«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من حرب االأفيون الى محو العار الى استرجاع ثغر العطور . الصين : 1.5 بليون مستهلك يغيرون وجه الشرق الأقصى
نشر في الحياة يوم 05 - 08 - 1996

بعد أقل من سنة، وبالتحديد في 30 حزيران يونيو 1997، تعود مستعمرة هونغ كونغ الى الصين بعد قرن ونصف من الحكم البريطاني. ويتفق الجميع في الغرب خصوصاً في بريطانيا والدول الآسيوية المجاورة، وبالأخص المعني الأول بالأمر الصين، على اعطاء هذا الحدث أهمية قصوى، وان كان لأسباب مختلفة.
وتستعد الصين لهذا الحدث بشكل تسجل به مرحلة انتقالها من دولة ذات حجم اقليمي الى دولة تلعب دوراً أولياً في الشؤون العالمية، والاقتصادية منها بشكل خاص. ذلك ان المقاطعة التي ستعود الى حضن "الوطن الأم" هي درة الشرق بلا منازع وعبارة عن خلية اقتصادية ديناميكية، يقدر احتياطها المالي بالعملات الأجنبية بأكثر من 110 مليارات دولار، مع نسبة نمو متواصلة تتجاوز 5 في المئة سنوياً، اضافة الى مستوى تعليمي لساكنها يضاهي أفضل الدول الأوروبية، وتضم الكادرات المدربة خصوصاً في أصول التعامل المصرفي والتجارة العالمية وعلوم البورصة. وعلى حد قول ديبلوماسي غربي في آسيا فإن عودة هونغ كونغ الى الصين تشكل "أغلى مهر يمكن أن يقدم للصين في مناسبة اندماجها في اقتصاد السوق".
ولا تحتفل الصين فقط بعودة "مرفأ العطور" العام 1997، بل تحضر للاحتفال بمرور 75 عاماً على انشاء الحزب الشيوعي الصيني. وقد شكلت لجان عدة للاحتفال بهاتين المناسبتين وجعلهما نقطة انطلاق الى القرن المقبل من واقع القوة الاقتصادية.
وتشير الدراسات الى ان الصين ستكون بحلول العام 2010 القوة الاقتصادية الثالثة في العالم بعد أوروبا والولايات المتحدة. ويمثل وجود 1.5 بليون مستهلك تحت لواء اقتصاد السوق الحر حافزاً لشركة الاعلانات العالمية للتدافع على أبواب هذه السوق التي تشهد نسبة نمو تعادل 9 في المئة.
ومع ان المؤشرات تؤكد حتمية تقدم الصين لتأخذ محلها في مصاف الدول الصناعية المتقدمة، فإن هناك احساساً خفياً وشكوكاً تساور المهتمين والمتابعين للشؤون الصينية حول امكان تعثر هذه الدولة الكبرى في مسيرتها نحو التقدم المنشود. ويعود ذلك الى عدد من الأسباب، لعل أهمها السرعة التي انتقلت بها تلك الدولة الى مصاف الدول الصناعية المتقدمة. إذ قفزت قفزة نوعية من عصر اقتصاد الصناعة الثقيلة الستالينية والثورة الثقافية ودعم الفلاحين، الى عصر الكمبيوتر وصناعة الشرائح الالكترونية واطلاق الأقمار الصناعية.
ولا يزال كثيرون ينتظر تتابع نتائج انهيار حائط برلين ومعه المجموعة الشيوعية لتصل الى حائط الصين. وجاءت أحداث 1989 في ساحة تيان مينة أمام كاميرات التلفزيونات العالمية لتأجيج هذا الانتظار. غير أن ما حصل في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق لم ينعكس في القطب الماركسي المنافس، ليس لأن النهج الذي اختطته الصين بعد غياب ماو تسي تونغ عام 1976 كان مختلفاً عن نهج ورثة ليونيد بريجنيف، بل بسبب ظروف الصين التاريخية والحضارية وهيمنة الفلسفة البوذية والماوية على تفكير المسؤولين الصينيين.
