تونجلي تركيا، القاهرة، دمشق، موسكو - "الحياة"، رويترز، أ ف ب، ق ن أ - في وقت بدا ان الجهود الديبلوماسية التي تُبذل منذ ايام ساهمت في تخفيف حدة التوتر بين سورية وتركيا، انتقل الاهتمام امس الى موضوع المكان الذي لجأ اليه زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان الذي تتهم انقرةدمشق بايوائه. وفيما بدا امس ان السلطات التركية باتت متأكدة انه لم يعد موجوداً في سورية، ظهر تضارب في المعلومات عن مكان وجوده حالياً، وإن كانت معلومات الاستخبارات التركية تُرجّح انتقاله الى الاراضي العراقية. وأفاد مصدر عسكري تركي ان تقارير الاستخبارات التركية تشير الى امكان فرار عبدالله اوجلان من سورية وتوجهه الى العراق. ومعلوم ان تركيا كانت هددت بالتحرك عسكرياً ضد سورية اذا بقي اوجلان في اراضيها. وتصر أنقرة على انه "الرأس المدبر" لحملة كردية بدأت منذ 14 عاماً في جنوب شرقي تركيا. وتنفي سورية مساندتها أوجلان. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر عسكري تركي في بلدة تونجلي الشرقية: "من تتبع الرسائل الاذاعية للارهابيين سمعنا ان اوجلان غادر سورية وتوجه الى اراضي العراق. لكن لا يُعرف مكانه في شكل قاطع". وقالت وزارة الخارجية التركية انها لم تصلها معلومات في هذا الشأن. وقال المصدر العسكري انه يعتقد ان اوجلان موجود الان في شمال العراق. وأضاف: "يُعتقد انه قريب من اراض خاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني". ويسيطر حزب العمال الكردستاني على عدد من الجبال النائية في شمال شرقي العراق. ووافق الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني أخيراً على منع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من العمل انطلاقاً من الاراضي التي يسيطر عليها الفصيلان والتي خرجت عن نطاق سيطرة بغداد منذ حرب الخليج عام 1991. وقالت وكالة "ديم" الكردية للانباء التي تتخذ من المانيا مقرا لها ان اوجلان اصدر امرا لميليشياته بالاستعداد للعمل لانهاء وقف النار الذي اعلنه حزبه من جانب واحد في الأول من ايلول سبتمبر الماضي. ونقلت الوكالة عن اوجلان قوله "من الضروري ان يضع الجميع في الاعتبار ان كل مقاتل هو قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في وجه التهديدات والهجمات". ورفضت ناطقة باسم حزب العمال الكردستاني كشف مكان اوجلان. ونشرت الصحف التركية أمس تقارير مماثلة عن انتقال اوجلان الى خارج دمشق. إذ قالت صحيفة "ميليت" ان "أوجلان فر". كذلك لمّح اسماعيل جيم، وزير الخارجية التركي، الى ذلك الاثنين بعد المحادثات التى اجراها مع وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى. وتتوسط مصر وايران من اجل التوصل الى حل ديبلوماسي للمواجهة الاقليمية الخطرة الجارية بين سورية وتركيا. وقال جيم للصحافيين بعد محادثاته مع موسى ان المصريين "جاؤوا برسالة من سورية تقول ان توقعاتنا في ما يتعلق بمسألة الارهاب سيتم تلبيتها وان ذلك قد بدأ. نأمل باجراء محادثات في هذا الاتجاه". وقالت صحيفة "ميليت" أمس ان انقرة اشترطت لاجراء حوار بين وزير خارجيتها ونظيره السوري السيد فاروق الشرع ان يتم ابعاد اوجلان وجميع عناصر الحزب الكردستاني من سورية ولبنان الى "بلدان بعيدة" وان تضمن دولة ثالثة عدم عودتهم. وأضافت ان انقرة ردت بهذين الشرطين على موسى الذي نقل الى المسؤولين الاتراك استعداد سورىة للعمل على ازالة دواعي القلق التركي الامني واقتراحها البدء في حوار بين وزيري خارجية الدولتين للبحث في سبل انهاء التوتر الحالي. وقالت ان المسؤولين الاتراك يريدون ابعاد اوجلان واعضاء حزبه الى "دول بعيدة وليست قريبة" كالعراقوايرانوارمينيا واليونان وبلغاريا. وذكرت شبكة التلفزة التركية "ان.تي.في" مساء الاثنين ان سورية مستعدة على ما يبدو لاجراء حوار مع تركيا في شأن التدابير التي يتعين اتخاذها ضد حزب العمال الكردستاني. واكدت الشبكة نقلا عن مصادر ديبلوماسية ان موسى نقل رسالة دمشق هذه الى السلطات التركية. واضافت ان الرئيس حافظ الاسد اقترح على السلطات التركية مناقشة مجمل التدابير التي يمكن اتخاذها ضد حزب العمال الكردستاني. وفي هذا الإطار، قال الرئيس التركي سليمان ديميريل أن "سورية اعطت جواباً لتركيا يستحق التركيز عليه". لكنه لم يكشف ماهية هذا الجواب. واضاف ديميريل فى تصريح بثته اذاعة انقرة "انه سيجري التركيز على هذا الجواب بكل حساسية". وبدا ان الرئيس التركي يُظهر - للمرة الأولى منذ اندلاع الازمة مع سورية - ميلاً الى الحل السياسي. وقال انه يجب "تجربة الطرق السلمية" وإن تبيّن لاحقاً انه لن يتمخّض عنها نتيجة. ونوه ديميريل بجهود الوساطة التى بذلها الرئيس المصري حسني مبارك