فيما كان وزير الدفاع الايراني محمد فروزنده ينقل في دمشق تأكيدات ايرانية بدعم سورية لمواجهة الضغوط الاسرائيلية، وتمكينها من استعادة الاراضي العربية المحتلة والحقوق الفلسطينية، كان اعلاميون سوريون يلحظون "انزعاجاً" من خلال زملائهم الايرانيين المقربين من القيادة الايرانية بسبب مشاركة دمشق في المفاوضات مع الدولة اليهودية "غير الشرعية". واذا كانت زيارة نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع لطهران الشهر الماضي لم تبدد "القلق" الايراني ازاء الموقف السوري في اجتماع دول "اعلان دمشق" المؤيد للامارات في نزاعها مع ايران على الجزر الثلاث في الخليج، كما كشف الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني، وكما هو حال الصحافة الايرانية التي ما انفكت توجه الانتقاد لسورية في هذا الخصوص، فإن الوفد الاعلامي السوري نجح في مهمته "ايرانياً" لكنه فشل في حشد الاعلام الايراني لمصلحة نظرية التفاوض مع اسرائيل، وعلى رغم "الغزل" الرسمي ب "العلاقات الاستراتيجية" فإن لقاءات الاعلاميين السوريين في طهران اظهرت عمق الفجوة بين البلدين في شأن عملية التسوية السلمية مع اسرائيل. عسكري بدلاً من السياسي وفي دمشق، كانت الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الايراني اكثر من لافته اقليمياً ودولياً لأن المسؤول العسكري الايراني وهو خبير في حرب العصابات ومعارك تحرير المدن اثناء مسؤولياته القيادية السابقة في الحرس الثوري حرص على زيارة مدينة القنيطرة، في الجانب السوري من الجولان المحتل، وأطلق من هناك تصريحاً عن دعم ايران الكامل لسورية في جهودها الرامية الى استعادة الاراضي العربية المحتلة والحقوق الفلسطينية. ونقل الوزير الايراني خلال استقبال الرئيس حافظ الاسد له رسالة من الرئيس رفسنجاني، حسب المصادر الايرانية الرسمية، واخرى من المرشد علي خامنئي، حسب الاذاعة السورية، وسيطر الدعم والتأييد الايراني لسورية على محادثات فروزنده مع المسؤولين السوريين. لكن الزيارة دفعت المراقبين الى التساؤل عن مغزى ارسال ايران مبعوثاً عسكرياً الى سورية في مثل ظروف الحديث عن احتمال استئناف المفاوضات على المسار السوري، مع أنها ترسل عادة سياسيين على غرار وزير الخارجية. لكن الاوساط الرسمية قلّلت من اهمية الحديث عن "توقيت الزيارة" واشارت الى انها تقررت مع مواضيعها منذ 26 كانون الثاني يناير الماضي في لقاء السفير الايراني في دمشق محمد حسن أختري مع وزير الدفاع العماد مصطفى طلاس. ونقلت الاوساط ان المحادثات التي اجراها فروزنده في دمشق "ضرورية في اطار التشاور" حول شؤون تهمّ البلدين حيث ترى طهران ان الوقوف الى جانب دمشق من شأنه ان يعزز موقفها الرافض للتسوية مع اسرائيل، وان إطالة أمد المفاوضات سيوفر المناخ المطلوب لردّ الاتهامات الاميركية والاسرائيلية لطهران. استراتيجية إلى الأبد واعتبر طلاس في تصريحات ادلى بها لصحيفة "كيهان" ان العلاقات بين ايران وسورية "ستبقى استراتيجية الى الأبد"، واصفاً الجيش الايراني بأنه "صديق وحليف". اما فروزنده فقال للصحيفة ذاتها ان محادثاته في دمشق ستزيد العلاقات بين البلدين متانة وتمنحها دفعة قوية، مشيراً الى انه توصل الى تفاهم لتعزيز التعاون الدفاعي. ووصف فروزنده - مثلما فعل الرئيس رفسنجاني - سورية بأنها تقف في خط الجبهة الامامية للمواجهة مع اسرائيل "ومن الطبيعي فإن تواجد وزير الدفاع الايراني الى جانب وزير الدفاع السوري يمكن ان يثير قلق اعداء الاسلام بالدرجة نفسها التي يسر بها عشاق الاسلام والمسلمين في المناطق الاسلامية" على حد تعبير فروزنده الذي اكد "ان للأمرين اثراً مهماً في رسم الخريطة السياسية اقليمياً ودولياً". تحالف هش؟ اما في طهران فاكتسبت المحادثات الايرانية - السورية في الواقع الاعلامي اهمية اخرى على خلفية الحملة الصحافية الايرانية على سورية، خصوصاً في موضوع الجزر، وكذلك حول مفاوضات التسوية مع اسرائيل. واعتبرت الصحافة الايرانية ان التحالف الاستراتيجي بين طهرانودمشق ليس سوى "وهم"، لأن دمشق "عندما تسترجع الجولان سرعان ما تدير الظهر لايران وحزب الله" في لبنان، على حد ما جاء في تحليل بثته وكالة الانباء الايرانية. ويبدو ان دمشق شعرت بأهمية دور الصحافة الايرانية وتأثيرها الكبير على صنّاع القرار، لذلك ارسلت وفداً اعلامياً الى ايران لمناقشة الاعلاميين الايرانيين في موضوع العملية السلمية في محاولة لوقف الحملات الصحافية التي تتكرر ضد سورية كلما ارتفعت وتيرة الحديث عن "تقدم" ولو غير ملموس في السعي نحو استئناف المفاوضات مع اسرائيل. عتب سوري وفي اجتماع ضم كلاً من رئيس تحرير صحيفة "تشرين" محمد الوادي ورئيس تحرير "الثورة" عميد الخولي، ورئيس تحرير مجلة "دنيا العرب" احمد الكنعاني، ونائب رئيس العلاقات الخارجية في وزارة الاعلام السورية احمد علي، اضافة الى حسين شريعتمداري الذي ينوب عن مرشد الثورة في الاشراف على الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الصادرة عن مؤسسة "كيهان"، تطرق الحديث الى "عتب سوري" مما تنشره الصحف الايرانية من انتقادات ضد سورية، فشرح شريعتمداري "القدر الكبير من الحرية الذي تتمتع به الصحف الايرانية، اذ هي لا تتردد في توجيه النقد لكبار المسؤولين الايرانيين وتتعرض بذلك الى المساءلة القانونية في المحاكم التي عادة ما تصدر احكامها بالبراءة". وتطرق حديث الاعلام السوري والايراني الى الموقف من عملية التسوية، وأوضح الاعلاميون السوريون ان سورية تسعى لاستعادة الأراضي العربية المحتلة من دون تقديم تنازلات "واذا لم تتوصل الى نتيجة من خلال المفاوضات فستتبع أساليب اخرى" مثلما قال رئيس تحرير "الثورة". لكن شريعتمداري القريب جداً من خامنئي أكد ان الطرف الآخر في المفاوضات اسرائيل لا يملك المشروعية والقانونية لأنه وجود غير شرعي وغير قانوني "وان المفاوضات معه تعتبر سالبة بانتفاء الموضوع". وأضاف: "نحن نعتقد استناداً الى القوانين الراهنة والمشروعيات الدولية ان الجغرافيا السياسية للعالم لا تضم دولة باسم اسرائيل… وان أية مفاوضات تتم مع هذا النظام تعد خطوة أولى مهمة في توفير الاعتراف بما يسمى حاكمية الصهاينة في فلسطينالمحتلة". مراوحة المفاوضات وعن نقاط الافتراق والالتقاء بين وجهات نظر البلدين من العملية أوضح شريعتمداري ان ايران تدرك انه لا يمكن مقارنة الموقف السوري من موضوع التسوية مع مواقف عربية اخرى، "فالفرق بينهما أساسي ونحن نقدر ذلك". وحاول عميد الخولي تطمين ايران بقوله ان سورية "دخلت خط المفاوضات لوقف التحرك السياسي الاسرائيلي ونياته العدوانية ولفضح اسرائيل. ولن نقدم أية تنازلات أو مكاسب سياسية وغيرها لاسرائيل"… "… والمفاوضات معها تراوح مكانها"… "لسنا في حال سلام مع اسرائيل". وعلى أية حال فإن العلاقات الايرانية - السورية تبقى أفضل من غيرها في موضوع علاقات ايران العربية. فالتعاون بين طهرانودمشق سيستمر على رغم نقاط الاختلاف، وهي قليلة اذا قيست بنقاط الالتقاء