ترمب يتحدث عن وجود تزوير في فيلادلفيا.. والمدعي العام ينفي    «المالية»: 309 مليارات ريال إيرادات ميزانية الربع الثالث.. و«غير النفطية» تصعد 6 %    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    ازدهار متجدد    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    الفحوصات الطبية تحدد موقف لودي من لقاء الاتفاق    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    أمير الشرقية يستعرض استراتيجية محمية الملك عبدالعزيز    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    الاحتلال يواصل قصف المستشفيات شمال قطاع غزة    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    همسات في آذان بعض الأزواج    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    كلمات تُعيد الروح    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستعمرة الصغيرة السابقة ثامن قوة اقتصادية في العالم . هونغ كونغ : التنين الصيني ... برأسين
نشر في الحياة يوم 30 - 06 - 1997

تستفيق "الصخرة" الاسم المتعارف عليه لهونغ كونغ، مطلع تموز يوليو 1997، وقد انتقلت السيادة فيها من يد "جلالة الملكة اليزابيث الثانية" الى يد حكومة الصين الشعبية، في انتقال يحمل اكثر من مؤشر ومعنى.
وللذين يحبون الاشارات التاريخية، فإن عودة "درة الشرق" الى وطنها الأم - الصين - بعد 100 عام من توقيع معاهدة "الايجار" بين الامبراطورية الاستعمارية العظمى آنذاك والصين المنهزمة، دليل على طي حضور الأسد البريطاني في شرق آسيا، واستيقاظ التنين الصيني. لكن من مفارقات هذه العودة ان المستعمر الانكليزي يترك وراءه شبه دولة تعتبر القوة الاقتصادية الثامنة في العالم، فهي تملك ثاني مركز مالي في آسيا، مع معدل دخل فردي يتجاوز 18 ألف دولار. ولا تغيب عن بال المسؤولين في الحكومة الصينية أهمية هونغ كونغ المالية والصناعية، لذا فإنهم، مع حفظ الشكليات من باب حفظ ماء الوجه، وافقوا على ابقاء نظام هونغ كونغ الليبيرالي، في ما أصبح يسمى بمبدأ "دولة واحدة ذات نظامين" على الأقل حتى العام 2047. ومن هنا الاسم الجديد الذي سيطلق على المقاطعة من الآن فصاعداً "الصين - المنطقة الادارية المميزة - هونغ كونغ". والسؤال اليوم هو: كيف سيكون مستقبل منارة الرأسمالية العالمية في أحضان الصين الشعبية؟
يتلهف الجميع لقراءة الغيب وكشف المستقبل للاجابة عن هذا السؤال، بينما الجواب ظاهر منذ أكثر من عشر سنوات، في الكثير من المتغيرات التي طرأت على الكيانين. والجواب وارد اصلاً في معاهدة عودة السيادة: "دولة واحدة ذات نظامين". وقد شددت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر خلال مفاوضاتها على هذا المبدأ المفترض ان يستمر خلال الخمسين سنة المقبلة، للمحافظة على المصالح المالية الكبيرة المتداخلة في أهم مراكز المال والاقتصاد في العالم.
ولم يكن يخطر على بال المفاوض البريطاني آنذاك ان الصين "الشيوعية" التي كان يفاوض معها، ستتحول لتصبح احدى اكبر أسواق العالم، وأن اقتصادها سيشهد تحولاً جذرياً، ونقلة نوعية فريدة من ناحية النمو قبل عودة هونغ كونغ.
ويقول الكثيرون من متابعي التحولات الاقتصادية في منطقة النمور الآسيوية، ان الصين بانفتاحها ونمو اقتصادها السريع وضعت يدها على هونغ كونغ منذ مدة طويلة، بشكل غير مباشر، من خلال الاستثمارات الضخمة التي ضختها المقاطعة في اقتصاد الوطن الأم، وبلغت اكثر من 30 مليار دولار، رابطة بذلك اقتصادها نهائياً بالسوق الصينية النامية.
ولا تشكل الاستثمارات المالية والصناعية الرابط الوحيد بين المقاطعة والصين، بل هناك ايضاً اليد العاملة الصينية الرخيصة التي تدير الآلة الصناعية في هونغ كونغ، والمصانع الموجودة داخل الصين التي تعمل لحساب شركات هونغ كونغ، مثل منطقة "شينزين" او "غاوانغدونغ".
