صدر للشاعر والباحث اليمني المعروف عبدالعزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء، مجموعة شعرية تاسعة بعنوان "أبجدية الروح"، عن "المركز المصري العربي للصحافة والنشر والتوزيع". تنتمي المجموعة إلى شعر التفعيلة، وتبدأ قصائدها ال 29 ب "فاتحة"، منتهيةً ب "أغنية صباحية". في "فاتحته" التي يبدو واضحاً أن الشاعر تعمد تقديمها، اهداء ضمني غير مقصود لذاته: "لأرض الروح أكتب ماء أشعاري ولله الذي بسمائه، وجلاله، يحتل وجداني وأفكاري وللأطفال... للمرضى... لكل مسافر في شارع الإيمان مُتهم بإنكار السماء وفي رحاب الله تحتفل السماء به لكل مسافر في شارع الإيمان تشرق في مرايا قلبه أسرار من سواه من ماء وفخار". هذا المقطع الأول من القصيدة، يمثل لافتة على مدخل الديوان، تؤكد مدى اعتماده على العنوان: "أبجدية الروح" اعتماداً دينامياً يجعل منه أكثر من مجرد لعبة لفظية للبحث عن التمايز. فخيار الشاعر عضويّ، يعبّر عبر العلاقة الروحانية المباشرة القائمة بين الاسم والمسمى أو العنوان والمضمون لفظاً ودلالة ومعنى وموضوعاً. وهذه ربما أبرز السمات التي تميز ديوان المقالح الجديد عن أعماله السابقة، إضافة إلى كونه أكبرها حجماً. ولا بدّ من الاشارة إلى أنّه يأتي بعد فترة انقطاع استمرت عشر سنوات. مرحلة روحانية خاصة "قصائد الديوان الجديد تعبر عن مرحلة روحانية خاصة، تمثل لدي شبه انكسار كوني"، يقول الشاعر ل "الوسط". ويوافق المقالح بتحفّظ على وجود "نزعة أو مسحة صوفية واضحة تظهر من خلال روحانيته"، ثم يستدرك: "لكنّها نزعة واعية وموضوعية وعميقة وليست دروشة". أما الشاعر اليمني عبدالله البردوني، فيرى أن "في الديوان مصطلحات قليلة ليست صوفية ولكنها يمكن أن تلحق بالصوفية في الشعر ضمن ما يخلعه الدارسون عليها من مصطلحات". ويعتبر البردوني أن الديوان الجديد "لا يختلف عن أعمال المقالح السابقة من حيث البنية اللغوية، ولكنّ فيه إبداعاً شعرياً متطوراً". والمتصفح لديوان المقالح الجديد، يستطيع أن يلمس هذه الروحانية من خلال نظرة سريعة إلى مضامينه أو حتى عناوين قصائده ومطالعها. نجد بين العناوين مثلاً: "ابتهالات"، "قصيدة حب للسماء"، "فصول من كتاب الموت"، "مفاتيح إلى ثكنات الروح"، "بكائية"، "أغنية للروح"، "بالقرب من نخلة الله"، و"ثلاث قصائد للمطر"... ومن مطالع هذه القصائد: "إلهي، أعوذ بك الآن من شر نفسي ومن شر أهلي ومن شر أصحابي الطيبين ومن شر أعدائي الفقراء إلى الحب ومن شر ما صنع الشعر ومن شر ما كتب الحاقدون أعوذ بك الله من أرق في عيون النجوم ومن قلق في صدور الجبال ومن خيبة في نفوس الرجال ومن وطن شاهراً موته يتأبط خيبته يتكور خوفاً من الذاكرة...". كما نقرأ أيضاً: "لك المجد والشعر لا أحد غيره يستحق القصيدة ساعة يحملها الضوء منتشياً تكتسي الكلمات عبير الصلاة وتخرج من ملكوت الكلام لتصعد حافية نحوه نحو عرش الإله...". أو: "سلام هو الله/ في البدء كان... وفي آخر البدء كان...". ويكتب المقالح في مكان آخر: "مولاي انشق الليل ذئاب سود تبتلع الأرض رصاص يركض في أحشاء الناس...". ولعلّ تلك النزعة الروحانيّة تبلغ ذروتها حين يكتب: "مَدَدْ، مَدَدْ، مَدَدْ غيرك في الوجود لا أحد الأزل القديم أنت والأبد يا سيد الزمان والمكان... لا شريك ولا ولد أنت الجمال والكمال والسلام والصمد...". بقايا حروف... وعلى الرغم مما تعيشه الحركة الأدبية في اليمن من حالة جمود وركود، فإن الشاعر والجامعي المعروف، استطاع من خلال ديوانه، أن يخلق نوعاً من الحركة. فبعض المناقشات والآراء النقدية تناولته بوصفه تعبيراً عن مرحلة تحول لدى المقالح. حتّى أن بعض المناقشات تجاوز الديوان، وتطرّق إلى الديوان العاشر الذي لا يزال في رحم الغيب وفي وجدان الشاعر، من خلال طرح سؤال يفرض نفسه هنا: إلى أين ستقود هذه البداية الشاعر؟ وكيف ستتطوّر في ديوانه المقبل مرحلة التحول الروحاني؟ وعلى الغلاف الأخير للديوان، اختار الشاعر، بمثابة اجابة غير مباشرة، مقطعاً من احدى أجمل قصائده وهي "قصيدة حب للسماء"، كتبه بخطه وتوقيعه: "شعراء كثيرون... جاؤوا من الموت عادوا إلى الموت يا سيد الحرف والعشب والليل هب لي بقايا حروف مبراءة من غبار الكلام"