الأمن الغذائي والتكنولوجيا
وفي حين كان ستالين يركض وراء صناعة الصلب والصناعات الثقيلة، مهملاً الزراعة والاكتفاء الغذائي، ما جعل الاتحاد السوفياتي، مع كل قواه النووية وجيوشه الجرارة، مرتبطاً بأسعار قمح سهول أميركا الشمالية. كان الصينيون على مختلف فئاتهم وعلى رغم فقر اقتصادهم، يعتمدون على أنفسهم في غذائهم.
وعلى الصعيد التكنولوجي فيما كان الاتحاد السوفياتي يغزو الفضاء في عملية رفع معنويات داخلية و"غرور" علمي ل "منازلة الامبريالية" كانت الصين تنكب على اكتساب خبرة انشاء وحدات تجميع في مجال الكومبيوترات والأدوات الالكترونية بأسعار جذبت كافة المصانع العالمية، خصوصاً الأميركية واليابانية.
ولا تتوقف صورة الصين عند المقارنة مع روسيا الشيوعية سابقاً، فوسائل الاعلام خصوصاً الغربية جعلت في مقدمة اهتماماتها مسألة حقوق الانسان بالنسبة الى الكثيرين من المنشقين الصينيين أو حق تقرير المصير للتيبيت. واذا كان هذا التركيز يساعد على استمرار صورة الصين مشوشة حتى اليوم، فهو يزعج الشركات العالمية الكبرى تجاه الرأي العام الغربي، أكثر مما يزعج زعماء الصين. خصوصاً أن الكثير من البلدان الآسيوية التي لا يمكن اتهامها بمعاداة الغرب، وفي مقدمتها سنغافورة، ترفض التفسير الذي يعطيه الغرب لحقوق الانسان وتطالب بتفسير نوعي يأخذ في الاعتبار الصفة الآسيوية والبعد الاجتماعي لموقع الفرد من المجتمع.
ولا تعاني الصين من اهتزاز صورتها فقط، فهذه الدولة - القارة التي تضم ربع عدد سكان الأرض 1.2 مليار نسمة ما زالت تركيبتها الادارية - السياسية - الاقتصادية الحديثة طرية، وان استمدت ركائزها من تاريخها العريق الذي يعود الى ستة آلاف سنة. لذا فإن علامات استفهام كثيرة تواجه مستقبلها على ثلاثة أصعدة:
1- غموض مستقبل وضعها السياسي الداخلي.
2- موقعها الاستراتيجي وتصاعد نفوذها وانعكاساته على جيرانها.
3- ازدياد فائضها التجاري ونتائج مفاوضاتها مع منظمة التجارة العالمية.
وينبع غموض الوضع السياسي الداخلي من واقع التناقض الذي تتسم به الصين في جميع المجالات، خصوصاً السياسية. فهي في ظل حكم نظام الحزب الواحد الشيوعي الماركسي اللينيني، وفي الوقت نفسه يطل رجل الصين القوي دينغ كسياو بينغ ليشجع شعبه على السعي وراء الإثراء. وبعد سنوات على "الميني ثورة" في ساحة بكين لا يتردد بعض المحازبين في اتهام المتظاهرين باليسارية! أو القاء مسؤولية عدم القمع الفوري للمتظاهرين على الضباط الذين تخوفوا من اتهامهم باليسارية. ويشهد الحزب الشيوعي حالياً اقبالاً متزايداً للمنتسبين من الشباب وأصحاب الأعمال الحرة والأغنياء الجدد. والاجتماعات الحزبية في مطاعم شانغاي وسط رنين الهواتف النقالة أشبه باجتماع لنادي الليونز من اجتماع الخلايا في عز الثورة الثقافية. وأصبح الانتساب الى الحزب الصرعة الأخيرة لتسهيل الأعمال والحصول على مشاريع.