ولم تكتف الصين بالامساك بالاستثمارات الآتية من المستعمرة البريطانية، فهي انطلقت منذ توقيع اتفاق اعادة السيادة العام 1984، في عملية استثمار واسعة النطاق داخل هونغ كونغ، عبر شراء الشركات العقارية والمالية المصرفية، وافتتاح فروع لشركاتها التجارية، اضافة الى استغلال البورصة في هونغ كونغ من خلال ادخال سندات مالية حكومية وشركات المناطق الحرة لتداول اسهمها فيها. لذلك ارتبط المستقبل الاقتصادي للمقاطعة عضوياً بقطار الاقتصاد الصيني، ويبقى فقط تقسيم الأدوار في ما يتعلق بتقسيم العمل للسنوات المقبلة.
ومن المؤكد ان هونغ كونغ ستكون المستفيدة الكبرى في هذه العملية. فخبرتها في التجارة العالمية لا تضاهى، كما ان 50 في المئة من مجمل صادرات الصين تمر عبرها، وهي ستحافظ على دورها كبوابة الصين الأولى، لا بل من المؤكد انها ستقوي مركزها بالنسبة الى المقاطعات التي تحيط بها وتحاصرها وتحاول مزاحمتها شينزين او غوانتشاو والتي ميزتها الحكومة الصينية بأنظمة اقتصادية خاصة شبيهة بأنظمة المناطق الحرة، اضافة الى ان عودة المقاطعة الى السيادة الصينية، لا تسبب أي قلق لرجال الأعمال والصناعيين في المقاطعة، فهم واثقون من قدرة هونغ كونغ على المحافظة على تقدمها ولعب دورها التقني الطليعي في تحديث الصناعة الصينية، التي ما زالت متخلفة نسبياً في مجالات عدة تتطلب تقنية عالية، مثل صناعة الشرائح وهندسة الكومبيوتر وتصميم الروبوت. كما ان هونغ كونغ تحتل مركزاً مالياً يصعب تجاوزه من ناحية العمليات المصرفية، وحركة رؤوس الأموال الضرورية لكل عمليات الاستثمار الصناعي وعمليات تجديد هيكلية المنشآت الصينية الأساسية المتردية خصوصاً داخل البلاد والمقاطعات الغربية. ولا شك في ان الصين ستستفيد من التقنية المصرفية العالية التي تتمتع بها كادرات هونغ كونغ، نظراً الى مستوى التعليم العالي في المستعمرة.
ولا تكتفي هونغ كونغ بتلك المزايا، بل هي أقرت مجموعة مشاريع للسنوات العشر المقبلة بقيمة 50 مليار دولار بهدف الابقاء على تفوقها النوعي بالنسبة الى المقاطعات الجديدة الصاعدة، وللمحافظة على المعاملة الخاصة من قبل السلطات الحكومية والاقتصادية. ومن هذه المشاريع:
- مطار جديد شك لاك بوك يتوقع افتتاحه العام المقبل وبلغت تكاليفه 21 مليار دولار.
- خطوط حديد جديدة بهدف خفض التلوث داخل العاصمة بكلفة 15 مليار دولار.
- مشروع انشاء خط حديد حديث بين هونغ كونغ ومقاطعة غوانغدونغ القريبة التي يأتي منها يومياً 300 ألف عامل الى المستعمرة. ويتوقع ان تبلغ تكاليف هذا المشروع 10 مليارات دولار.
- مشروع زيادة قدرة المرفأ على استقبال الحاويات بكلفة 5 مليارات دولار.
وتؤكد هذه المشاريع ان هونغ كونغ لم "تنم على حرير" ما يمكن ان يجلبه لها تقربها من الصين، لا بل ان المسؤولين الاقتصاديين فيها يراهنون على ان المنافسة ستكون شديدة مع المقاطعات الأخرى من جهة، ومع القوى الاقتصادية الأخرى في المنطقة سنغافورة مثلاً حيث تعيش جالية صينية كبيرة التي ستحاول احتلال مركزها المالي من جهة أخرى. لذا فإن سكان هونغ كونغ يعرفون ان مبدأ "دولة واحدة بنظامين"، يعني قبل كل شيء وجوب المحافظة على قوتهم الاقتصادية وقوتهم التنافسية ان أرادوا المحافظة على مميزاتهم وسط مليار صيني ونيف يحيطون بهم.
