أعضاء الجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر زوراً انه يؤيد ما تقوم به من اغتيالات وعنف. وقد سئل سماحة الشيخ بن باز عن صحة ذلك وعن الحكم الشرعي في ما تقوم به الجماعة المسلحة هناك. فكان جواب سماحته: "بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلَّى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فقد نصحنا اخواننا جميعاً في كل مكان - أعني الدعاة - نصحناهم أن يكونوا على علم وعلى بصيرة وأن ينصحوا الناس بالعبارات الحسنة والأسلوب الحسن والموعظة الحسنة وأن يجادلوا بالتي هي أحسن عملاً بقول الله سبحانه "إدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقوله سبحانه "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم". "فالله جل وعلا أمر العباد بالدعوة الى الله وارشدهم الى الطريقة الحكيمة وهي الدعوة الى الله بالحكمة يعني بالعلم: قال الله، قال رسوله، وبالموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن. عند الشبهة يحصل الجدال بالتي هي أحسن والأسلوب الحسن حتى نزول الشبهة. وإن كان أحد من الدعاة في الجزائر قال عني: إني قلت لهم يغتالون الشرطة أو يستعملون السلاح في الدعوة الى الله هذا غلط ليس بصحيح بل هو كذب، انما تكون الدعوة بالأسلوب الحسن: قال الله، قال رسوله. بالتذكير والوعظ والترغيب والترهيب، هكذا الدعوة الى الله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكةالمكرمة قبل أن يكون لهم سلطان، ما كانوا يدعون الناس بالسلاح، يدعون الناس بالآيات القرآنية والكلام الطيب والأسلوب الحسن، لأن هذا أقرب الى الصلاح وأقرب الى قبول الحق، أما الدعوة بالاغتيالات أو بالقتل أو بالضرب فليس هذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا من سُنَّة أصحابه، لكن لما ولاه الله المدينة وانتقل اليها مهاجراً كان السلطان له في المدينة وشرع الله الجهاد واقامة الحدود، جاهد عليه الصلاة والسلام المشركين وأقام الحدود بعدما أمر الله بذلك. فالدعاة الى الله عليهم أن يدعوا الى الله بالأسلوب الحسن: بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإذا لم تُجْدِ الدعوة رفعوا الأمر للسلطان ونصحوا للسلطان حتى ينفّذ، السلطان هو الذي ينفِّذ، يرفعون الأمر اليه فينصحونه بأن الواجب كذا والواجب كذا حتى يحصل التعاون بين العلماء وبين الرؤساء من الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات، الدعاة يرفعون الأمر اليهم في الأشياء التي تحتاج الى فعل: الى سجن، الى قتل، الى اقامة حد، وينصحون ولاة الأمور ويوجهونهم الى الخير بالأسلوب الحسن والكلام الطيب، ولهذا قال جل وعلا: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم"، فلو ظلم أحد من أهل الكتاب أو غيرهم فعلى ولي الأمر أن يعامله بما يستحق، أما الدعاة الى الله فعليهم بالرفق والحكمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ان الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شأنه"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله". فعليهم أن يَعِظُوا الناس ويذكروهم بالعذاب والأحاديث، ومن كان عنده شبهة يجادلونه بالتي هي أحسن: الآية معناها كذا، الحديث معناه كذا، قال الله كذا، قال رسوله كذا، حتى تزول الشبهة وحتى يظهر الحق، هذا