يثير سميح عيتزار انزعاج الإسرائيليين كثيراً، ففي الخمسينات جابه هذا الكاتب الإسرائيلي المعروف مواطنيه بحقائق طرد الفلسطينيين من ديارهم خلال حرب العام 1948. وفي الأيام الأخيرة نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" شرحه المسهب للأسباب التي تجعل من سياسات حكومة بنيامين نتانياهو في مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها أمثلة واضحة على العنف والارهاب الرسمي التي تسانده الدولة الإسرائيلية. لكن المشكلة الآن، مثلما كان الحال في الخمسينات، هي أن قلّة من الإسرائيليين على استعداد لقبول حجج عيتزار. وبعد عودة نتانياهو من زيارة لواشنطن لم يواجه أي ضغوط داخلية باستثناء ارضاء الجناح اليميني وتلبية مطالبه المتمثلة في مواصلة البناء في مستوطنة "هار حوما" في جبل أبو غنيم وتوسيع المستوطنات المئة والخمسين الأخرى التي يزيد عدد اليهود فيها الآن على مئة وخمسين ألف نسمة. والإسرائيليون متحدون في تأييدهم لطلب نتانياهو بوقف الهجمات الفلسطينية، كما أن كراهيتهم لياسر عرفات الآن لم تكن بمثل هذه الشدة في أي وقت مضى. وقد بدأت هذه المشاعر الإسرائيلية تزداد قوة الآن بعدما أخذ الإسرائيليون يحسّون ان انتفاضة جديدة بدأت في الضفة الغربية. كذلك بدأ الإسرائيليون يشاهدون على شاشة التلفزيون اشتباكات يومية، تذكرهم بأيام الانتفاضة - وهو ما لم يشاهدوه منذ سنوات. لكن نظرتهم إلى الانتفاضة الآن هي مثلما كانت قبل سنوات، أي كأن أحداثها تقع في بلد آخر، إذ تقول سيدة في القدس: "لا اعتقد بأننا سنخوض حرباً لأن الانتفاضة تجري في المناطق المحتلة". ومضت تقول: "هذا شأن فلسطيني لا علاقة لنا به"! وبعد أيام من الانفجار الذي وقع في أحد مقاهي تل أبيب، أعاد المقهى افتتاح أبوابه. كما أن الحافلات في القدس وغيرها من المدن مكتظة بالناس كما هي العادة. وهكذا، فمن الواضح أن الإسرائيليين لم يغيروا نمط حياتهم أو أسلوبها، وهم ليسوا في عجلة من أمرهم لإجبار نتانياهو على تغيير ذلك. كما أنهم واثقون من أن الرئيس كلينتون لن يضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي. أما حزب العمل، فهو ليس في وضع يؤهله لتعبئة أو قيادة معارضة فعالة قوية لسياسة نتانياهو المتشددة، لا سيما أن همّ الحزب الآن يتركز على الاعداد لانتخاب خلف لزعيمه الحالي شمعون بيريز في الثالث من حزيران يونيو المقبل. أما يوسي ساريد عضو الكنيست عن حزب "ميريتس" فقد تساءل ما إذا كان بناء مستوطنة جبل أبو غنيم سبباً يستحق بدء حرب مع الفلسطينيين. لكن الإسرائيليين لا ينظرون بجدية إلى تحذير ساريد. ومع ذلك فقد ردد عوزي بينزمان المعلق المعروف صدى هذا التحذير في مقالة نشرتها "هاآرتس" تحت عنوان: "تحذير: الحرب مقبلة". وقال فيها: "ترى عناصر موثوقة في نظام الأمن الإسرائيلي أن تردي العلاقات مع الفلسطينيين سيقود إلى حرب معهم". وطالب بينزمان باجراء نقاش شعبي علني على جناح السرعة لتقرير ما إذا كانت إسرائيل مستعدة "لدفع الثمن بالدماء" من أجل بناء "هار حوما". لكن الإسرائيليين لا يبدو عليهم أي قلق من احتمال نشوب حرب، أقله حتى الآن.