اما الصين فإن فوائدها لا تحصى. ومع ان هونغ كونغ ستحتفظ باحصاءات مستقلة مرادفة لاقتصاد مستقل نوعاً ما، ومرتبط بالصين كما في السابق عبر علاقة مصالح متشابكة، فإن الصين سيكون لها دور اكبر ونفوذ أقوى لتحديد توجهات استثمارات المقاطعة وأولوياتها في تحديث هيكلية البنية الأساسية والنسيج الصناعي في البلاد، على رغم وجود سلطة ذاتية مستقلة تدير شؤون المقاطعة. كما انها ستستفيد من انفتاح البورصة في هونغ كونغ على الرساميل العالمية لجذب الاستثمارات والأموال لدعم صناعاتها الفتية بعيداً عن الضغوطات السياسية التي كانت ترافق تقرير الاستثمارات الأجنبية في السابق. كذلك فإن الصين ستطرق باب المنظمة العالمية للتجارة، الموصود حالياً أمامها، وهي في وضع أقوى من السابق، ومن الصعب تصور امكان رفض العضوية لدولة تشكل أكبر سوق في العالم، ويحتل اقتصاد احدى مقاطعاتها المرتبة الثامنة في العالم، وتتبوأ المركز الثاني من حيث مستوى النمو الاقتصادي، وتملك احتياطاً نقدياً يقدر بما يزيد عن 160 مليار دولار.
لكن المسؤولين الصينيين لا يشددون على الناحية الاقتصادية، إلا بالقدر اللازم الذي يطمئن المستثمرين الأجانب والمتعاملين الاقتصاديين في هونغ كونغ. فهم في المقابل يشددون على النواحي السياسية الوطنية بالدرجة الأولى، في اشارة الى مواطنيهم الى الابعاد الوطنية التي تشكلها عودة المقاطعة المسلوخة عن الوطن الأم، وما تمثله من انتصار للصين وللشعب الصيني بعد طول انتظار. ويهدف هذا التركيز الى استيعاب نوع من التذمر في بعض المقاطعات التي لم تستفد حتى الآن من "معجزة" انطلاقة الاقتصاد الصيني، خصوصاً في داخل البلاد والمناطق الغربية. ويبدي المسؤولون في بكين ضيقهم من التحذيرات المتواصلة الصادرة عن العواصم الغربية حول ضرورة المحافظة على طابع المقاطعة واقتصادها الحر، خصوصاً الحرية السياسية التي يتمتع بها سكان هونغ كونغ. ويشير بعضهم الى الحملة الاعلامية التي رافقت وصول أول مئتي عسكري صيني غير مسلحين للحلول مكان الحامية البريطانية، ويتساءلون: "كيف يمكن اثبات السيادة الصينية، إذا لم تكن هنا حامية صينية؟". لكن سلطات بكين لم تكتف بارسال حامية غير مسلحة، مع العلم ان هناك فيلقاً كاملاً يضم حوالى أربعة آلاف عسكري مدربين خصيصاً للعمل في هونغ كونغ، على أهبة الاستعداد لدخول المقاطعة بعد أول تموز يوليو، فهي باشرت قبل شهرين من تاريخ التسلم والتسليم فرض "جمعية تأسيسية" غير منتخبة لتحل محل الپ"ليكو"، اي برلمان هونغ كونغ. وقد انتخبت هذه الجمعية، التي ضمت شخصيات معروفة بولائها لبكين، تونغ شي هوا ليكون أول رئيس للجهاز التنفيذي لهونغ كونغ، مكان الحاكم البريطاني لورد كريس باتن.
ولا تخفي السلطات الصينية ان من اولويات الجهاز التنفيذي الجديد، تحسين صورة الصين الشعبية لدى سكان هونغ كونغ، ووضع برامج دراسية جديدة والاهتمام بكتب التاريخ التي وضعها البريطانيون. وهنا ايضاً يتساءل المسؤولون الصينيون: "هل من المعقول القبول في دولة واحدة، وإن كان هناك نظامان مختلفان، بكتب تاريخ وُضعت لتبرير استعمار المقاطعة؟".