هو الواجب على اخواننا في الجزائر وفي غير الجزائر، فالواجب عليهم أن يسلكوا مسلك الرسول عليه الصلاة والسلام حين كان في مكة والصحابة كذلك، بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، لأن السلطان ليس لهم الآن لغيرهم، وعليهم أن يناصحوا السلطان والمسؤولين بالحكمة والكلام الطيب والزيارات بالنية الطيبة حتى يتعاونوا على اقامة أمر الله في أرض الله، وحتى يتعاون الجميع في ردع المجرم واقامة الحق، فالأمراء والرؤساء عليهم التنفيذ، والعلماء والدعاة الى الله عليهم النصيحة والبلاغ والبيان ونسأل الله للجميع الهداية". وسئل سماحة الشيخ بن باز عن الحكم في إقدام الجماعات الاسلامية المسلحة على تهديد أئمة وزارة الشؤون الدينية في الجزائر، الذين لا يصرِّحون بسبِّ الحكام على المنابر إما أن يوقفوا صلاة الجماعة والجمعة وإما القتل بحجة أنهم موظفون لدى الطواغيت، ونفذوا القتل في مجموعة من الأئمة الذين لم يستجيبوا لهم كما تعطلت صلاة الجماعة في بعض المدن فما حكم هذا الفعل؟ قال الشيخ بن باز: "ما يصلح هذا. هذا أيضاً غلط. الواجب على الدعاة أن ينصحوا الناس بالكلام الطيب، ينصحوا الخطباء، وينصحوا الأئمة حتى يستعملوا ما شرع الله، أما السبّ على المنابر فليس من العلاج، فالعلاج هو الدعاء بالهداية والتوفيق وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة، هذا هو العلاج، لأن سبهم لا يزيدهم إلا شراً، لا يزيدهم خيراً، سبهم لهم من المصلحة، ولكن يُدْعَى لهم بالهداية والتوفيق والصلاح حتى يقيموا أمر الله في أرض الله وأن الله يصلح لهم البطانة أو يبدلهم بخير منهم إذا أبوا بخير منهم، أما سبُّهم ولعنهم أو سب الشرطة أو لعنهم أو ضربهم أو ضرب الخطباء كل هذا ليس من الاسلام، الواجب النصيحة والبلاغ والبيان قال الله جل وعلا: "هذا بلاغ للناس". فالقرآن بلاغ والسنّة بلاغ. قال جل وعلا: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ"، وقال جل وعلا: "وأنذر الناس"، "وإنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل". فالعلماء هم خلفاء الرسل، ينذرون الناس ويحذرونهم من عقاب الله ويرشدونهم الى طاعة الله ويأمرونهم بتقوى الله ويحذرونهم من معاصي الله وينصحون ولاة الأمور من الأمراء وغيرهم، ينصحونهم، يوجهونهم الى الخير ويدعون لهم بالهداية لأن هذا أقرب الى النجاح وأقرب الى الخير حتى تنتشر الدعوة، وحتى يتفقه الناس في الدين، وحتى يعلموا أحكام الله، أما إذا عوملوا بالضرب أو بالوعيد للخطباء وغيرهم كان هذا من أسباب ظهور الشر وكثرة الشر وقلة الخير، لا حول ولا قوة إلا بالله". وقال سائل ان الجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر قامت بقتل النساء اللاتي أبين إرتداء الحجاب. وسئل: هل يسوغ لهم هذا؟ فأجاب فضيلته: "هذا أيضاً غلط. لا يسوغ لهم هذا. الواجب النصيحة. النصيحة للنساء حتى يحتجبن. والنصيحة لمن ترك الصلاة حتى يصلي. والنصيحة لمن يأكل الربا حتى يدع الربا. والنصيحة لمن يتعاطى الزنا حتى يدع الزنا. والنصيحة لمن يتعاطى شرب الخمر حتى يدع شرب الخمر. ينصحون: قال الله وقال رسوله. بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويحذرونهم من غضب الله ومن عذاب يوم القيامة، أما الضرب أو القتل أو غير ذلك من أنواع الأذى فلا يصح للدعاة، هذا ينفر من