ويعم التناقض أيضاً المظاهر العمرانية ومشاريع تأسيس البنية التحتية في الكثير من المدن التي يتوقع ان يتجاوز عدد سكان كل منها بضعة ملايين نسمة في مطلع القرن المقبل. ففي شانغاي تتراكض دراجات موظفي المصارف وشركات الاستيراد والتصدير بين سيارات المرسيدس والبي. إم. دبليو. وتجاور ورشة بناء ضخمة حيث تنبت ناطحات السحاب العملاقة منازل متواضعة في شوارع ضيقة يتكدس فيها المهاجرون الداخليون القادمون من المناطق الريفية سعياً وراء كسب العيش في المدينة. وفي بكين العاصمة يفخر مسؤولو البلدية باختيار "ماكدونالد" مدينتهم لانشاء أكبر محل لبيع المأكولات السريعة في العالم. لكن البلدية قررت بعد أشهر سحب ترخيص المحل... من دون أي تعويض ولا تبرير. ولعل التناقض الأكبر في المجتمع الصيني يظهر الطبقة الحاكمة لدولة 40 في المئة 480 مليون نسمة من سكانها لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة، ولا يعرفون ماوتسي تونغ الا من خلال كتب التاريخ، بينما معدل عمر الحكام يتجاوز الخامسة والستين مع هيمنة للذين تجاوزوا العقد السابع ونيف، والذين واكبوا الثورة في أوجها. ويتم هذا في ظل الأطباق التلفزيونية اللاقطة التي انتشرت في المجتمع الصيني تتحدث عن الديموقراطية والانتخابات، حتى عند الجار الشمالي روسيا. وكذلك في ظل عودة مقاطعة هونغ كونغ وتقاليدها الديموقراطية التي ورثتها من المستعمر البريطاني.
والى هذا الجانب السوسيولوجي السياسي هناك واقع فرضته سياسة الانفتاح الاقتصادي الجديدة، خصوصاً سياسة اقامة مناطق حرة ذات نظام إداري خاص، تديرها كادرات مدربة ومنفتحة على عقلية السوق الحرة، حسب متطلبات الشركات الغربية واليابانية التي استقرت في هذه المناطق. ومع أنه هناك تعليمات بدعم هذه المناطق وتسهيل أعمالها، فإن العديد من الاجراءات الادارية تظل تابعة لبيروقراطية الادارات الرسمية مما يضعف الاستجابة لمتطلبات الشركات الصناعية التي انتقلت الى الصين لتنافس ديناميكية الشركات في سنغافورة أو هونغ كونغ.
منذ حرب الافيون
لقد لعبت الدول الاستعمارية دوراً في تأجيج نزعات الاستقلال منذ أيام البرتغاليين، وبلغت ذروة التدخل في "حرب الأفيون" التي ربحتها بريطانيا وفرضت بموجبها حرية الاتجار بهذه المادة لتجارها في الصين. ويتخوف كثيرون من أن تكون هذه الذكريات والاهانات التي عرفتها الصين في القرنين الماضيين في مقدمة معطيات سياستها الخارجية. وهناك مؤشرات كثيرة تظهر بعض الصحة في هذه التخوفات. فالسلطات تستعد لاصدار "أطلس العار" أو ما يمكن أن يسمى بجردة كاملة مدعومة بالخرائط والوثائق ل "مجمل الاهانات" التي تعرضت لها الصين منذ ما قبل "حرب الأفيون". وتستعد كادرات الحزب الشيوعي لشن حملة دعائية وترويجية لهذا الكتاب تبلغ ذروتها في مناسبة "اعادة فرض السلطة الوطنية" على "مقاطعة كزيانغ غانغ" اسم هونغ كونغ في لغة الماندرين الرسمية. وكذلك لا يتردد المسؤولون الصينيون في الحديث علناً عن نوعية كتب التاريخ التي ستطرح في المقاطعة بعد ضمها الى "الأرض الأم". وإذا كان شانغ جون سين نائب رئيس وكالة أنباء الصين "كزين شوا" في هونغ كونغ، أي بمعنى اخر الناطق شبه الرسمي باسم الحكومة الشعبية وجه نداء يدعو سكان المقاطعة الى الثقة بالمستقبل محافظة على ازدهار هونغ كونغ والوحدة الوطنية مع الوطن الأم، فإن خطابه الذي نقله التلفزيون كان باللغة الصينية الرسمية أي الماندرين. وهذه مؤشرات لها أهمية في لغة آسيا. وكذلك الضجة التي أثارتها الصين خلال الانتخابات في تايوان ومناوراتها العسكرية والتوتر الذي رافقها مع الولايات المتحدة، كلها مؤشرات اخرى الى رغبة حكام بكين في الانتقال الى الخطوة التالية والأخيرة؟ من عملية "محو العار" التاريخي، حسب تعبيرهم طالما أن المستعمرة الأخيرة ماكاو ستعود اليها في العام 1999، أي استرداد تايوان.