وإذا سئل سكان هونغ كونغ عن هذا التغيير المرتقب، ترد ثلاثة أنواع من الأجوبة: هناك أولاً نسبة ضئيلة جداً متخوفة من "وصول الشيوعية" وغالبية هؤلاء حصلت على جوازات سفر بريطانية وتستعد لمغادرة المقاطعة، او على الأقل حجزت أماكن لأولادها في مدارس وجامعات تايوان وسنغافورة او استراليا وانكلترا.
وثم هناك نسبة قليلة ايضاً، وأغلبها من المهاجرين الجدد الى هونغ كونغ والقادمين من الصين الشعبية الذين لم ينصهروا بعد كلياً في مجتمع المقاطعة، ويعتبرون فقراءها. وهذه النسبة عرفت الصين في مطلع انطلاق التغييرات الاقتصادية، وسمعت دينغ زياو بينغ حين أطلق شعارها الشهير "اغتنوا" الذي وجهه الى البروليتاريا الصينية داعياً اياها للركض وراء الغنى والثروة. لذلك فهؤلاء غير آبهين بما سيتغير، لأن هدفهم الأول المحافظة على دخلهم العالي. وجل اهتمامهم ابقاء باب الهجرة الى هونغ كونغ موصداً امام العمال الجدد، من صينيين او غير صينيين.
اما الفريق الثالث وهو الأهم والأكبر عدداً، فيثق أولاً بقوته الاقتصادية وبمناعة الاقتصاد في هونغ كونغ. لا بل ان هذا الفريق واثق من ان السلطات الصينية ستنصاع لمتطلبات الرأسمالية والاقتصاد الحرة السائدة في المقاطعة، لعلمها انها الطريق الوحيدة للابقاء على مميزات "الجوهرة" التي عادت الى الوطن الأم. ويمتاز هؤلاء بوطنيتهم الصينية التي لم تتراجع على رغم مرور مئة عام تحت الحكم البريطاني، لا بل ازدادت في الأيام الأخيرة وظهرت بشكل بارز ابان الأزمة التي نشبت بين الصين وتايوان وهونغ كونغ من جهة، واليابان من جهة أخرى، بسبب جزر "سِنقَقُو"، كما تسميها اليابان، او "دياويُوو" حسب التسمية الصينية التي يتنازعان السيادة عليها.
ولعل هذه الأكثرية تشكل في الواقع الرصيد الحقيقي لبكين في هذه العملية، فهي التي كدست ثرواتها من خلال عملها الكادح وثقتها بسياسة السوق الحرة والليبرالية المنفتحة، وكانت السباقة الى الاستثمار في أسواق الصين الصاعدة، مستفيدة من معرفتها اللغة والعادات الصينية، وواثقة من ان المستقبل سيشد الصين نحو الانفتاح. وهذه الأكثرية دفعت هونغ كونغ كي تنافس القوى الصناعية الأخرى التي ركضت وراء أسواق الصين مثل اليابان والولايات المتحدة وأوروبا، خصوصاً ان المقاطعة كانت لديها الامكانات لمثل تلك المنافسة. وهي كذلك التي استقبلت الشركات الصينية في بورصة هونغ كونغ، مرحبة بها عبر الشراء الكثيف لأسهمها مما جعلها تحطم كل الأرقام القياسية.
وتدرك السلطات الصينية ان هذه الأكثرية هي حليفتها الرئيسية، ومن المؤكد انها ستدللها وتحافظ على علاقة جيدة معها، وتحمي مصالحها، لأنها ستكون نافذتها على العالم، واللافتة التي تؤكد تحول الصين من "بعبع" شيوعي الى قوة اقتصادية تحترم وعودها وتحافظ على مصالح المجموعات والأفراد. وهذه دعاية مهمة جداً لحكام الصين، لأن النجاح في هونغ كونغ هذه السنة، ومن ثم النجاح بعودة "ماكاو" العام 1999 التي تسيطر علىها البرتغال، يشكلان تحضيراً لهدف أهم، وإن كان بعيداً إلا انه حاضر في أذهان الجميع، وهو عودة تايوان الى الحضن الصيني.
ولكن هذه قصة أخرى.