الدعوة، ولكن على الدعاة أن يتحلوا بالحلم والصبر والتحمل والكلام الطيب في المساجد وغيرها حتى يكثر أهل الخير ويقل أهل الشر، حتى ينتفع الناس بالدعوة ويستجيبوا". وعندما طُلب من الشيخ بن باز ان ينصح من تورط في هذه الاغتيالات أو شيء من هذا، قال سماحته: "أنصحهم بالتوبة الى الله وأن يلتزموا الطريقة التي سار عليها السلف الصالح بالدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، الله يقول: "ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً". فلا يورطون أنفسهم في أعمال تسبب التضييق على الدعوة وإيذاء الدعاة وقلة العلم، لكن إذا كانت الدعوة بالكلام الطيب والأسلوب الحسن كثر الدعاة وانتفع الناس بهم، وسمعوا كلامهم واستفادوا منهم وحصلت في المساجد وفي غير المساجد الحلقات العلمية والمواعظ الكثيرة حتى ينتفع الناس، الله يهدي الجميع، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق". العثيمين: مقتضى الدين الوفاء بالعهد وحول الاغتيالات التي تصدر من بعض الاسلاميين، قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء في السعودية: "ما نسمعه عن بعض اخواننا الذين يقدمون على اغتيال الآمنين من أفراد الحكومة أو غيرها لا نراه موافقاً للحكمة ولا جالباً للمصلحة ولا دافعاً للمفسدة". وأضاف: "ان الآمنين من المواطنين والوافدين يجب أن يعطوا أمانهم لأن هذا هو مقتضى الدين الاسلامي وهو الوفاء بالعهد، والعهد لا يكون مع أفراد الناس بل يكون بين المعاهدين وبين ولاة الأمور، وإذا تم العهد فإنه لا يجوز نقضه بالعدوان حتى ولو فرض أن المُعَاهَد بفتح الهاء فعل ما لا يمكن إقراره عليه في العَهْد، فإن تأديبه أو اجراء اللازم عليه انما يكون لولي الأمر لأن أفراد الناس لو فعلوا شيئاً لكانت الأمور فوضى". مفتي مصر: حرب شيطانية ستأكل المحرضين عليها ادان الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر المذابح الجماعية في الجزائر. وقال ل "الوسط": "أدعو هؤلاء الى الدين والاسلام، واناشدهم التمسك بسماحة الاسلام واحكامه الصحيحة التى تحض على الحفاظ على النفس البشرية لأن ما يجري منهم كالنار التي ستأكلهم عندما لا تجد ما تأكله. ورداً على سؤال "الوسط" عن مشروعية المذابح الجماعية للمدنيين في الجزائر وصدور فتاوى تحلل ذلك قال: لا يجوز قتل النفس التي حرم الله الا بالحق". وتساءل المفتي: اين هي الادلة الشرعية على ذلك؟ اين هذا من الاسلام الذي يحض على الحفاظ على النفس حتى اثناء الحرب؟ الاسلام لا يجيز قتل الاطفال او النساء او الشيوخ حتى مع غير المسلم فما بالك بمسلمين صغار ونساء وشيوخ لا حول لهم ولا قوة؟ ما هو المعيار؟ وفي اي المذاهب وعلى أي الاحكام يستندون؟ وأسألهم أين الدليل الشرعي الذي يرتكنون اليه؟ أشك في ان يكون ذلك الذي يفتي بسفك دماء الابرياء لديه الوازع الديني، لأن مثل هذه الفتاوى ليس لها سند اسلامي، ولا دليل عليها في الاسلام الصحيح. واكد واصل ان للافتاء شروطاً، أبرزها: ان يكون صاحب الفتوى مُلِماً بالاصول الفقهية، فضلا عن الفروع. "وأرى ان من يملك كل هذا مستحيل ان يصدر عنه هذا الجنون، كلها فتاوى تصدر عن نفوس مريضة متعطشة للدماء، ألم يفقهوا قوله سبحانه وتعالى ان قتل النفس الواحدة مثل قتل الناس جميعا؟ اني ادعوهم الى الاسلام الصحيح قبل ان تأكلهم النيران التي يشعلونها. هذه ليست حربا قانونية بالمعنى القانوني للحرب، ولا هي حرب شرعية، ولا هي دفاع عن دين او عرض او نفس، وانما هي حرب شيطانية لا تجلب سوى الخراب. ثم ان هؤلاء يقولون اننا نحارب حكاما غير عادلين، وانهم اصحاب حقوق وما الى ذلك، ولكن هل الحصول على هذه الحقوق يكون بهذا الاسلوب غير المشروع الذي لا تقره انسانية أو دين؟". وقال مفتي مصر: "ألا يعلم الذي يقول انه مجتهد ويفتي انه ليس من حقه الفتوى بشكل فردي؟ بل يجب عليه ان ينصاع للاجتهاد الجماعي وان تصدر الفتوى بشكل متفق عليه. واخيراً عليهم جميعاً ان يعرفوا ان الاسلام قدم السلم على الحرب حتى مع الاعداء، قال تعالى: "وان جنحوا للسلم فاجنح لها". وجعل الحرب اقصى ضرورة وعندما تعجز الوسائل السلمية في حل المشكلات هذا مع غير المسلمين واولى اتباع هذا مع المسلمين. وعليهم ان يتدبروا قوله سبحانه وتعالى: "ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما"." مفتي سورية: بماذا أوصى الرسول ص المجاهدين؟ واستطلعت "الوسط" رأي الشيخ أحمد كفتارو مفتي سورية، فقال: "لا اعتقد أن مسلماً يفتي بإباحة دم مسلم، صغيراً أو كبيراً، إلا بحقه الشرعي فيما لو كان قاضياً عامداً متعمداً، وحسب الأحكام الشرعية القانونية. أما أن تنسب فتوى شرعية اسلامية بجواز قتل النساء أو الأطفال أو الأبرياء، فأعتقد بأن مثل هذه الفتوى مدسوسة على أي جماعة من الجماعات الاسلامية، لأن من الأمور البديهية ان النساء والأطفال والعجزة لا يجوز قتلهم ولو كان ذلك في الجهاد في سبيل الله، وإذا كانوا من أعداء المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يرسل جيشاً لقتال الروم، أو أعداء الاسلام، كان يوصيهم بهذه الوصية: "أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله في سبيل الله من كفر بالله". ويقول النبي في حقهم: "لا تغدروا ولا تفلوا الفلول: السرقة من الغنائم ولا تقتلوا وليداً، ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقربوا نخلاً، وتقطعوا شجراً، ولا تهدموا بناء". "الجهاد في سبيل الله في الاسلام شرع الله له من القوانين الانسانية والأخلاقية ما لا تصل اليه أمة من الأمم أو دين من الأديان، فلا اعتقد أن مثل هذه الفتوى تنسب الى جماعة اسلامية، ولكن مثل هذه الفتوى دسيسة تدس على المسلمين لإشعال وزيادة نيران الفتنة بين المسلمين بعضهم بعضاً ليتمزقوا، وليقتتلوا وليضعفوا في وقت نحن في معركة مع الصليبية العالمية التي تستتر بالصهيونية واليهودية في قضية فلسطين". وأضاف فضيلة المفتي: "على المسلمين جميعاً أن يلقوا سلاحهم وأن يوحدوا أمرهم، وأن يجمعوا قواهم ليقفوا أمام الصليبية المعاصرة المستترة بالصهيونية العالمية، وبذلك يكونون عرباً، ويكونون مسلمين، ويكون عملهم حسب هذا الذي أقوله عملاً خالصاً لوجه الله، وجهاداً في سبيل الله، أما اقتتال المسلمين بعضهم بعضاً فأمر الله عموم المسلمين أن يصلحوا بين الطائفتين لقوله تعالى: "وإن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما، فإن بغت احداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله، فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا". وعندما أقول كل المسلمين أعني كل حكومات المسلمين وكل العرب وكل حكامهم. فهم مسؤولون أمام الله عز وجل عما يجري في الجزائر، وأفغانستان. يجب على منظمة المؤتمر الاسلامي وما شابهها أن لا تتوقف ساعة واحدة أو لحظة واحدة عن ان تصلح بين الفئتين من المسلمين، ان في الجزائر أو في افغانستان أو في الصومال أو في أي بلد، فما فائدة الجامعة العربية؟ وما فائدة منظمة المؤتمر الاسلامي إذا لم تثبت وجودها في مثل هذه الحالات التي تسفك فيها دماء المسلمين والعرب أنهاراً". وتابع: "يجب على كل من يملك الطاقة المادية والمعنوية أن يسارع الى حقن الدماء، والاصلاح بين المسلمين امتثالاً لقوله تعالى: "اتقوا الله واصلحوا ذات بينكم". ولقول النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على أفضل من الصلاة، أفضل من الصيام، أفضل من الحج؟ اصلاح ذات البين، وإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول الحالقة للشعر بل حالقة الدين". فأسأل الله عز وجل أن يطفئ نار هذه الفتن والحروب وبكل سرعة وبلا تأخر ان يعملوا على اصلاح ذات البين ليحققوا قول الله عز وجل: "انما المؤمنون اخوة"، وقول النبي عليه السلام: "المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". والحال هذه فأين الاسلام من المسلمين؟ أين القومية من القوميين؟ أين العروبة من العرب؟ نرى دماءهم تسفك أنهاراً، والصهيونية وحلفاؤها يجهزون كل الامكانات وكل الوسائل، ويدبرون كل المؤامرات لتمزيق المسلمين وتوهين قوتهم، وتفريغ وحدتهم. ما يقع بين المسلمين بعضهم بعضاً، وبين المسلمين وغير المسلمين كما هو الحال مع اسرائيل وغيرها، فلا نجد وحدة المسلمين التي هي تعتبر أهم شيء في الاسلام ان يكون جوّهم وحياتهم وسلوكهم. يجب أن يكون في العالم الاسلامي والعالم العربي مجلس أمن عربي ومجلس أمن اسلامي، أو مجلس أمن عربي - اسلامي واسلامي - عربي حتى يكون لهم وجود في كل فتنة أو في كل حرب أو في كل تمزق واختلاف بين العرب أو بين المسلمين ليحققوا هذه الناحية الاسلامية: اصلاح ذات البين وحقن دماء المسلمين، وان يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى شيخ الأزهر : التكفير لا يصح وعلينا بالظاهر والله يتولى السرائر عزا الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر ظاهرة تكفير المسلمين بعضهم بعضاً الى الجهل بأحكام الدين والتسرع والمباهاة بالتشدد. وافتى بعدم جواز التكفير. وقال ان الاسلام وجميع الاديان السماوية تحرم الذبح والقتل بغير وجه حق تحريماً قاطعاً. دار الحوار مع فضيلة الامام الأكبر الدكتور طنطاوي على النحو الآتي: كثرت في الآونة الأخيرة فتاوى التكفير في مصر والجزائر وغيرهما. كيف تعلل ذلك؟ - انا، شخصياً، ضد تكفير المسلم بأي حال من الاحوال. كل من يشهد انَّ لا إله الا الله وان محمداً رسول الله ويؤدي التكاليف التي كلفنا الله اداءها من صلاة وزكاة وصوم لشهر رمضان وحج للبيت لمن استطاع اليه سبيلا وعدم انكار لما عُلم من الدين. كل من كان هذا شأنه فنحن نشهد له بأنه مسلم. لا يليق اطلاقاً ولا يصح شرعاً ان نكفر انساناً شأنه، كما قلت، انه ينطق بالشهادتين ويعترف بأركان الاسلام ويخدم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. نحن نعامل الناس بالظاهر والله يتولى السرائر. اما الاسباب التي جعلت بعض الناس في هذه الأيام يسارع الى تكفير غيره، ففي تصوري ان على رأس هذه الاسباب، الجهل بأحكام الاسلام والتسرع في إلقاء الكلام على عواهنه واستحواذ الغرور وربما المباهاة والتفاخر بأنه إنسان متشددٌ بدينه، وطبعاً هذا الفهم غير سليم، لأنه ورد في الحديث الصحيح ان من كفَّر مسلماً فقد باء بأحدهما، أي انه بتكفيره للمسلم فإنه والعياذ بالله ربما هو الذي يحق عليه هذا الحكم الخطير السيئ الذي لا يليق بمسلم ان يلجأ اليه. وما حكم الاعمال التي ترتكب باسم الاسلام من قتل للمدنيين في الجزائر وغيرها؟ - عندما أقرأ في الصحف بأن 40 شخصاً قد ذُبحوا منهم الطفل والمرأة والرجل الذي لم يرتكب جريمه تؤدي الى قتله، ويكون قتلهم عن طريق الذبح، اعتقد انني عندما أقرأ ذلك، وعندما يقرأ ذلك اي عامل سواء أكان مسلماً أو غير مسلم، فان شريعه الاسلام تحرمه تحريماً قاطعاً، وتحرمه ايضاً جميع الاديان السماوية وجميع العقول الانسانية. هل من كلمة توجهها للذين يصدرون هذه الفتاوى؟ - الى الذين يصدرون هذه الفتاوى او يرتكبون هذه الاعمال، اقول لهم: توبوا الى الله وعودوا الى رشدكم وصوابكم والى دين الاسلام الذي هو دين السماحة واليسر الذي صان اموال الناس وارواحهم وذواتهم واعراضهم وكرامتهم. وادعو الله سبحانه تعالى ان يهدينا جميعاً الى صراطه المستقيم. هل من دور يمكن ان يلعبه الازهر في المساعدة على حل ازمة الجزائر، بين الاسلاميين والحكم؟ - الازهر دوره معروف: تقديم العلم النافع الى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. والازهر يتلقى انباء المسلمين، سواء أكانوا من مصر ام من غير مصر، وهم في السادسة من اعمارهم ليحفِّظهم القرآن الكريم وليفقِّههم في دينهم، وليعلِّمهم اللغة العربية. وآلاف من ابناء الازهر ينتشرون في آسيا وافريقيا ليؤدوا واجبهم في شرح تعاليم الاسلام وتعليم ابناء المسلمين والتعاون مع ابناء هذه البلاد من اجل نشر العلم النافع. ونحن ملزمون في ذلك، وإذا قصرنا في أداء رسالتنا فسيحاسبنا الله سبحانه وتعالى حساباً عسيراً، لذا فإن الازهر الشريف يسعى جاهداً من أجل نشر نعمة السلام والامان والاطمئنان بين أفراد المجتمع الانساني بصفه عامة وبين المسلمين بصفة خاصة. البوطي : الجبهة الاسلامية للانقاذ تتحمل وزر مذابح الجزائر ! شنّ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة دمشق هجوماً حاداً على الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة في الجزائر، وحمّلها مسؤولية اراقة الدماء التي تشهدها تلك البلاد "وإن لم تكن هي قد ارتكبتها". ورأى ان مذابح الجزائر "لا تتم على أيدي اسلاميين ولا حتى مسلمين ولا عبرة بأقنعة ساترة من اللحى الطويلة والجلاليب القصيرة". طلبت "الوسط" من البوطي الإدلاء بدلوه في شأن ذبح النساء والأطفال والمسنين في الجزائر، فوافاها بالاجابة التالية: "أشك كثيراً في ان مسلماً، أياً كان، او جماعة اسلامية، أياً كانت، تجرؤ على اختلاق اكبر أكذوبة على الله وعلى الاسلام فتفتي بمشروعية قتل الأبرياء من النساء والرجال والأطفال، وذبحهم كالنعاج. ومن ثم فإني أشك في ان الذين يرتكبون هذه الجرائم، من المنتمين فعلاً الى الاسلام. أقول هذا في الوقت الذي أملك فيه دلائل اليقين الجازم بأن الجماعات الاسلامية في الجزائر، بدءاً بالجبهة الاسلامية للانقاذ، فما تسلسل منها، هي المسؤولة عن هذه المذابح الهمجية التي تجاوزت أقصى حدود الاجرام والوحشية في هذا العصر. هي مسؤولة عنها، وإن