ومسألة الجزيرة الكبرى تايوان تختلف كلياً عن هونغ كونغ أو ماكاو، فليست هناك قوى أجنبية تستعمر الجزيرة، بل هناك صينيون اختار حكامهم الهرب أمام جيوش الثورة الشيوعية واللجوء تحت المظلة الأميركية. وساعد الازدهار الاقتصادي على اقناع السكان المحليين باختيار الانفصال، خصوصاً بعد فترة استعمار ياباني للجزيرة تجاوزت نصف قرن، مما خفف من وقع القطيعة على سكان الجزيرة. وساهمت الدول الكبرى في "كوميديا" دامت حتى 1972 حيث كانت تايوان، أي الصين الوطنية، هي التي تمثل الصين في الأمم المتحدة وتحتل مقعداً دائماً في مجلس الأمن مع حق الفيتو. لكن الوضع انقلب وتغيرت المعطيات.
ولدى الصين أوراق كثيرة تلعبها في عملية استرداد تايوان، ولعل أكبر حليف لها هو حجم الاستثمار التايواني في الصين نفسها، اذ تتجاوز الاستثمارات المباشرة للجزيرة في الصين مجموع الاستثمارات الاجنبية بما فيها اليابان والولايات المتحدة. ومن هنا فإن رجال الأعمال والرأسمالية التايوانية وراء كل الحركات التي تدعو الى استئناف المحادثات مع الصين الشعبية للبحث في سبل الوحدة. وهذه المراكز تقف أيضاً وراء عدم اقدام تايوان على اعلان استقلالها رسمياً، مما يعني الحرب، حسب بكين. وفي المقابل فإن رجال الطبقة المتوسطة والمثقفين يطالبون باعلان الاستقلال ويدعمون مواقف لي تنغ هيو الرئيس المنتخب الذي أدت تصريحاته قبل الانتخابات الى توتر كاد يتحول الى مواجهة بين الصين والولايات المتحدة.
وإذا كانت السلطات الصينية تنزعج من التصريحات المتعلقة بحقوق الانسان فليس بسبب انعكاس ذلك على تهافت الشركات الراغبة بالاستثمار في الصين، أو تسليط الأضواء على عمل الأطفال أو السجناء أو حتى مصير المنشقين السياسيين، بل لأن القبول بالتفاوض على هذه المسألة يمكن أن ينعكس على مشكلة تايوان، وذلك عبر باب "حق تقرير المصير"، فمسألة تايوان تتعلق بمجموعة صينية يمكنها أن تقرر اختيار نمط حياة سياسية يختلف عن الوطن الأم، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به الصين أياً كان نوع نظامها السياسي، لأنه يفتح الأبواب أمام الكثير من المقاطعات على الحدود الغربية، خصوصاً مقاطعة كسينغ جيانغ حيث هناك العديد من الأقليات المسلمة التي بدأت تتحرك في ظل أجواء ما يدور عبر الحدود في الدول المتاخمة افغانستان باكستان وهذا ما يفسر الاتفاقات الموقعة أخيراً بين طاجيكستان وكازاخستان وتركمانستان لمنع أي نشاط لإسلاميي كسينغ جيانغ عبر الحدود.
وسلاح الأقليات سلاح ذو حدين يمكن للصين أن تستعمله في العديد من الدول المحيطة، فالجاليات الصينية موجودة من جنوب روسيا الى شمال الفيليبين مروراً بسنغافورة حيث يشكلون غالبية السكان وكافة دول "عقد بحر الصين"، من فيتنام الى لاوس وحتى اندونيسيا حيث معظم رجال الأعمال الطبقة المالكة للصناعة والمال من الجالية الصينية المهاجرة منذ قرون. وشهدت مناطق جنوب شرقي بحر الصين، تجاه الشواطئ الاندونيسية والماليزية في العام الماضي توتراً عندما تقدمت البحرية الصينية نحو مجموعة جزر "سبراتلي" المتنازع عليها بين اندونيسيا وماليزيا وفيتنام وتايوان اضافة الى الفيليبين وتايلاندا، ورفعت علمها على احدى الجزر بحجة ان السكان من أصل صيني. ويشبه بعضهما خطورة هذا التشابك في المصالح بخطورة فتح "قمقم عفريت" الأقليات، الأمر الذي يفسر مواقف دول بحر الصين المتشددة والرافضة لمبدأ وضع حقوق الانسان السياسية في واجهة الأحداث، والدفع نحو تسهيل عودة تايوان والصين الى طاولة المفاوضات.