فمن المعروف ان تايوان طالبت بريطانيا بتسليمها هونغ كونغ، كون السلطات لما كان يسمى بالصين الوطنية، تملك عقد الايجار الموقع في القرن الماضي. وكانت تايبه تقيم افضل العلاقات مع هونغ كونغ، فماذا سيحصل بعد عودة هونغ كونغ الى الصين الشعبية؟ فإذا كانت الصين تقطع علاقاتها الديبلوماسية مع كل دولة تقيم علاقات ديبلوماسية مع تايوان، فهي لن ترضى بإبقاء العلاقات القائمة بين منطقة الادارة المميزة هونغ كونغ والجزيرة التي تطالب بها. ومنذ أشهر بدأت السلطات التايوانية التحضير لهذا الحدث، فأنشأت مكتباً للتمثيل التجاري ليحل محل سفارتها. ويتوقع كثيرون ان يلعب هذا المكتب دور صلة الوصل بين الصين وتايوان. ويتخوف المحافظون في تايوان من نجاح تجربة الصين في هونغ كونغ، لأن ذلك سيؤدي بالكثيرين من المترددين الى فتور حماسهم المناوئ لكل محادثات او حتى نقاش بامكانية الانضمام أو العودة الى البر الصيني.
وما يتخوف منه هؤلاء هو ما تبحث عنه الصين، وبشكل علني. فهي أعلنت مراراً ان العام 2010 سيكون عام عودة تايوان. ومن الآن وحتى ذلك التاريخ، تكون ماكاو قد عادت الى الحظيرة الصينية، كما هو متفق عليه، وتكون تجربة هونغ كونغ قد أعطت ثمارها، وبرهنت الصين للعالم، خصوصاً للتايوانيين، قبل غيرهم، ان "البعبع الشيوعي الصيني" هو كما تقول الاسطورة الصينية مثل الحرباء، يتغير لونه… لكنه يبقى تنيناً صينياً
الصين وهونغ كونغ:
معلومات وأرقام أساسية
الصين هونغ كونغ
المساحة كلم مربع 9571300 1045
النسبة المزروعة 10$ 6.2$
عدد السكان 1.212 مليار نسمة 6.2 مليون نسمة
العاصمة بكين بيجينغ 10 ملايين هونغ كونغ 2.1 مليون
اكبر المدن شانغاي: 15 مليوناً كولوون 3.2 مليون
كثافة السكان 126/كلم المربع 6000 كلم مربع الأكبر في العالم
النمو السكاني 1.49 1.3
نسبة الخصوبة 1.84$ 1.2
معدل الاعمار 70 سنة 79 سنة
عدد العاملين 624 مليون نسمة 4 ملايين نسمة
اللغات المحكية الماندرين اللغة الرسمية الانكليزية 35$ اللغة الرسمية
885 مليون نسمة الماندرين 25$
الكانتوني لغة رسمية بعد 1/7/97
لغة ال "ووُ" - لغة ال "مين" - الكانتوني 90$
لغة ال "يوئه" - لغة ال "غان"
الديانات البوذية البوذية
الطاوية الطاوية
الاسلام 3$
المسيحية 1$ المسيحية 10$
ميزان القوى المسلحة الصينية
القوات المسلحة: 2.93 مليون عسكري
الاحتياطي: 1.2 مليون
دبابات ومدرعات: 8000
مدرعات خفيفة: 2000
مدرعات لنقل الجنود: 4500
مدافع ذاتية الحركة: 14500
غواصات: 52
فرقاطات: 32
مدمرات مائية: 18
قوارب خفيفة: 870
طائرات مقاتلة: 4970
الصين قوة نووية معترف بها وتملك صواريخ عابرة للقارات، كما هي تملك تقنية تسمح لها باطلاق الاقمار الصناعية والعسكرية.
عضو دائم في مجلس الأمن، وتتمتع بحق ال "فيتو". منذ عام 1972.
