يعتبر سليمان ديميريل من أقدم الشخصيات التاريخية في تركيا، وقد تعاقب على السلطة 7 مرات متخلياً عنها مرتين اثر انقلاب عسكري. ففي العام 1971 استقال بعدما تلقى مذكرة من العسكريين، وفي العام 1980 سجن في أعقاب انقلاب عسكري. تولى ديميريل زعامة الحزب الديموقراطي بعدما أعدم العسكريون رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس شنقاً في الستينات. وقد حل حزبه مرتين. وهو اليوم يتولى رئاسة الجمهورية. وتشبه حياته صورة تركيا التي اختصرها بقوله: "ابن الفلاحين الفقراء صار رئيساً للجمهورية، والسياسي الذي دخل السجن بلغ أعلى درجات السلطة. ان تركيا تتطور على رغم الحواجز التي تعترضها وتحمي السياسيين الذين خدموها"، والشعب التركي يطلق على ديميريل لقب "الأب" مع انه لم يرزق أولاداً. هذه المرة يعيش ديميريل بصفته رئيساً للبلاد أجواء انقلاب عسكري، وهو يرفض الاجابة عن الأسئلة التي يطرحها الصحافيون الأجانب عن الوضع الراهن في تركيا، مع انه يعتبر في زمن الأزمات الرجل العاقل. وهو عبر شاشات التلفزيون يدعو الشعب باستمرار الى المحافظة على هدوء أعصابه على رغم الأزمة الحادة التي تعصف بالبلاد. والرئيس ديميريل تربطه علاقات ودية بالجيش على اعتبار "ان في البلاد عشرات الأحزاب السياسية، ولكن ليس في البلاد سوى جيش واحد"، كما يقول، علماً انه يحذر العسكريين بقوله: "ان الانقلابات لا تجدي نفعاً". "الوسط" حاورت الرئيس التركي في أنقره. منذ سنوات وفي مطلع كل ربيع تقوم تركيا بحملة عسكرية واسعة في شمال العراق وتعلن في نهاية كل حملة انها قتلت بين 2500 و3 آلاف ارهابي. وهذه الأرقام تضعنا أمام احتمالين: أما ان يكون حزب العمال الكردستاني حركة مقاومة قوية تجدد بنيتها بعد كل حملة، أو ان الجيش التركي لا يكتفي بقتل الارهابيين فيقتل المدنيين أيضاً. - في السنوات الأخيرة حققنا نجاحات في حربنا ضد حزب العمال الكردستاني ويمكننا القول ان الحزب حالياً انسحب الى البلدان المجاورة. والمنطقة الأكثر ملاءمة له هي شمال العراق في غياب السلطة التي تفرض الأمن. وتركيا الحريصة كل الحرص على سلامة الأراضي العراقية لا تستهدف من خلال عملياتها انتهاك السيادة العراقية. اما بالنسبة الى الأرقام فإن عدد إرهابيي حزب العمال الكردستاني في التسعينات بلغ حجماً كبيراً. وفي تقديرنا ان عددهم حالياً يراوح بين أربعة آلاف وخمسة آلاف مقاتل. ان خمسة عشر الف جندي رقم عادي بالنسبة الى عدد الجيش التركي، لكن خمسة آلاف مقاتل في منظمة ارهابية هو رقم بالغ الخطورة. صحيح ان حزب العمال الكردستاني فقد الكثير من قوته، لكن المنظمات الارهابية يمكنها تعويض خسائرها بفضل المساعدات الظاهرة والخفية من بعض البلدان. وما لم يتوقف الدعم الخارجي فإن هذه المنظمة الارهابية ستستمر. اما الاتهامات التي توجه الى تركيا بأنها تقتل المدنيين فهي باطلة، حزب العمال الكردستاني هو الذي يقتل المدنيين أطفالاً وشيوخاً ونساء، وهو الذي يروج لتجارة المخدرات والسلاح. وعلى البلدان التي تؤمن بمكافحة الارهاب ان تدعم تركيا في حربها على الارهاب. يقول مسؤولون أتراك ان زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان يقيم في سورية، وانتم تتدخلون عسكرياً في شمال العراق ولا تنتقدون سورية الا شفوياً، ما تفسيركم لذلك؟ - اقامة زعيم حزب العمال الكردستاني في سورية ليست اشاعة، انما هي حقيقة. فالعالم بأسره يعلم ان أوجلان في سورية. وقد قدمنا اثباتات الى سورية بهذا الصدد والى المراجع الدولية. ويوم كان العراق يفرض سيادته على أراضيه كانت عملياتنا العسكرية محدودة وكانت تتم في اطار الاتفاقات المعقودة مع العراق، وفي غياب سلطة الحكومة العراقية تمركز حزب العمال في شمال العراق وتمدد. نحن نعتقد بأن الوسائل السلمية هي أفضل حل للمشاكل العالقة بين الدول ذات السيادة. ويتوجب على كل بلد ان يحول دون قيام هجمات تهدد سلامة البلد المجاور وأمنه. وتركيا تطالب سورية بإلحاح أن توقف دعمها حزب العمال الكردستاني وزعيمه المجرم. التقارب بين اسرائيل وتركيا يتطور بسرعة. الا يؤدي هذا التقارب الى تباعد بين تركيا والبلدان العربية؟ - نحن نريد ان نوطد علاقاتنا بالدول العربية في اطار المصالح المشتركة. وباستثناء سورية ليس لتركيا أي مشكلة مع أي دولة عربية. وليس ثمة ما يحول دون تطوير علاقاتنا بهذه الدول. اما بالنسبة الى اسرائيل فقد أكدنا أكثر من مرة ان التقارب بين بلدينا لا يشكل تهديداً للبلدان الأخرى، بل يهدف على العكس الى بناء الاستقرار والسلام في المنطقة. هل يؤثر فوز محمد خاتمي بالانتخابات الرئاسية في ايران على العلاقات بين البلدين؟ - منذ ثلاثة قرون ونصف ونحن نقيم علاقات سلام مع ايران. وعلاقاتنا الاقتصادية تتطور، ونريد ان نعززها باستمرار. ان الانتخابات شأن داخلي لايران. وقد احترمنا دائماً ما يقرره الشعب الايراني لمستقبل بلاده. لقد تغير رئيس الجمهورية في ايران، لكن النظام لم يتغير. وأتمنى للسيد خاتمي ان ينجح في مهمته. كيف تفسرون معاهدة الأممالمتحدة بالنسبة الى اقتسام مياه الأنهار الدولية؟ - ان معاهدة الأممالمتحدة لاستخدام المياه لاغراض أخرى غير الملاحة في الأنهار ليست عادلة بالنسبة إلى البلدان المجاورة للأنهار. وهي معاهدة لا قيمة قانونية لها. ونحن صوَّتنا ضد تطبيقها على بلادنا لأنها تقيم حواجز أمام تطوير المشاريع الكبرى مثل السدود والمشاريع الهيدروكهربائية. فاذا أرادت تركيا مثلاً ان تبني سداً فإن المعاهدة تفرض عليها ان تستأذن البلدان التي تستفيد من حقوق المتاخمة النهرية وهذا ظلم صارخ. وأكثر من ذلك، ليس من الطبيعي ان تكون أية معاهدة نتيجة توافق مسبق بين البلدان المعنية. هذه المعاهدة لا تشير الى مبدأ حق السيادة المطلق على مجاري المياه، وهي تشير في أولوياتها الى الخطر المحتمل نتيجة بعض الاستخدامات لمجاري المياه، متجاهلة خصوصاً الاشارة الى الانصاف في استعمالها. نحن لا نعترف بهذا الاتفاق. تخوض غمار السياسة منذ ثلاثين عاماً وخلال توليك رئاسة الحكومة شهدت انقلابين عسكريين. اليوم انت رئيس للجمهورية، فكيف تنظر الى مجمل الوضع في تركيا؟ - شهدت تركيا في الخمسينات نمواً في مجالات مختلفة، لكن الانقلاب العسكري للأسف وضع حداً لهذا النمو، وترك انعكاسات سلبية على تركيا، ولذا كان النمو شبه معدوم في الستينات في أعقاب الانقلاب العسكري. وعندما بدأت حياتي السياسية في الستينات لم يكن لدي سوى هدف واحد: "تحقيق حلم تركيا الكبرى"، وقد ربطت مصيري بمصير تركيا باستمرار. لقد أوصلني شعبي الى رئاسة الجمهورية. وتركيا لم تعد كما كانت عليه في الستينات، بل يمكننا ان نطلق عليها تركيا الكبرى من وجوه عدة. وهي اليوم من بين الدول العشر الأكثر نمواً في العالم .