ويبدو أن سلطات تايوان استجابت لهذه المطالب وخففت حملتها الرامية الى الاعتراف بها كدولة مستقلة واعادة قبولها كعضو في الأمم المتحدة.
ولا شك ان "ابتلاع" تايوان من قبل الصين، كما تقول الأوساط الغربية في آسيا، خصوصاً المالية منها، أو عودتها الى الصين كما تدعي السلطات الصينية، عملية ستأخذ وقتاً، ومن المحتمل أن يؤثر تصرف الصين في هونغ كونغ ورد فعل السكان المحليين، على سرعة هذه العملية. وفي الانتظار تستمر عمليات الاستثمار التايوانية العملاقة في الصين مما يزيد من ارتباط اقتصاديات الكيانين. ويعود سبب اندفاع المستثمرين من تايوان الى ضخامة السوق الصينية وقدرتها على استيعاب السلع الاستهلاكية في فترة النمو هذه، الى جانب حركة انشاء هيكلية صناعية على مستوى قارة. وفي المنافسة على ولوج هذه السوق تجد الشركات التايوانية انها تملك الكثير من الأوراق لتلعبها وتضع نفسها في مقدمة الدول المستثمرة في الصين، وأبرز هذه المزايا: اللغة والأواصر العائلية التي ما زالت تربط التايوانيين بالقارة، اضافة الى تشجيع السلطات الصينية.
وتستفيد الصين من اندفاع الشركات العالمية نحو سوقها البكر لبناء صناعة متقدمة واقتصاد حديث، مستندة على سوق داخلية شاسعة متلهفة للسلع الاستهلاكية التي حرمت منها لعقود طويلة. وبعدما تحولت الصين الى لاعب أول في التجارة الدولية حيث غزت منتجاتها أسواق العالم، بدأت معها المطالبة بفتح أسواقها الداخلية أمام المنتجات الاجنبية. وتضغط الولايات المتحدة على الصين لفتح حدودها الاقتصادية، ليس فقط أمام السلع بل ايضاً أمام الخدمات والمصارف وشركات التأمين والاتصالات. ولا تنتمي الصين الى منظمة التجارة العالمية حتى لا تضطر الى الانصياع لاجراءات المنظمة وفتح أسواقها أمام المنافسة الخارجية. ويدور خلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة والصين من جهة أخرى يتعلق بحقوق براءات الاختراع وحقوق النشر والتأليف وانتشار صناعة "التقليد". وتقول الولايات المتحدة أن صناعة أقراص "سي دي روم" الأميركية خسرت حوالي 2.4 مليار دولار بسبب عمليات النسخ في الصين لمجموعات من منتوجات هوليوود من دون حقوق. والذي كان مقبولاً من دول متوسطة مثل كوريا وتايوان في الستينات حين تدفقت الصناعات الجلدية أو الساعات المزيفة المصنوعة هناك، لا يمكن أن يكون مقبولاً من دولة بحجم الصين في نهاية القرن حيث يمكن تقدير الخسائر بالمليارات.
من هنا تبدو العلاقة التجارية بين الصين و"شركائها" الغربيين مرشحة لاجتياز فترة قد تكون متوترة انما لن تكون صدامية في أية حال، فالمصالح متشابكة الى حد كبير والطرفان مضطران للتأقلم مع بعضهما البعض، فيما الحوار لن يظل طويلا ثنائيا بين الغرب والصين اذ بدأ يتطور ليكون حواراً ثلاثياً بين أوروبا والصين والولايات المتحدة.