معطيات اقتصادية
الصين هونغ كونغ
الناتج الاجمالي 690 122
الناتج الفردي 574 دولاراً 18650 دولاراً
نسبة النمو 10.2$ 4.7 $
الصادرات 151 180
ميزان المدفوعات " 1.6 " 1.2
احتياط العملات 105 66
لمحة عن تاريخ هونغ كونغ
ساعد مركز هونغ كونغ الاستراتيجي، او مرفأ "ثغور العطور" وهو ترجمة اسم هونغ كونغ الحرفي على جعلها أهم مرفأ في المنطقة منذ بدء المغامرة البحرية للبحارة الغربيين. واستعمل الانكليز ال "الصخرة" كما كانت تسمى سابقاً، لشن حرب الأفيون على الصين.
وفي سنة 1898 وقعت بريطانيا معاهدة استئجار لمدة 99 سنة تشمل هونغ كونغ وال "أراضي الجديدة"، اي المناطق التي ضمت خلال الحروب التي لم تتوقف منذ عام 1842، واطلق على المستعمرة اسم "فيكتوريا".
وقد احتلت اليابان المستعمرة خلال الحرب العالمية الثانية وجعلتها مركز قيادتها للأراضي الصينية. وبعد تحريرها على يد القوات الحليفة اصبحت ملجأ للعديد من الفارين من الحكم الشيوعي الذي استلم الحكم عام 1949.
ووافق دينغ زياو بينغ عام 1984، خلال محادثات اعادة المستعمرة للصين على مبدأ اعطاء هونغ كونغ حكماً مميزاً حتى عام 2074 تحت اسم ال "منطقة الادارية المميزة". ووعد رجل الصين القوى بتطبيق مبدأ "دولة واحدة ونظامين" وذلك رغبة بالمحافظة على مميزات درة الشرق المالية وعدم اثارة البلبلة في البورصة الأولى الآسيوية. واعتبر المراقبون هذا الحل انتصاراً للمنادين بانفتاح الصين الاقتصادي على العالم وتقدم موجة البراغماتية على الموجة المتشددة بين المسؤولين في بكين.
من المعروف عن سكان هونغ كونغ ميلهم للعديد من التسليات المفيدة او المضرة، البريئة او غير البريئة. ومن أبرز هذه الميول التقليد الصناعي الذي جعل من المقاطعة اكبر منافس لليابان من حيث التقليد ونسخ الاختراعات، وبخاصة في مجال برامج الكومبيوتر. وكم كانت كبيرة مفاجأة بيل غيت امبرطور برامج الكومبيوتر حين أُنزلت هونغ كونغ الى الاسواق نسخة من برنامج ويندوز 97 الشهيرة... اسبوعين قبل اطلاقها عالمياً وب 4 دولارات فقط للنسخة!
ومن مجالات التسلية المفيدة ايضاً، هواية أهل المقاطعة للعب في البورصة، والمضاربة بالاسهم. ولا يجد المراقبون لمؤشرات البورصات العالمية صفة قادرة على وصف اقبال المستثمرين في هونغ كونغ على شراء اسهم شركة "بيجينغ انتربرايزس" الصينية، وهي شركة تابعة لبلدية عاصمة الصين بكين.
بدأت القصة حين قررت بلدية بكين ادخال احدى شركاتها التجارية الى بورصة هونغ كونغ عبر طرح 15 مليون سهم مخصصة للأفراد، و35 مليون سهم مخصصة للمؤسسات وشركات الاستثمار. واذا كان الاقبال على شراء الاسهم من قبل شركات البورصة والمتعاملين بالأوراق المالية فاق كل التوقعات، ذلك ان الطلب زاد عن العرض بخمسين ضعفاً، فإن طلب الأفراد، اي المستثمرين من عامة الشعب زاد عن 1250 ضعف الكمية المعروضة نعم 1250! مما تسبب بتجميد ما يوازي 35 مليار دولار ه. ك 5 مليار دولارات اميركي لمدة أسبوع ريثما يتم سحب قرعة لتوزيع الاسهم على ذوي الحظ السعيد.
اما في مجال آخر من التسلية وهو سباقات الخيل فقد شهد يوم الأحد في 16 حزيران يونيو السباق الأخير الذي يتم بظل علم جلالة الملكة، قبل انتقال السيادة للصين الشعبية. وقد حضر هذا السباق التاريخي 88000 متفرج، امنوا مراهنات بقيمة 2.8 مليار دولار ه. ك 400 مليون دولار اميركي مما يرفع حصيلة الموسم الاجمالي الى 16 مليار دولار اميركي!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.