لم تكن هي المرتكبة لها. ذلك لأنها - أي هذه الجماعات - هي التي فتحت الباب، وهي التي عبدت السبيل، ثم انها هي التي مدت غطاء من الستر الذي تم نسيجه باسم الاسلام وحكمه، فوق أبطال هذه الجرائم ورجالها. ثم انها افتتحت لهم سلسلة الرعب… وقصت الشريط بالعمليات التي بدأتها هنا وهناك. وقالت بعد ذلك بلسان الحال لكل ذي مطمع في الجزائر واسلام الجزائر وخيرات الجزائر، من ذوي الهويات الخفية: بوسعكم ان تتفضلوا، فالطريق مفتوح، والظلام مخيم". "هكذا كان لا بد ان تتسلسل احداثها. ولا شك ان الذين فجروا الكارثة، هم المسؤولون عن آثارها وانتشار نيرانها. ومنذ ان نالت الجزائر استقلالها، واستقلت في الظاهر بخيراتها الوفيرة، ونهضت بنشاطاتها الاقتصادية والحضارية والاسلامية، كان على الساحة في داخل الجزائر وخارجها من يخططون لزجها في عقابيل نكسة تعيدها الى شرّ مما كانت عليه. وقد أطلقت شخصية فرنسية كبرى بعد حصول الجزائر على الاستقلال تصريحاً جاء فيه: ان الجزائر لن تتمتع بقواها ولن تنعم بخيراتها إلا الى حين، ولسوف ينقشع خطرها المتهدد لما حولها، وتعود الى التبعية التي لا مناص لها منها". "من المؤسف جداً في هذه الدراما ان اولئك المخططين، داخل الجزائر وخارجها، لم يعثروا على بوابة يقتحمونها الى تنفيذ مآربهم أرخص ولا أيسر من البوابة التي فتحها لهم هؤلاء الذين زعموا انهم اسلاميون، ولم يجدوا دخاناً ساتراً يخفون وراءه تكتيكاتهم خيراً من دخان تلك الهياجات التي بدأت ثم تسلسلت كانتقام للحقوق السياسية التي سلبت فعلاً من جبهة الانقاذ. ان سلسلة المذابح المرعبة التي تجتاح الجزائر اليوم، لا تتم على ايدي اسلاميين ولا حتى على ايدي مسلمين. ولا عبرة بأقنعة ساترة من اللحى الطويلة والجلاليب القصيرة. ان للصهيونية أصابع مباشرة فيها، وان للطامعين المقبلين من وراء البحر أصابع مباشرة فيها، وان لقادة النظام العالمي الجديد أصابع فيها. ولكن الكل يتحرك تحت غطاء الاسلام، ذلك الغطاء الذي قدمه لهم، بكل فخر، قادة جبهة الانقاذ ثم قادة الجماعات الأخرى التي تفرعت عنها. وأعتقد ان الأمر لا يحتاج بعد هذا الى فتوى دينية ناطقة بمشروعية هذا الاجرام الذي يتبرأ منه الاسلام، إذ ان هذا الغطاء الاسلامي الصامت خير لهم من اصدار فتوى ناطقة تثير الجدل، ثم تكشف ما تلبّست به من بطلان وزيف". زعيم حركة الجهاد الاسلامي : هذه الافعال محرمة مرتين شمل استطلاع الآراء الدينية الذي اجرته "الوسط" الدكتور رمضان عبدالله شلّح زعيم "حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين" الذي قال: استبعد ان يقف اي اسلامي مهما كان تفكيره خلف العنف الدموي الأعمى، والمجازر التي تحدث في الجزائر. ليس هناك اي دليل من عقل أو دين يسوّغ او يبيح قتل الابرياء من نساء وأطفال المسلمين بالبشاعة التي نسمع ونرى. ما يجري من مذابح تلصق بالاسلام والاسلام منها براء، فهذه الافعال هي كما يقول بعض العلماء محرمة مرتين: حرمتها لذاتها في الفقه الاسلامي، وحرمتها لما ينتج عنها من آثار سيئة ومن ضرر يلحق بسمعة الاسلام والمسلمين. لذلك، في معرض تقويم ما يحدث في الجزائر يجب ان نفتش عن الاطراف او الجهات المعنية بتشويه صورة الاسلام والحركات الاسلامية، فتكون - في تقديرنا - هي الأقرب الى تدبير وتنفيذ ما يحدث من جرائم في حق الشعب الجزائري المسلم.