ثغور العطور ملجأ الهاربين والمستثمرين
منذ عام 1842 ومرفأ "ثغور العطور" ترجمة اسم هونغ كونغ الحرفي يثير أطماع القراصنة ومراكب التجارة الأوروبية. وقد انطلق البحارة الانكليز من هونغ كونغ لشن "حرب الأفيون" على الصين. وحين هزمت الصين تنازلت عن ال "الصخرة" للامبراطورية الانكليزية التي أطلقت عليها اسم "فيكتوريا". وساعد مركز هونغ كونغ الاستراتيجي على جعلها أهم مرفأ في المنطقة. ووسعت بريطانيا رقعة مستعمرتها على حساب الأراضي الصينية حتى سنة 1898 حين وقعت معاهدة استئجار لمدة 99 سنة تشمل هونغ كونغ و"الأراضي الجديدة". واستقطبت المستعمرة البريطانية العديدة من الصينيين الهاربين من الحروب الداخلية. وقد احتلت اليابان المستعمرة خلال الحرب العالمية الثانية وجعلتها مركز قيادتها للأراضي الصينية. وبعد تحريرها على يد القوات الحليفة أصبحت ملجأ للعديد من الفارين من الحكم الشيوعي الذي تسلم الحكم عام 1949.
وبعد ثلاث سنوات على رحيل ماوتسي تونغ بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي التي نسجت شبكة من العلاقات الاقتصادية والمالية والمصالح بين المقاطعة والوطن الأم. وقد دفع هذا حكومة مارغريت ثاتشر الى البدء بمفاوضات حول صيغة انتهاء عقد الايجار في عام 1997.
وكانت نتيجة المفاوضات قبول دينغ كيسياو بينغ مبدأ اعطاء مقاطعة هونغ كونغ حكماً مميزاً حتى عام 2074 تحت اسم ال "منطقة الادارية المميزة". وتمثل عبارة "دولة واحدة ونظامين" رغبة الصين بالمحافظة على مميزات "درة الشرق" المالية وعدم اثارة البلبلة في البورصة الآسيوية الأولى. واعتبر المراقبون هذا الحل انتصاراً للمنادين بانفتاح الصين الاقتصادي على العالم وتقدم موجة البراغماتية على الموجة المتشددة بين المسؤولين في بكين. وقد وقع الاتفاق عام 1984.
لكن انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور الولايات المتحدة كقوة احادية مهيمنة على النظام العالمي، وتغيير قواعد اللعبة، مع ظهور آسيا كقوة اقتصادية مهمة، دفع بالطرفين البريطاني والصيني الى مواقف متشددة. فقد فرض اللورد كريس براتن حاكم هونغ كونغ البريطاني دستوراً جديداً عام 1992، يعطي المزيد من الصلاحيات للمجلس الوطني للمستعمرة بشكل مخالف لاتفاق 1979، لكن يبرره قمع السلطات الصينية للمتظاهرين في عام 1989، وخوف الأوساط المالية في هونغ كونغ من عمليات التجاذب بين القوى الغربية وبيكين حول حقوق الانسان وتباين التفسير لها. وقد ردت الصين باعلانها التصميم على عدم الاعتراف بعد عام 1997 بكل التنظيمات والهيئات المنتخبة قبل هذا التاريخ.
تايوان
المساحة: 35989 كلم2.
السكان: 21.3 مليون نسمة.
الكثافة السكانية: 591 نسمة في الكلم2.
اجمالي الانتاج المحلي: 278 مليار دولار.
معدل دخل الفرد: 12992 دولاراً أميركياً.
معدل النمو: 6.4 في المئة.
معدل التضخم: 8 في المئة.
معدل البطالة: 4 في المئة.
ميزان المدفوعات: 90 مليار دولار.
احتياط العملات الصعبة: 1.3 مليارات دولار.
اللغات المحكية: الكانتوني.
هونغ كونغ
المساحة: 1045 كلم2.
السكان: 6 ملايين نسمة، بينهم 415 ألف أجنبي.
الكثافة السكانية: 7522 نسمة في الكلم2.
اجمالي الانتاج المحلي: 122 مليار دولار أي ما يوازي 25 في المئة من قيمة انتاج الصين.
معدل دخل الفرد: 18650 دولاراً أميركياً.
معدل النمو: 5 في المئة.
معدل التضخم: 8 في المئة.
معدل البطالة: 3 في المئة.
احتياط العملات الصعبة: 50 مليار دولار.
التجارة الخارجية: 165 مليار دولار استيراد، و155 مليار دولار تصدير، و15 مليار دولار اعادة تصدير.
ميزان المدفوعات: 4.8 مليار دولار.
المركز المالي: الثاني في آسيا بعد سنغافورة.
اللغات المحكية: الانكليزية والكانتوني بعد عام 1997 المندرين لغة الصين الرسمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.