ووزير خارجيته عمرو موسى. وقال انهما نقلا بنيات حسنة مشكلة تركيا الى الجانب السوري. موسى وفي القاهرة، اعرب الوزير موسى أمس بعيد عودته الى القاهرة آتيا من دمشق عن الامل ب "احتواء الازمة" بين سورية وتركيا. وأضاف: "آمل بان تتكلل الجهود المبذولة خاصة المصرية منها بالنجاح في احتواء الازمة"، مضيفا "ما زلنا في خضم الجهود الديبلوماسية والتي نشعر فيها بالامل في تخطي هذه الازمة". ونفى ان تكون الاطراف قد حددت موعداً نهائياً للجهود المصرية. وسئل عن احتمال عقد اجتماع بين وزيري خارجية سورية وتركيا فقال: "هناك افكار عديدة مطروحة وهذا يعطينا الامل في العمل لاحراز تقدم". لكنه نفى احتمال عقد اجتماع رباعي في القاهرة هذا الاسبوع يضم تركيا وسورية ومصر وتونس. وكان موسى قال بعد انتهاء محادثاته في دمشق مساء اول من امس ان حصول انفراج بين سورية وتركيا "أمر قائم". واضاف: "اعتقد ان لدينا ما يمكن ان يشكّل أملاً في تجاوز هذه الأزمة". وسئل هل تناولت المحادثات "الموضوع الأمني"، فأجاب: "كان هذا الموضوع جزءاً رئيسياً من الحديث". أما وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع فقال، بعد المحادثات مع موسى، ان الاشارات الايجابية بين بلاده وتركيا "بداية طيبة، وهي في حاجة الى متابعة والى نيات طيبة من الجانبين. ونأمل ان نصل الى النتائج المرجوة". وقال ان الرد الذي نقله موسى الى دمشق من أنقرة "يتناسب مع ما حمله" موسى من دمشق الى انقرة. وقال "هناك شعور بالارتياح". وشدد على ان سورية لا تنظر الى تركيا "على اساس انها عدو ... تعاملنا مع هذه الازمة ليس من منطلق الضعف إطلاقاً، وانما من منطلق الحرص على تركيا ان تكون صديقاً للعرب وليس عدواً". الأممالمتحدة وفي نيويورك، دعا الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان تركيا وسورية الى ضبط النفس في النزاع. وحضهما على حل خلافاتهما عن طريق المفاوضات. وجاء نداء أنان في بيان اصدره ناطق باسم الاممالمتحدة بعد ان استقبل الامين العام وفدا من خمسة سفراء عرب. وقال الناطق باسم الاممالمتحدة ان الوفد العربي "اعرب عن القلق للتوتر الحالي بين سورية وتركيا وأكد تصميم سورية على ايجاد تسوية ديبلوماسية ورفض التهديد باستخدام القوة كوسيلة لتسوية الخلافات بين الدول". وأضاف بيان الاممالمتحدة ان "الامين العام يشارك السفراء قلقهم للتصعيد في التوتر أخيراً. ويرحب بجهود مصر وكذلك ايران للتوسط من أجل ايجاد حل سلمي". واضاف البيان ان أنان على اتصال بتركيا وسورية و"يرى انه يتعين بذل كافة الجهود من اجل تفادي مزيد من التدهور". وقال البيان ان أنان "يناشد تركيا وسورية ضبط النفس ويحضهما على حل خلافاتهما من خلال المفاوضات". ويضم الوفد العربي ممثلي مصر ولبنان والمغرب وسورية والجامعة العربية لدى الاممالمتحدة. وقال الناطق باسم الاممالمتحدة ان أنان تلقى في وقت سابق رسالة من وزير الخارجية التركي اسماعيل جيم لكنه لم يكشف محتوياتها. ليس في ارمينيا وفي موسكو، أكد ناطق باسم وزارة الخارجية الروسية ان بلاده على "اتصال دائم" بانقرةودمشق. ودعا الجانبين الى ابداء "حكمة سياسية" والامتناع عن اي تصرف او تصريح "يزيد الوضع سوءاً". كذلك قال الناطق باسم وزارة الخارجية الارمنية ارسين غاسباريان ان بلاده تنفي رسمياً ان يكون اوجلان انتقل الى ارمينيا. واضاف ان "انقرة عاجزة عن معالجة مشاكلها الداخلية ولذا تحاول القاء المسؤولية على هذه الدولة المجاورة اوتلك". وقالمصدر قريب من قيادة حزب العمال الكردستاني ان تركيا تحاول استغلال انشغال العالم بمشكلة كوسوفو ل "فتح جبهة" ضد سورية والأكراد. وأضاف ان انقرة سوف "تحرم" من هذه الورقة بتقديم "وثائق" تؤكد ان اوجلان "ليس في سورية". وفي الخرطوم، اعلن وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل ان بلاده دعت سورية وتركيا الى ضبط النفس والسعي الى التوصل الى حل سلمي للنزاع القائم بينهما. ونقلت الصحف السودانية أمس عن الوزير اسماعيل قوله انه سلم الاثنين السفير التركي في الخرطوم رسالة موجهة الى وزير الخارجية التركي يدعوه فيها الى "بذل كل ما بوسعه لحل الازمة". وأعرب اسماعيل عن امله بنجاح مهمات الوساطة التي تقوم بها كل من مصر وايران وبأن "لا يتدهور الوضع او يؤدي الى مواجهة مسلحة". في باريس، رحبت فرنسا بجهود الوساطة المصرية لانهاء الأزمة السورية - التركية واعلنت انها ستقوم بمساع لدى دمشق وانقره. واعلنت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن غازو - سوكريه: "نحن نرحب بالجهود المصرية التي ندعمها". وأضافت ان باريس تعتزم القيام "بمساع" لدى سورية وتركيا بهدف معاودة الحوار السياسي وتسوية خلافاتهما ب "طريقة محددة".